وافق طرفا الصراع على السلطة في السودان على هدنة ثالثة مدتها 3 أيام هدفها إجلاء الأجانب من البلاد، فماذا يعني ذلك لمسار الحرب الطاحنة؟ ومن المستفيد؛ الجيش بقيادة البرهان أم الدعم السريع بقيادة حميدتي؟
كان السودان قد شهد، منذ يوم 15 أبريل/نيسان، انفجاراً عنيفاً في الموقف المتوتر بين الرجلين القويين المتنافسين على السلطة في البلاد: الجنرال عبد الفتاح البرهان، الحاكم الفعلي للبلاد وقائد القوات المسلحة السودانية، والجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف على نطاق واسع باسم حميدتي، الذي يقود قوات الدعم السريع، حيث بدأت حرب شوارع في الخرطوم، ثم امتدت إلى جميع أنحاء البلاد.
وبعد أن فشلت جهود إقناعهما بوقف إطلاق النار، وافق طرفا الصراع مساء الإثنين على هدنة جديدة لمدة 72 ساعة اعتباراً من الثلاثاء 25 أبريل/نيسان، لإفساح المجال للدول الغربية والعربية والآسيوية لإجلاء رعاياها من البلاد.
ماذا يعني "الإجلاء" لمسار الصراع في السودان؟
هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها الإعلان عن هدنة في السودان، لكن يبدو أنها قد تكون مختلفة عن المرات السابقة التي لم يلتزم الجانبان فيها باتفاقيات الهدنة المؤقتة، حيث بدت الخرطوم أكثر هدوءاً في الساعات الأولى من صباح الثلاثاء بالفعل، بعد أن كانت أصوات المدافع والقنابل والرصاص لا تتوقف تقريباً.
وقال الجيش السوداني إن الولايات المتحدة والسعودية توسطتا في الهدنة، وكان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أعلن الاتفاق أولاً وقال إنه جاء بعد يومين من المفاوضات المكثفة.
وقال بلينكن في بيان: "خلال هذه الفترة، تحث الولايات المتحدة القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع على الالتزام بوقف إطلاق النار بشكل فوري وكامل". وأضاف أن الولايات المتحدة ستنسق مع الشركاء الإقليميين والدوليين والمدنيين السودانيين المعنيين لتشكيل لجنة تشرف على جهود التوصل لوقف دائم لإطلاق النار ووضع الترتيبات الإنسانية.
وأكدت قوات الدعم السريع في الخرطوم موافقتها على وقف إطلاق النار اعتباراً من منتصف الليل لتسهيل الجهود الإنسانية. وقالت: "نؤكد التزامنا خلال فترة الهدنة المعلنة بالوقف الكامل لإطلاق النار"، بحسب رويترز.
وقال الجيش السوداني بصفحته على فيسبوك إنه أيضاً وافق على اتفاق الهدنة. ورحب بأنباء الهدنة ائتلاف من منظمات المجتمع المدني السودانية كان قد شارك في مفاوضات انتقال البلاد إلى الديمقراطية. وقبل الإعلان عن الهدنة، قال مراسل لرويترز إن مدينة أم درمان شهدت ضربات جوية وقتالاً برياً كما وقعت اشتباكات في العاصمة الخرطوم.
وإذا ما صمدت الهدنة لمدة الأيام الثلاثة، من المفترض أن يكون ذلك مؤشراً طيباً على إمكانية التوصل إلى وقف الحرب والعودة إلى مائدة المفاوضات، إلا أن هذا الاحتمال يبدو بعيداً للأسف.
ففي بداية اندلاع القتال، لم تسارع الدول إلى إجلاء رعاياها، وأعلنت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على لسان بلينكن أنه لا توجد خطط لإجلاء الرعايا الأمريكيين وأن الجهود الدبلوماسية مكثفة بهدف "الوقف الفوري للقتال" والبحث عن مخرج سياسي للأزمة.
إلا أن الموقف الآن أصبح مختلفاً تماماً، فالغرض الوحيد من هذه الهدنة هو إفساح المجال للدول لإجلاء رعاياها من السودان، وهي العملية التي تجري الآن على وجه السرعة، براً وجواً وبحراً، وكأن إعصاراً يوشك أن يعصف بالبلاد ومن يستطيع الهروب منه يفعل ذلك، فماذا عن السودانيين أنفسهم؟
وتعمل الحكومات الأجنبية على نقل مواطنيها لبر الأمان، ونقلت قافلة مؤلفة من 65 مركبة عشرات الأطفال إلى جانب مئات الدبلوماسيين وعمال الإغاثة في رحلة طولها 800 كيلومتر تستغرق 35 ساعة من العاصمة الخرطوم إلى بورتسودان على البحر الأحمر، استعداداً للإجلاء بحراً إلى جدة في السعودية.
كان القتال قد هدأ قليلاً خلال مطلع هذا الأسبوع، وهو الأمر الذي سمح للولايات المتحدة والمملكة المتحدة بإجلاء موظفي سفارتيهما، مما أدى إلى تسارع عمليات إجلاء مئات الرعايا الأجانب من قِبَل دول أخرى من بينها دول خليجية وروسيا واليابان وكوريا الجنوبية.
وقالت اليابان إنها أجْلَت جميع مواطنيها الذين أبدوا رغبة في مغادرة السودان. وقالت باريس إنها رتبت لإجلاء 491 شخصاً من بينهم 196 فرنسياً والباقي من 36 جنسية أخرى، وإن سفينة حربية فرنسية في طريقها إلى بورتسودان للمساعدة في نقل المزيد من الأشخاص الذين تم إجلاؤهم.
وأجْلَت أربع طائرات تابعة لسلاح الجو الألماني أكثر من 400 شخص من جنسيات مختلفة من السودان حتى أمس الإثنين بينما قالت وزارة الخارجية السعودية أمس إنها أجلت 356 شخصاً منهم 101 سعودي وأشخاص من 26 جنسيه أخرى.
وأرسلت عدة دول طائرات عسكرية من جيبوتي. وأظهرت صور تكدس أسر وأطفال على متن طائرات عسكرية إسبانية وفرنسية. وكانت مجموعة من الراهبات ضمن من جرى إجلاؤهم على متن طائرة إيطالية.
مَن المستفيد من الهدنة "الهشة"؟
المؤشر الأبرز لعمليات الإجلاء المتسارعة هذه هو أنه باتت هناك قناعة بأن العودة إلى طاولة المفاوضات في السودان باتت غير واردة وأن الصراع سيتواصل وعلى الأرجح بصورة أشد ضراوة، مما يطرح سؤالاً بديهياً بشأن المستفيد من بين طرفي الصراع من هذه الهدنة؟
ويرى أغلب الخبراء أن الصراع على السلطة في السودان تحوَّل إلى معادلة صفرية تماماً بين حميدتي والبرهان، بمعنى أن كليهما يدرك الآن أن استمراره لن يتم إلا بإزاحة الآخر.
وفي هذا السياق، سيستغل كل منهما تلك الهدنة لتقوية موقفه العسكري على الأرض وجلب المزيد من الأسلحة استعداداً لحرب قد تمتد شهوراً وربما سنوات. هاجر علي، الباحثة في المعهد الألماني للدراسات العالمية والمناطقية، قالت لشبكة DW الألمانية إن كفة الطرفين تعتبر متساوية من الناحية العسكرية، مشيرة إلى أن الأمر الحاسم يتمثل في "النسبية وليس الحجم المطلق بين القوتين".
وأضافت أن "قوام قوات الدعم السريع يقدر ما بين 70 ألفاً و150 ألف مقاتل في حين يتراوح تعداد الجيش ما بين 110 آلاف و 120 ألف عنصر يخدمون في الجيش بشكل فعلي".
أما ياسر زيدان، الباحث والمحاضر في الجامعة الوطنية في السودان، فقال إن الجيش السوداني يمتلك مجموعة أوسع من الأسلحة مقارنة بقوات الدعم السريع، مضيفاً أن "عتاد الجيش العسكري أفضل، فضلاً عن امتلاكه مروحيات قتالية وكتائب مختلفة".
ورغم ذلك، أشار الخبير في الشأن السوداني إلى أن قوات الدعم السريع "مجهزة بشكل أفضل للانخراط في حرب الشوارع والمدن بفضل امتلاكها مركبات صغيرة مزودة بمدافع رشاشة".
ويرى زيدان أنه في حالة تمكن البرهان أو حميدتي من تحقيق انتصار عسكري محتمل، رغم صعوبة ذلك، فإن كليهما "لن يكون بمقدوره حكم البلاد بشكل منفرد نظراً إلى افتقارهما لقاعدة سياسية داعمة لأي منهما".
أما بشأن سؤال مَن منهما قد يستفيد أكثر من الهدنة؟ فلا أحد يمكنه تقديم إجابة قاطعة بطبيعة الحال. فحميدتي، الذي يحظى بدعم الإمارات وروسيا وخليفة حفتر في شرق ليبيا، يمتلك أموالاً طائلة بفضل سيطرته على الذهب السوداني في منطقة جبل عامر، ومن ثم يمكنه الاعتماد على إمدادات مستمرة من السلاح، كما قد يستغل الهدنة في إعادة تموضع قواته المتمركزة داخل الأحياء السكنية في الخرطوم.
على الجانب الآخر، يمتلك الجيش بقيادة البرهان أفضلية نسبية من خلال سلاح الطيران، لكن مدى قدرته على توظيف ذلك السلاح ميدانيا سيظل مقيدا بطبيعة الحال، في ظل وجود قوات الدعم السريع، المتنقلة وسريعة الحركة، بين المدنيين. لكن سيكون هذا السلاح الجوي فعالاً في استهداف خطوط الإمداد لقوات الدعم السريع وربما يتمكن من حرمان تلك القوات من تسلّم أسلحة جديدة.
ماذا عن المدنيين السودانيين؟
لا شكَّ أن المدنيين السودانيين هم الضحية الأكبر لهذا الصراع، وبالتالي فإن هذه الهدنة تحديداً تأتي بمثابة ضربة قاصمة لهم، وبخاصة لهؤلاء الذين لا يمتلكون القدرة على النجاة بأنفسهم من الجحيم المنتظر. فالهدنة الحالية هدفها إجلاء الأجانب وإبعادهم عن نيران المعارك، وموافقة طرفي الصراع عليها يرسل رسالة جديدة للسودانيين بأنه لا أحد، ولا حتى قادتهم المتصارعين على السلطة، يعبأ بسلامتهم أو بحياتهم.
وقد فر عشرات الآلاف، من بينهم سودانيون ومواطنون من بلدان مجاورة، في الأيام القليلة الماضية إلى دول مثل مصر وتشاد وجنوب السودان، رغم حالة عدم الاستقرار والظروف المعيشية الصعبة هناك.
ويزداد الوضع قتامة بالنسبة لأولئك الذين بقوا في ثالث أكبر دولة إفريقية، حيث كان ثلث السكان البالغ عددهم 46 مليوناً بحاجة إلى مساعدات إنسانية من قبل اندلاع العنف.
فرحان حق، نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة، قال لرويترز إن هناك نقصاً حاداً في الأغذية والمياه النظيفة والأدوية والوقود وتغطية محدودة لشبكات الاتصالات، وانقطاعاً في الكهرباء مع ارتفاع شديد في الأسعار.
وأشار إلى أنباء عن وقوع عمليات نهب للمساعدات الإنسانية وقال إن "القتال المحتدم" في الخرطوم وولايات النيل الأزرق والشمالية وشمال كردفان ودارفور يعطل عمليات الإغاثة.
وكانت منظمات الإغاثة من بين الجهات التي سحبت موظفيها بسبب الهجمات. وعلق برنامج الأغذية العالمي مهمته لتوزيع الغذاء، وهي واحدة من أكبر مهمات توزيع الغذاء في العالم.
وقال سليمان عوض الأكاديمي البالغ من العمر 43 عاماً والذي يسكن في منطقة بأم درمان تعرضت للقصف يوم الإثنين إن "الإجلاء السريع للرعايا الغربيين يعني أن البلاد على شفا الانهيار. لكننا نتوقع دوراً أكبر منهم في دعم الاستقرار من خلال الضغط على الجانبين لوقف الحرب".