يمتد الصراع والتوترات المتصاعدة بين إيران وأذربيجان لعقود طويلة، وفي كل مرة تحاول كل من طهران وباكو احتواء أزماتهما، والتقليل من حدة الصراع دون إنهائه بشكل كامل. لكن شهدنا في الفترة الأخيرة سلسلة من التطورات السريعة التي أدت إلى ارتفاع وتيرة التوترات بين البلدين.
ففي أواخر شهر مارس/آذار 2023، قامت باكو بافتتاح سفارتها في تل أبيب، وكانت هناك محاولة لاغتيال نائب برلماني أذربيجاني عُرف بانتقاده لطهران، انتهاءً بعملية إطلاق النار من قبل مسلح إيراني على ضابط الأمن الخاص بالسفارة الأذربيجانية في العاصمة الإيرانية طهران، وإصابة آخرين، ما دفع باكو إلى إغلاق سفارتها "مؤقتاً" في إيران.
وتأتي وسط كل هذا مشكلة إصرار أذربيجان على المضي قدماً في مشروع "ممر زانجيزور" لتصل درجة التوتر إلى حدودها القصوى، والتي تنذر بتبعات كبيرة قادمة.
فما هي قصة هذا الممر؟ وما الضرر الواقع على إيران بسببه؟ وهل يتطور الأمر إلى صراع عسكري بين إيران وأذربيجان؟
عمل عسكري إيراني ضد جمهورية أذربيجان؟
علي ضوء الخلفية السابقة، وتاريخ العلاقة المتوترة بين طهران وباكو، علم "عربي بوست"، من مصادر إيرانية مطلعة، أن هناك تفكيراً وآراءً داخل مؤسسة القيادة الإيرانية، للقيام بعمل عسكري ولو كان محدوداً ضد جمهورية أذربيجان، لمنع الأخيرة من تحركاتها ضد ما أطلقت عليه المصادر الإيرانية "اختراقاً للأمن القومي الإيراني".
في هذا الصدد، يقول مصدر مقرب من الحرس الثوري الإيراني، لـ"عربي بوست": "التقارب الأخير بين باكو وتل أبيب بعد فتح سفارة أذربيجان في إسرائيل، والتحدث عن إقامة حلف أذربيجاني إسرائيلي لما سمّوه مواجهة إيران، بالإضافة إلى مسألة تصميم جمهورية أذربيجان على المضي قدماً في مسألة ممر زانجيزور، خلق اتجاهاً بين القيادات الإيرانية للتفكير في مسألة القيام بعمل عسكري محدود ضد جمهورية أذربيجان".
يذكر أن المسؤولين الإيرانيين يصممون على استخدام اسم "جمهورية أذربيجان"، بدلاً من أذربيجان فقط، للتفريق بينها وبين أذربيجان الإيرانية في شمال غربي إيران.
وأضاف المصدر ذاته قائلاً: "لقد حذرنا الحكومة في باكو مراراً وتكراراً من مسألة ممر زانجيزور، لكن لدينا معلومات استخباراتية قوية بأنهم لم يتراجعوا عن موقفهم بشأن هذا الممر".
لكن.. ما هو ممر "زانجيزور" الذي يُثير غضب طهران؟
تخطط باكو إلى إنشاء ممر في مقاطعة سيونيك (SYUNIK)، الواقعة في أقصى جنوب أرمينيا، باسم ممر زانجيزور (Zangezur)، وهو عبارة عن خط سكك حديدية يرتبط بخطوط السكك الحديدية الواقعة في أذربيجان من جهة ومنطقة ناخيتشيفان (Nakhchivan) ذات الحكم الذاتي والتابعة لأذربيجان.
ترغب كل من أذربيجان وتركيا في إقامة هذا الممر، ليكون حلقة الوصل بين منطقة ناخيتشيفان (Nakhchivan) الأذربيجانية، والبر الرئيسي الأذربيجاني، كون منطقة ناخيتشيفان مفصولة عن البر الرئيسي لأذربيجان. وقد أطلقت أنقرة علي هذا الممر الذي يتم التخطيط لإنشائه اسم "العالم التركي".
في هذا الصدد، يقول مسؤول أمني إيراني رفيع المستوى، في حديثه لـ"عربي بوست"، إن ممر زانجيزور من شأنه أن يقطع الطريق الوحيد أمام إيران للعبور إلى جنوب القوقاز ومنه إلى روسيا وأوروبا، "ستخسر إيران الكثير بإنشاء هذا الممر، لذلك تعتبره طهران تهديداً لأمنها القومي"، على حد قوله.
من وجهة نظر أذربيجان فإن إنشاء ممر زانجيزور، في مقاطعة سيونيك الأرمينية، سيوفر لها الوصول الآمن والسريع إلى منقطة ناخيتشيفان المتمتعة بالحكم الذاتي، خاصة أن الحدود بين أذربيجان وأرمينيا مازالت مغلقة، وهذا يستلزم من القوافل التجارية الأذربيجانية العبور من خلال إيران للوصول إلى ناختشيفان ومن ثم الخروج منها.
بالنسبة لتركيا، فإن ممر زانجيزور، الذي يتم التخطيط لإنشائه، سيكون معبراً آمناً وسريعاً لربط ما يسمى "منظمة الدول التركية"، وربط تركيا وآسيا الوسطى عبر أذربيجان وبحر قزوين.
روسيا.. مستفيد وضامن للاتفاق
هناك لاعب أساسي في هذا الموضوع وهو روسيا. فقد كانت موسكو هي الضامن لاتفاق وقف إطلاق النار الذي وقع بين أذربيجان وأرمينيا بعد معارك عام 2020، والتي تمكنت فيها باكو من استعادة السيطرة على مناطق في إقليم كاراباخ الذي كانت تسيطر عليه أرمينيا.
فقد أيدت موسكو باستمرار فتح الخطوط في القوقاز بعد الاتفاق كونها هي الضامن الأمني للطرق بين البلدين مثل ممر لاتشين، وهو طريق بري لنقل الأفراد والبضائع يربط أرمينيا بأذربيجان، وتشرف عليه روسيا.
بعد الحرب على أوكرانيا، بات لروسيا مصلحة أكبر في فتح هذه الخطوط بعد أن تم قطع خطوط إمدادها نحو أوروبا، وأصبحت روسيا مهتمة بشدة بفتح خطوط النقل عبر أرمينيا للحصول على طرق نقل إضافية مع تركيا.
لذلك، تضغط روسيا على أرمينيا من أجل إتمام هذا الممر، وربما تجدها أرمينيا فرصة لتعزيز أهميتها في نظر روسيا، بحيث تستطيع الأخيرة مساعدتها في التوصل إلى اتفاق مع أذربيجان.
بهذه الطريقة ستتمكن روسيا من السيطرة على ممرين في وقا واحد، أحدهما يربط أرمينيا بـ"كاراباخ" والآخر يربط أذربيجان بـ"ناخيتشيفان"، ومن ثم يزداد اعتماد الدولتين عليها.
بالنظر إلى أن بنود اتفاق وقف إطلاق النار عام 2020 المتعلقة بالنقل كانت خطوطاً عامة دون تفاصيل محددة، فإنها أفضت لظهور تأويلات مختلفة للأمر، وهو ما يسبب مشاكل حالياً بين باكو ويريفان.
إيران الخاسر الأكبر
لكل ما سبق، يتضح أن الخاسر الأكبر من وراء هذا الممر، سيكون الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
يقول المصدر المقرب من الحرس الثوري الإيراني، لـ"عربي بوست": "إنشاء ممر زانجيزور سيكون بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير في العلاقة بين طهران وباكو. حاولت القيادة الإيرانية على طول العقود الماضية أن تحتوي خلافاتها مع جمهورية أذربيجان، لكن على ما يبدو باكو مصرة على تطوير هذه الخلافات، والمجيء بها على حدودنا".
وأضاف المصدر ذاته أنه في الآونة الأخيرة كانت هناك اجتماعات مكثفة بين قادة الحرس الثوري، والمسؤولين الأمنيين والسيد علي شمخاني، لمناقشة الرد الإيراني في حال إنشاء هذا الممر، "كانت أغلب الآراء في هذه الاجتماعات تميل إلى فكرة التأكيد على سيادة إيران على حدودها، وحمايتها لأمنها القومي، حتى ولو وصل الأمر إلى عمل عسكري ضد جمهورية أذربيجان، مع دراسة العواقب بالتأكيد".
تعتمد إيران بشكل كبير في نقل صادراتها إلى دول البحر الأسود، على حدودها مع أرمينيا، كما أن مقابل وصول الصادرات الإيرانية إلى أوروبا عن طريق تركيا، أن تمنح طهران أنقرة وصولاً إلى تركمانستان ودول آسيوية أخرى.
لكن بإنشاء ممر "زانجيزور"، ستتجاوز تركيا الطريق البري في إيران بشكل كامل، ما يعرض الأخيرة لخسائر اقتصادية لا تستطيع دفع ثمنها في ظل العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة.
التغيير الجغرافي على الحدود.. يهدد الأمن القومي الإيراني
تصف إيران محاولة كل من أنقرة وباكو إنشاء ممر زانجيزور، بأنه تهديد للأمن القومي الإيراني. يقول مسؤول أمني إيراني ثانٍ لـ"عربي بوست": "إيران ترفض أي تغيير جغرافي على حدودها المفتوحة مع أرمينيا. من شأن ممر زانجيزور أن يفصل إيران تماماً عن دول القوقاز، ما سيعرض البلاد إلى خسائر اقتصادية فادحة، ويعرّض أمنها للخطر".
في السياق نفسه، يرى المحلل الاستراتيجي المقيم بطهران سروش دهقاني، أن إنشاء ممر زانجيزور يعني إضافة المزيد من أدوات القوة والنفوذ على إيران من قبل أذربيجان وتركيا.
وقال لـ"عربي بوست": "إنشاء هذا الممر، سيكون بمثابة ورقة ضغط كبيرة على إيران من قبل باكو وأنقرة، لأنه سيحد من وصول إيران إلى دول آسيا الوسطى وجنوب القوقاز، ولن تقبل القيادة الإيرانية بحدوث مثل هذا الأمر، لذلك فإن الحديث عن التعامل بالقوة في مواجهة باكو، ينال موافقة العديد من القادة العسكريين داخل إيران".
العامل الإسرائيلي في توتر العلاقات بين باكو وطهران
ليست نية أذربيجان في إنشاء ممر زانجيزور وفصل إيران عن آسيا الوسطى وجنوب القوقاز هو العامل الوحيد في تصاعد التوترات بين البلدين، فتقوية العلاقات بين باكو وتل أبيب يثير غضب المسؤولين الإيرانيين خاصة في الفترة الأخيرة، مع افتتاح أذربيجان لسفارتها في إسرائيل في شهر مارس/آذار 2023.
في هذا الصدد، يقول المسؤول الأمني الإيراني الثاني لـ"عربي بوست": "منذ حرب قره باغ الثانية في 2020، وإسرائيل تزيد من نفوذها داخل جمهورية أذربيجان، فقد أمدت تل أبيب باكو بالأسلحة والمعلومات في هذه الحرب، كما أن التعاون الأمني والاستراتيجي بينهما والموجه ضد إيران، يزيد من خطر تهديد الأمن القومي الإيراني"، على حد قوله.
وأضاف المصدر: "المصالح الاقتصادية بين إسرائيل وجمهورية أذربيجان آخذة في التزايد، كما أننا نملك معلومات عن خلايا للموساد داخل باكو، عملها الوحيد هو تهديد الأمن القومي الإيراني. تواصلنا مع المسؤولين الأمنيين في باكو للتحذير من هذه التصرفات، لكنهم على ما يبدو لا يستمعون جيداً".
تجدر الإشارة هنا إلى أن الدبلوماسيين الأذربيجانيين والإسرائيليين أثناء افتتاح سفارة أذربيجان في تل أبيب، تحدثوا في مؤتمر صحفي عن تعاون ثنائي بين البلدين لمواجهة إيران، كما تعد أذربيجان المورد الرئيسي للنفط إلى إسرائيل.
يرى المحلل الاستراتيجي الإيراني سروش دهقاني أن العلاقة المتنامية بين إسرائيل وأذربيجان، هي أهم ما يقلق الجمهورية الإسلامية في الوقت الحالي، فيقول لـ"عربي بوست": "لن تقبل إيران بوجود إسرائيلي على حدودها مع أذربيجان، وتسعى بشتى الطرق لمواجهة هذا الأمر، الذي يعد بمثابة صداع كبير في رأس القيادة الإيرانية".
استعراض للقوة، وتحذير إيراني لأذربيجان
قام الحرس الثوري الإيراني والجيش الإيراني بتدريبات عسكرية براً وبحراً وجواً، على طول الحدود الإيرانية الأذربيجانية، بالإضافة إلى إنشاء ممر مائي على نهر آراس، بطول الحدود المشتركة بين البلدين.
في المقابل، قامت أذربيجان بتدريبات عسكرية مشتركة مع كل من تركيا وباكستان، هي الأولى من نوعها بين البلدان الثلاثة.
يقول سروش دهقاني، المحلل الاستراتيجي الإيراني لـ"عربي بوست"، معلقاً على هذا الأمر، "التدريبات العسكرية الإيرانية، استعراض للعضلات وتحذير غير مباشر لجمهورية أذربيجان. لكن أذربيجان تحصل على الإمداد العسكري من إسرائيل، وهذا ما يجعل الأمر يزداد صعوبة على المسؤولين الإيرانيين".
وأضاف دهقاني: "علاقة إيران بأرمينيا، والتي تشمل إمدادات السلاح أيضاً، وعلاقة إسرائيل بجمهورية أذربيجان، تزيد من حدة رد الفعل الإيراني المتوقع، والشيء نفسه في الطرف الآخر. الطرفان يملكان أوراق ضغط تجاه بعضهما، واستعراضات القوة من الطرفين، من الممكن أن تنقلب إلى فعل حقيقي في أي وقت".
هل تستطيع روسيا تهدئة التوترات بين أذربيجان وإيران؟
منذ سنوات تحاول موسكو لعب دور الوسيط بين باكو وطهران، من أجل ضمان عدم تطور الأمور إلى الأسوأ. لكن في الآونة الأخيرة، وبحسب المصادر الإيرانية التي تحدثت لـ"عربي بوست"، توجد شكوك إيرانية تجاه قدرة روسيا على تقليل حدة التوتر بين إيران وأذربيجان.
في هذا الصدد، يقول المسؤول الأمني الإيراني الأول، لـ"عربي بوست"، "علاقاتنا بموسكو تزداد قوة. كما أن إيران معبر مهم لوصول روسيا إلى إلى دول الخليج وبحر عمان، وهذا المعبر ازدادت أهميته بعد الحرب الأوكرانية، نتيجة للعقوبات الغربية ضد موسكو. لكن كل هذا لا يضمن الوساطة الروسية لتهدئة التوترات مع جمهورية أذربيجان".
وأضاف: "لكن كما ضاعفت الحرب الأوكرانية أهمية معبر إيران لدى روسيا، لوصولها لدول الخليج، فقد أدى انشغال روسيا في حربها في أوكرانيا إلى تقوية ما يطلق عليه محور باكو-أنقرة، وسط الغياب الروسي المؤقت".
وأشار المسؤول الأمني الإيراني إلى أن غياب الدور الروسي في التهدئة بين إيران وأذربيجان من الممكن أن يشجع الأخيرة على إنشاء ممر زانجيزور رغم كل التهديدات والاعتراضات الإيرانية.
"الدور الروسي مهم لضمان عدم انزلاق الأمور إلى الأسوأ، لكن لدينا شكوك قوية في الرغبة الروسية لتهدئة التوترات، سواء كانت نتيجة لانشغالها في حرب أوكرانيا أو لأسباب أخرى. ومعنى ذلك تزايد إمكانية اتجاه إيران لحماية حدودها بأي طريقة ممكنة".
هل يمكن للعامل الاقتصادي تقليل الصراع بين أذربيجان وإيران؟
مع تزايد التكهنات داخل إيران، باقتراب لجوء طهران إلى عمل عسكري محدود ضد أجزاء من الأراضي الأذربيجانية، في محاولة لمنع باكو من إنشاء ممر زانجيزور، بالإضافة إلى العوامل العديدة التي تزيد من قوة هذه التكهنات، لا يمكن إغفال العامل الاقتصادي والعلاقات التجارية بين طهران وباكو، والتي من شأنها أن تؤخر عملية المواجهة بين البلدين.
في هذا الصدد، يقول حسين أمير الباحث السياسي الإيراني المختص في منطقة آسيا وبلاد القوقاز، لـ"عربي بوست"، إن العلاقات التجارية بين باكو وطهران، من أقوى العوامل التي عملت على تأجيل المواجهة العسكرية بين الطرفين إلى الآن، فإن أكثر من 60% من الصادرات الإيرانية لجنوب القوقاز تذهب إلى جمهورية أذربيجان، وحجم التجارة آخذ في الزيادة بحسب الإحصاءات والبيانات الرسمية من البلدين.
"لذلك أرى أنه من الصعب أن تغامر إيران بمثل هذا الحجم من الفوائد الاقتصادية من أجل مغامرة عسكرية مع باكو"، بحسب أمير.
تقول منظمة الترويج للتجارة الإيرانية، إن حجم التجارة الثنائية بين إيران وأذربيجان زاد بنسبة 100% في يوليو/تموز 2022 مقارنة بالفترة نفسها في عام 2021. ويرى الباحث السياسي الإيراني، أنه من الصعب أن تخسر إيران مصدراً اقتصادياً كبيراً في ظل العقوبات الأمريكية المفروضة على البلاد.
"جمهورية أذربيجان شريك تجاري كبير وضخم لإيران في القوقاز، وهذه الشراكة الاقتصادية الكبيرة كانت من أهم الأسباب في محاولات البلدين السيطرة على صراعاتهم"، على حد قوله.
لكن في الوقت نفسه، لا يعوّل حسين أمير، على العامل الاقتصادي كثيراً في حالة تصميم أذربيجان على إنشاء ممر زانجيزور، فيقول لـ"عربي بوست": "ومع هذا، فإن ممر زانجيزور، سيعود بالخسارة الكبيرة على إيران، وسيمنع عنها موارد دخل كبيرة، ما يفقد عامل الشراكة التجارية بين البلدين، قوته".
صراع تاريخي ممتد
انفصلت جمهورية أذربيجان، جارة إيران الشمالية، عن إيران عام 1826 إثر معاهدة تركمنشاي، المعاهدة التي وضعت نهاية للحرب الروسية الإيرانية في ذلك الوقت. وفي عام 1991 أعلنت جمهورية أذربيجان استقلالها عن الاتحاد السوفييتي.
لكن بعد كل هذه السنوات الطويلة، مازال هناك العديد من العوامل الثقافية والمذهبية واللغوية العميقة التي تربط بين شعبي إيران وأذربيجان، وفي الوقت نفسه يتم استخدام هذه العوامل المشتركة في تبادل الاتهامات بين البلدين.
هناك أقلية أذرية كبيرة تعيش في أذربيجان شمال غربي إيران، دائماً ما كانت السبب وراء اتهام طهران لباكو بمحاولة استغلال الأقلية الأذرية الإيرانية لتحريضها على الانفصال وإثارة الفتن، وحتى تشكيل جماعات ارهابية للتجسس على طهران.
بدورها اتهمت أذربيجان السلطات الإيرانية بمحاولة تحريض الأذربيجانيين الذين يعيشون داخل الأراضي الإيرانية ضد الجمهورية الأذربيجانية.
لذلك فالعداء بين طهران وباكو له جذور عميقة، تمتد حتى إلى الشعب الإيراني، الذي يرى البعض منه، وخاصة القوميين المتشددين، أن جمهورية أذربيجان مازالت مقاطعة من ضمن المقاطعات الإيرانية، ويجب خوض حربها لضمها إلى الجمهورية الإسلامية مرة أخرى.
وعلى الرغم من أن الشعب الأذربيجاني ينتمي إلى الطائفة الشيعية، وأن الأذريين في إيران يشكلون أكبر أقلية عرقية في البلاد، إلا أن البلدين حاولا عزل الشعبين عن بعضهما، بسبب المخاوف المتبادلة من محاولات التجسس وإثارة الفتن والمشاعر الانفصالية، خاصة لدى الأذريين الإيرانيين.
وعلى مدى العقود الطويلة السابقة، استطاعت إيران وجمهورية أذربيجان، وقف تصعيد الصراع وإيقافه قبل أن يتطور إلى حرب، نتيجة للكثير من العوامل الاقتصادية والثقافية. لكن مع دخول إسرائيل عدود إيران اللدود، في علاقة قوية مع أذربيجان، ومحاولة الأخيرة تمكين أنقرة من تقوية نفوذها على إيران في منطقة القوقاز، فإنه ليس من المستبعد أن تتطور الأمور لمرحلة لا يمكن السيطرة عليها.