عندما توفيت الملكة إليزابيث الثانية أصبح الملك تشارلز عاهلاً للمملكة المتحدة و14 بلداً آخر، وكان ذلك قبل 9 أشهر، فلماذا يجري تتويجه في حفل مليء بالفخامة والعظمة وله مغزى ديني مهيب خلال مايو/أيار؟
كانت الملكة إليزابيث الثانية قد توفيت مساء الخميس، 8 سبتمبر/أيلول 2022، عن عمر 96 عاماً، ليجلس نجلها وولي العهد تشارلز على عرش المملكة المتحدة، لكن مراسم تتويج الملك تشارلز الثالث ستقام في مايو/أيار 2023، فما قصة مراسم التتويج الملكية في الأسرة الملكية الأقدم؟
تاريخ أكثر من ألف عام من التتويج
أقيمت مراسم تتويج ملوك وملكات إنجلترا وبريطانيا خلال معظم الألف عام المنصرمة في كنيسة وستمنستر في لندن، ولم تتغير المراسم كثيراً على مر القرون. وشهدت الكنيسة تتويج 38 ملكاً وملكة، ولكن لم يجر تتويج إدوارد الخامس، وهو واحد من أميرين شابين يُعتقد أنهما قُتلا في برج لندن في القرن الخامس عشر، ولا إدوارد الثامن الذي تنازل عن العرش للزواج من المطلقة الأمريكية واليس سيمبسون.
ورغم أن التتويج ليس ضرورياً ولا يوجد أي نظام ملكي آخر في العالم يقيم مراسم له على النمط نفسه، فإن حفل التتويج لملوك وملكات المملكة المتحدة يعد حدثاً رئيسياً على مر الأزمان. وقالت المؤرخة الملكية أليس هانت لرويترز. "شكل الحفل الذي سنشهده عند تتويج تشارلز الثالث يتفرد به هذا البلد، وهو فريد في استمراريته".
وينظم الحفل المسؤول الذي يشغل منصب إيرل مارشال، وهو الذي يتولى الإشراف على تنظيم المناسبات الرسمية. وظل المنصب لعدة قرون حكراً على دوق نورفولك وعائلة هوارد. ويتولى المنصب حالياً إدوارد فيتزالان هوارد، دوق نورفولك، الذي نظم أيضاً جنازة الملكة إليزابيث.
وكان تتويج الملك أمراً ضرورياً في الماضي، لكنه أصبح الآن مجرد مراسم احتفالية. وقالت هانت "في هذا البلد لا يزال التتويج مستمراً باعتباره اللحظة التي يحصل فيها الملك على الشرعية على الملأ". وأضافت "ظل (حفل التتويج) دائماً يحمل في جوهره ما يشبه لحظة تحول دينية. على الرغم من أن الملك يرث العرش بمجرد وفاة سلفه، فإن ديباجة حفل التتويج منذ وضعها في القرن الرابع عشر لا تزال توضح أن تغيراً ما يطرأ على الملك أو الملكة خلال الحفل".
وقداس التتويج هو مناسبة دينية مهيبة ومليئة بالرموز. سوف يُقسم تشارلز على الحفاظ على القانون وعلى كنيسة إنجلترا، ويجلس الملك على كرسي التتويج التاريخي، المعروف باسم كرسي الملك إدوارد، والذي يحتوي على حجر القدر، ليباركه رئيس أساقفة كانتربري، الزعيم الروحي للطائفة الأنجليكية على مستوى العالم، بالزيت المقدس الذي تم تكريسه في القدس.
وهذه هي أهم مراسم الاحتفال، وتشير إلى مباركة إلهية للملك. وقالت هانت "من السهل جداً في المراسم الدينية أن تدع ما يتردد من كلمات يطغى عليك نوعاً ما… لكن استمع إلى ما يقال حول ما يحدث في لحظة المسح (بالزيت المقدس). هذا فريد حقاً وقوي جداً وله تاريخ طويل جداً".
وسيتقلد تشارلز الكرة السلطانية والصولجانات والسيوف وخاتماً، وتشكل جميعها بزخرفاتها الذهبية الكثيرة جزءاً من مجوهرات التاج البريطاني، وترمز بطرق متنوعة إلى قوة الملك وسلطته وواجباته والقوة الإلهية.
ثم يضع رئيس الأساقفة على رأس الملك تاج القديس إدوارد الثقيل، ولن يتوج تشارلز وحده، بل ستجري مراسم تتويج أيضاً لزوجته كاميلا، لكن بصورة مصغرة وأكثر بساطة، وسيغادر تشارلز الكنيسة مرتدياً تاجاً مختلفاً، وهو تاج الدولة الإمبراطورية.
كم تبلغ ثروة الملك تشارلز الثاني؟
وفي السياق، نشرت صحيفة The Times البريطانية تقريراً يكشف عن حجم ثروة الملك تشارلز الثاني الشخصية، إذ أوضح تحليل لقائمة The Sunday Times Rich List أنَّ ثروة ملك بريطانيا الشخصية تبلغ 600 مليون جنيه إسترليني (745.3 مليون دولار أمريكي)؛ ما يجعله أكثر ثراءً من الملكة الراحلة إليزابيث الثانية، التي وصلت قيمة ثروتها إلى 370 مليون جنيه إسترليني (459.6 مليون دولار أمريكي)، وفق قائمة أغنياء بريطانيا للعام الماضي.
ووصف أحد مساعدي تشارلز السابقين كيف أعاد الملك بناء ثروته بعناية بعد تسوية طلاقه من أميرة ويلز ديانا، التي بلغت 17 مليون جنيه إسترليني (211 مليوناً و119 ألف دولار أمريكي) في منتصف التسعينيات.
وادخر تشارلز، العاهل المنتظر، بكدّ بعض الأرباح التي حصل عليها من دوقية كورنوال؛ ما أدى إلى جمعه ثروة طائلة. وتبع تشارلز بعض خيارات أسلوب الحياة المُقتَصِدَة، على الرغم من أنَّ معظمها مرتبط بالبيئة. وغالباً ما يرتدي بدلات وأحذية اشتراها منذ سنوات عديدة. وقال ذات مرة لمجلة Vogue: "أنا واحد من هؤلاء الذين يكرهون إلقاء أي شيء".
والدوقية هي ملكية خاصة بقيمة مليار جنيه إسترليني، واستثمارات أخرى يعود تاريخها إلى القرن الرابع عشر. وتشمل ممتلكاتها 130.000 فدان، و260 مزرعة، وملعب الكريكيت البيضاوي في جنوب لندن، والأرض التي يقع عليها سجن دارتمور. وهناك نوعان من الملكيات المعروفة باسم الدوقية. ويشرف على دوقية كورنوال تقليدياً وريث العرش، بينما يشرف الملك الحاكم على دوقية لانكستر.
بين عامي 2011 و2022، زاد تشارلز أرباح دوقية كورنوال السنوية بنسبة 42.6%، لتصل إلى 25.4 مليون جنيه إسترليني (31.5 مليون دولار)، وفقاً لتحليل The Times. خلال نفس الفترة، ارتفعت ثروة الدوقية بنسبة 50% تقريباً لتصل إلى 1.04 مليار جنيه إسترليني (1.29 مليار دولار).
وبين عامي 2012 و2022 وحدهما، تلقى تشارلز 212.7 مليون جنيه إسترليني (264.2 مليون دولار) من الدوقية. ومع ذلك يكمن في قلب هذه الملكية التي تبلغ تكلفتها مليار جنيه إسترليني واحدة من أكبر الالتباسات حول الشؤون المالية للملكية، فالملكيات الثلاث التي تضم الجزء الأكبر من الثروة الملكية المُقدَّرة بـ20 مليار جنيه إسترليني (24.8 مليون دولار) ليست مملوكة شخصياً للملك ولا أقربائه.
ويتعين على دوقية كورنوال ودوقية لانكستر وملكية كراون إستيت الامتثال لقواعد صارمة، إذ لم يُسمَح لتشارلز إلا بإنفاق أرباح دوقية كورنوال السنوية فقط، وكان مضطراً للحصول على موافقة وزارة الخزانة للتخلص من أية أصول تزيد قيمتها عن 500 ألف جنيه إسترليني (621150 دولاراً أمريكياً). ومُنِع أيضاً من الحصول على أرباح رأس المال المصرفي شخصياً من أية عملية بيع للعقارات.
وصية الملكة إليزابيث الثانية
بينما ملكية كراون إستيت، التي تضم 15.6 مليار جنيه إسترليني (ما يزيد على 19 مليار دولار) من الثروة الملكية، مملوكة لتشارلز فقط "بصفته الملكية".
وتُدفَع الأرباح السنوية لوزارة الخزانة، وليس للملك، الذي يتلقى 25% منها من مستشار الخزانة. وتمول هذه النفقات الأسرة المالكة وفق قانون المنحة السيادية.
ولا يستطيع تشارلز بيع أصول ملكية كراون إستيت؛ فهي مستقلة عن العائلة المالكة، حسبما تؤكد المؤسسة التي يبلغ عمرها ما يقرب من 1000 عام على موقعها على الإنترنت.
وتنطبق قواعد مماثلة على دوقية لانكستر، التي سيطر عليها الملك منذ وفاة والدته. وتمتلك 652.8 مليون جنيه إسترليني (810.9 مليون دولار) من الأصول الصافية وتعود إلى القرن الرابع عشر. ويمتلك صندوق استئماني المجموعة الملكية، التي تتكون من أكثر من مليون لوحة وتماثيل ومنحوتات وكتب وقطع من المجوهرات وغيرها من الأشياء الثمينة.
وقال المؤلف روبرت هاردمان، الذي يُنشَر كتابه عن السيرة الذاتية للملكة الراحلة إليزابيث "Queen of Our Times- ملكة العصر" هذا الأسبوع: "الكثير من الناس مرتبكون بشأن الشؤون المالية للملكية، ويظنون خطأً أنَّ [العائلة المالكة] تمتلك بصفة شخصية كراون إستيت ودوقتي لانكستر وكورنوال. بكل صدق، ترتيباتهم المالية ليست في الحقيقة معقدة مثل الخاصة بالعديد من العائلات الملكية والحكام في البلدان الأخرى، التي غالباً ما تكون أكثر غموضاً. ونظامنا الملكي في الحقيقة ليس ثرياً كما يعتقد الكثير من الناس. وبالتأكيد لا أعتقد أنَّ الملك ملياردير".
والعديد من الممتلكات المعروفة المرتبطة بتشارلز لا تنتمي إليه شخصياً. فالمنزل الريفي دمفريز، في شرق أيرشاير، مملوك لمؤسسة أُنشِئت للحفاظ على العقار وأثاثه الثمين و2000 فدان من الأرض.
وينتمي كل من منزل هايغروف وملكية لينيورموند إلى دوقية كورنوال، التي انتقلت السيطرة عليها الآن إلى ويليام، الذي خَلَف والده أميراً لويلز.
لذا، إذا لم تُحتسَب أيٌّ من هذه العقارات والممتلكات والزخارف الملكية الأخرى عند تقييم الثروة الشخصية للملك، فما الذي احتُسِب فيها؟
وملكيتا ساندرينغهام وبالمورال هما أثمن أصول تشارلز. وتمتد ساندرينغهام، الواقعة في نورفولك، على مساحة 20 ألف فدان، وهي مملوكة شخصياً لأفراد العائلة المالكة منذ أكثر من 160 عاماً. وتضم 300 مبنى بالإضافة إلى قصر مُدرَج ضمن الدرجة الثانية (عقارات لها أهمية خاصة). ويزود المنتج من بساتينه شركة ساندرينغهام لعصير التفاح بالفاكهة اللازمة، وتتوفر رحلات سفاري داخل الملكية مقابل 160 جنيهاً إسترلينياً (نحو 200 دولار) للشخص الواحد.
ويمكن أن تبلغ قيمة العقار بالكامل 245 مليون جنيه إسترليني (304.6 مليون دولار)، باستخدام تقديرات قيم الأراضي الزراعية في المنطقة التي يوفرها الوكيل العقاري Strutt & Parker.
بينما قدّرت شركة McCarthy Stone قيمة القلعة مؤخراً بـ60 مليون جنيه إسترليني. وتقيّم The Times بحذر قيمة القلعة والعقار الأوسع معاً عند 210 ملايين جنيه إسترليني (260.8 مليون دولار).
كانت كل من ملكيتي ساندرينغهام وبالمورال ضمن الأصول الشخصية للملكة الراحلة إليزابيث. ومع ثروتها البالغة 370 مليون جنيه إسترليني (459.6 مليون دولار أمريكي)، كان من الممكن أن تترك أية عائلة أخرى فاتورة ضرائب ميراث بقيمة 148 مليون جنيه إسترليني (183.8 مليون دولار).
ومع ذلك، فإنَّ المراوغة القانونية تضمن عدم فرض ضريبة الميراث عند انتقال الأصول من "سيادية إلى سيادية". تخضع العقارات عادة لرسوم 40% على الثروة التي تزيد عن 325 ألف جنيه إسترليني.
وخلقت هذه القاعدة القانونية أيضاً حافزاً مقنعاً للملوك لترك جميع أصولهم للطفل الذي يرث العرش. وقيل إنَّ الأمير أندرو قد تُرك "في حالة من اليأس" من طريقة توزيع ثروة الملكة.
كان للملكة الراحلة أيضاً محفظة استثمارية كبيرة، ومن المفهوم أنها تتكون إلى حد كبير من الأسهم والسندات في سوق الأسهم الممتازة، وتُقدَّر حالياً بحوالي 100 مليون جنيه إسترليني (124 مليوناً و230 ألف دولار).
وكانت الملكة إليزابيث مولعة بتربية وسباق الخيول الأصيلة، رغم أنها بدأت في بيع خيولها قبل وفاتها بوقت طويل.
وكانت هناك اقتراحات بأنَّ ما تبقى من قطيع خيولها يساوي 27 مليون جنيه إسترليني (33.5 مليون دولار) على الأقل. وجادل خبير ملكي، بعد استشارته في هذا المقال، بأنَّ الخيول الملكية صارت الآن مسؤولية مالية أعلى.
ومن المستحيل أيضاً تقدير قيمة الطوابع الشخصية والمجموعة الفنية الخاصة بإليزابيث بدقة. سيكون تقييم ميراث تشارلز وثروته الصافية أسهل بدون أي تغيير آخر في الموارد المالية الملكية. وعادة ما تُعلَن عن الوصايا بعد توزيعها، ويرجع ذلك جزئياً إلى ضمان تصرف القائمين على تنفيذ الوصية كما يجب، لكن بموجب اتفاقية يعود تاريخها إلى أكثر من قرن من الزمان، فإنَّ كبار أفراد العائلة المالكة ليسوا متاحين للتدقيق العام.
إضافة إلى ذلك، لا يُعرَف حجم ما ورثه الملك عن أبيه، هذا إن كان انتقل له إرث، إذ لم تُعلَن وصية الأمير فيليب. وتُودَع وصية الملكة الراحلة المختومة في خزنة بلندن مع أكثر من 30 وصية أخرى من كبار العائلة المالكة الذين لقوا حتفهم منذ عام 1910. وينضم موقعها إلى الأسرار الأخرى للعائلة الملكية.