رغم التراجع عن سياسة الطفل الواحد التي كانت تنتهجها الصين، بل حتى في ظل الحوافز الأحدث، التي تحث العائلات على إنجاب مزيد من الأطفال، يتقلص التعداد السكاني في الصين بوتيرة ثابتة، وهو تحول بالغ الأهمية سوف يجعل الهند قريباً الدولة صاحبة أكبر تعداد سكاني في العالم، ويحمل معه آثاراً متعاقبة واسعة محلياً وعالمياً.
يضع هذا التغيير الصين في نفس مسار الشيخوخة وتقلص التعداد السكاني، الذي يمضي فيه كثير من جيرانها الآسيويين الآخرين، لكن مساره سيحمل آثاراً كبيرة، ليس فقط على الاقتصاد الإقليمي، بل في العالم أجمع أيضاً.
إليكم الأسباب التي تدفع الخبراء الاقتصاديين والآخرين إلى الشعور بالقلق إزاء هذه التطورات، وما الذي ينتظر الصين في النقاط التالية.
1- تقلص التعداد السكاني في الصين سيعرقل خطى الاقتصاد العالمي
تقول صحيفة The New York Times الأمريكية، إنه على مدى سنوات، دعم العدد الهائل من سكان الصين في سن العمل المحرك الاقتصادي العالمي، فوفَّر عمال المصانع، الذين أنتجت عمالتهم الرخيصة سلعاً صُدّرت حول العالم.
وعلى المدى الطويل، قد يتسبب نقص عمال المصانع في الصين -نتيجة حصول القوى العاملة على تعليم أفضل وتقلص التعداد السكاني بالنسبة لفئة الشباب- في رفع التكاليف على المستهلكين خارج الصين، مما قد يفاقم التضخم في دول مثل الولايات المتحدة، التي تعتمد اعتماداً كبيراً على المنتجات الصينية. ولمواجهة ارتفاع تكاليف العمالة في الصين، بدأت عديد من الشركات بالفعل في تحويل عملياتها التصنيعية إلى بلاد ذات مستويات أجور أقل مثل فيتنام والمكسيك.
كذلك قد يعني تقلص التعداد السكاني في الصين، تراجع الإنفاق بالنسبة للمستهلكين الصينيين، مما يحمل تهديداً للعلامات التجارية العالمية التي تعتمد على مبيعات المنتجات إلى الصين، مثل الهواتف الذكية التي تنتجها شركة أبل، والأحذية الرياضية التي تنتجها شركة نايكي.
2- البيانات تحمل أنباء سيئة لسوق الإسكان الحيوي بالنسبة للصين
على المدى القصير، يجسد انخفاض معدل المواليد تهديداً رئيسياً أمام القطاع العقاري الصيني، المسؤول عن حوالي ربع الناتج الاقتصادي للبلاد. إذ إن نمو التعداد السكاني هو محركٌ رئيسيٌّ للطلب على الإسكان، بالإضافة إلى أن ملكية البيوت تعد أهم الأصول بالنسبة لكثير من أفراد الشعب الصيني. فخلال الإغلاقات المنتشرة بسبب الجائحة، التي أضعفت الإنفاق الاستهلاكي ونمو الصادرات، صار اقتصاد الصين معتمداً بدرجة أكبر على قطاع الإسكان المتعثر.
وقد تدخلت الحكومة مؤخراً لمساعدة المطورين العقاريين المتعثرين، في محاولة لاحتواء تداعيات أزمة الإسكان لديها.
3- القوى العاملة المتقلصة للصين قد تصير عاجزة عن دعم سكانها المسنين الذين تتزايد أعدادهم
في ظل قلة عدد الأشخاص في سن العمل على المدى البعيد، قد تجد الحكومة صعوبة في المحافظة على عدد كبير من السكان الذين يتقدمون في العمر ويعيشون لمدة أطول. تنبأ تقرير صادر عام 2019 عن الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية (CASS) بأن صندوق التقاعد الرئيسي للبلاد سوف تنفد أمواله بحلول عام 2035، وعزا التقرير جزءاً من أسباب هذا إلى تقلص القوى العاملة.
قارن الخبراء الاقتصاديون الأزمة السكانية للصين بنظيرتها التي عرقلت الازدهار الاقتصادي لليابان في تسعينيات القرن الماضي.
لكن الصين لا تملك نفس الموارد التي تملكها بلاد مثل اليابان كي توفر شبكة أمان لسكانها المسنين. إذ إن أُسرها يعتمدون على دخول أقل بكثير من متوسط الدخول في الولايات المتحدة ومناطق أخرى. يعتمد كثير من السكان الصينيين على مدفوعات المعاشات التقاعدية، بوصفها مصدر دخل رئيسي خلال التقاعد.
كذلك تعدّ أعمار التقاعد في الصين من بين الأقل حول العالم، حيث يتقاعد غالبية العمال عند إتمامهم سن الستين. لم يتسبب هذا الموقف في إثقال كاهل صناديق التقاعد الحكومية فحسب، بل امتدت آثاره إلى نظام المستشفيات في البلاد.
4- الأزمة تتشكل منذ عقود زمنية
فرضت الصين سياسة الطفل الواحد في سبعينيات القرن الماضي، وجادلت بأنها ضرورية للسيطرة على النمو السكاني كي لا يصل إلى مستويات غير مستدامة. فرضت الحكومة غرامات باهظة على غالبية الأزواج الذين أنجبوا أكثر من طفل واحد، وأجبرت مئات الملايين من الصينيات على الإجهاض. تفضل كثير من العائلات إنجاب البنين، مما أسفر في كثير من الأحيان على إجهاض الحمل إذا كان الجنين أنثى أو التخلي عن الرضيعة عند الولادة، وهو ما نتج عنه فائض ضخم في أعداد الرجال العزاب بين السكان الصينيين.
أعلنت الصين تخفيف القيود على حجم الأسرة في 2013، لكن كثيراً من الخبراء السكانيين قالوا إن هذا التغيير جاء متأخراً كثيراً على أن يُبدِّل المسار السكاني للبلاد.
5- ليست هناك حلول سهلة
أخفقت جهود الحكومة الرامية إلى بدء طفرة مواليد لحل الأزمة السكانية، في تحقيق الاستقرار على صعيد مشكلة انخفاض معدلات المواليد. تتزايد أعداد الصينيات المتعلمات اللواتي يؤجلن الزواج ويخترن عدم الإنجاب، ويُعيقهم في ذلك ارتفاع تكاليف الإسكان والتعليم.
لم تُبد الصين كذلك استعدادية لتخفيف قواعد الهجرة لزيادة عدد السكان، بالإضافة إلى أنها لم تصدر تاريخياً إلا عدداً قليلاً نسبيياً من بطاقات الإقامة الدائمة لتجديد دماء القوى العاملة المتقلصة لديها.
من أجل مواجهة نقص العمالة، كانت الصين تعهد بالإنتاج منخفض الكفاءة إلى بلاد أخرى في آسيا، وتعتمد مزيداً من الأتمتة في مصانعها؛ أملاً في الاعتماد بدرجة أكبر على الذكاء الاصطناعي والقطاعات التكنولوجية لتحقيق النمو المستقبلي.