وقع المحظور في السودان، واشتعلت الحرب بين الجيش والدعم السريع، فهل ينتصر معسكر البرهان وينتهي دور حميدتي؟ أم يتحول الاقتتال إلى صراع طويل الأجل؟ أم أن هناك سيناريوهات أخرى؟
كانت الاشتباكات قد اندلعت، السبت 15 أبريل/نيسان، بين وحدات من الجيش السوداني موالية لرئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة نائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي.
واندلعت هذه الاشتباكات، وهي الأولى منذ أن اشترك البرهان وحميدتي في الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير عام 2019، بسبب خلاف حول دمج قوات الدعم السريع في الجيش، في إطار المرحلة الانتقالية نحو الحكم المدني، والتي كان انقلاب عسكري، في أكتوبر/تشرين الأول 2021، قد أعادها للمربع صفر.
صراع السلطة تحول إلى حرب شوارع
لم يصل السودانيون إلى هذه اللحظة الدموية من فراغ، فالصراع على السلطة بين البرهان وحميدتي تحديداً بدأ منذ الإطاحة بعمر البشير، في أبريل/نيسان 2019، وبالتحديد يوم 11 من ذلك الشهر، عندما تم اختيار البرهان ليصبح رئيساً لمجلس السيادة، وأعلن حميدتي رفضه لتشكيل مجلس السيادة من العسكريين.
في ذلك الوقت كان حميدتي برتبة فريق، وهو ليس عسكرياً من الأساس، بل كان تاجراً للإبل، وأسس ميليشيات الجنجويد خلال الصراع في دارفور، وتحولت إلى قوات الدعم السريع، وأسبغ البشير على حميدتي رُتبَه العسكرية، بدأت من "العميد" حتى وصل إلى رتبة "الفريق".
تم الإعلان، يوم 13 أبريل/نيسان 2019، عن ترقية حميدتي إلى رتبة "فريق أول"، وتوليه منصب النائب الأول لرئيس مجلس السيادة، وهكذا أصبح البرهان الرجل الأول، وحميدتي الرجل الثاني في السودان. وبدا أن العلاقة جيدة بين البرهان وحميدتي، فكلاهما عسكري في مواجهة المعسكر المدني الساعي إلى فرض نظام ديمقراطي، وإخراج الجيش من المعادلة السياسية.
ومنذ اللحظة الأولى لبداية المرحلة الانتقالية في السودان، كانت قضية دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني مسألة شائكة، لا يبدو أنها ستنتهي بطريقة سلمية أو منظمة، فدمج تلك القوات أو الميليشيات بمعنى أدق في الإطار العسكري الرسمي سيحرم حميدتي من ولائها بطبيعة الحال، بل كانت هناك أصوات تنادي بأن يحدث العكس، بمعنى أن تستوعب قوات الدعم السريع الجيش السوداني لتصبح تلك القوات الجيش الرسمي.
على أية حال، عندما اقترب موعد تسليم السلطة إلى المدنيين، قام العسكر بقيادة البرهان بانقلاب أكتوبر/تشرين الأول 2021، وعادت الأمور مرة أخرى إلى المواجهة بين المعسكرين المدني والعسكري، وهو ما يعني أن البرهان وحميدتي في مركب واحد.
لكن حقيقة الأمر هي أنه منذ انقلاب 2021، أصبح البرهان وحميدتي في قلب الصراع على السلطة، فاختلف الرجلان على الاتجاه الذي تسير فيه البلاد وعلى مقترح الانتقال إلى حكم مدني، ولكن وفقاً للجدول الزمني المتوافق عليه.
وكان من المفترض الإعلان عن رئيس وزراء جديد ومناصب أخرى يوم الثلاثاء، 11 أبريل/نيسان 2023، إلا أن الموعد النهائي قد انقضى بعد أن فشل الطرفان في التوقيع على الاتفاق الإطاري الذي تم الإعلان عنه في الخامس من ديسمبر/كانون الأول الماضي مرتين، بسبب الخلافات حول دمج قوات الدعم السريع في الجيش.
والقصة لا تتعلق فقط بدمج قوات الدعم السريع في الجيش بطبيعة الحال، لكنها أصبحت مرتبطة بالصراع على السلطة بين البرهان وحميدتي، فأي منهما أقرب لحسم الأمر لصالحه؟ وما هو مستقبل هذا الصراع؟ وهل ينتهي سريعاً أم يتحول إلى صراع طويل الأجل؟
هل تنتهي حرب الشوارع في السودان سريعاً؟
قال مبعوث الأمم المتحدة إلى السودان، فولكر بيرتس، الإثنين، إن القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع أدى إلى مقتل 185 شخصاً وإصابة أكثر من 1800، وسط ضربات جوية واشتباكات في العاصمة، ومخاوف من امتداد الصراع إلى جميع أنحاء البلاد.
وتصاعد الدخان في العاصمة الخرطوم، وأفاد السكان رويترز بسماع دوي الضربات الجوية ونيران المدفعية وإطلاق النار، ما أدى إلى انقطاع الخدمات الأساسية وإلحاق أضرار بالمستشفيات في المدينة التي لم تعتد وقوع أحداث عنف.
وقال بيرتس في تصريحات للصحفيين، عبر رابط فيديو "الطرفان المتقاتلان لا يعطيان انطباعاً بأنهما يريدان وساطة من أجل سلام بينهما على الفور".
وأضاف أن الجانبين اتفقا على هدنة إنسانية لمدة ثلاث ساعات، لكن القتال استمر لليوم الثالث على التوالي رغم وعود التهدئة، والقتال المشتعل في الخرطوم ومدينتي أم درمان وبحري المجاورتين لها منذ السبت هو الأسوأ منذ عقود، ويُنذر بتمزيق السودان بين فصيلين عسكريين تَقَاسما السلطة خلال فترة انتقالية سياسية صعبة.
وأعلن حميدتي الثلاثاء، 18 أبريل/ نيسان، أنه اتفق مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن على هدنة لمدة 24 ساعة، لكن الجيش قال إنه لا علم لديه بمثل هذا الأمر، علماً أن الوزير الأمريكي أجرى اتصالين مع حميدتي والبرهان أيضاً.
ترسم هذه التفاصيل صورة قاتمة بطبيعة الحال بشأن الاقتتال الحالي، إذ لا يبدو أن هناك نهاية حاسمة قريبة، يطمح كل طرف أن تكون لصالحه. إذ يقول كل من طرفي الصراع إنه يحقق مكاسب على الأرض، وقال مبعوث الأمم المتحدة إلى السودان إن الجانبين لم يُبديا أي استعداد للتفاوض. وقال مصدران أمنيان مصريان لرويترز إن مصر والإمارات تعملان على اقتراح لوقف إطلاق النار في السودان لكن دون أن يسفر عن نتائج بعد.
وفي تصريحات لشبكة سكاي نيوز، قال البرهان إنه آمن في دار ضيافة رئاسية داخل مجمع وزارة الدفاع. وقال الجيش في وقت لاحق إن نطاق العمليات الأمنية آخذ في الاتساع، ما سيؤدي إلى فرض قيود على تحركات المواطنين.
ومن شأن استمرار العنف أن يؤدي إلى زعزعة استقرار منطقة مضطربة، وأن يلعب دوراً في التنافس على النفوذ هناك بين روسيا والولايات المتحدة وقوى أخرى في المنطقة، تتودد إلى جهات فاعلة مختلفة في السودان.
وبحسب تقرير لمجلة Politico الأمريكية، يُعتبر اندلاع القتال في السودان هو "أسوأ السيناريوهات" على الإطلاق، ومن غير المرجح أن تمارس واشنطن ضغوطاً على البرهان، في ظل علاقات حميدتي مع موسكو.
هل ينتصر الجيش وينسحب حميدتي من المشهد؟
بحسب الخبير العسكري والاستراتيجي، اللواء المتقاعد أمين إسماعيل مجذوب، فإن التقارير الإعلامية التي تتحدث عن أن قوات الدعم السريع تبلغ أعدادها 100 ألف مقاتل هي أمر مبالغ فيه، مضيفاً لهيئة الإذاعة البريطانية BBC أن العدد لا يزيد عن 45 ألفاً فقط، بسبب وجود نظام داخلي للإجازات، أي بمعنى أن نصف القوات في الخدمة والنصف الآخر خارجها.
وأضاف مجذوب: "أساس قوات الدعم السريع قبلي وعشائري وقائم بدعم من نظام الرئيس السابق البشير، ولا توجد مقارنة بالتسليح بينها وبين الجيش السوداني، كما أن الجيش السوداني يمتلك معدات عسكرية من طائرات ومدافع يتفوق بها على قوات حميدتي، ولكنه لن يستخدمها بشكل مفرط، حفاظاً على الأمن القومي والمدني، والتزاماً بالاتفاقيات الدولية وقواعد الاشتباكات".
أما الصحفية المتخصصة بالشؤون الإفريقية بجريدة السودان، صباح موسى، فترى أن قوات الدعم السريع ليست ميليشيات عادية، بل هي موازية في قوتها للجيش السوداني، ولديها تسليح حديث، كما أن قائدها حميدتي يمتلك علاقات دولية واسعة بمؤسسات عسكرية عالمية، كما شاركت قواته بحروب متعددة مثل حرب اليمن، وبدعم خليجي، بالإضافة إلى سيطرتها على مناجم الذهب والاستثمارات الداخلية والخارجية.
وفي هذا السياق، اعتبرت موسى أن القدرات بين الطرفين متقاربة إلى حد كبير، ولكن التفوق للجيش سيُحسم من خلال الطائرات الحربية، والتي ستكون نقطة الفصل على أرض المعركة. وأضافت: "الحرب ستطول، ولن تكون خاطفة، لأن كل طرف سيحاول حسم المعركة بالعاصمة، ولو استحالت الأمور على حميدتي فإن سيناريو انسحابه إلى دارفور (معقل قوات الدعم السريع) أمر وارد، خصوصاً إذا حُوصر من قِبل الجيش، وحتى لو انسحب إلى دارفور فإنه لن يجد الدعم الكافي بالنظر إلى إعلان العديد من أبناء عمومته والقبائل العربية دعمَها للجيش السوداني، وبالتالي فإن مصلحة حميدتي في المعركة هي إنهاؤها بالخرطوم، ولكن من الصعب حدوث ذلك بسبب تخبط قواته بالعاصمة".
ويرى مجذوب أن هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة، الأول: انتصار الجيش السوداني والقضاء على قوات الدعم السريع، لتنتشر قوات الجيش في كافة المناطق والأحياء، وعودة الأمن القومي السوداني والحياة لطبيعتها، ولكن بشكل جديد.
السيناريو الثاني: وقف إطلاق النار بعد تدخل الوساطات من الدول الشقيقة والصديقة، وبالتالي تبدأ عملية التفاوض حول النقاط الأساسية، بالإضافة إلى المحاكمات العسكرية، انتهاءً بدمج قوات الدعم السريع المتبقية مع قوات الجيش السوداني.
السيناريو الثالث: وقف إطلاق النار وعودة الجميع للتسوية، ومن الممكن عدم وجود قوات الدعم السريع كطرف رئيسي في العملية التفاوضية، إضافة إلى دخول طرف آخر من القوى السياسية الأخرى، مع تعديل المشروع السياسي، وذلك للذهاب لفترة انتقالية جديدة بشكل ديمقراطي، وصولاً للانتخابات السودانية.
وبحسب تحليل لموقع أسباب، فرغم أن حميدتي هو من أطلق شرارة المواجهة العسكرية، فإن هذا لا يعني أنه يتمتع بأفضلية في تشكيل المشهد الحالي. فالواقع أن تحرك الدعم السريع جاء كخطوة استباقية للتصدي لإجراء تقليم أظافره، وهو ما يعكس قناعة حميدتي بأنه بلا خيارات، بعد أن صارت المواجهة وجودية بالنسبة لمستقبله.
إذ تميل موازين القوة العسكرية لمصلحة الجيش؛ نظراً لتسليح قوات الدعم السريع المتوسط، وصعوبة استمرار قدرتها على القتال في مواجهة الجيش. ومع هذا فليس من المرجح أن تنتهي المواجهات سريعاً، ربما باستثناء العاصمة التي من المرجح أن يحسم الجيش سيطرته عليها.
لكن يظل التهديد الأبرز هو أن انتهاء مخطط دمج قوات الدعم السريع في الجيش، وميل قياداته لتفكيك هذه المنظومة بدلاً من احتوائها، يعني على الأرجح تحول الدعم السريع إلى ميليشيا إقليمية متمردة، خاصةً في مناطق نفوذها غربي السودان، ما يزيد من التهديدات المتعلقة بتماسك ووحدة البلاد، التي تعاني أصلاً من تداعيات انحسار ظل الدولة مقابل تعميق الولاءات الجهوية والقبلية والعرقية.
وكان البرهان قد أصدر قراراً بحل قوات الدعم السريع، واعتبارها ميليشيات متمردة خارجة على القانون، في خطوة أخرى تؤكد أن معركة تكسير العظام قد تستمر إلى نهايتها، في ظل إصرار الجانبين على عدم وقف إطلاق النار حتى حسم الحرب.