تعتزم وزارة الدفاع الأمريكية تشديد القواعد الخاصة بمن يُسمح له بالاطلاع على المعلومات الاستخباراتية الحساسة، وسط انتقادات متصاعدة لسياسات البنتاغون الخاصة بالاطلاع على المواد الحساسة في أعقاب تسريب مئات الوثائق شديدة السرية مؤخراً.
إذ أمر وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، الذي يعقد اجتماعات يومية لمناقشة تداعيات التسريب، بمراجعة "إجراءات الاطلاع على المعلومات الاستخبارية والمساءلة والرقابة لمنع تكرار هذا النوع من الحوادث".
تسريبات البنتاغون تثير جدلاً حول مدى فاعلية إجراءات التعامل مع المعلومات الاستخباراتية
ويوم الخميس 13 أبريل/نيسان، بعد ساعات فقط من القبض على جاك تيكسيرا، ضابط الحرس الوطني الجوي البالغ من العمر 21 عاماً المشتبه في تسريبه لمواد سرية على غرفة دردشة إلكترونية، أكد المتحدث باسم وزارة الدفاع بات رايدر التقارير التي تفيد بأن البنتاغون سيشدد المعايير الخاصة بمن يُسمح له بالاطلاع على المواد السرية.
ورغم تأكيد رايدر على أن البنتاغون يضع "قواعد صارمة لحماية المعلومات السرية والحساسة"، مدعومة بعقوبات جنائية على أي تسريبات، قال: "سنواصل بذل كل ما في وسعنا لضمان أن مَن يحتاجون إلى الاطلاع على هذه المعلومات يتمكنون من ذلك".
وأرسلت نائبة وزير الدفاع، كاثلين هيكس، مذكرة تؤكد قواعد التعامل مع المواد السرية. وكتبت أن "الأفراد الذين لديهم حق الاطلاع على المعلومات السرية هم ضباط مؤتمنون على هذه المعلومات، ومسؤولية حماية المعلومات السرية إلزاماً مدى الحياة لكل فرد يُمنح تصريحاً أمنياً".
على أن هذا التسريب أثار جدلاً حاداً حول مدى فاعلية إجراءات التعامل مع المعلومات الاستخباراتية، كما يقول تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
إذ كتبت جولييت كايم، والتي بصفتها مستشارة الأمن الداخلي السابقة لحاكم ماساتشوستس آنذاك، ديفال باتريك، كانت تشرف على الحرس الوطني الجوي للولاية، حيث كان يعمل تيكسيرا، في مجلة The Atlantic إنها "لا تفهم السبب الذي قد يحتاج من أجله عضو في الـ 21 من عمره في جناح استخبارات الولاية، ولا يعمل بأي صفة فيدرالية، الاطلاع على هذه النوعية من المواد" التي سربها.
ومن ضمن الأسئلة المطروحة أيضاً لماذا يُمنح تيكسيرا هذا الاطلاع الواسع على شبكة الحاسوب الدفاعية المعروفة باسم نظام الاتصالات الاستخبارية العالمية المشتركة JWICS.
ما شبكة الاتصالات الاستخبارية العالمية المشتركة JWICS؟
تقول "الغارديان" إن هذه الشبكة التي يبلغ عمرها 30 عاماً، والتي يحدّثها البنتاغون حالياً، صُممت في الأصل للتعامل مع التحليلات والمواد التي تنتجها الاستخبارات للتوزيع المحدود داخل وزارة الدفاع.
لكنها تطورت على مرّ العقود لتلعب دوراً أكبر بكثير. ففي حديث له عام 2018، قال الجنرال جون هيتن، قائد القيادة الاستراتيجية الأمريكية آنذاك، إنها أصبحت "أداة مهمة لأنها القناة للتقييمات والتقارير الاستخباراتية الخاصة بكل قرار تتخذه القيادة. والكثير من وظائف القيادة ومهام السيطرة لدينا تمر من خلال هذه الشبكة. ووجدت طريقها إلى كل عنصر من عناصر عملياتنا".
والسؤال الذي لا مفر منه الآن: هل اطلع عدد كبير جداً من الناس على كم كبير جداً من المعلومات الاستخباراتية دونما ضرورة قوية لذلك؟
أكثر من مليون أمريكي يملكون تصاريح أمنية للاطلاع على المعلومات السرية
وهذا بدوره يثير نقاشاً اكتسب زخماً من جديد في تداعيات التسريب الأخير: هل تصنف الولايات المتحدة مواد كثيرة جداً تحت بند السرية، وبالتالي تلزم عدداً كبيراً جداً من الناس باستخراج تصاريح أمنية.
فوفقاً لتقرير يعود لعام 2020 مقدم إلى الكونغرس من المركز الوطني لمكافحة التجسس والأمن، يملك أكثر من مليون مواطن أمريكي تصاريح أمنية للاطلاع على المعلومات السرية.
وكتبت إليزابيث غويتين، كبيرة مديري برنامج الحرية والأمن القومي التابع لمركز برينان للعدالة، مطلع هذا العام، محذرة من أن "الإفراط في تصنيف المواد بالسرية واقع فعلي ومنتشر"، مضيفة أن "ما بين 50% و90% من الوثائق السرية يمكن إتاحتها للعامة بأمان".
وأضافت أن خطر أن يؤدي ذلك إلى "الإضرار بالأمن القومي" مستبعد جداً. وقالت: "حين تُصنف معلومات كثيرة تحت بند السرية، فعبء حمايتها قد يصبح ثقيلاً. ففي وضع كهذا، لا عجب ألا يهتم المسؤولون المنشغلون بالتدقيق، أو ببساطة يرتكبون أخطاء. ويمكنهم تبرير هذا لأنهم يعرفون أن معلومات كثيرة لا تكون حساسة كثيراً. وبالتالي، فالإفراط في تصنيف السرية لا يزيد من صعوبة الامتثال للقواعد فحسب؛ بل ويُفقد المسؤولين احترامهم للنظام".
تغيير قواعد الاطلاع على المعلومات السرية
وسبق أن أشار محللون إلى أن توسيع الاطلاع على المواد السرية جاء في أعقاب الإخفاقات الاستخباراتية في فترة 11 سبتمبر/أيلول وفي الفترة التي سبقت حرب العراق بعد الاعتراف بأن معلومات استخباراتية مهمة لم تتم مشاركتها بما يكفي (في حالة 11 سبتمبر/أيلول)، أو حين لم تكن المعلومات الاستخبارية الضعيفة متاحة بما يكفي للتحليل النقدي الذي قد يقوضها (في حالة العراق).
لكن توسيع نطاق الاطلاع سيُحمّل فيما بعد مسؤولية تسريبات إدوارد سنودن، المتعاقد التقني الذي سرب كميات هائلة من المواد الاستخباراتية.
ورغم تغيير قواعد الاطلاع مرة أخرى بعد تسريب سنودن، رأى كثيرون أنه لا تزال توجد مشكلات كبيرة.
إذ قال جافيد علي، المسؤول الأمريكي الكبير السابق في مكافحة الإرهاب لصحيفة The New York Times: "من الواضح أن هذه التعديلات لم تكن فعالة بما فيه الكفاية".