كان تقنين حيازة وتعاطي الحشيش أحد الوعود التي قدمتها حكومة إشارة المرور في ألمانيا، لكن مشروع القانون الذي قدمته الحكومة مؤخراً يتحدث عن "نوادي الحشيش"، فما قصتها؟
كانت حكومة المستشار أولاف شولتز قد أقرت، أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2022، تشريع استهلاك القنب الهندي (الحشيش) لغايات الترفيه للبالغين، مع اشتراط حصول برلين على موافقة المفوضية الأوروبية، حيث إن قوانين الاتحاد الأوروبي تجرم المخدرات بشكل عام.
وتعتبر هذه القضية من الملفات التي كانت تحتل مرتبة متقدمة في أجندة الائتلاف الحاكم، الذي وصل إلى السلطة في عام 2021، بعد 16 عاماً من حكومة أنجيلا ميركل المحافظة، بقيادة المحافظين، حيث وعد الائتلاف الجديد بألمانيا أكثرَ شباباً وأكثر ليبرالية.
ويتشكل الائتلاف الحاكم من حزب يساري وحزب الخضر وحزب ليبرالي، بألوانها الثلاثة التي تشبه ألوان إشارات المرور الحمراء والخضراء والصفراء، ومن هنا جاءت تسمية "حكومة إشارة المرور"، وينظر إلى التحالف غالباً على أنه غير موحد ومثير للجدل، وغير قادر على المضي قدماً في سياساته الرئيسية.
ما قصة نوادي الحشيش في ألمانيا؟
كان كثير من الناخبين الألمان ينتظرون ظهور مزارع الماريغوانا في جميع أنحاء ألمانيا، وتقديم السجائر مع القهوة في المقاهي، على طراز العاصمة الهولندية أمستردام، لكن مشروع القانون الأخير الذي قدمته الحكومة الألمانية بشأن تقنين القنب، الذي يستخرج منه الحشيش، يبدو أقل دراماتيكية بكثير.
فما يقترحه القانون هو أن تتم زراعة العقار وبيعه في "نوادي الحشيش الاجتماعية" غير الربحية، التي تسيطر عليها الدولة. وسيتمكن الأعضاء المسجلون من شراء كمية محدودة، ثم تخطط الحكومة لاختبار بيع العقار في المتاجر المرخصة في بعض المناطق، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.
وسيتمكن الأشخاص أيضاً من زراعة الماريغوانا، ولكن يُسمح فقط بثلاثة نباتات لكل شخص. ويقول الوزراء إنهم مقيّدون بقواعد الاتحاد الأوروبي، التي تُلزم الدول الأعضاء بمحاربة تجارة المخدرات، والنتيجة النهائية، مثل العديد من الأشياء في ألمانيا، هي حل وسط معقّد.
لكنها لا تزال خطوة كبيرة، إذ ستكون حيازة ما يصل إلى 25 غراماً من الحشيش للاستخدام الشخصي أمراً قانونياً، وهي كمية ليست ضئيلة، وتكفي لعشرات السجائر.
وكانت الحكومة الألمانية، الأربعاء، قد أقرت يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول، إطار عمل لتشريع استهلاك الحشيش، حسبما أعلن وزير الصحة كارل لاوترباخ، الذي أوضح أن الخطوط الرئيسية للمشروع تهدف إلى وضع إنتاج القنب الهندي والاتجار به، تحت "الرقابة العامة"، وتسمح خصوصاً بشراء وحيازة "كمية لا تتعدى 20 إلى 30 غراماً كحد أقصى" للاستهلاك الشخصي.
وتنص الوثيقة على فرض "رقابة عامة على سلسلة توريد القنب الهندي"، بهدف "ضمان الحماية الصحية، وكبح الجريمة المنظمة والسوق السوداء". وتنظّم الوثيقة "إنتاج وتسليم وتجارة القنب الهندي لغايات الترفيه، بموجب ترخيص من الدولة"، لكن يعد الاستهلاك بالنسبة للأفراد الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً محظوراً بشكل صارم.
وبرر الوزير هذا الإصلاح، الذي سيجعل ألمانيا واحدة من أكثر الدول ليبرالية في أوروبا على هذا الصعيد، بالرغبة في "الحصول على حماية أفضل للأطفال والشباب"، معتبراً أن السياسة في هذا المجال لم تكن حتى الآن "فعالة".
وقال الوزير المنتمي إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي، حزب المستشار أولاف شولتز، إنه "إذا سارت الأمور على ما يرام، أعتقد أن التشريع قد يحصل عام 2024". لكن الأمور ستبقى رهن موافقة المفوضية الأوروبية.
ماذا يقول المعارضون لتقنين الحشيش؟
لكن على الجانب الآخر، يقول سياسيون معارضون محافظون إن أي شكل من أشكال تحرير استخدام المخدرات أمر خطير، وغرّد رئيس الوزراء البافاري ماركوس سودر قائلاً إن تشريع المخدرات "ببساطة هو الطريق الخطأ"، وإن إنشاء "نوادي المخدرات" لم يحل أي مشاكل، ولكنه خلق مشاكل جديدة.
ويقول المؤيدون للمشروع داخل الحكومة إن الهدف من الإصلاحات هو إخراج تجار المخدرات من الأعمال التجارية، ومنع استهلاك القنب المعامل بالمواد الكيميائية الضارة، ووقف تجريم إهدار الموارد للأشخاص الذين يدخنون كميات صغيرة.
لكن ربما يكون الشيء الأكثر أهمية في هذه الخطوة هو الإشارة السياسية التي ترسلها، وهي لحظة اتفاق نادرة في الائتلاف الحاكم، إذ يشكل بعض الوزراء الجدد جيلاً أصغر من الحكومة المنتهية ولايتها، والتقطوا صوراً ذاتية بعد الاجتماعات، وتعهدوا بإنترنت أسرع وطاقة أكثر نظافة.
وكان التعهد الذي احتل العناوين الرئيسية لإضفاء الشرعية على الماريغوانا جزءاً من هذه الأجندة التقدمية لتغيير ألمانيا ما بعد ميركل. وفي المقابلات التي أجراها بعض الوزراء، بدأوا بشكل محرج باستخدام الكلمة العامية "بوباتز"، التي يستخدمها الشباب الألمان للإشارة إلى الحشيش.
لكن بعد بضعة أشهر في السلطة تغيّرت أولوياتهم بين عشية وضحاها، عندما بدأت الحرب الروسية الأوكرانية. كانت هناك زيادة غير مسبوقة في الإنفاق العسكري، وخفض كامل في علاقات الطاقة والتجارة مع موسكو.
وتخلت الأحزاب عن المعتقدات الأيديولوجية الأساسية المتعلقة بالبيئة أو قواعد الميزانية أو صادرات الأسلحة، ويشعر بعض الناخبين وأعضاء الأحزاب بالخيانة.
وأدّت الأزمات المتعددة التي أشعلتها الحرب إلى تفاقم التوترات بين شركاء التحالف الثلاثة، ولا سيما حزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر. كلا الحزبين يتعارض أيديولوجيا بشأن القضايا الرئيسية، من الطاقة النووية إلى النقل. كل خلاف جديد بين الوزراء يدفع أرقام استطلاعات الائتلاف إلى مزيد من الانخفاض.
ويعد تقنين الحشيش أحد مجالات الاتفاق القليلة لثلاثة أطراف، ترغب في رؤية نفسها على أنها تقدمية، لكن هذا لا يعني أن مدن المقاطعات الألمانية ستتحول إلى أمستردام في أي وقت قريب.
إذ قال لوترباخ إن الحكومة ركزت عن كثب على النموذج الهولندي المجاور، لكن مع التركيز على السوق السوداء الكبيرة، وثقافة مقهى الحشيش، كمثال على ما لا يجب فعله.
والواضح أن المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي بشأن القانون الألماني قد أدت إلى التقليل من حدة التغييرات، ومثلت نوادي الحشيش حلاً وسطاً، بحسب تقرير لشبكة دويتش فيله الألمانية.