في الوقت الذي يتواصل تسريب أسرار أمريكا العسكرية والاستخباراتية، بدأت الأسرار التي تخص دولاً بعينها، منها مصر، تأخذ حيزاً أكبر من الاهتمام، فماذا جاء في تلك التسريبات عن الشرق الأوسط؟
كانت عشرات الوثائق الأمريكية التي تحمل معلومات حساسة للغاية ومختومة بشعار سري وسري للغاية، قد تم تسريبها عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي منذ أسابيع، لكن صحيفة نيويورك تايمز نشرت، الخميس 6 أبريل/نيسان تقريراً حول تلك التسريبات، مما أطلق تحقيقاً فورياً في مصدر التسريب.
وفي بداية القصة، وجَّه مسؤولون أمريكيون أصابع الاتهام إلى روسيا، حيث قال مسؤولون أمريكيون لرويترز إنه من المرجح أن تكون روسيا أو عناصر موالية لها وراء تسريب الوثائق العسكرية الأمريكية السرية على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً أن تلك الوثائق تتضمن لمحة جزئية عن الحرب في أوكرانيا يعود تاريخها لشهر مضى.
وقال المسؤولون الأمريكيون إن الوثائق جرى تعديلها على ما يبدو لتقليل عدد القتلى والمصابين في صفوف القوات الروسية، وأضافوا أن تقييماتهم غير رسمية ولا ترتبط بالتحقيق الذي يجري في عملية التسريب نفسها. وطلب المسؤولون الأمريكيون عدم نشر هوياتهم؛ نظراً لحساسية الأمر، وامتنعوا عن مناقشة تفاصيل الوثائق.
ماذا جاء في التسريبات عن مصر؟
لكن سرعان ما بدأت خطورة الموقف تتضح أكثر، مع نشر عشرات الوثائق الخطيرة للغاية والتي لا تتعلق فقط بأوكرانيا والحرب فيها أو بروسيا والصراع معها، بل شملت تلك التسريبات وثائق استخباراتية وعسكرية تخص عشرات الدول حول العالم، حلفاء لأمريكا وليس فقط خصوماً.
وبحسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية، عنوانه "الدول الرئيسية والمعلومات التي كشفتها تسريبات البنتاغون"، فإن تلك التسريبات تعطي تصوراً شبه كامل عن كيفية قيام واشنطن بجمع المعلومات عن جميع الدول حول العالم وأيضاً نظرة أمريكا لكل دولة من تلك الدول.
إحدى الوثائق المسربة تحمل تاريخ 17 فبراير/شباط الماضي وهي عبارة عن تلخيص لمحادثات دارت بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وكبار المسؤولين العسكريين، يناقشون فيها خطط إمداد روسيا بصواريخ وقذائف مدفعية وبارود. وبحسب الوثيقة، أمر الرئيس المصري بإنتاج 40 ألف صاروخ لتصديرها إلى روسيا، كما أصدر تعليماته لمسؤوليه بالحفاظ على سرية عمليات إنتاج وشحن المعدات العسكرية إلى روسيا "لتجنب المشاكل مع الغرب".
كما ذكرت الوثيقة كلاماً جاء على لسان شخص يدعى صلاح الدين، يقول إنه "سيأمر رجاله بالعمل على مدار الساعة لأن هذا أقل ما يجب أن تفعله مصر لرد خدمات روسيا غير المحدودة"، لكن الوثيقة لا توضح طبيعة أو تفاصيل المساعدات التي قدَّمتها روسيا لمصر قبل تاريخ ذلك الاجتماع.
ومصر هي أكبر مستورد للقمح في العالم، وكانت تعتمد بشكل كبير على القمح الأوكراني، لكن بعد اندلاع الحرب، التي تصفها موسكو بأنها "عملية عسكرية خاصة" بينما يصفها الغرب بأنها "غزو عدواني غير مبرر"، زادت واردات مصر من القمح الروسي بصورة لافتة.
وبحسب تقرير واشنطن بوست، صلاح الدين الوارد اسمه بالوثيقة المسربة "هو على الأرجح محمد صلاح الدين، وزير الدولة للإنتاج الحربي"، كذلك نقلت الوثيقة المسربة عن صلاح الدين قوله إن "الروس أخبروه أنهم على استعداد لشراء أي شيء"، وتشير الصحيفة الأمريكية إلى أن موسكو والقاهرة وقعتا مؤخراً العديد من الاتفاقيات، بما في ذلك اتفاق بشأن السكك الحديدية بمصر.
كما تنقل الوثيقة عن السيسي قوله إنه يفكر في بيع "أشياء عادية" إلى الصين، من أجل إفساح المجال "لمزيد من إنتاج صقر 45″، في إشارة إلى نوع من الصواريخ عيار 122 ملم التي تصنعها مصر. ولم تذكر الوثيقة صراحة ما إذا كانت الصواريخ التي سيتم إنتاجها لروسيا هي صواريخ "صقر 45″، إلا أن الصحيفة الأمريكية قالت إن هذه الصواريخ ستكون متوافقة مع قاذفات الصواريخ المتعددة الروسية من طراز غراد.
ماذا قالت الوثائق المسربة عن إسرائيل والإمارات وغيرهما؟
بينما يبذل الأمريكيون جهوداً حثيثة لتحديد مصدر التسريب، يقول خبراء أمن غربيون ومسؤولون أمريكيون إنهم يشتبهون في أن شخصاً من الولايات المتحدة قد يكون وراء التسريب. إذ يقول المسؤولون إن اتساع نطاق الموضوعات التي احتوت عليها الوثائق، والتي تتناول الحرب في أوكرانيا والصين والشرق الأوسط وإفريقيا، تشير إلى أنه تم تسريبها من أحد المواطنين الأمريكيين وليس من أحد الحلفاء.
مايكل مولروي، المسؤول الكبير السابق في البنتاغون، قال لرويترز في مقابلة: "التركيز الآن على أن هذا تسريب من الولايات المتحدة؛ لأن العديد من هذه الوثائق كانت بحوزة الولايات المتحدة فقط".
والتسريبات هي الأكبر منذ تسريبات ويكيليكس عام 2013، ويُنظر إليها على أنها من أخطر الخروقات الأمنية، وبعد الكشف عن التسريبات، راجعت رويترز أكثر من 50 وثيقة بعنوان "سري" و"سري للغاية" ظهرت لأول مرة الشهر الماضي على مواقع التواصل الاجتماعي، بداية من منصتي ديسكورد وفور تشان. ورغم أن بعض تلك الوثائق جرى نشرها قبل أسابيع، فقد كانت صحيفة نيويورك تايمز أول من أورد نبأ عنها يوم الجمعة.
إحدى الوثائق المسربة، تحمل ختم "سري للغاية" ومأخوذة من إفادة للمخابرات المركزية الأمريكية (سي.آي.إيه) بتاريخ الأول من مارس/آذار، تقول إن جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) يدعم الاحتجاجات المناهضة لخطط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإحكام السيطرة على المحكمة العليا.
وقالت الوثيقة إن الولايات المتحدة علمت بذلك من خلال إشارات مخابرات، مما يشير إلى أن واشنطن كانت تتجسس على أحد أهم حلفائها في الشرق الأوسط. لكن في بيان الأحد، قال مكتب نتنياهو إن الوثيقة "كاذبة ولا أساس لها على الإطلاق".
كما ذكرت وكالة "أسوشيتد برس"، الإثنين 10 أبريل/نيسان، أن "عملاء مخابرات أميركيين رصدوا ضباطاً في المخابرات الروسية وهم يتفاخرون بأنهم أقنعوا الإمارات بالتعاون معهم ضد وكالات المخابرات الأميركية والبريطانية"، وفقاً لوثيقة أمريكية مزعومة نُشرت على الإنترنت كجزء من الخرق الاستخباراتي الأمريكي الكبير.
وتثير هذه التسريبات تساؤلات بشأن مصدرها وأسباب تجسس أمريكا على حلفائها، وكيف يمكن أن تؤثر على علاقات واشنطن بحلفائها في منطقة الشرق الأوسط وحول العالم. فكيف يمكن، على سبيل المثال، أن تتأثر علاقة واشنطن بالقاهرة، التي نفت ما تسرب عن إرسالها معدات عسكرية إلى روسيا!
إذ نقلت قناة القاهرة الإخبارية المصرية، الثلاثاء 11 أبريل/نيسان، عن مصدر مصري نفيه صحة التسريبات الأمريكية التي نشرتها صحيفة واشنطن بوست بشأن إنتاج 40 ألف صاروخ لشحنها سراً إلى روسيا، وأضاف المصدر أن "ما نشرته الصحيفة عبث معلوماتي لا أساس له من الصحة"، مؤكداً أن "مصر تتبع سياسة متوازنة من جميع الأطراف الدولية وأن محددات هذه السياسة هي السلام والاستقرار والتنمية".
ونفت روسيا أيضاً تلك التقارير، حيث قال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، إن تلك المعلومات المزعومة ليست إلا "أخباراً مزيفة اعتدنا عليها"، بحسب تقرير لموقع المونيتور الأمريكي.
وقال مسؤول أمريكي لواشنطن بوست إن واشنطن "ليست على دراية بتنفيذ تلك الخطة ولا نعتقد أنها قابلة للتنفيذ"، لكن في حال تأكدت صحة تلك الوثائق المسربة، فمن المؤكد أن ذلك سيضر بالعلاقات بين واشنطن والقاهرة، التي تعتبر أحد الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بحسب الموقع الأمريكي.
وقد تلقت مصر أكثر من 50 مليار دولار من المساعدات العسكرية الأمريكية منذ توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1978، وساهمت تلك المساعدات في بناء قدرات مصر العسكرية وحماية أراضيها والدفاع عن حدودها البحرية، بحسب موقع الخارجية الأمريكية.