يلقى التقارب السعودي – الإيراني الحالي بظلاله على الكثير من الملفات المعقدة في الشرق الأوسط؛ نظراً لضلوع كل من طهران والرياض فيها، مثل الملف اللبناني والسوري والملف اليمني الذي بدا أن هناك انفراجة تلوح في الأفق.
يُجري وفدان سعودي وعماني، منذ السبت 8 أبريل/نيسان 2023، زيارة للعاصمة اليمنية صنعاء الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي، في مسعى لتجديد اتفاق التهدئة، تمهيداً للتوصل إلى حل سياسي دائم يُنهي الحرب في البلد العربي.
وحالياً، تتشكل ملامح جديدة لحل النزاع الذي دخل عامه التاسع، في ظل جهود إقليمية ودولية حثيثة لإنهاء الحرب بين القوات الموالية للحكومة الشرعية، مدعومة بتحالف عسكري عربي تقوده الجارة السعودية، وقوات الحوثيين، المدعومين من إيران، والمسيطرين على محافظات منذ سبتمبر/أيلول 2014.
والجمعة، كشف مسؤول حكومي يمني رفيع عن التوصل إلى اتفاق لتمديد الهدنة مع الحوثيين من ستة أشهر إلى سنة، وتوسيعها لتشمل إجراءات إنسانية واقتصادية، يعقبها حوار سياسي مباشر لحل شامل ينهي الحرب.
وتشمل بنود الاتفاق، المتوقع الإعلان رسمياً عنه خلال الساعات القادمة، وفقاً للمصدر: توسيع إعادة الرحلات إلى مطار صنعاء الدولي، واستئناف تصدير النفط من الموانئ، وفتح الطرقات في محافظة تعز (جنوب غرب)، وإطلاق سراح الأسرى (الكل مقابل الكل)، ونقل البضائع مباشرة إلى ميناء عدن (جنوب).
وفي 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي انتهت هدنة استمرت 6 أشهر، وتتبادل الحكومة والحوثيون اتهامات بشأن المسؤولية عن فشل تجديدها.
تفاؤل حذر
"الظروف الحالية باتت مواتية للانخراط في محادثات سلام والتوصل إلى حل سياسي يُخرج البلد من دوامة الحرب والاقتتال إلى واقع جديد يرفض الحرب وينبذ الاقتتال"، بحسب مصدر حكومي يمني تحدث للأناضول شريطة عدم الكشف عن هويته.
وأضاف المصدر أن "الجهود التي بُذلت من المجتمعين الإقليمي والدولي والرغبة الكبيرة في إحلال السلام، خاصة من جانب الحكومة الشرعية التي قدمت تنازلات، والمعاناة الإنسانية للشعب اليمني، كل تلك العوامل تمهد الطريق لإنهاء الحرب".
لكنه استدرك: "التجارب مع جماعة الحوثيين، التي دأبت على النكوث بعهودها واتفاقياتها، تمثل عائقاً حقيقياً أمام فرص السلام التي بدأت تلوح بشكل جدّي خلال الأسابيع القليلة الماضية".
وتتصاعد توقعات وآمال بإحلال السلام في اليمن منذ أن وقَّعت السعودية وإيران، بوساطة صينية في 10 مارس/آذار الماضي، اتفاقاً لاستئناف علاقتهما الدبلوماسية خلال شهرين، ما ينهي قطيعة استمرت 7 سنوات، منذ أن اقتحم محتجون سفارة المملكة بطهران، بعد أن أعدمت الرياض رجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر مع مدانين آخرين، بينهم سُنة، بتهم منها الإرهاب.
وقت حرج
وبمناسبة مرور عام على المشاورات اليمنية– اليمنية لمعالجة الصراع، قال مجلس التعاون لدول الخليج العربية، عبر بيان الثلاثاء، إن "الظروف الحالية مواتية للانخراط في محادثات السلام للتوصل إلى حل سياسي في اليمن، وفقاً للمبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار الشامل وقرار مجلس الأمن (رقم 2216 لعام) 2016".
ودعا المجلس إلى "وحدة الصف وإعلاء مصلحة اليمن العليا، لينعم بالسلام والأمن والاستقرار".
وفي 2 أبريل/نيسان الماضي، حذر مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ من أن البلد "يواجه وقتاً حرجاً"، داعياً إلى "إنهاء النزاع بشكل دائم".
مرجعيات التسوية
ووفقاً للمحلل السياسي اليمني ياسين التميمي، فإن اليمن "يمر بمنعطف شديد الأهمية يضع البلاد على أعتاب مرحلة جديدة ربما تشهد نهاية للانخراط العسكري للتحالف بقيادة السعودية".
وفي 26 مارس/آذار 2015، بدأ التحالف عملياته في اليمن، بدعوة من الرئيس اليمني آنذاك عبد ربه منصور هادي لاستعادة الشرعية ودعم الحكومة في مواجهة ما تسميه "انقلاب" جماعة الحوثي.
واعتبر التميمي للأناضول أن "مؤشرات التسوية لا تفيد مطلقاً بأنها ترتكز على المرجعيات الضامنة لعودة الدولة اليمنية وانتفاء المهددات الطاغية على المشهد اليمني وتمثلها الجماعات المسلحة المنفردة بالتحكم في الساحة مطلقةً العنان لأكثر المشاريع الهدامة للمشروع الوطني، وهي مهددات ذات طبيعة طائفية ونزعات انفصالية".
وهناك "أدلة عديدة على أن مجلس القيادة الرئاسي (اليمني) يوفر المشروعية (لحل الأزمة اليمنية) لتكون آخر مهمة له بصفته رأس الشرعية التي يتعلق بها الشعب اليمني كونها الخيار المتاح لإبقاء الدولة ضمن الحدود الآمنة"، بحسب التميمي.
التخلي عن الإقصاء
أما أحمد ناجي، كبير المحللين لشؤون اليمن في مجموعة الأزمات الدولية ببروكسل، فقال إن "التحركات التي نشهدها اليوم هي نتيجة للتقدم الذي أحرزته المحادثات بين السعوديين والحوثيين خلال الفترة الماضية، والتي سرَّعتها بلا شك عودة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران".
وأضاف ناجي للأناضول أنه من حيث المبدأ، فإن "أي خطوات سياسية للتعامل مع الحرب في اليمن هي خطوات في الاتجاه الصحيح، خصوصاً أن المقاربات العسكرية أثبتت فشلها بعد 8 سنوات من الصراع".
لكنه استدرك قائلاً: "من المهم إدراك أن تعقيدات الحرب تحتاج إلى معالجات حقيقية لجذور الصراع والتخلي عن الإقصاء والاستحواذ من قبل أطراف الحرب حتى تتجنب فشل الحرب والسلام معاً".
فترة غير كافية
فيما قال الخبير في الشؤون العسكرية والأمنية علي الذهب للأناضول إن "ستة أشهر (كهدنة في حال إعلانها رسمياً) تبدو فترة غير كافية لإنجاز الكثير من المهام، وستنصدم بالكثير من العثرات والتحديات في حال تطبيقها على الأرض".
وأردف: "من الواضح أنه ليس لدى الطرفين نوايا حقيقية لإحلال السلام، خصوصاً جماعة الحوثي، فعقيدتها الأيديولوجية والسياسية تختلف كثيراً عن مجمل الصراعات السياسية التي حصلت في اليمن طوال تاريخها الضارب في القدم".
ومعتبراً أن جماعة الحوثي ترى أن "السلطة ملك لها وحدها ولا يحق لأحد أن ينازعها"، أضاف الذهب أن "الجماعة كلما وقّعت (على اتفاق) أو اتفقت (على شيء) سرعان ما تنكث بعهودها وواقعها مفعم بالشواهد".
وختم بأن "الحديث حالياً عن تسوية شاملة ومستدامة للأزمة اليمنية يبدو سابقاً لأوانه بالنظر إلى جملة المعوقات والصعوبات التي ستواجه تنفيذ الهدنة".