كم من المال سيكلف تتويج الملك تشارلز الثالث الشعب البريطاني؟ ما معدل الضريبة الذي سيدفعه الملك الجديد على دخله الخاص؟ كم عدد المناسبات التي حضرها "أفراد العائلة الملكية" مثل دوقات غلوستر وكينت خلال السنوات الخمس الماضية؟ كم دفعوا؟ ما مقدار الإيجار الذي تدفعه الأميرتان بياتريس وأوجيني، اللتان ليستا في العائلة الملكية، مقابل الإقامة في القصور الملكية؟
طرحت صحيفة The Guardian البريطانية في الأسابيع الأخيرة كل هذه الأسئلة على قصر باكنغهام. تلخصت الردود في عبارات مثل: "اسأل شخصاً آخر"، أو "فكر بنفسك في الإجابة"، أو ببساطة: "ليس لديك الحق في معرفة ذلك". "نرجو أن يكون الأمر مختلفاً هذه المرة".
كيف تخفي العائلة الملكية البريطانية ثروتها عن الرقابة العامة؟
أشاد نعي الملكة إليزابيث الثانية بشكل موحد بإدارتها الهادئة للمملكة وعدم تدخلها المفترض في السياسة البريطانية. لم يذكر أحد السمة المميزة الأخرى لعهدها وهي السرية الراسخة، التي أدت إلى ظهور ثقافة يُحرم فيها الشعب البريطاني من المعلومات الأساسية عن النظام الملكي!
ما من مجالٍ يفرض فيه أفراد العائلة الملكية رفضاً ضارياً لتسليط الضوء على شيء مثل الأمور المالية. وينطبق هذا بأمر قضائي حتى على أفراد العائلة الملكية المجهولين. ويحرس أفراد العائلة الملكية أسرار ثرواتهم المالية عن كثب، ويصرون على أنها "خاصة"، حتى في الحالات التي لا تنجم فيها هذه الثروات بشكل واضح عن أدوارهم العامة.
لا ينبغي أن يُنتَقَص من إنجازات إليزابيث الثانية لملاحظة كيف سمح هذا الإدمان على السرية بتجذر الممارسات غير المقبولة. في السنوات الثلاث الماضية، كشفت الأوراق الرسمية التي اطلعت عليها صحيفة The Guardian كيف أساءت الملكة ومستشاروها مراراً استخدام إجراءات موافقة ولي العهد على تغيير القوانين البريطانية سراً، بما في ذلك، في عام 1973، كجزء من محاولة ناجحة لإخفاء ثروتها الخاصة "المُخجِلة" عن العامة.
وحتى عام 1968 على الأقل، وربما بعد ذلك على الأرجح، لم تعين أسرة إليزابيث الثانية "المهاجرين الملونين أو الأجانب" في الأدوار الكتابية، رغم السماح لهم بالعمل كخدمٍ في القصور. وحتى اليوم، يصر قصر باكنغهام على أنه يمتثل فقط لقانون عدم التمييز طواعية. هل الملك يوافق على هذا؟ ما الانتهاكات الأخرى التي لم يُكشَف عنها بعد؟ وكيف ستظهر إذا كانت العائلة الملكية معفاة من قانون حرية المعلومات؟
"كُلفة التاج"
تطلق صحيفة The Guardian تحقيق "كُلفة التاج"، وهو تحقيق في الثروة الملكية والشؤون المالية. في الأيام والأسابيع المقبلة، ستكشف تقارير الصحيفة البريطانية معلومات للمصلحة العامة حول الثروات التي جمعها أفراد العائلة الملكية بهدوء بفضل وظيفتهم العامة. ستوضح التقارير أيضاً التحدي الكبير المتمثل في الحصول على إجابات لأسئلة بسيطة.
لنأخذ على سبيل المثال مسألة مقدار الأموال العامة التي تُنفَق على أمن العائلة الملكية. تزعم الحكومة، حليفة الملك في كثير من الأحيان فيما يتعلق بمسائل السرية، أن الكشف حتى عن مجرد رقم واحد شامل لجميع أفراد العائلة، دون أي تفاصيل أخرى على الإطلاق، من شأنه أن يشكل تهديداً غير مقبول على سلامتهم.
وهي ترفض شرح هذا المنطق بأي تفاصيل، أو لماذا يمكن لرؤساء الدول في البلدان المتقدمة الأخرى، بمن في ذلك الرؤساء الفرنسيون والأمريكيون، نشر تفاصيل حول تكاليف أمنهم.
بدلاً من ذلك، رُفِضَ طلب بموجب قانون حرية المعلومات عن التكاليف الأمنية للعائلة الملكية البريطانية، أولاً من قبل وزارة الداخلية ثم، عند الاستئناف، من قبل مكتب مفوض المعلومات، ما أجبر صحيفة The Guardian على إصدار تعليمات للمحامين الشهر الماضي لتقديم استئناف آخر في محكمة المعلومات. إن القول بأن الأمر سيستغرق شهوراً للحصول على إجابة سيكون توقعاً متفائلاً.
استغرق الأمر من الصحفي روب إيفانز من صحيفة The Guardian عشر سنوات ورحلة إلى المحكمة العليا لتأمين الإفراج بموجب قانون حرية المعلومات عن "مذكرات العنكبوت الأسود" للأمير تشارلز، والتي أظهرت كيف ضغط وريث العرش على كبار وزراء الحكومة بشأن كل شيء، حتى الأدوية العشبية البديلة. وقد أنفقت الحكومة أكثر من 400 ألف جنيه إسترليني على التكاليف القانونية في محاولة فاشلة في النهاية للحفاظ على سرية المذكرات.
هذه ليست مجرد مشكلة تخص الصحفيين والأكاديميين وكتاب المحفوظات والنشطاء والمواطنين الفضوليين، فحتى البرلمانيين الذين يسعون للحصول على معلومات أساسية يُحرمون من الإجابات الواضحة.
ما مدى "صعوبة عمل" أفراد العائلة الملكية من أجل أموالهم؟
في العام الماضي، اعترفت إليزابيث الثانية في خطاب ألقته في غيلدهول في لندن، بأنه "لا ينبغي لأي مؤسسة -مدنية كانت أم ملكية- أن تتوقع أن تتحرر من تدقيق أولئك الذين يمنحونها ولاءهم".
إن وضوح تلك الالتزامات يجعل السرية في العقود التالية مدهشة للغاية. أحد الأمثلة الصارخة على ذلك هو إنشاء المنحة السيادية، وهي تسوية التمويل التي قدمتها الحكومة الائتلافية بزعامة ديفيد كاميرون في عام 2011.
كان النظام السابق لتمويل العائلة الملكية، وهو جهاز يسمى القائمة المدنية، قيد العمل منذ القرن الثامن عشر. ورغم كل عيوبه، فقد زوَّد البرلمان بتفصيل لمقدار الأموال التي يجب دفعها لكل فرد من أفراد العائلة. ومنح الممثلين المنتخبين للشعب البريطاني فرصة لمناقشة مقدار أموال دافعي الضرائب التي يجب تسليمها إلى الملك غير المنتخب.
بموجب المنحة السيادية، يُحدَّد التمويل العام لأفراد العائلة الملكية كنسبة من أرباح مِلكية التاج. ولقد ثبت أن ذلك بمثابة انقلاب مالي للعائلة الملكية، الذين سلموا حيازات التاج في 1760.
لم يعد على آل وندسور أن يتحملوا طقوس القائمة المدنية للبرلمانيين الذين يناقشون المبلغ الذي يجب أن يتلقوه. أثبتت التسوية أنها سخية، إذ تُقدَّر بـ86 مليون جنيه إسترليني هذا العام.
ومع ذلك، تقول صحيفة الغارديان إن محاولتنا لاكتشاف الوظائف العامة التي أنجزها أفراد العائلة الملكية على وجه التحديد مقابل كل هذه الأموال ليست واضحة ومباشرة. وجَّه القصر الصحفيين إلى نشرة المحكمة، السجل الرسمي لأنشطتهم. ومع ذلك، فإن المعلومات متاحة فقط في الإصدارات اليومية، بدون مجاميع ولا توجد طريقة للبحث بسهولة عن المشاركات التي قام بها أفراد العائلة الملكية في السنوات الأخيرة.
إذا كان للمملكة المتحدة عائلة ملكية وتعمل عمل رئيس الدولة، فمن المؤكد أنه يجب أن يكون لمواطنيها وصول أسهل إلى المعلومات حول ما يفعلونه لهم بالضبط.
ما الذي يُخفَى عن الجمهور البريطاني؟
يتضح التباين بين الطريقة التي نتعامل بها مع الشخصيات العامة العادية وأولئك الذين يصادف أن لديهم دماء ملكية عندما يموتون. بموجب القانون البريطاني، تكون الوصايا علنية، وذلك جزئياً لمنع الاحتيال أو سوء التصرف من قبل المنفذين. ومع ذلك، فإن وصايا العائلة الملكية تُخفى روتينياً بواسطة القضاة. كان الحدث التاريخي الذي أدى إلى ظهور هذه العادة هو التستر على فضيحة جنسية ملكية.
حتى عام 1911، كانت وصايا عائلة وندسور -بخلاف وصايا الملك- عامة، مثل أي عائلة بريطانية أخرى. بدأ القضاء بفرض الرقابة عليهم بناءً على طلب الملكة ماري بعد وفاة شقيقها فرانسيس، دوق تيك، لإخفاء قراره بتوريث المجوهرات لامرأة كان على علاقة بها.
تمكن أفراد العائلة الملكية منذ ذلك الحين من طلب إخفاء وصاياهم. وكشفت الصحف الرسمية أن مسؤولين حكوميين كباراً شككوا بجدية في الأساس القانوني لهذه العملية قبل نصف قرن، لكنها استمرت بلا هوادة.
بعد وفاة الأمير فيليب عام 2021، عقد رئيس محكمة الأسرة، السير أندرو ماكفارلين، جلسة استماع سرية استُبعدت منها وسائل الإعلام في الواقع. ذهب القاضي إلى أبعد من الحكم بأن وصية فيليب فقط يجب أن تُخفَى، وأعلن أن وصايا جميع كبار أفراد العائلة الملكية يجب أن تظل سرية لمدة 90 عاماً على الأقل.
لم يشرح ماكفارلين بشكل كامل كيف وصل إلى رقم الـ90 عاماً في الحكم. يمكن الكشف عن وصايا العائلة الملكية بعد ذلك الوقت، ولكن فقط بإذن من وندسور.
عندما نُشِرَ حكم ماكفارلين على الملأ، وظَّفت صحيفة The Guardian محامين لتقديم طعن قانوني ليس بشأن قرار إخفاء الوصية، ولكن بشأن استبعاد وسائل الإعلام من جلسة الاستماع، على أساس أنه يتعارض مع مبدأ العدالة المفتوحة. خسرت الصحيفة القضية بعد أن قضت محكمة الاستئناف بأن وسائل الإعلام ليس لها الحق في إخطارها.