مات عشرات الآف من الشباب في أكثر معارك الحرب دموية، وهم يقاتلون لأجل مدينة يصفها الخبراء بأنها متوسطة، إن لم تكن قليلة الأهمية، فلماذا يصر الجانبان الأوكراني والروسي على خوض معركة باخموت، التي توصف بأنها الأشرس في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية؟
وهل تستخدم كييف المدينة كفخ للروس، أم أن الجيش الروسي نفسه يستغلها كفخ لمرتزقة فاغنر، وهل تصبح معركة باخموت ستالينغراد أوكرانيا؟
ومدينة فاغنر هي مدينة صغيرة في إقليم دونباس، في شرق أوكرانيا، تستهدفها روسيا منذ شهور، بقتال ضار ودمار كبير، فيما أصبحت أطول معارك الحرب وأكثرها دموية.
وتعيد المعركة العنيفة للأذهان القصة الشهيرة لمعركة ستالينغراد الروسية خلال الحرب العالمية الثانية، التي أصر الزعيم النازي أدولف هتلر على اقتحامها، رغم أنه يعتقد أنه كانت لديه خيارات عسكرية أفضل، ولكن يعتقد أن أحد دوافع هتلر لغزو المدينة هو أنها تحمل اسم غريمه زعيم الاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت جوزيف ستالين.
وبعد أن كان الجيش الألماني يكتسح الأراضي السوفييتية، علق في ستالينغراد في حرب شوارع لم يكن معداً لها، حيث دارت المعارك أحياناً داخل الشقة الواحدة، حيث كان الجندي يسأل فيها هل حررت المطبخ، وكان الجنود الألمان والسوفييت يتبادلون إطلاق النار عبر ثقوب الأسقف التي تفصل طوابق البناية الواحدة، وأدت هذه المعركة إلى إضعاف الجيش الألماني وهزيمته لاحقاً.
زعيم فاغنر يعترف بخسائر قواته ولكنه يقول إنه دمر الجيش الأوكراني
وأقر رئيس مجموعة "فاغنر" العسكرية الروسية الخاصة يفجيني بريغوغن، الأربعاء الماضي، بأن المعركة من أجل السيطرة على مدينة باخموت الأوكرانية ألحقت ضرراً بالغاً بقواته، وكذلك بالجانب الأوكراني.
وقال بريغوغن في رسالة صوتية: "المعركة من أجل باخموت اليوم دمرت بالفعل عملياً الجيش الأوكراني، وللأسف ألحقت أيضاً ضرراً بالغاً بشركة فاغنر العسكرية الخاصة".
ويسيطر الروس على نحو ثلثي المدينة، بينما يسيطر الأوكرانيون على ثلثها، حسب الجانب الأوكراني، وينفي الأوكرانيون أنهم تعرضوا للحصار داخل المدينة.
ويقول مسؤولون روس إن قواتهم لا تزال تكتسب أرضاً في المعارك الدائرة في شوارع مدينة باخموت، لكن القوات أخفقت حتى الآن في تطويق المدينة بالكامل وإجبار الأوكرانيين على الانسحاب، كما بداً مرجحاً قبل أسابيع.
في المقابل، روج القادة الأوكرانيون، الجمعة الماضية، لأحدث نجاحاتهم في صد القوات الروسية في باخموت، حيث يواصلون الدفاع عن المدينة في شرق أوكرانيا، على الرغم من انخفاض مخزونات الذخيرة والضغط من بعض المسؤولين الغربيين للانسحاب.
وقال جنرال أمريكي كبير، إن معركة باخموت تحولت إلى "مهرجان ذبح" لروسيا،
من المرجح أن مجموعة المرتزقة الروسية فقدت عشرات الآلاف من المقاتلين في باخموت.
ويأتي ذلك وسط علامات استفهام حول أسباب حرص الجانبين الروسي والأوكراني على خوض معركة مكلفة بهذا الشكل، حول مدينة متوسط الأهمية الاستراتيجية، حسب وصف تقارير وخبراء غربيين.
وأفادت تقارير إعلامية غربية بأن الأمريكيين اقترحوا على الأوكرانيين مراراً الانسحاب من المدينة ذات الأهمية الاستراتيجية المتوسطة، التي لا تستحق كل هذه الخسائر.
والأمر نفسه ينطبق على الروس، وهناك تكهنات بأن قيادة الجيش الروسي دفعت بمرتزقة فاغنر لخوض المعركة لأسباب ليست عسكرية، بل تتعلق بالصراع بين قائد فاغنر وقادة الجيش على النفوذ.
مع استمرار الهجمات الروسية، هناك مخاوف في بعض الدوائر في كييف من أن إصرار الرئيس فولوديمير زيلينسكي العنيد على القتال في المدينة يمكن أن يضعف الإمكانات الهجومية لجيش أوكرانيا، بحسب تقرير لصحيفة the Guardian البريطانية.
ودعا ليودميلا بويميستر، النائب الذي كان في السابق جزءاً من حزب زيلينسكي في البرلمان للانسحاب من المدينة، كما دعا قائد القوات الخاصة الأوكرانية في منتصف مارس/آذار 2023، إلى انسحاب تكتيكي للحفاظ على أرواح الأوكرانيين، وقال إنها حرب خاسرة.
بداية معركة باخموت
وبدأت القوات الروسية بمهاجمة باخموت، في مايو/أيار الماضي، وهو قطاع من الجبهة تديره مجموعة فاغنر الخاصة، التي استخدمت السجناء بكثافة في هجمات تتشكل من موجات بشرية.
لكن الروس بدأوا فقط في التقدم بجدية، في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط، عندما تلقت قوات فاغنر مساعدة من نخبة المظليين الروس.
الآن الروس يهددون بقطع طرق الإمداد من الشمال والجنوب.
وانتقلت القوات الروسية إلى ضواحي المدينة الصغيرة، وتقاتل القوات الأوكرانية الآن بهجمات من الشمال والشرق والجنوب، وطريقهم الوحيد إلى الغرب يقع تحت نيران المدفعية الروسية.
إنها مسلخ بشري
المدينة المهجورة من المدنيين أصبحت مسلخاً، حسب وصف تقرير لموقع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".
كان يعيش بها نحو 70 ألف مدني قبل الحرب، أصبح عددهم الآن نحو 4 آلاف.
"الشهر الماضي، قال زعيم فاغنر "الوضع في باخموت صعب، وصعب للغاية، العدو يقاتل من أجل كل متر".
وأضاف: "كلما اقتربنا من وسط المدينة، زادت صعوبة المعارك وزادت المدفعية، فالأوكرانيون يرمون احتياطيات لا نهاية لها في القتال.
وتقول القوات الأوكرانية إن الخسائر الروسية تفوق خسائرهم بكثير، لكن الروس ينشرون تقنيات جديدة لمحاولة الاستيلاء على المدينة والريف المحيط بها.
وتقول القوات الأوكرانية لهيئة الإذاعة البريطانية "BBC" إن الروس أكثر منهم عدداً.
وحفر الأوكرانيون خنادق في أعماق الأرض لحماية أنفسهم من المدفعية الروسية التي تقصفهم من على مسافة قريبة.
وقال الجنرال مارك ميلي، رئيس الأركان الأمريكي إن جهود روسيا للسيطرة على باخموت أصبحت "مهرجان مذبحة" لقواتها، حسبما ورد في موقع business insider الأمريكي.
وقال إن روسيا لم تحرز تقدماً منذ حوالي 20 يوماً، وإن أوكرانيا "تتعرض لضغوط".
وتريد روسيا على الأرجح انتصاراً رمزياً في باخموت، لكن تقدمها هناك كان يتباطأ.
وتقدر أوكرانيا رسمياً أن روسيا تخسر سبعة جنود مقابل كل قتيل من جنودها، ومؤخراً قالت روسيا إنها قتلت أكثر من 220 جندياً أوكرانياً خلال 24 ساعة في معركة باخموت، لا يمكن التحقق من أي من هذه الأرقام بشكل مستقل.
في مقابلة صحفية، قال اثنان من مجندي فاغنر الأسرى لصحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، إنهم قبل إرسالهم يتلقون القليل من التدريب بخلاف تعلم الزحف عبر الغابات في الظلام. بعد ستة أشهر من الخدمة في الجبهة سيتم إطلاق سراحهم، بافتراض بقائهم على قيد الحياة.
خسائر فاغنر
لم ينشر الجيشان الروسي والأوكراني الأرقام الرسمية للضحايا في باخموت أو في أي مكان آخر.
فقدت مجموعة مرتزقة فاغنر الروسية عشرات الآلاف من مقاتليها- ربما ما يصل إلى نصف قوتها البالغ قوامها 50 ألفاً- خلال أشهر من المعارك الدموية للاستيلاء على مدينة باخموت الأوكرانية الرئيسية، وفقاً لما نقلته صحيفة the New York Post الأمريكية عن محللين غربيين.
وأفاد معهد دراسة الحرب الأمريكي "ISW" في آخر تحديث له عن الحرب أنه وفقاً للمسؤولين الغربيين، من المرجح أن تكون مجموعة فاغنر قد فقدت أعداداً كبيرة" من جنودها، والتي من المتوقع أن تعيق هجوم موسكو في المنطقة الشرقية بأوكرانيا.
رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال مارك ميلي، أفاد يوم الأربعاء الماضي أن مجموعة فاغنر لديها حوالي 6000 موظف محترف، و20 إلى 30 ألف مجند، معظمهم مدانون، يقاتلون في منطقة باخموت.
في أواخر ديسمبر/كانون الأول، وضع المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، جون كيربي، حجم قوة فاغنر عند 50 ألف مقاتل، أكثر من ثلاثة أرباعهم سجناء تم تجنيدهم من السجون الروسية.
قضى المرتزقة شهوراً في محاولة الاستيلاء على باخموت، حيث كان القتال شرساً، لدرجة أنه أصبح يعرف باسم "طاحونة اللحوم".
وخلص محللو ISW إلى أن "من المرجح أن الفرق بين رقم كيربي البالغ 50 ألفاً في أوكرانيا، وتقدير ميلي من 26 إلى 36 ألفاً في منطقة باخموت هو نتيجة لإصابات من هجوم فاغنر الاستنزافي على باخموت".
قال إيان ستابس، كبير المستشارين العسكريين لبعثة المملكة المتحدة لدى منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، يوم الخميس إن 30 ألف فرد عسكري روسي، ومن فاغنر، قتلوا أو أصيبوا في منطقة باخموت، منذ يوليو/تموز الماضي.
وتزعم بعض المصادر الغربية أن الخسائر الأوكرانية تدور حول خُمس الخسائر الروسية.
وذكر تحديث لمعهد دارسات الحرب الأمريكي أن القوات الروسية وقوات فاغنر عانت بشكل خاص من خسائر كبيرة في باخموت وحولها في الأسابيع الأخيرة، وأنها بحاجة ماسة إلى تجديد أفرادها.
ستستمر هذه الخسائر في القوى العاملة في تقييد العمليات الهجومية الروسية في منطقة باخموت، وكذلك مسرح العمليات الأوسع، ومن المرجح أن تهدد خسائر فاغنر الكبيرة قدرتها على الحفاظ على دورها المؤثر بين القوات الروسية التي تقاتل في أوكرانيا.
الأوكرانيون يفقدون مقاتلين مخضرمين مقابل جنود روس غير مدربين أغلبهم سجناء سابقون
خلال الشهرين الماضيين، تقدمت القوات الروسية بشكل مطرد، في محاولة لتطويق باخموت. قال قائد القوات البرية الأوكرانية، الجنرال أولكسندر سيرسكي، إن قواته ستستمر في المقاومة. يقول: "كل يوم من المقاومة الصامدة يُكسبنا وقتاً ثميناً لتقليل قدرات العدو الهجومية"، ويرسل المزيد من التعزيزات إلى المنطقة.
ولذا لا يبدو أن الروس وحدهم هم من سقطوا في فخ باخموت، يموت الأوكرانيون هناك أيضاً بأعداد متزايدة.
تقدرها المخابرات الغربية بأن أوكرانيا تخسر جندياً واحداً لكل خمسة روس، أي من بين أربعة آلاف لستة آلاف جندي أوكراني سقطوا في المعركة، لكن خسائرها القتالية تشمل بعضاً من أكثر جنودها خبرة، حسبما ورد في تقرير صحيفة the Guardian البريطانية.
بينما الجزء الأكبر من خسائر الروس هم من السجناء المجندين في فاغنر.
يقول جندي أوكراني يحارب في المدينة: "كنت أتساءل أنا في نفسي إذا استمررنا في الدفاع عن باخموت، فمن ناحية ما يحدث هنا الآن فظيع، ولا توجد كلمات لوصفه، لكن البديل هو أن نتخلى عن باخموت وننتقل إلى مستوطنة أخرى. ما الفرق بين الدفاع عن بخموت أو أي قرية أخرى؟".
لماذا يصر الأوكرانيون على هذه المعركة المكلفة؟
أمر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في وقت سابق من هذا الشهر المزيد من القوات بالدفاع عن المدينة وحرمان الروس من النصر.
في مقابلة مع وكالة أسوشيتد برس الأمريكية مؤخراً، جادل زيلينسكي بأنه إذا استولت روسيا على باخموت، فإن الرئيس فلاديمير بوتين سيستغل الوضع لإنشاء تحالف دولي، من شأنه أن يفرض صفقة وقف إطلاق النار على أوكرانيا بشروطه.
قال زيلينسكي عن بوتين: "إذا شعر برائحة بعض الدم- وأننا ضعفاء- فسوف يدفع ويدفع ويدفع المزيد من الضغط".
أوكرانيا تصر على أن هناك استراتيجية منطقية لديها وراء مواصلة القتال على باخموت.
قال قائد القوات البرية الأوكرانية، الجنرال أولكسندر سيرسكي، الشهر الماضي، إنه كان يستخدم الدفاع عن باخموت لكسب الوقت، حتى تتمكن أوكرانيا من شن هجوم الربيع المتوقع. وقال سيرسكي أيضاً إن أوكرانيا تستغل الفرصة لقتل أكبر عدد ممكن من القوات الروسية وإنهاك احتياطياتها، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
وقال سيرسكي في بيان: "من الضروري كسب الوقت لبناء احتياطيات وشن هجوم مضاد، وهو ليس ببعيد". "الجنود الأوكرانيون يتسببون بأكبر قدر ممكن من الخسائر، ولا يدخرون أنفسهم ولا العدو".
وبينما ينقسم المحللون حول الأهمية الاستراتيجية لباخموت كجائزة عسكرية، فإن المدينة اكتسبت مكانة سياسية مهمة، حيث قام الجانبان بضخ موارد كبيرة في القتال. حذرت كييف من أن سقوط المدينة سيمنح القوات الروسية مساراً واضحاً أعمق في مقاطعة دونيتسك، التي ادعى الكرملين أنه ضمها إلى روسيا العام الماضي. سيوفر الاستيلاء على المدينة أيضاً للكرملين انتصاراً عسكرياً يروجه أمام جمهوره المحلي.
الغرب يقول إن معركة باخموت هي فخ نصبه الجنرالات الروس لمرتزقة فاغنر
المعركة من أجل باخموت تطحن مرتزقة فاغنر، وبينما يستمتع يفغيني بريغوزين، الرئيس القتالي لمجموعة فاغنر العسكرية الخاصة الروسية، بدوره كحليف بوتين المقرب، ومتمرد مناهض للمؤسسة العسكرية، ولكن العلامات تتزايد على أن النخبة في موسكو قد تركته عالقاً في باخموت، وأنها تستغل المعركة لتقليم أظافره إن لم يكن التخلص منه.
راهن بريغوجين على قدرة مرتزقته على رفع العلم الروسي، بعد السيطرة الكاملة على المدينة، وذلك لتحقيق نصر يبدو كبيراً لموسكو هو الأول منذ هزائمها في خاركييف وخيرسون.
وأنفق بريغوجين، المعروف بلقب طباخ بوتين، بكثافة على تجنيد ما يصل إلى 40 ألف سجين لرميهم في المعركة، ولكن بعد أشهر من القتال الطاحن والخسائر المذهلة، يكافح بريغوجين لتجديد صفوف فاغنر، ويتهم وزارة الدفاع الروسية بمحاولة خنق قوته.
ويعتقد عديد من الغربيين من المحللين أن شكوكه لها قدر من الصحة.
وأن المؤسسة العسكرية الروسية تستخدم "طاحونة اللحوم" في باخموت لتقزيم بريغوجين، أو القضاء عليه كقوة سياسية تماماً، حسبما ورد في تقرير لموقع شبكة CNN الأمريكية.
لأسابيع، اشتكى بريغوجين وقادته من عدم كفاية إمدادات الذخائر عندما كانوا يحاولون تطويق وأخذ باخموت.
في رسالة فيديو قبل بضعة أسابيع، قال بريغوجين: "نحن بحاجة إلى الجيش لحماية الطريق إلى باخموت، إذا تمكنوا من القيام بذلك، فسيكون كل شيء على ما يرام. إذا لم يكن الأمر كذلك فسيتم تطويق فاغنر مع الأوكرانيين داخل باخموت".
عندما يكون بريغوجين في أمسّ الحاجة إلى دعم القوات الروسية النظامية وتدفق موثوق للذخائر، لا يبدو أن أياً منهما متاح.
الخلاف بين وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو وقائد مرتزقة فاغنر، أقدم من معركة باخموت، حيث ظهر للعلن في هجوم الخريف الأوكراني الذي كان أكبر نكسة للروس، منذ بداية الحرب، وشهد تراجعات في إقليم خاركيف بشمال شرقي أوكرانيا، وخيرسون في الجنوب لصالح الأوكرانيين.
آنذاك وجّه بريغوجين نقداً لاذعاً لشويغو والجنرالات، بسبب ما وصفه بعدم الكفاءة والفساد.
وبعد أيام من إهانة القوات الأوكرانية للجيش الروسي في خاركيف في سبتمبر/أيلول الماضي، ظهر بريغوجين في سجن روسي؛ لتصوير فيديو تجنيد للسجناء مقابل الحصول على العفو.
وبالفعل، كانت وزارة الدفاع الروسية تقيد بشكل متزايد، قدرة بريغوجين على تجنيد المدانين وتأمين الذخيرة، مما أجبر بريغوجين على الاعتراف علناً باعتماده على الوزارة، وفقاً لمعهد الدراسات الدولية.
في بعض الأحيان، كانت انتقادات بريغوجين شخصية: فقد سخر من صهر شويغو لعيشه في دبي خلال العام الجديد. كانت هناك أيضاً دلائل على أنه كان يتعاون مع القوميين الروس المتطرفين الذين انتقدوا بالقدر نفسه طريقة سير الحملة العسكرية.
لكن شويغو، وزير الدفاع لأكثر من عقد، سياسي ماهر، حيث قام بتصميم تغييرات في القيادة العليا حرمت بريغوجين من الحلفاء، وعزز الجنرالات الذين انتقدهم بريغوجين.
ورغم ذلك حققت فاغنر مكاسب تدريجية حول باخموت، ويحتفظ الآن بالجزء الشرقي من المدينة. ولكن يبدو أن المرتزقة غير قادرين على توليد قوة كافية لطرد القوات الأوكرانية من بقية باخموت.
يقدر مركز أبحاث معهد دراسة الحرب (ISW) الذي يتخذ من واشنطن مقراً له، أن وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو "من المرجح أن يغتنم الفرصة لاستنزاف كل من قوات فاغنر وقوات النخبة الروسية عمداً في باخموت؛ في محاولة لإضعاف بريغوجين سياسياً".
خلال الجدل المحتدم بين الطرفين، اتهم المعلق أليكسي مخين، عضو مركز أبحاث نادي فالداي المرتبط بالكرملين، بريغوجين في منشور على تليغرام، بوجود طموحات سياسية لديه، حتى الرغبة في الوصول للرئاسة، وهذا اتهام خطير في روسيا البوتينية.
ادعى مخين أيضاً أن بريغوجين كان قائداً غير كفء يحاول إخفاء عيوبه من خلال إلقاء اللوم على الجيش، مضيفاً: "لقد عرّض مقاتلي فاغنر لخطر كبير من التطويق من الهجوم المضاد المتوقع".
ردّ بريغوجين: "بما أنه ليس لدي أي طموحات سياسية، من فضلك أعطنا الذخيرة".
ربما فوجئ بريغوجين أيضاً بالعزم الأوكراني على القتال من أجل باخموت. قال مقاتل من فاغنر: "إنهم يقاتلون بشراسة من أجل كل منزل، ولا يريدون المغادرة، ويرسلون باستمرار مزيداً من الاحتياطيات"
وقال أحد الجنود الأوكرانيين في مقابلة تلفزيونية: "طالما أن هناك جبهة مستقرة، وطالما أن هناك إمدادات مستقرة، وطالما كان هناك إجلاء مستقر للجرحى، فمن الواضح أنه يجب الاستمرار بالمدينة".
يقول مارك غاليوتي، مراقب الكرملين، الذي يكتب في The Spectator: "يسعد بوتين بمنح رواد الأعمال السياسيين الذين يدورون حوله درجة من الاستقلالية إذا وعدوا بنتائج، لكنه سيتخلص منهم بسهولة إذا فشلوا في الوفاء بتعهداتهم".
مستقبل المعركة
في حين أن الروس قد يحيطون باخموت من ثلاث جهات، فإن مبانيها المركزية مرتفعة ومشيدة جيداً، وتحتوي العديد منها أيضاً على أقبية واسعة، حسبما يقول أولكسندر، المتحدث باسم اللواء 24 الأوكراني.
هذا يجعل الدفاع عن باخموت أسهل من تشاسيف يار، القرية التالية والتي تبعد ثمانية أميال غرباً.
ومع حلول فصل الربيع وانتهاء شتاء أوكرانيا البارد، يتحول الحديث إلى هجوم كييف المضاد المحتمل، والذي قد تتوقف عليه نتيجة الحرب.
وقد يكون هدف أوكرانيا من عملية الدفاع عن باخموت لمدة 10 أشهر، هو تضييع الوقت على الروس حتى تصل الدبابات التي وعد بها الغرب أوكرانيا.
وبالفعل وصلت مؤخراً 31 دبابة من طراز Leopard 2 من ألمانيا والسويد والبرتغال إلى أوكرانيا، إضافة إلى 14 دبابة تشالنجر 2 من المملكة المتحدة.
وقد يبدأ الهجوم الأوكراني المضاد في غضون أسابيع، ولكن لا أحد يعرف هل سينجح أم لا؟