عندما حذر الرئيس الأمريكي جو بايدن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو صراحة من أنه "لا يمكنه الاستمرار في هذا الطريق" من التعديلات القضائية في إسرائيل، أثار استجابةً تصدر عادةً من "أعداء الولايات المتحدة وليس حلفاءها"، كما تقول صحيفة New York Times الأمريكية؛ حيث قال نتنياهو، الأربعاء 29 مارس/آذار: "إسرائيل دولة ذات سيادة تتخذ قراراتها بإرادة شعبها ولا تستند إلى ضغوط من الخارج، بما في ذلك من أفضل الأصدقاء"، متهماً الرئيس الأمريكي بالتدخل في سياسات دولة أخرى. وهو بالضبط ما كان بايدن ينوي القيام به.
لماذا تختمر مواجهة باين مع نتنياهو منذ سنوات؟
تقول الصحيفة الأمريكية إن هذه التصريحات كانت إيذاناً لافتاً لذلك النوع من الخلافات التي تحدث عادةً في السر. لكن كانت هناك عوامل أخرى تختمر لسنوات عديدة بين نتنياهو وبايدن.
ما من حبٍ عميق بين الرجلين، ورغم الواجهة "اللطيفة" لعلاقتهما منذ عقود والتزامهما المشترك بـ"الدفاع عن إسرائيل". لم يبذل نتنياهو جهداً خاصاً لإخفاء دعمه للرئيس دونالد ترامب في انتخابات عام 2020، موضحاً تفضيله للرئيس الذي قدم له كل ما طلبه، بما في ذلك نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس وعدم إيلاء اهتمام كبير للفلسطينيين، بينما كان ينحاز إلى جانب إسرائيل في ضمها للأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية.
انخرط نتنياهو نفسه، في نظر بايدن، في ما كان ربما أجرأ تدخل في العملية التشريعية الأمريكية في التاريخ الحديث، عندما وصل إلى واشنطن في عام 2015 وخاطب الكونغرس، مستنكراً الاتفاق النووي المعلق مع إيران ووصفه بأنه "الكابوس الذي سيضمن تقريباً حصول إيران على الكثير من تلك الأسلحة النووية".
في ذلك الوقت، أنكر نتنياهو أنه كان يتدخل في السياسة الأمريكية، وفي المقابل أصر على أنه كان يطرح رأيه ضد صفقة يعتقد أنها ستضعف أمن إسرائيل. ومع ذلك، وصف المسؤولون السابقون الذين ساعدوا في تشكيل السياسة الأمريكية الإسرائيلية في الإدارات السابقة الأزمة الحالية بأنها غير عادية.
أزمة غير مسبوقة بين تل أبيب وواشنطن
يقول آرون ديفيد ميللر، الباحث في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي والمفاوض السابق للسلام في الشرق الأوسط بوزارة الخارجية: "هذا لا يشبه أي أزمة أخرى في العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل".
وقال ميللر وآخرون إن الأسابيع الأخيرة غيرت بشكل كبير تصورات الولايات المتحدة عن نتنياهو، مقلِّلةً الثقة بشكل كبير لدى مسؤولي إدارة بايدن في إمكانية احتواء الخلافات مع الزعيم الإسرائيلي وحكومته اليمينية.
تصاعد الصراع بعد الاقتراحات التي أدلى بها السفير الأمريكي في إسرائيل، يوم الثلاثاء 28 مارس/آذار، بأن نتنياهو سيكون موضع ترحيب في واشنطن في وقت قريب. لكن بايدن أوضح أن مثل هذه الدعوة لم تكن واردة. وعندما سئل عما إذا كان نتنياهو سيُدعى إلى البيت الأبيض، أجاب الرئيس: "لا، ليس في المدى القريب".
واجه نتنياهو مؤخراً محاكمة فساد وأطيح به في عام 2021 ليعاد انتخابه كرئيس للوزراء في العام التالي. ومنذ ذلك الحين، راهن على نصيبه مع القوى السياسية شديدة التطرف، فشكل ائتلافاً يمينياً متطرفاً دفع مسؤولي إدارة بايدن بشكل خاص إلى التساؤل عن مدى سيطرة نتنياهو على الأجنحة المتطرفة لديه التي جعلته قوياً.
محاولات لتسوية الخلاف بين نتنياهو وبايدن
لقد وضعت هذه المراوحات التي يقوم بها نتنياهو الرئيس الأمريكي في موقف حرج هذا الأسبوع؛ حيث استضاف البيت الأبيض قمة "مكرسة لتعزيز المُثُل الديمقراطية"، حتى مع استمرار الحكومات المتحالفة في اختبار هذه المُثُل، كما تقول صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
ويقول منتقدو نتنياهو إن "خطته لتغيير تركيبة السلطة القضائية في إسرائيل تشكل تهديداً وجودياً للتقاليد الديمقراطية منذ 75 عاماً". إن إعلان نتنياهو بأنه سيوقف خطة منح الحكومة سيطرة أكبر على المحكمة العليا -مما قد يسمح لإدارته بإنهاء محاكمة الفساد المستمرة ضده- جعل مسؤولي إدارة بايدن يأملون في أنه سيواصل السعي إلى حل وسط دائم.
لذا سعى كلٌّ من نتنياهو وإدارة بايدن إلى تسوية أي خلاف، حيث قال جون كيربي، المتحدث باسم البيت الأبيض، في إفادةٍ صحفية، إن هناك "الكثير مما يعجب بايدن" بشأن نتنياهو.
قال كيربي: "لقد تحدث عن البحث عن حل وسط. تحدث عن العمل من أجل بناء إجماع هنا فيما يتعلق بهذه الإصلاحات القضائية المحتملة. تحدث عن معرفته بمدى صلابة العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل".
وتحدث نتنياهو عملياً في قمة الديمقراطية في البيت الأبيض يوم الأربعاء، وقال إن "إسرائيل والولايات المتحدة كانت بينهما خلافات عرضية، لكني أريد أن أؤكد لكم أن التحالف بين أعظم ديمقراطية في العالم وديمقراطية قوية، فخورة ومستقلة، وهي إسرائيل، في قلب الشرق الأوسط لا يتزعزع. لا شيء يمكن أن يغير ذلك".
أزمة الاستيطان لا تزال تعمق الخلافات بين الطرفين
يواجه بايدن أيضاً مخاوف محلية تختمر بشأن المستوطنات. في 9 مارس/آذار، أرسل 92 من أعضاء مجلس النواب الديمقراطيين رسالة حثوا فيها بايدن على "استخدام جميع الأدوات الدبلوماسية المتاحة لمنع إسرائيل من إلحاق المزيد من الضرر بالمؤسسات الديمقراطية في البلاد وتقويض حل الدولتين المحتمل للفلسطينيين".
إن مسألة المستوطنات، رغم أن الإصلاح القضائي قد طغى عليها إلى حد كبير، من المحتمل أن تؤدي إلى مزيد من الصدع في العلاقات بين تل أبيب وواشنطن، كما تقول الصحيفة الأمريكية. وكانت إدارة بايدن تضغط على تحالف نتنياهو منذ شهور لكبح النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة، دون نجاح يذكر.
في الأسبوع الماضي فقط، انتقدت وزارة الخارجية بشكل واضح حكومة نتنياهو لموافقتها على إجراء من شأنه أن يسمح للمستوطنين بالعودة إلى مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة التي أُخلِيَت في عام 2005، مما يمثل استفزازاً للفلسطينيين يُحتَمل أن ينفجر.
ما التالي؟
يقول محللون إن ما سيأتي بعد ذلك بالنسبة لبايدن يعتمد بشكل كبير على كيفية سير الأحداث داخل إسرائيل. يمكن لنتنياهو الموافقة على بعض المقاربة التوفيقية للإجراءات القضائية المقترحة، كما أوصى بايدن، وقمع المظاهرات الحاشدة داخل بلاده. من شأن ذلك أن ينقل الأمر من الواجهة السياسية ويسمح لبايدن بالعودة إلى أشكال أكثر خصوصية من التملق.
إذا مضى نتنياهو إلى الأمام واستمرت المظاهرات، فقد يضطر بايدن إلى اتخاذ موقف أكثر صرامة -خاصةً إذا زاد القلق بين الديمقراطيين في الكونغرس، الذين يعبرون صراحةً بشأن مخاوفهم بصورة متزايدة. في غضون ذلك، انتقد الجمهوريون الرئيس ووصفوه بأنه يمارس قسوةً غير ضرورية على نتنياهو مقارنةً بالقادة الآخرين الذين دعاهم إلى البيت الأبيض، على حد وصفهم.