خرج الصراع المكتوم على السلطة في السودان بين الرجلين القويين اللواء عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو للعلن في الأشهر الأخيرة؛ مما يضع البلاد على المحك بسبب الأوراق التي يمتلكها كل منهما.
قال محللون عسكريون ومدنيون، وكذلك دبلوماسيون غربيون، لموقع Middle East Eye البريطاني إن هناك المزيد من مؤشرات التصعيد، وسط محاولات الوساطة بين الجانبين، لكن الصراع لا يمكن إيقافه.
حافظ البرهان وحميدتي، على تحالف غير مستقر منذ انقلاب أكتوبر/تشرين الأول 2021 بقيادة البرهان، والذي شهد وضع الجيش محل الحكومة الانتقالية التي قادها المدنيون في السودان. لكن كلا الرجلين لهما مصادر مختلفة للسلطة والثروة، بالإضافة إلى رعاة دوليين مختلفين.
أوراق الضغط التي يمتلكها كل منهما
بصفته قائداً للقوات المسلحة السودانية، يسيطر البرهان على مجمع صناعي عسكري كبير. كما يعد الرجل المُفضَّل لدى مصر، جارة السودان، والشخصيات الإسلامية التي تولت السلطة في فترة الرئيس السابق عمر البشير، الذي أُطيحَ من السلطة في عام 2019.
ويسيطر حميدتي، الذي كان في السابق على رأس ميليشيات الجنجويد سيئة السمعة في دارفور والمعروفة حالياً بـ"قوات الدعم السريع"، على مناجم الذهب في المنطقة المضطربة وله مؤيدون مؤثرون في الإمارات والسعودية.
التقى كل من البرهان وحميدتي بأعضاء رفيعي المستوى من الحكومات الأمريكية والروسية والإسرائيلية، كما شوهد حميدتي في موسكو عندما غزت روسيا أوكرانيا.
في غضون ذلك، أصر الوسطاء الدوليون بين الممثلين المدنيين والعسكريين على توقيع الأطراف المعنية المختلفة على اتفاق نهائي بحلول منتصف أبريل/نيسان على أبعد تقدير. سيتضمن الاتفاق الإطاري دستوراً جديداً وسيشكل الأساس لحكومة مدنية جديدة.
يُعتقد أن الصفقة تصب في صالح حميدتي، وهو أحد الأسباب التي جعلت رئيس قوات الدعم السريع يدعمها علناً. وتدعو مسودة الاتفاقية النهائية التي اطلع عليها موقع Middle East Eye إلى دمج قوات الدعم السريع داخل القوات المسلحة السودانية، بالإضافة إلى حركات التمرد السابقة.
اختُتِمَت ورشة عمل بين ممثلي المدنيين والعسكريين وقوات الدعم السريع، الأربعاء 30 مارس/آذار، دون التوصل إلى أي توصيات نهائية، مع اشتداد الخلافات حول دمج القوات شبه العسكرية وانسحاب وفد الجيش فجأة من الجلسة الختامية.
وتواصل لجان المقاومة، التي كانت في قلب الثورة المستمرة في السودان، معارضة الصفقة. وقال خالد محمود، عضو لجان المقاومة، إن الصفقة لن تحقق أي استقرار سياسي أو أمني.
أخبر المحللون موقع Middle East Eye أنه مع وجود العديد من القضايا التي لا تزال دون حل، فمن غير المرجح أن يتم التوصل إلى اتفاق بحلول منتصف أبريل/نيسان.
علامات الصراع
يستيقظ أهالي الخرطوم كل صباح على بوادر توتر مختلفة بين الجيش وقوات الدعم السريع. وقد أدى هذا الوضع إلى قلق الكثيرين من وقوع مواجهات مباشرة بين مجموعتيّ المقاتلين.
خلال الأسابيع الماضية، شوهدت عمليات إعادة انتشار مكثفة للقوات وإجراءات أمنية جديدة -بما في ذلك بناء أسوار عالية جديدة- حول مقر الجيش في الخرطوم. أُغلِقَت الجسور وفُتِحَت من قِبَلِ الجيش دون إبداء أي سبب واضح.
وتعمل نقاط تفتيش أمنية مشددة في أنحاء العاصمة السودانية وتكثف عمليات تفتيش المسافرين الذين يصلون إلى مطار الخرطوم.
وكثَّف كبار المسؤولين من كل من الجيش وقوات الدعم السريع خطابهم العلني، حيث يتسابق كل من حميدتي والبرهان للحصول على الدعم الإقليمي والدولي.
في يناير/كانون الثاني، زار البرهان دولة تشاد. وفي اليوم التالي، وصل حميدتي إلى نفس البلد. بعد ذلك بيومين، وصل وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين إلى الخرطوم، وقال حميدتي إنه لم يُبلَغ بالزيارة.
وفي فبراير/شباط 2023، في أعقاب الزلازل المدمرة التي ضربت تركيا وسوريا، أرسلت القوات المسلحة السودانية طائرة مساعدات إنسانية إلى تركيا. بعد أسبوع، أرسلت قوات الدعم السريع طائرة منفصلة خاصة بها.
وفي مارس/آذار، تصاعد التنافس، حيث دعا البرهان إلى دمج قوات الدعم السريع في الجيش. رد حميدتي بتحدٍّ، قائلاً إنه يأسف لانقلاب أكتوبر/تشرين الأول 2021 الذي ساعد فيه مع البرهان.
إعادة دمج قوات الدعم السريع
أشعلت قضية إعادة دمج قوات الدعم السريع الموقف، حيث قال قائد الجيش وعضو مجلس السيادة، شمس الدين كباشي، صراحةً إنه لا سبيل للسودان ليكون له جيشان، وإنه على هذا النحو، يجب ضم قوات الدعم السريع إلى صفوف الجيش.
بعد أيام قليلة، ألمح عبد الرحيم دقلو، الأخ القوي لحميدتي، إلى أن الوقت قد حان لكي يسلم الجيش السلطة إلى الشعب السوداني.
وقاد مبعوثون غربيون في السودان، بالإضافة إلى السعودية والإمارات وتحالف قوى الحرية والتغيير المدني، الوساطة بين الجانبين العسكريَّين.
وقال دبلوماسي غربي، فضل عدم الكشف عن اسمه، لموقع Middle East Eye إن المحادثات لا تزال جارية حيث اختلف الجانبان حول كيفية دمج قوات الدعم السريع، والإطار الزمني لذلك وغيرها من الجوانب الفنية.
ومن مجالات الخلاف الأخرى نفوذ ووجود رجال الدين الإسلاميين في الجيش منذ عهد البشير. أصر حميدتي على معالجة هذه القضية، بينما ينكر ممثلو الجيش نفوذ الإسلاميين داخل القوات المسلحة السودانية.
وبحسب ما ورد، ينوي البرهان تشكيل ما يسميه "المجلس الأعلى للجيش"، مما يعني فعلياً عزل حميدتي من منصبه كنائب لرئيس البلاد.
العملية السياسية
قال مصدر مقرب من قوى الحرية والتغيير إن التحالف المدني وحميدتي يدعمان الاتفاق الإطاري ويريدان اتفاقاً نهائياً يتم التوصل إليه بحلول منتصف أبريل/نيسان. واتهم المصدر الجيش بإفساد الاتفاق ودعم تحالف يضم حركتي معارضة سابقتين رفضتا الاتفاق.
هاتان الحركتان المعارضتان السابقتان هما حركة تحرير السودان بقيادة حاكم دارفور ميني ميناوي، وحركة العدل والمساواة برئاسة وزير المالية الحالي جبريل إبراهيم.
يهدف هذا الاتفاق النهائي إلى إنهاء نظام الانقلاب العسكري، وانسحاب الجيش من السياسة، وتمكين السيطرة المدنية على السلطتين التنفيذية والتشريعية في ظل كيان مدني ذي سيادة.
ويمثل الأجهزة الأمنية مجلس للأمن القومي والاستخبارات برئاسة رئيس الوزراء.
لكن هناك قضايا مهمة أخرى لم تُعالَج بشكل صحيح، بما في ذلك إصلاح الجيش، والعدالة الانتقالية، وتفكيك النظام السابق، ومراجعة اتفاقية جوبا للسلام مع الحركات المتمردة، والأزمة في شرق السودان، حيث سيطرت الجماعات المحلية على موانئ البلاد وتطالب بمزيد من الحكم الذاتي.
روسيا والغرب
يُستكمَل الصراع الداخلي على السلطة ويتصاعد من خلال منافسة القوى العظمى بين روسيا والغرب، فضلاً عن مشاركة دول الخليج ومصر.
وأثبت موقع Middle East Eye وجود مرتزقة مجموعة فاغنر في السودان وكذلك جمهورية إفريقيا الوسطى المجاورة، بينما يُصدَّر الذهب والموارد الأخرى إلى روسيا لمساعدة جهود موسكو الحربية في أوكرانيا.
قال محلل سياسي، طلب عدم نشر اسمه، لموقع Middle East Eye إن قوات الدعم السريع تقف إلى جانب روسيا في السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى، بينما كان الجيش يدعم الغرب، بما في ذلك الولايات المتحدة والدول الأوروبية.
وقال المحلل إن الدول الغربية وضعت طرد المرتزقة الروس وشركات الذهب من السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى وليبيا على رأس قائمة أولوياتها السياسية، وكانت أكثر اهتماماً بذلك من العملية السياسية في السودان.
اعتقلت المخابرات العسكرية السودانية أو استدعت حوالي 60 روسياً واتهمتهم بتهريب الذهب من ولاية نهر النيل.
قال رئيس شركة الصلج، التي تولت في عام 2021 العمليات السودانية لشركة مروي غولد التي فرضت عليها الولايات المتحدة عقوبات، لموقع Middle East Eye إن شركته استُهدفت كجزء من المحاولات الغربية لاحتواء الاستثمارات الروسية.
منافس حميدتي القديم
ظهر عنصر آخر في الصراع بين البرهان وحميدتي عندما وافق الجيش السوداني على صفقة مع ثماني حركات دارفورية كجزء من المفاوضات التي رعتها قطر.
ومن بين قيادات هذه الجماعات موسى هلال، زعيم الجنجويد السابق الذي اعتقله خصمه اللدود حميدتي في عام 2017 خلال أيام البشير. صادر البشير مناجم ذهب هلال في شمال دارفور وسلمها لقائد قوات الدعم السريع.
أُطلق سراح هلال، المتهم -مثل حميدتي- بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان في دارفور، من سجن بالخرطوم في مارس/آذار 2021. وقال زعيم متمردين سابق لموقع Middle East Eye إن إطلاق سراح زعيم قبيلة حميدتي كان خطوة من قبل الجيش للضغط عليه. ونفى الجيش مؤخراً تجنيد مقاتلين لهلال.