"الذكاء الاصطناعي سيسرق وظائف البشر"، هذا هو الهاجس الأكبر الذي يسيطر على الكثيرين حالياً بعد إطلاق برنامج شات GPT، ولكن علماء النفس وعلماء السلوك يرون جانباً آخر؛ فلقد بدأوا في دراسة كيف يؤثر استخدام برامج الذكاء الاصطناعي المتطورة على الإبداع البشري والأحكام واتخاذ القرارات.
ويصف البعض برنامج شات GPT وبرامج الذكاء الاصطناعي التوليدية الأخرى بأنها مدمرة للوظائف ومحفزة قوية للإنتاجية في الوقت ذاته. ويبحث العلماء والمطورون في قدرات ونقاط ضعف هذه الأدوات. ولكن تدور أسئلة لا تقل أهمية عن تأثيرها على مهارات وقدرات البشر.
فاحتمالية زيادة حضور برامج الذكاء الاصطناعي المتطورة في مكان العمل تثير مجموعة من الأسئلة عن تأثيرها على أحكام البشر واتخاذ القرارات، حسبما ورد في تقرير لموقع Axios الأمريكي.
هل يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى إطلاق الإبداع البشري؟
الذكاء الاصطناعي التوليدي، خاصة الذي يولد الصور، بإجاباته الواثقة، وإن كانت خاطئة في كثير من الأحيان، قد يكون لديه المزيد ليقدمه في المجالات التي لا تتطلب إجابة واحدة وإنما يكون تقديم مجموعة من الاحتمالات مقبولاً أو حتى مرغوباً.
وبهذا المعنى، قد يتحول برنامج شات GPT وغيره من البرامج المماثلة إلى "منصة لإطلاق الإبداع".
وقد يضع الذكاء الاصطناعي أيضاً تعريفاً جديداً للإنتاجية في مكان العمل، وفقاً لما تراه تارا بيرند، التي تدرس علم النفس الصناعي والتنظيمي في جامعة بوردو الفرنسية.
لكن معيار الإبداع أو الأصالة يختلف من شخص لآخر، وما يمكن اعتباره إبداعاً قد لا يكون أمراً محدداً للناس أو للذكاء الاصطناعي.
هل تغير برامج مثل شات GPT طريقة تفكير البشر؟
الأشخاص من حولنا يمكنهم التأثير على قراراتنا واستنتاجاتنا، فهل ينطبق ذلك على الذكاء الاصطناعي على البشر؟
يقول غوراف سوري، عالم النفس التجريبي وعالم الأعصاب الحسابي في جامعة ولاية سان فرانسيسكو الأمريكية: "حين يدخل الذكاء الاصطناعي مكان العمل، فالسؤال المهم هنا: ما التأثيرات الاجتماعية التي يحتمل أن يؤدي إليها العمل مع برنامج شات GPT؟. معظم الناس لا يستخدمونه بهذه الطريقة الآن، لكنني أظن أن هذا سيحدث مستقبلاً".
وأشار إلى تجربة كلاسيكية عن الكيفية التي يتوافق بها الناس: إذ أجرى عالم النفس الاجتماعي مظفر شريف تجارب في ثلاثينيات القرن الماضي عن الأعراف الاجتماعية والتوافق باستخدام ما يُعرف باسم تأثير الحركة الذاتية. فلو وُضع شخص ما في غرفة مظلمة وأُنير له ضوء، سيبدو له متحركاً رغم أنه ثابت.
وطلب شريف من المشاركين في الدراسة – بشكل فردي ثم في مجموعات- تقدير مدى تحرك الضوء.
ووجد أنه في المجموعات، استخدم الناس تقديرات الآخرين لتدقيق تقديراتهم، وبذلك تحقق التوافق.
ويتساءل سوري: "كيف ستتغير هذه العملية إذا تفاعلنا مع برنامج اصطناعي بنفس الطريقة التي نتفاعل بها مع زملائنا البشر؟. هل سيغير هذا الشريك الذي نتفاعل معه الدرجة التي يدعم بها الناس فكرة ما؟".
هل يثق الناس أكثر في التقدير البشري أم الذكاء الاصطناعي؟ الإجابة قد تكون مفاجئة
يقول معظم الناس عند سؤالهم عن إن كانوا يفضلون اتخاذ قرار بتقدير بشري أم بخوارزمية إنهم يفضلون التقدير البشري.
فحتى الآن، يبدو أن الناس لديهم شعور عام "بعدم الثقة في الآلات والخوارزميات"، وفقاً لما تقوله كيارا لونغوني، عالمة السلوك في جامعة بوسطن.
ولكن حين يُسأل الناس عن الاختيار بين التقديرات البشرية أو الخوارزميات للخروج بتنبؤات محددة، فإنهم يفضلون النصائح الخوارزمية على البشرية، وفقاً لما تقوله جينيفر لوغ من جامعة جورج تاون الأمريكية، مستشهدة بنتائج مجموعة من الدراسات التي أجرتها هي وزملاؤها في بحث غير منشور. وهذه النتائج تؤكد نتائج أبحاث سابقة.
هل العلاقة مع الذكاء الاصطناعي تشبه الزمالة أو الصداقة؟
وتطرح لونغوني السؤال: "كيف سيغير التفاعل مع هذه النماذج شديدة التطور تصورنا للذكاء الاصطناعي؟".
ويدرس الباحثون أيضاً إن كان الحوار مع برنامج دردشة آلي يمدنا بإلهامات مثلما تفعل الدردشة مع زميل، وما إن كان التعاون مع الذكاء الاصطناعي يغير نظرتنا للعمل النافع، وهو ما تدرسه لونغوني.
قد يوفر وظيفة جديدة وهي تحفير الذكاء الاصطناعي
لو كانت أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية تؤثر على التفكير النقدي، فإن تعلم كيفية العمل معها، يشمل تحفيزها للخروج بالمعلومات المطلوبة.
قد يتحول هذا العمل إلى مهارة وظيفية جديدة للبشر يدرجونها في سيرهم الذاتية.
يقول سوري: "البحث في الطريقة التي يغير بها ChatGPT تفاعل الإنسان مع الأشياء، هذا هو العالم الجديد الشجاع".