قبل نحو أسبوع كانت طائرة الرئيس الصيني شي جين بينغ تحط في العاصمة الروسية موسكو، وكانت أعين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ومن خلفه دول غربية والولايات المتحدة تراقب نتائج هذه الزيارة، التي قد تمنح بكين لعب دور دبلوماسي في هذه الأزمة.
الرئيس الأوكراني اعتبر أن الزيارة استمرار لدعم الصين لسياسات بوتين في أوكرانيا، لكن في الوقت نفسه لم يأمل أن تلعب بكين دور الوسيط لوقف هذه الحرب نظراً لمكانتها وقوتها على المسرح العالمي.
في الوقت ذاته انتقد زيلينسكي تباطؤ تدفق السلاح الغربي على بلاده لمواجهة السلاح الروسي، الأمر الذي اعتبر البعض أن هناك رغبة لدى الرئيس الأوكراني في الضغط على الغرب عن طريق الصين.
نهج حذر تجاه الصين
وبعد ساعات من انتهاء شي جين بينغ من مأدبة عشاء رسمية، أقيمت في قصر فخم من القرن الخامس عشر، حيث أشاد بـ"الدور الإيجابي" لبكين في غزو الرئيس فلاديمير بوتين، أرسلت روسيا سرباً من الطائرات من دون طيار إلى أوكرانيا، التي تسبّبت في مقتل 7 أشخاص في بلدة جنوب العاصمة كييف، بحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
وتعليقاً على الهجوم، كتب زيلينسكي: "في كل مرة يسمع شخص كلمة سلام في موسكو، يصدر أمر آخر هناك بمثل هذه الضربات الإجرامية".
ولم يشِر زيلينسكي في بيانه إلى زيارة الزعيم الصيني للعاصمة الروسية، وهو إغفال واضح يقول محللون إنه يسلط الضوء على نهجه الحذر تجاه الصين.
وفي هذا السياق، قال يوري بويتا، الخبير في العلاقات الصينية الأوكرانية في شبكة الأبحاث الجيوسياسية الجديدة ومقرها كييف: "بالطبع، راقبت أوكرانيا المحادثات عن كثب. وحقيقة أنَّ شي سافر إلى موسكو، تعبيراً عن دعمه لبوتين.. هذه ليست أخباراً جيدة لأوكرانيا".
وفي حين أنَّ القلق في كييف بشأن تعميق التعاون الاقتصادي والعسكري بين البلدين لم يتصاعد إلا بعد رحلة شي إلى موسكو، فمن المستبعد أن يقول زيلينسكي ذلك بصوت عالٍ. وأوضح بويتا: "بالنسبة لأوكرانيا، من المهم عدم جعل الوضع أسوأ مع الصين. لماذا تُغضِب التنين بينما تقاتل دباً بالفعل؟".
منذ بداية الحرب، تجنّب المسؤولون الأوكرانيون انتقاد الصين علناً، على الرغم من قرار بكين تقديم شريان حياة اقتصادي حاسم لموسكو خلال الحرب. إذ تُظهِر البيانات التجارية أنَّ الصين تدخّلت لتزويد روسيا بكميات كبيرة من المنتجات للاستخدامات المدنية والعسكرية، بما في ذلك المواد الخام وشرائح الحاسوب، وهي موارد حيوية لموسكو للحفاظ على مورادها العسكرية متدفقة.
وبينما هاجم زيلينسكي المجر وحتى ألمانيا بسبب علاقاتهما مع روسيا، تواصل أوكرانيا رسمياً التأكيد على أنَّ علاقتها مع الصين تمثل "شراكة استراتيجية". وفي محاولة لتجنب الغضب الصيني، امتنعت كييف العام الماضي عن إدانة الصين في تصويت للأمم المتحدة بشأن اضطهاد البلاد لأقلية الإيغور المسلمة.
دعوة الصين للعب دور الوساطة
وفي مقابلة الصيف الماضي، دعا زيلينسكي الصين إلى استخدام نفوذها السياسي والاقتصادي الهائل على روسيا لإنهاء القتال. وصرح لصحيفة The South China Morning Post: "إنها دولة قوية للغاية، واقتصاد قوي؛ لذلك يمكنها التأثير سياسياً واقتصادياً في روسيا. والصين عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة".
ومنذ ذلك الحين، نمت طموحات شي على المسرح العالمي. في الشهر الماضي، اقترحت بكين خطة سلام من 12 نقطة للتعامل مع الحرب. وجددت الورقة إلى حد كبير نقاط حديث بكين حول حرب أوكرانيا، مع دعوات للحوار، واحترام السيادة الإقليمية لجميع الدول، وإنهاء العقوبات الاقتصادية. وحثت جميع الأطراف على تجنب التصعيد النووي، لكنها لم تقترح بحسم سحب روسيا لقواتها.
وعلّق مسؤولون في واشنطن أنَّ خطة السلام الصينية ستضفي الشرعية على غزو روسيا للأراضي في أوكرانيا بينما تمنح موسكو الوقت للاستعداد لهجوم جديد.
من جانبه، بدا زيلينسكي أكثر تحفظاً. وقال للصحفيين بعد إعلان الصين اقتراحها للسلام: "حقيقة أنَّ الصين بدأت تتحدث عن أوكرانيا ليست سيئة. لكن السؤال هو ما الذي يلي الكلمات؟".
وأضاف الرئيس الأوكراني: "أرى أنَّ بعض المقترحات الصينية تحترم القانون الدولي، وأعتقد أنه يمكننا العمل على ذلك مع الصين. ولم لا؟ هدفنا هو جمع الكثيرين من حولنا لعزل واحدة [روسيا]. ونود أن نعقد اجتماعاً مع الصين".
ومنذ ذلك الحين، نأت كييف بنفسها عن خطة السلام من خلال التأكيد على موقفها الرسمي بأنَّ أية محادثات ستتوقف على الاستعادة الكاملة للأراضي الأوكرانية.
قنوات حوار خلفية
وكتب أوليكسي دانيلوف، أمين مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني، في تغريدة على تويتر، يوم الاثنين 20 مارس/آذار: "النقطة الأولى والرئيسية في تركيبة التنفيذ الناجحة لخطة السلام الصينية هي استسلام أو انسحاب قوات الاحتلال الروسية".
وسيتابع المراقبون الآن عن كثب ما إذا كانت ستنعقد مكالمة شي المخطط لها مع زيلينسكي أم لا، كما ذكرت سابقاً صحيفة The Wall Street Journal.
وفي إشارة خفية على أنَّ الصين لا تزال تواصل الحوار مع أوكرانيا، ذكرت صحيفة People's Daily -الصحيفة الرئيسية للحزب الشيوعي الصيني- زيلينسكي بالاسم هذا الأسبوع، وهي المرة الأولى التي تفعل فيها ذلك منذ أكتوبر/تشرين الأول 2022، وفقاً لمجموعة أبحاث China Media Project.
وصرح شخص مقرب من الإدارة الرئاسية الأوكرانية: "ما زالت أوكرانيا تأمل في أن تتمكن الصين من الاضطلاع بدور ما في المستقبل. وهي الفاعل الوحيد الذي لديه في هذه المرحلة أي نفوذ حقيقي على روسيا. لذا من الحكمة إبقاء الحوار مفتوحاً".