السلاح الخارق للدروع.. ما هو اليورانيوم المنضب؟ ولماذا يتم استخدامه في الذخائر الحربية؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/03/22 الساعة 11:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/03/22 الساعة 13:02 بتوقيت غرينتش
الصواريخ المضادة للدروع أحد أبرز استخدامات اليورانيوم المنضب

أعادت الحرب الروسية على أوكرانيا إلى الواجهة الجدل الدائر حول استخدام اليورانيوم المنضب في المعارك، وذلك في أعقاب تصريحات بريطانية بشأن إمداد كييف بقذائف اليورانيوم المنضب، وتهديدات الرئيس الروسي بالرد حال قامت لندن بإتمام هذا الأمر.

فما هو اليورانيوم المنضب؟ وما هي ذخائر اليورانيوم المنضب؟ ولماذا تدخل هذه المادة في الصناعات الحربية؟ وهل لها استخدامات سلمية؟ والأهم من هذا، ما هي آثارها السلبية على الصحة والبيئة؟

اليورانيوم المنضب

من أجل إنتاج الوقود النووي الذي تعمل به المفاعلات النووية السلمية أو تلك المخصصة لإنتاج الأسلحة النووية، يستخدم اليورانيوم الطبيعي (اليورانيوم المستخرج من الطبيعة) لإنتاج اليورانيوم المخصب من خلال عملية يطلق عليها اسم "تخصيب اليورانيوم".

يحتوي اليورانيوم الطبيعي على 3 نظائر رئيسية هي: اليورانيوم 238 (أكثر من 99%)، واليورانيوم 235 (حوالي 0.72%)، واليورانيوم 234 (حوالي 0.005%). عملية تخصيب اليورانيوم يقصد بها زيادة كمية نظير اليورانيوم 235 (إلى ما بين 2-94% حسب طبيعة الاستخدام المطلوب) عبر إزالة النظائر الأخرى؛ لأن هذا النظير هو المستخدم في المفاعلات والأسلحة النووية.

ينتج اليورانيوم المنضب أو اليورانيوم المستنفد كنتيجة ثانوية لعملية التخصيب هذه، بعد إزالة اليورانيوم المخصب. التعريف الرسمي لليورانيوم المنضب، الذي قدمته هيئة التنظيم النووي الأمريكية (NRC)، هو اليورانيوم الذي تكون النسبة المئوية لوزن اليورانيوم 235 فيه أقل من 0.711%، ويكون نظير اليورانيوم 238 هو المكون الرئيسي له.

اليورانيوم 235
اليورانيوم 235 هو المستخدم في المفاعلات

الاستخدامات السلمية لليورانيوم المنضب

بسبب كثافته العالية، يستخدم اليورانيوم المنضب في العديد من الاستخدامات المدنية مثل الأثقال الموازنة في الطائرات، والوقاية من الإشعاع في العلاج الإشعاعي الطبي، ومعدات التصوير الإشعاعي الصناعي، وحاويات نقل المواد المشعة.

الحماية من الإشعاع

يعتبر اليورانيوم المستنفد أفضل وسيلة للوقاية من الإشعاع بسبب الوزن الذري المرتفع لذرات اليورانيوم؛ فاليورانيوم هو أثقل عنصر طبيعي. الرصاص هو أثقل عنصر غير إشعاعي ويعد البديل الأكثر شيوعاً ومنخفض التكلفة، لكن يجب أن يكون درع الرصاص أكبر بثلاث مرات من درع اليورانيوم المنضب لتوفير حماية مكافئة.

تشتمل كاميرات التصوير الصناعية على مصدر إشعاع جاما عالي النشاط. غالباً ما يستخدم اليورانيوم المستنفد في الكاميرات كدرع لحماية الأفراد من أشعة جاما.

التلوين في المنتجات الاستهلاكية

يستخدم اليورانيوم المنضب في بعض المنتجات الاستهلاكية مثل بورسلين الأسنان الاصطناعية لمحاكاة تألق الأسنان الطبيعية.

تم استخدام اليورانيوم المستنفد على نطاق واسع كمواد تلوين للخزف والزجاج في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. لكن تم إيقاف هذه الممارسة إلى حد كبير في أواخر القرن العشرين.

ضبط الأوزان في الطائرات

قد تحتوي الطائرات التي تحتوي على هذا اليورانيوم على أوزان لتثبيت الأجنحة وأسطح التحكم (مثل بوينغ 747-100).

اليورانيوم
الإشعاع في اليورانيوم المنضب أقل من اليورانيوم الطبيعي

الاستخدامات العسكرية لليورانيوم المنضب

اليورانيوم المنضب كثيف جداً، وتصل كثافته إلى 19050 كغم/ م 3، وبالتالي هو 1.67 مرة أكثر كثافة من الرصاص وأقل بقليل من التنجستن والذهب، و84% مثل الأوزميوم أو الإيريديوم، وهما أكثف المواد المعروفة على سطح الأرض.

الذخائر المضادة للدروع

الخصائص الفيزيائية والكيميائية لليورانيوم تجعله مناسباً جداً للاستخدامات العسكرية. يستخدم اليورانيوم المستنفد في تصنيع الذخائر المستخدمة لاختراق الدروع، مثل تلك الموجودة في الدبابات، إذ يستخدم في مخاريط مقدمة الصاروخ أيضاً.

قذيفة اليورانيوم المنضب ذات الكتلة المعينة لها قطر أصغر من قذيفة الرصاص المكافئة. يُفضل اليورانيوم المنضب على المعادن الأخرى، بسبب كثافته العالية، وطبيعته التلقائية للاشتعال (يشتعل اليورانيوم المنضب عند تعرضه لدرجات حرارة من 600 درجة إلى 700 درجة وضغوط عالية)، وخاصية أنه يصبح أكثر حدة حيث يخترق تصفيح الدروع.

عند الاصطدام بالأهداف، يشتعل اليورانيوم المنضب، ويتفكك إلى أجزاء، تشكل رذاذاً من الجسيمات (غبار اليورانيوم المنضب) الذي يعتمد حجمه على زاوية التأثير، وسرعة المخترق، ودرجة الحرارة. قد تشتعل القطع الصغيرة وتحترق مما يجعل طلقات اليورانيوم المنضب حارقة.

يستخدم سلاح مشاة البحرية الأمريكي اليورانيوم المنضب في طلقة PGU-20 مقاس 25 ملم التي أطلقها مدفع GAU-12 Equalizer، وكذلك في مدفع M197 عيار 20 ملم المركب على طائرات الهليكوبتر AH-1 Cobra.

كما يستخدم في الطلقات المضادة للدروع مثل قذائف 120 ملم التي تطلق من دبابات تشالنجر 1 وتشالنجر 2 البريطانية، وقذائف دبابات أبرامز M1A1 وM1A2.

الدروع

بسبب كثافته العالية، يمكن أيضاً استخدام اليورانيوم المنضب في دروع الدبابات، المحصورة بين صفائح من ألواح الصلب المدرعة. الدروع المصنوعة من اليورانيوم المستنفد أكثر مقاومة لاختراق الذخائر التقليدية المضادة للدروع من الدروع التقليدية المصنوعة من الصلب المدلفن.

على سبيل المثال، بعض دبابات أبرامز M1A1 وM1A2 التي تم تصنيعها مؤخراً بعد عام 1998 تحتوي على وحدات يورانيوم منضب مدمجة في الدرع، كجزء من الطلاء المدرع في مقدمة الهيكل ومقدمة البرج.

إف جي أم-148 جافلن هو صاروخ أمريكي محمول موجه مضاد للدروع/ U.S. Army photo

النشاط الإشعاعي

يعتبر اليورانيوم المنضب أقل نشاطاً إشعاعياً من اليورانيوم الطبيعي؛ لأنه لا يحتوي فقط على كمية أقل من اليورانيوم 234 و235، لكن أيضاً لأن كل المواد النشطة إشعاعياً الناجمة عن تحلل اليورانيوم تتم إزالتها أثناء الاستخراج والمعالجة الكيميائية لليورانيوم قبل التخصيب. ورغم ضعف نشاطه الإشعاعي فإن هذا الإشعاع يستمر لآلاف السنوات بسبب نصف عمره الطويل.

مثل أي مادة مشعة، هناك خطر الإصابة بالسرطان من التعرض للإشعاع المنبعث من اليورانيوم الطبيعي والمستنفد. يُفترض أن يكون هذا الخطر متناسباً مع الجرعة المتلقاة.

أوصت اللجنة الدولية للحماية من الإشعاع بحدود التعرض للإشعاع وتم اعتمادها في معايير الأمان الأساسية للوكالة الدولية للطاقة الذرية. الحد الأقصى للجرعة السنوية لأي فرد من الجمهور هو 1 ملي سيفرت، بينما الحد المقابل للعامل في مجال الإشعاع هو 20 ملي سيفرت.

يُفترض أن يكون الخطر الإضافي للإصابة بالسرطان القاتل المرتبط بجرعة 1 ملي سيفرت حوالي 1 من 20000. ينبغي النظر في هذه الزيادة الطفيفة في المخاطر على مدى الحياة في ضوء خطر إصابة شخص واحد من كل خمسة بسرطان قاتل. وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن السرطان قد لا يظهر إلا بعد سنوات عديدة من التعرض لمادة مشعة.

مخاطر استخدام اليورانيوم المنضب على الصحة

يمكن أن يتأثر الأداء الطبيعي للكلى والدماغ والكبد والقلب والعديد من الأجهزة الأخرى بالتعرض لليورانيوم؛ لأن اليورانيوم معدن سام، على الرغم من أنه أقل سمية من المعادن الثقيلة الأخرى، مثل الزرنيخ والزئبق.

فيما يتعلق بالتعرض لليورانيوم المنضب، كانت هناك دراسات حول صحة الأفراد العسكريين الذين شاركوا بحرب الخليج (1990-1991) ونزاعات البلقان (1994-1999). عدد قليل من قدامى المحاربين في حرب الخليج لديهم شظايا مغروسة في أجسادهم من اليورانيوم المنضب. هؤلاء كانوا موضوع دراسة مكثفة وتم نشر النتائج. أظهر هؤلاء المحاربون القدامى مستويات عالية من إفراز اليورانيوم المنضب في البول، ولكن حتى الآن، لم تكن هناك آثار صحية ملحوظة بسبب اليورانيوم المنضب في هذه المجموعة.

وطبقاً للموقع الرسمي للوكالة الدولية للطاقة الذرية، كانت هناك أيضاً دراسات وبائية عن صحة الأفراد العسكريين الذين شهدوا تلك النزاعات؛ حيث تم استخدام اليورانيوم المنضب، ومقارنتها بصحة الأفراد الذين لم يكونوا في مناطق الحرب. تم نشر نتائج هذه الدراسات والاستنتاج الرئيسي هو أن قدامى المحاربين أظهروا زيادة طفيفة (ليست ذات دلالة إحصائية) في معدلات الوفيات، ولكن هذا الفائض ناتج عن الحوادث وليس المرض. لا يمكن ربط هذا بأي حالات تعرض لليورانيوم المنضب.

يتمثل الخطر الرئيسي المحتمل المرتبط بذخائر اليورانيوم المستنفد في استنشاق الهباء الجوي الناتج عن إصابة ذخائر اليورانيوم المنضب بهدف مدرع. سيكون الحجم والتوزيع والتركيب الكيميائي للجسيمات المنبعثة عند الاصطدام متغيراً بدرجة كبيرة، لكن جزء الهباء الجوي الذي يمكن أن يدخل الرئة يمكن أن يصل إلى 96%.

التركيب النموذجي لهذه الهباء الجوي هو حوالي 60% من ثالث أكسيد اليورانيوم، 20% ثاني أكسيد اليورانيوم. يعتبر كل من ثاني وثالث أكسيد اليورانيوم مركبات غير قابلة للذوبان. الأفراد الأكثر احتمالاً لتلقي أعلى جرعات من ذخائر اليورانيوم المنضب هم أولئك القريبون من الهدف في وقت الاصطدام أو أولئك الذين يفحصون الهدف (أو يدخلون دبابة) في أعقاب الاصطدام.

مسار التعرض المحتمل لأولئك الذين يزورون أو يعيشون في المناطق المتضررة من اليورانيوم المنضب بعد استقرار الهباء الجوي هو استنشاق جزيئات اليورانيوم المنضب في التربة بعدما تثيره الرياح أو الأنشطة البشرية. ستكون المخاطر أقل؛ لأن جزيئات اليورانيوم المعاد تعليقها تتحد مع مواد أخرى وتزداد في الحجم، وبالتالي، فإن جزءاً أصغر من اليورانيوم المستنشق سيصل إلى الجزء العميق من الرئتين.

مخاطر اليورانيوم المنضب
مخاطر اليورانيوم المنضب

هناك طريقة أخرى محتملة للتعرض وهي الابتلاع غير المقصود أو المتعمد للتربة. على سبيل المثال، يمكن للمزارعين الذين يعملون في حقل تم إطلاق ذخائر اليورانيوم المنضب فيه أن يبتلعوا عن غير قصد كميات صغيرة من التربة، بينما يتعمد الأطفال أحياناً أكل التراب.

على المدى الطويل، فإن مسارات التعرض التي تزداد أهمية هي تناول اليورانيوم المنضب المتضمن في مياه الشرب والسلسلة الغذائية من خلال الهجرة من التربة أو الترسيب المباشر على الغطاء النباتي. إن مخاطر تناول الطعام والماء منخفضة بشكل عام، لأن اليورانيوم لا يتم نقله بشكل فعال في السلسلة الغذائية.

عام 1997، حذر أطباء الجيش البريطاني وزارة الدفاع من أن التعرض لليورانيوم المستنفد يزيد من خطر الإصابة بسرطان الرئة والليمفاوية والدماغ، وأوصوا بسلسلة من احتياطات السلامة. وفقاً لتقرير صادر يلخص نصيحة الأطباء، سيؤدي استنشاق غبار ثاني أكسيد اليورانيوم غير القابل للذوبان إلى التراكم في الرئتين. على الرغم من انخفاض السمية الكيميائية، فقد يكون هناك ضرر إشعاعي موضعي في الرئة تؤدي إلى السرطان. يحذر التقرير من أن جميع الأفراد يجب أن يكونوا على دراية بأن استنشاق غبار اليورانيوم ينطوي على مخاطر طويلة الأمد وثبت أنه يزيد من مخاطر الإصابة بسرطان الرئة والليمفاوية والدماغ".

تأثير اليورانيوم المنضب على البيئة

أظهرت الدراسات أن معظم غبار اليورانيوم المنضب يستقر في غضون فترة زمنية قصيرة (دقائق) وعلى مقربة من الموقع المستهدف، على الرغم من أنه قد يتم نقل الجسيمات الأصغر إلى مسافة عدة مئات من الأمتار بفعل الرياح.

يمكن أن ينتقل اليورانيوم المنضب الموجود في التربة إلى المياه السطحية والجوفية ويتدفق إلى مجاري المياه. سوف تمتص النباتات أيضاً اليورانيوم المنضب الموجود في التربة والمياه. ينتج جزء صغير جداً من اليورانيوم المنضب في الغطاء النباتي والماء عن الترسيب المباشر على الأسطح المائية.

سيتم نقل اليورانيوم المنضب في الماء والغطاء النباتي إلى الماشية من خلال تناول العشب والتربة والماء. أظهرت الدراسات أن التراكم الحيوي لليورانيوم في النباتات والحيوانات ليس مرتفعاً جداً، وبالتالي لا يتم نقل اليورانيوم بشكل فعال في السلسلة الغذائية.

سيكون اليورانيوم المنضب في التربة في صورة كيميائية مؤكسدة وقابلة للذوبان وينتقل إلى المياه السطحية والجوفية ويتم دمجه في السلسلة الغذائية. من الصعب التنبؤ بالوقت الذي سيستغرقه حدوث ذلك.

تحميل المزيد