"أول انسحاب إسرائيلي من أرض فلسطينية والوحيد حتى الآن"، هكذا يمكن وصف الانسحاب الإسرائيلي من غزة، الذي تم عام 2005، والذي يبدو أن المتطرفين الإسرائيليين نادمون عليه، فما هي خطة فك الارتباط مع غزة وأسباب إأصرار أشرس جنرالات إسرائيل عليها، وهل تمثل فشلاً في مسيرة الدولة العبرية؟ ولماذا ألغتها حكومة نتنياهومؤخراً؟
بالتزامن مع قرار إسرائيل مؤخراً، إلغاء خطة فك الارتباط التي أدت للانسحاب من غزة، قالت وزيرة الاستيطان والمهام الوطنية، أوريت ستروك، للقناة السابعة الإسرائيلية، من داخل مستوطنة "حوميش"، شمالي الضفة الغربية المحتلة، إن المستوطنات التي انسحبت منها تل أبيب في قطاع غزة عام 2005، "جزء من أرض إسرائيل، وسيأتي اليوم الذي نعود فيه إليه"، حسب زعمها.
وقالت: "نحن بصدد رؤية وطنية مختلفة، لا أعرف كم سنة سيستغرق الأمر، لكن لسوء الحظ، فالعودة إلى غزة ستشمل أيضاً تضحيات كثيرة، فالحديث يدور عن جزء من أرض إسرائيل، سيأتي يوم نعود إليه"، حسب تعبيرها.
ماذا يعني إلغاء إسرائيل خطة فك الارتباط مع غزة؟
الأخطر أن الحكومة الإسرائيلية في فبراير/شباط الماضي اتخذت قراراً غريباً، هو موافقة اللجنة الوزارية الإسرائيلية على إلغاء خطة "فك الارتباط أحادية الجانب" التي نفذتها عام 2005 وبموجبها انسحبت من غزة، مما أثار تساؤلات حول هل يعني ذلك تفكير الجيش الإسرائيلي في إعادة اجتياح القطاع، حسبما ورد في تقرير لموقع "إندبندنت عربية".
ومن الناحية النظرية يعني إلغاء الخطة، إمكانية عودة الاحتلال لغزة، ولكن على الأرجح إلغاء القانون هدفه المستوطنات الأربع في شمال الضفة، التي كانت تشملها الخطة، إذ يلغي مشروع القانون قرار الانفصال عن المستوطنات "غانيم" و"كاديم" و"حوميش" و"سانور" التي تم تفكيكها عام 2005، في إطار المساعي التي تهدف إلى شرعنة بؤر استيطانية عشوائية شمالي الضفة الغربية المحتلة.
وتؤكد خطة فك الارتباط الإسرائيلية، في أحد بنودها، أن مشروع شارون يأتي من أجل تقوية المستوطنات في الضفة الغربية.
ويعد "فك الارتباط" خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون، والتي نفذها عام 2005، وتضمنت انسحاباً كاملاً للجيش والمستوطنين من قطاع غزة.
وتعد خطة "فك الارتباط" قانوناً في إسرائيل، إذ عرضها شارون على الكنيست (ولكن رفض عرضها على استفتاء شعبي) وحصلت حينها على تصويت غالبية أعضائه.
وحسب تفسير شارون للخطة، ومن تبعه من قيادات إسرائيلية، فإن هذه الخطوة لا تعني أن غزة، التي تم الانسحاب منها أرض فلسطينية، بل إنها أراضٍ إسرائيلية، ولكن الواقع الديموغرافي حينها كان يقتضي فك الارتباط للمحافظة على نقاء الدولة، وتخفيف الاحتكاك مع المسلحين في غزة.
واحتلت "إسرائيل" قطاع غزة خلال حرب يونيو/حزيران عام 1967، بعد أن استولت عليه من مصر التي كانت تديره منذ نكبة 1948، ليظل القطاع تحت الاحتلال مدة 38 عاماً.
وظلت إسرائيل تحتل القطاع وتدير حتى شؤونه المدنية حتى مجيء السلطة الفلسطينية عام 1994، فأسندته للسلطة، فيما أبقت على قواتها في مجمعات ومستوطنات مركزية داخل القطاع، كان يحتلها أكثر من 6 آلاف مستوطن، بينما كان يُفترض أن تمنع السلطة الهجمات الفلسطينية ضد قوات الاحتلال والمستوطنين، وهو ما لم تتمكن منه؛ حيث تحول القطاع لمعقل للمقاومة، ولم تستطع إسرائيل القضاء على المقاومة به مثلما فعلت في الضفة.
وفي 12 سبتمبر/أيلول 2005 من عام انتهى الانسحاب الإسرائيلي من غزة، وتم إخلاء مستوطناتها منه، بعد مضي 38 عاماً على احتلاله عام 1967، في حدثٍ فريد من نوعه، حيث لم يسبق لإسرائيل أن أخلت أرضاً استولت عليها منذ احتلالها فلسطين عام 1948م.
ولا تزال صور آليات الجيش الإسرائيلي وهي تخرج تباعاً من أراضي القطاع وفي مقابلها أهالي غزة الذين خرجوا ابتهاجاً بانتصارهم حاضرة في الأذهان حتى اليوم.
الجدول الزمني للانسحاب
عام 2003م: اقترح رئيس وزراء الاحتلال الأسبق أرييل شارون في مؤتمر هرتسيليا خطة تفكيك المستوطنات في غزة، والتي أسماها خطة "فك الارتباط"، والتي تهدف للتركيز على المستوطنات في الضفة بالأساس.
في أبريل/نيسان 2004م، وخلال قمة واشنطن، التي جمعت بين الرئيس الأمريكي جورج بوش، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، طرح أريئيل شارون، النص الكامل لخطة (فك الارتباط)، الخاصة بجلاء المستوطنين عن قطاع غزة، وعن أربع مستوطنات في شمال الضفة الغربية، من بين (120) مستوطنة، أقامتها إسرائيل خلال سنوات الاحتلال، هناك.
وجاء عرض الخطة على الرئيس الأمريكي الأسبق، بعد سلسلة من الاتصالات والمشاورات بين الجانبين تم خلالها الاتفاق على مواد الخطة، وعلى المقابل الذي ستحصل عليه إسرائيل من واشنطن.
وفي قمة أبريل/نيسان تلك، حصل شارون من بوش، على رسالة ضمانات أمريكية خرقت كل القرارات الدولية التي طالبت إسرائيل منذ حرب يونيو/حزيران 1967م، بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، فقد دعمت الولايات المتحدة في رسالتها تلك، سياسة الاستيطان الإسرائيلي، من خلال تعهدها ببقاء الكتل الاستيطانية الإسرائيلية الكبرى في الضفة الغربية، تحت السيادة الإسرائيلية، ورفض الانسحاب الإسرائيلي إلى حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967، ورفض حق العودة للاجئين الفلسطينيين، حسب تقرير لوكالة الأنباء الفلسطينية "وفا".
وفي 6 يونيو/حزيران 2004 صوت حكومة الاحتلال لصالح خطة فك الارتباط (الانسحاب من غزة).
في 15 أغسطس/آب 2005: انتهاء مرحلة المغادرة الطوعية للمستوطنين، ثم إعلان حكومة الاحتلال عدم قانونية وجود من بقوا في المستوطنات، وهددتهم بخسارة قسم من التعويضات المعروضة عليهم، ثم أمر جيش الاحتلال المستوطنين الذين لا يزالون موجودين بمغادرة منازلهم، ويؤكد أنه سيساعد في حزم أمتعة الذين يوافقون على الرحيل بهدوء.
في 8 سبتمبر/أيلول: بدأ جيش الاحتلال عمليات تجريف للمنازل الخالية والكنس من المستوطنات التي تم إخلاؤها في القطاع.
في 12 سبتمبر/أيلول: اكتمال عملية الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة بعد مغادرة آخر جندي إسرائيلي خارج حدود القطاع، لتبدأ احتفالات كبيرة لدى الفلسطينيين ابتهاجاً بالإنجاز التاريخي.
كادت تسبب حرباً أهلية في إسرائيل
وواجهت خطة فك الارتباط، معارضة شديدة من الأطراف اليمينية المتطرفة في حكومة شارون، وهدد العديد من الوزراء بالاستقالة، إذا ما طرحت الخطة للنقاش، بصيغتها الأولى. وتزامن ذلك مع مطالب اليمين الإسرائيلي بإجراء استفتاء شعبي حول الخطة، قبل عرضها على الكنيست. وبعد مرور أقل من شهرين، وتحديداً في السادس من يونيو/حزيران 2004م، صادقت الحكومة الإسرائيلية على خطة فك الارتباط، ولكن بعد تعديلها بما يتفق مع مطالب عدد من وزراء حزب الليكود الحاكم، والأحزاب اليمينية المتطرفة، التي شاركت في الائتلاف الحكومي.
إثر ذلك خرج اليمين الإسرائيلي المتطرف عن أطواره، وبدأ يلوح بحرب أهلية، متهماً من أسقطوا مشروع القانون، بالتسبب بهذه الحرب.
وخاض المستوطنون منذ ذلك صراعاً عنيفاً ضد الخطة؛ في محاولة لثني شارون عن المضي قدماً. وحاول آلاف المستوطنين التسلل إلى قطاع غزة، مرتين، لمنع تنفيذ الخطة، إلا أن سلطات جيش الاحتلال منعتهم من ذلك، بموجب أوامر إغلاق عسكرية، اعتبرت المنطقة المحيطة بقطاع غزة والمستوطنات منطقة مغلقة، يمنع دخولها. مع ذلك اعترفت أوساط عسكرية إسرائيلية (في مقدمتها رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي) بتسلل نحو 5 آلاف ناشط يميني إلى مستوطنات القطاع.
وبعد أن كان شارون يرفض إجراء أي تنسيق مع الفلسطينيين حول تطبيق الخطة، عاد تحت تأثير الضغط الدولي (خاصة بعد وفاة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وانتخاب أبو مازن خلفاً له)، ووافق على إجراء تنسيق مع السلطة الفلسطينية، التي قامت عشية بدء تنفيذ الخطة، بنشر قواتها على خطوط التماس بين مستوطنات قطاع غزة والأراضي الفلسطينية؛ استعداداً لتسلم المستوطنات.
ومع بدء تنفيذ الخطة، ما زالت هناك العديد من القضايا العالقة، أبرزها المعابر الحدودية والسيطرة الجوية على قطاع غزة، والتي تصرّ إسرائيل على الاحتفاظ بالسيادة عليها.
دوافع الانسحاب الإسرائيلي من غزة.. فتِّش عما فعله الفلسطينيون
"أتمنى لو أستيقظ يوماً وأرى غزة وقد ابتلعها البحر"، مقولة ترددت كثيراً على لسان قادة الاحتلال المتلاحقين، ومن أشهر من نسبت له رئيس وزراء إسرائيل الراحل والقائد العسكري الشهير إسحاق رابين.
ولم تكن الدوافع السياسية والشخصية لرئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، أرئيل شارون، وحدها التي أدت إلى انسحاب إسرائيل من قطاع غزة، فقد كان لعمليات الفصائل الفلسطينية الأثر الكبير على قرار الانسحاب.
إذ جاء الانسحاب الإسرائيلي بفعل الضغط الذي مارسته المقاومة على قوات الاحتلال والمستوطنين، خصوصاً مع بدء انتفاضة الأقصى عام 2000، وما عُرف بحرب الأنفاق، التي استهدفت خلال السنتين اللتين سبقتا الانسحاب، مواقع حصينة للجيش في القطاع، حسبما ورد في تقرير لوكالة صفا الفلسطينية.
تقرير لموقع (عكا) للشؤون الإسرائيلية، نشره موقع "دنيا الوطن الفلسطيني" سلط الضوء على أبرز الأسباب التي دفعت إسرائيل إلى الانسحاب من غزة، وما تبعه من حصار خانق وحروب متتالية.
وسبق أن كشفت قناة (كان) الإسرائيلية، في تقرير لها، أن أحد أبرز الأسباب التي دفعت شارون للتفكير في قرار الانسحاب من قطاع غزة هو عملية "نتساريم"، التي قُتل فيها 3 جنود إسرائيليين، معتبرةً أن هذه العملية كانت بمثابة "القشة التي قصمت ظهر شارون".
وقال غلعاد شارون، نجل رئيس الوزراء الإسرائيلي، أرئيل شارون: "إن المستوطنات في تجمع "غوش قطيف" والمستوطنات المجاورة لها في قطاع غزة لم تكن جنة عدن كما يحاول أن يُصور بعض الإسرائيليين، بل كانت جحيماً لا يُطاق".
وأكد غلعاد شارون في تصريحات سابقة لصحيفة (يديعوت أحرونوت) الإسرائيلية، أن الكثير من المستوطنين التقوه وأوضحوا له أن والده (شارون) أنقذهم من الجحيم في غزة، وأنقذهم من الجحيم الذي عاشوه في غزة، وبأنهم كانوا يعيشون تحت وطأة نيران الفصائل الفلسطينية باستمرار.
وكشفت دراسة بعنوان: "التوازن الاستراتيجي للانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة 2005-2016″، أن التهديدات الكثيفة حوّلت المستوطنات في قطاع غزة إلى مناطق أمنية، فقد أُنشئت في كل مستوطنة قواعد للجيش وأبراج مراقبة، كما تم إحاطتها بمنظومة جدار أمني وألغام وعوائق هندسية، وبدت المستوطنات كمواقع عسكرية، وفي بعض الأحيان زاد عدد الجنود على عدد المستوطنين.
وأضافت الدراسة أن تحركات المستوطنين في قطاع غزة باتت تحتاج إلى مرافقة أمنية من الجيش الإسرائيلي، وقد وصف ضابط احتياط إسرائيلي خدم في تلك الفترة أنه في كل صباح كانت تخرج فيه سيارة تقل 3 أشخاص ترافقها ناقلة جند ودبابة وجرافة "D9" التي كانت تفتح الطريق وتزيل العبوات.
وبحسب الدراسة، وصف الباحثان الإسرائيليان عميرام أوران ورافي ريجف بأن هذا "أعنف روتين أمني مستمر يتم فرضه على المستوطنين الإسرائيليين منذ حرب الاستقلال".
المستوطنات الإسرائيلية القرار الأصعب على شارون
كان القرار الأصعب على شارون بطل اليمين الإسرائيلي المتطرف هو تفكيك المستوطنات رغم أن وضع المستوطنين كان سيئاً، ولكن بعضهم كان مصراً على البقاء.
كان لإسرائيل 21 مستوطنة، كانت تحتل نحو 35% من مساحة قطاع غزة، الذي لا تتعدى مساحته 360 كيلومتراً مربعاً.
وأقيمت أول مستوطنة في القطاع باسم "نیتسر حازاني" عام 1976، فيما أُنشئت آخر 3 مستوطنات صغيرة عام 2001 بعد اندلاع انتفاضة الأقصى، حسبما ورد في تقرير لوكالة صفا الفلسطينية.
ونصت خطة شارون، التي سلمها عام 2004 إلى الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش ضمن مساعي إحياء عملية السلام، على إخلاء مسؤولية إسرائيل عن الفلسطينيين في غزة بالدرجة الأولى.
من أشهر المستوطنات التي تم تفكيكها في غزة، هي نتساريم التي اكتسبت شهرتها من كونها تشكل جيباً منفرداً عن بقية مستوطنات قطاع غزة، ولقيامها وسط تجمع فلسطيني مكتظ؛ ما أثار في السابق الكثير من النقاش في إسرائيل، حول مبررات الإبقاء عليها. وقد برر المؤيدون لبقائها ذلك بأنها تشكل نقطة سيطرة استراتيجية كونها تشرف على مدينة غزة وشواطئها ومينائها. كما أيَّد هؤلاء بقاء المستوطنة؛ كونها ساعدت إسرائيل على شطر قطاع غزة؛ في سبيل تعزيز السيطرة عليه، أما المعارضون فقالوا: إنها تمنع التطور الطبيعي لمدينة غزة ومحيطها، وتثير غضب الفلسطينيين، ناهيك عن التكاليف العسكرية الباهظة اللازمة لحمايتها.
وأقام في المستوطنة نحو 60 عائلة من أشد المستوطنين تطرفاً. وهي بلدة ذات طابع ديني.
8 آلاف مستوطن مقابل 1.5 مليون فلسطيني
8000 مستوطن سكنوا قطاع غزة قبل الانسحاب، مقابل 1.5 مليون فلسطيني في ذلك الوقت، أي إن نسبة المستوطنين إلى عموم من يسكن في القطاع هي 0.2%، وشغلت المستوطنات نحو 35% من مساحة القطاع.
هذه الحقائق أوجدت تداعيات أمنية ثقيلة في عملية حماية مستوطني القطاع، كما أن الصعوبة تضاعفت ووصلت إلى مستويات عالية مع بدء انتفاضة الأقصى في سبتمبر/أيلول عام 2000م.
ففي مواجهة شراسة المقاومة في غزة مع قلة موارد الإقليم صغير المساحة المكتظ بالسكان، قرر أقوى وأعنف شخصية في تاريخ إسرائيل، رئيس وزراء إسرائيل الراحل أرئيل شارون الانسحاب من القطاع بعد أن كان يقول إن مستوطنات غزة بمثل أهمية تل أبيب.
وأشارت الدراسة إلى أن المستوطنين كانوا في تلك الفترة أهدافاً سهلة للفصائل الفلسطينية، التي كانت تجد صعوبة في تنفيذ العمليات داخل الخط الأخضر (أراضي 48)، كذلك كانت هناك أهداف أخرى سهلة للفصائل وهي سيارات المستوطنين التي كانت تتحرك على محاور الطرق بالقرب من التجمعات الفلسطينية.
ولفتت إلى أن المنظومة الأمنية الإسرائيلية كانت مطالبة طوال هذه السنين بتوفير الحماية للمستوطنين مقابل ثلاثة أنواع من التهديدات المركزية، وهي: عمليات اقتحام المستوطنات، والعمليات على محاور الطرق، وعمليات إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون.
وقد نفذت الفصائل الفلسطينية على مدار سنوات احتلال قطاع غزة العديد من العمليات، تنوعت بين إطلاق النار من مسافة صفر، واقتحام المستوطنات الإسرائيلية، وتنفيذ العمليات الاستشهادية، وإطلاق الصواريخ، وعمليات تفجير المواقع العسكرية الإسرائيلية عبر الأنفاق، والتي كانت الأشد وقعاً على الجيش الإسرائيلي والمستوطنين.
وبدأت المقاومة المسلحة في غزة بشكل محدود، بفضل حركة الجهاد التي بدأت تبرز في منتصف الثمانينيات. وبعد اندلاع الانتفاضة، تأسست حركة حماس كحركة منبثقة عن جماعة الإخوان المسلمين، والتي أنشئت عام 1987، وأسست جناحاً عسكرياً سُمي لاحقاً (كتائب عز الدين القسام) لدعم استراتيجية الحركة الجهادية والسياسية في فلسطين المحتلة. شكّل هذا التأسيس بداية انضواء مقاومي الحركة تحت ما يشبه الجيش شبه المنظم الذي تديره قيادة عسكرية هيكلية هدفها تنفيذ عمليات ضد الاحتلال الإسرائيلي.
بدأت الحركة المسلحة مواجهتها مع إسرائيل بالرصاص والقنابل يدوية الصنع، ثم تحولت وهي حركة الجهاد الإسلامي للعمليات الاستشهادية التي استطاعت إسرائيل توقيفها عبر الإجراءات الأمنية الصارمة.
دوافع شخصية لشارون وراء قرار الانسحاب الإسرائيلي من غزة
كشف مسؤول إسرائيلي أن شارون بادر إلى تنفيذ خطة "فك الارتباط" عن غزة من أجل الهروب من التحقيقات الجنائية والشبهات القانونية ضده، وهو ما بدأ بالتحضير له عند نهاية عام 2003، أي قبل عام ونصف من تنفيذ الانسحاب على الأرض.
وأوضح عضو الكنيست حينها تسفي هندل، الذي شغل منصب رئيس مجلس غوش قطيف لمدة ثماني سنوات، أن المحامي دوف فايسغلاس، رئيس ديوان شارون وأحد المقربين منه، هو من أشار عليه بهذه الخطة مع أحد مسؤولي العلاقات العامة الموجودين حوله، "لأن جميع الإسرائيليين يكرهون غزة، وهذه الخطة كفيلة بإخراجهم من ذلك الوحل".
وأشار هندل إلى أن "شارون لم يؤمن بهذه الخطة على الفور، بل إنه وصفها بالجنون، لأنه كان يعتبر أن الاستيطان في غزة له ميزة استراتيجية، وهو يؤمن به حقاً".
وقال هندل: "إن خطة الانسحاب من غزة التي شملت تدمير المستوطنات هناك أصعب ألف مرة من تدمير الهيكل، حسب التوصيف الإسرائيلي، لأنها تسببت في السعي لاندلاع حرب أهلية بين المؤيدين والمعارضين لها، لأن إزالة تلك المستوطنات قام بها أرئيل شارون تنفيذاً لدوافع نجسة"، وفق تعبيره.
الحصار بدل الاحتلال
صحيح أن إسرائيل أنهت وجودها الفعلي على أرض قطاع غزة، لكنها تمركزت عند حدوده وأحكمت سيطرتها عليه، وباتت تتحكم في كل ما يخرج منه ويدخل إليه براً وبحراً وجواً. ونظرياً، يقال إنها تعتبر القوة القائمة بالاحتلال وبالتالي المسؤولة عن القطاع، كما تؤكد مصر والسلطة الفلسطينية، وهو ما تنفيه منظمات دولية مثل هيومان رايتس ووتش.
ومنذ انسحابها مارست إسرائيل كل أصناف الخنق والتدمير ضد قطاع غزة، وشنت العديد من التوغلات العسكرية والحروب المتتالية، بُغية القضاء على الفصائل الفلسطينية ونزع سلاحها.
فبعد عملية أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط عام 2005، وفوز حركة حماس بالانتخابات عام 2006 وتسلمها زمام الحكم في قطاع غزة، فرضت إسرائيل على القطاع حصاراً خانقاً مازال مستمراً منذ 15 عاماً.
ويعاني قطاع غزة -الذي يقطنه مليونا نسمة- من أزمات متراكمة، تتعلق بالكهرباء والمياه، ووصول الفقر والبطالة إلى معدلات غير مسبوقة.
وبفعل الحصار الخانق الذي تفرضه إسرائيل وسيطرتها على البحر والمعابر التجارية، ومنعها التصدير من القطاع إلا في أضيق نطاق، ومنع دخول كثير من السلع وضمنها المواد الخام، تدهورت الأوضاع الاقتصادية بشكل خطير، مما أضر بحياة سكان القطاع وأصابهم باليأس والقهر.
كما أن مصر فرضت قيوداً على المعابر بعد انسحاب القوة 17 التابعة للرئاسة الفلسطينية منها إثر استيلاء حماس على السلطة بالقطاع، لأن الاتفاق المنظم لوضع غزة الذي كان الاتحاد الأوروبي ضامناً له يشترط وجودها في المعابر، كما أن الاتفاق يشترط أن تكون المعابر مع مصر للأفراد بينما المعابر مع إسرائيل للبضائع.
فإسرائيل تمارس كل فعل من شأنه خنق غزة وحتى قتلها، عبر الحروب والحصار، من دون تحمّل مخاطر البقاء على الأرض، حسبما قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة مخيمر أبو سعدة لموقع "الجزيرة نت".
ورأى مخيمر أبو سعدة أن إسرائيل انسحبت من غزة "التي لا تمثل لها أهمية استراتيجية من الناحيتين السياسية والدينية"، وتفرغت لمعركتها الأهم في القدس والضفة الغربية، عبر تكثيف الاستيطان، وأخيراً "مخطط الضم"، الذي يقضي فعلياً على اتفاق أوسلو القائم على إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967
ولكن هناك مميزات كبيرة للانسحاب
وعلى الرغم من ذلك كله، يرى الفلسطينيون أن انسحاب إسرائيل من قطاع غزة كان نتاجاً للتضحيات التي بذلوها في سبيل ذلك، ومنح فصائل المقاومة فرصة كبيرة لمراكمة قوتها وبناء ترسانتها العسكرية استعداداً لخوض معركة تحرير فلسطين، وقد أطلق الفلسطينيون آنذاك شعارهم المشهور: "اليوم غزة وغداً القدس".
كما أن هناك جانباً إيجابياً في المساحات التي أخلتها المستوطنات، وتم اعتمادها كمشاريع زراعية، تعوض نسبياً الأراضي الزراعية التي اقتطعتها ما تسمى "المنطقة الأمنية العازلة"، التي تفرضها إسرائيل بعمق أكثر من 300 متر، وعلى امتداد نحو 40 كيلومتراً بمحاذاة السياج الأمني الفاصل شرق القطاع، حسبما يقول محرر الشؤون الاقتصادية بجريدة "الأيام" المحلية في غزة حامد جاد لموقع "الجزيرة نت".
ورغم قتامة المشهد، فإن النائب في المجلس التشريعي عن حركة حماس عاطف عدوان، يرى جانباً مضيئاً حققته غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي، وعلى صغر حجمها وضعف إمكاناتها تعطي الأمل في أن إسرائيل ليس قدراً وليست العدو الذي لا يقهر.
وأوضح أن حماس نجحت إلى حد كبير، وبما هو متاح لها من إمكانات رغم الحروب والحصار؛ في تطوير قدرات المقاومة وتوفير الحماية لها، وهو ما يشهد به العدو قبل الصديق، وأظهرت بسالة منقطعة النظير في الذود عن كرامة غزة وأهلها في كل المواجهات التي خاضتها ضد الاحتلال.
كما أن حرب غزة الأخيرة عام 2021، نشبت بسبب تحرك حماس رداً على الانتهاكات الإسرائيلية بحق القدس، هتف المقدسيون في مسيراتهم لمحمد ضيف قائد الجناح العسكري لحماس، في مؤشر على فشل خطة إسرائيل للفصل بين القطاع وغزة حتى لو كان الانقسام الفلسطيني قائماً.