رغم اتفاق الاجتماع الخماسي بشرم الشيخ، على التمسك بتحقيق التهدئة في الأراضي الفلسطينية، لكنْ هناك شكوك أن يكون مؤثراً على أرض الواقع، في ظل تنصُّل إسرائيل من اتفاقات سابقة إضافة للتصريحات المتطرفة الصادرة من حكومة نتنياهو آخرها تصريح وزير المالية بإنكار وجود الشعب الفلسطيني والأردن.
والأحد، استضافت شرم الشيخ قمة أمنية خماسية من مسؤولين سياسيين وأمنيين رفيعي المستوى، من مصر وفلسطين وإسرائيل والأردن والولايات المتحدة.
واستبعد خبراء فلسطينيون، في تصريحات لوكالة الأناضول، إمكانية تنفيذ إسرائيل التزامات الاجتماع، لعدم التزامها بالتفاهمات السابقة واستمرارها بالبناء الاستيطاني وعمليات اقتحام المدن وتنفيذ اغتيالات.
ويأتي الاجتماع في وقت تصاعد فيه التوتر بشكل حاد في أنحاء الضفة الغربية المحتلة خلال الأشهر الأخيرة، وسط مداهمات عسكرية إسرائيلية متكررة على البلدات الفلسطينية.
كما يأتي وسط أزمة داخلية إسرائيلية بسبب سعي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتمرير تعديلات قانونية من شأنها إضعاف استقلال القضاء الإسرائيلي بهدف الحيلولة دون تعرضه للمحاكمة، وهي الأزمة التي اكتسبت بُعداً يهدد وحدة حكومة نتنياهو بعد تحذير وزير الدفاع يوآف غالانت الذي ينتمي لحزب الليكود، من أنه قد يستقيل من منصبه في حال تم إقرار الإصلاح القضائي الذي يريده نتنياهو في البرلمان دون تعديل، الأمر الذي قد يعني في حالة استقالته أن نتنياهو قد يصبح أكثر ضعفاً أمام وزرائه المتطرفين.
تصريحات سموتريتش تغضب الأردن
كما تُلقي تصريحات وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بحق الأردن وفلسطين بظلالها على تفاهمات الاجتماع الخماسي في شرم الشيخ؛ حيث قال سموتريتش، في كلمة له بالعاصمة الفرنسية باريس، إنه "لا يوجد شيء اسمه شعب فلسطيني".
وخلال كلمته عرض سموتريتش خريطة مزعومة لإسرائيل تضم حدود المملكة الأردنية الهاشمية والأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأثارت التصريحات غضباً أردنياً وفلسطينياً، حيث استدعت عمّان السفير الإسرائيلي للاحتجاج على سلوك الوزير الإسرائيلي.
وقالت الخارجية الإسرائيلية، في بيان مقتضب نشرته في حسابها على تويتر: "إسرائيل ملتزمة باتفاقية السلام مع الأردن منذ 1994".
وأضافت: "لم يطرأ أي تغيير على موقف دولة إسرائيل الذي يعترف بوحدة أراضي المملكة الهاشمية".
وأفادت وكالة رويترز نقلاً عن مصدر أردني لم تكشف عن هويته، بأن المملكة تلقت تطمينات إسرائيلية بأن سلوك الوزير بتسلئيل سموتريتش لا يمثل موقفها، حين ألقى كلمة من على منصة مكسوة بعلم إسرائيلي يُظهر حدوداً موسعة تشمل الأردن.
البيان الأردني قال إن "الوزارة تدين أيضاً التصريحات العنصرية التحريضية المتطرفة التي أطلقها الوزير الإسرائيلي المتطرف إزاء الشعب الفلسطيني الشقيق وحقه في الوجود، وحقوقه التاريخية في دولته المستقلة ذات السيادة".
وطالبت الخارجية الأردنية المجتمع الدولي بإدانة تصرفات وتصريحات الوزير الإسرائيلي "المتطرفة التحريضية"، مشيرة إلى أنها "تمثل أيضاً خرقاً للقيم والمبادئ الإنسانية".
ولفت إلى أن الخارجية الأردنية "ستتخذ جميع الإجراءات السياسية والقانونية الضرورية للتصدي لمثل هذه التصرفات والتصريحات الحاقدة المتطرفة، وما تمثله من تصعيد خطير يهدد الأمن والاستقرار ويدفع باتجاه التصعيد".
وتكشف استهتاره بالتفاهمات الدولية وبايدن لديه أولويات أخرى مع نتنياهو
ويرتبط الأردن وإسرائيل باتفاقية سلام جرى توقيعها بين الجانبين عام 1994، وتحتفظ بموجبها المملكة بحقها في الإشراف على الشؤون الدينية في مدينة القدس، وهو ثاني بلد عربي أقام علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
ويشير تصرف الوزير الإسرائيلي المتطرف بعد اجتماع دولي رفيع المستوى بمشاركة أمريكية وبحق الأردن أحد رعاة الاجتماع، إلى مدى استهتاره بالتفاهمات التي يبرمها رئيس وزرائه الذي يزداد حاجة للجناح الأكثر تطرفاً من حكومته في ظل رغبته في تمرير التعديلات القضائية التي تهدف لحماية مستقبله الشخصي.
كما أن افتراض وجود ضغط أمريكي لتنفيذ تفاهمات الاجتماع الخماسي بشرم الشيخ يتداخل وقد يتعارض مع ضغوط أمريكية على نتنياهو لوقف التعديلات القضائية وهي مسألة ذات أهمية أكبر بالنسبة لإدارة بايدن الديمقراطية التي ترى في التعديلات ما تعتبره مساساً بالطابع الديمقراطي لإسرائيل.
وبالتالي فاحتمال تقديم إدارة بايدن لتنازلات لنتنياهو سوف يكون أكثر في الملف الفلسطيني، من الملف القضائي الذي هو أولوية لها.
الاجتماع الخماسي بشرم الشيخ قمة أمنية بلا أفق سياسي
في ختام الاجتماع الخماسي بشرم الشيخ، أصدر المشاركون بياناً خلص إلى ضرورة التمسك بتحقيق التهدئة في الأراضي الفلسطينية، مع الاتفاق على عقد لقاء جديد بالمدينة ذاتها، في أبريل/نيسان المقبل.
وتضمن البيان الاتفاق على 10 التزامات بشأن التهدئة والسعي لإحياء عملية السلام المجمدة منذ 2014، من بينها "تعزيز الأمن والاستقرار والسلام للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء".
وقال البيان إن المشاركين أقروا ضرورة "السعي من أجل اتخاذ إجراءات لبناء الثقة وتعزيز الثقة المتبادلة وفتح آفاق سياسية والتعاطي مع القضايا العالقة (دون تحديدها) عن طريق الحوار المباشر".
واتفقوا على "استحداث آلية للحد من والتصدي للعنف، والتصريحات والتحركات التي قد تتسبب في اشتعال الموقف، تحسين الأوضاع الاقتصادية للشعب الفلسطيني مع رفع هاتين الآليتين للاجتماع المقبل".
وقبل يوم من الاجتماع، طالبت فصائل فلسطينية في بيانات منفصلة السلطة الوطنية بعدم المشاركة فيه، من بينها حركة "حماس"، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وحركة الجهاد الإسلامي، وحزب الشعب.
واتفقت البيانات على رفض مشاركة السلطة في المفاوضات بحضور ممثل لإسرائيل التي تستهدف مقاومة الشعب الفلسطيني، كما تستغل مثل تلك الاجتماعات لشن مزيد من العدوان بحقه.
ومنذ بداية عام 2023، قتل نحو 90 فلسطينياً على يد القوات الإسرائيلية، بحسب معطيات فلسطينية، فيما قتل 14 إسرائيلياً في هجمات منفصلة خلال الفترة نفسها.
لهذه الأسباب، الاجتماع لن ينهي التوتر
"البعد الأمني قد يعمل على تخفيف التوتر، لكنه لن ينهيه"، حسبما يرى الخبير السياسي الفلسطيني جهاد حرب، الذي يقول إنه "لا إمكانية لتطبيق التفاهمات، في ظل حكومة يمينية إسرائيلية"، في إشارة إلى حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو".
وقال حرب للأناضول إن "الحكومة الإسرائيلية تخلت عن تلك التفاهمات على الفور، عبر تصريحات لمسؤولين فيها، أبرزها لنتنياهو الذي أكد استمرار حكومته ملاحقة أي فلسطيني يعتدي على الإسرائيليين".
والأحد، تعهد نتنياهو بملاحقة الفلسطينيين متهماً إياهم بالإرهاب، وقال إن "كل الذين يحاولون إيذاء مواطني إسرائيل، سيتم الوصول إليهم. نصل إلى الإرهابيين ومهندسي الإرهاب في كل مكان".
وفي اليوم نفسه، قال وزير المالية الإسرائيلي زعيم حزب "الصهيونية الدينية" اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش، إنه "لا يوجد شيء اسمه شعب فلسطيني، بل هو اختراع لم يتجاوز عمره 100 عام"، على حد وصفه.
وأضاف حرب: "إذاً، فالمسألة (تنفيذ التفاهمات) تتعلق بعدم التزام إسرائيل، أو احترامها للاتفاقيات الموقعة، والتجربة السابقة على مدار السنوات الأخيرة تثبت ذلك".
ولفت إلى أن "السلطة الفلسطينية غير قادرة على تقييد حركة أو إبطال أي عملية (هجوم) قد يقدم عليها الفلسطينيون، كونها تنفذ خارج منطقة سيطرتها الأمنية، في مناطق (ج)، والقدس، والداخل (الفلسطيني)، وهي مناطق تسيطر عليها إسرائيل".
وصنّفت اتفاقية "أوسلو 2" لعام 1995 أراضي الضفة 3 مناطق: "أ" تخضع لسيطرة فلسطينية كاملة، و"ب" لسيطرة أمنية إسرائيلية ومدنية فلسطينية، و"ج" لسيطرة إسرائيلية كاملة، وتشكل الأخيرة نحو 60 بالمئة من مساحة الضفة.
وتابع حرب: "إسرائيل ماضية في سياسة البناء الاستيطاني والاقتحامات والاعتداءات، وشن المستوطنين الهجمات على الفلسطينيين"، مؤكداً أن "إسرائيل المسبب للتوترات، فكل تلك الجرائم سببها الاحتلال".
وشدد على أن "الشعب الفلسطيني يريد التخلص من الاحتلال الإسرائيلي، ولا يريد إجراءات اقتصادية وأمنية قد تخفف من التوتر ولا تزيل السبب الرئيسي وهو الاحتلال".
واختتم حديثه بالإشارة إلى أن "الأساس هو الأفق السياسي، فما لم يكن هناك نظرة تفاؤلية لدى الفلسطينيين بإنهاء الاحتلال في المدى المنظور، تبقى مسألة العنف قائمة ومتجددة".
إسرائيل تتحضر لتصعيد الأوضاع في شهر رمضان، وهذا ما يخطط له بن غفير
مدير مركز القدس للدراسات التابع لجامعة القدس الفلسطينية أحمد رفيق عوض، يرى أن "إمكانية تنفيذ التفاهمات قد تكون منعدمة، لتعدد صناع القرار بحكومة إسرائيل المشكلة من أحزاب يمين ويمين متطرف يتحكمون بمفاصل الحكم".
وقال عوض للأناضول إن "تفاهمات شرم الشيخ وقبلها العقبة، إذا ما تركت لإسرائيل، فإنها تفسرها وتطبقها من منظورها، فتطبق ما تريد وتنتقي منها ما يتماشى مع سياستها".
وفي 26 فبراير/شباط الماضي عقدت الأطراف ذاتها اجتماعاً بمدينة العقبة جنوبي الأردن، الذي تقرر خلاله عقد اجتماع شرم الشيخ، وسط استمرار المواجهات والاقتحامات الإسرائيلية والتنديدات العربية المستمرة ضدها.
وأضاف عوض أن "البيان الختامي (الصادر في شرم الشيخ) لم يجب على المخاوف الفلسطينية أو يرد على الأسئلة الهامة، وهي هل يتوقف الاحتلال الإسرائيلي عن قتل الفلسطينيين والمصادرة للمنازل وإنكار التسوية؟".
وأكد أن "إبقاء الأمر في الإطار الأمني لا يؤدي إلى نتائج، فالأصل أن يكون هناك أفق سياسي يفضي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي".
وأرجع السبب إلى أن "واشنطن تدعم وتشرعن الاحتلال، وموازنتها بين عمليات الفلسطينيين وعنف المستوطنين خطأ، لذا فلا دور حقيقياً للمشاركين بالقمة التي يجب أن ترعى وتراقب الأوضاع في فلسطين".
وشدد في ختام حديثه على أن "إسرائيل تروج أن شهر رمضان شهر دموي، لكي ترتكب جرائم بحق الشعب الفلسطيني، بدعوى محاربة الإرهاب".
وفي 6 مارس/آذار الجاري أوعز وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير بمواصلة هدم منازل فلسطينيين بالقدس خلال رمضان الذي يبدأ الخميس 23 مارس/آذار 2023.
وفي اليوم نفسه، أشارت هيئة البث الإسرائيلية إلى تدريب كتيبة في مدينة اللد (وسط أراض 48)، لتكون "بمثابة فرقة حماية خاصة، كجزء من استعداد الشرطة لاضطرابات محتملة خلال شهر رمضان الوشيك".
سلوك المستوطنين يهدد المواطنين الفلسطينيين
"نافذة الفرص أمام تنفيذ مخرجات قمة شرم الشيخ ضيقة جداً، وذلك نتاج مجموعة من العوامل"، حسب سليمان بشارات، مدير مركز يبوس للدارسات (فلسطيني خاص).
وأوضح بشارات للأناضول أن "العامل الأول هو استمرارية التهديد الإسرائيلي الميداني شبه اليومي عبر عمليات استعراض واغتيال مباشرة من قواتها خاصة بمدن فلسطين فتعمل على إثارة الشارع وخلق تحدٍّ ورد فعل".
وأضاف أن التهديد الإسرائيلي يتسبب في "عدم قدرة ضبط السلوك اليومي للمستوطنين في شوارع الضفة، ما يعني تهديد المواطنين الفلسطينيين خلال العبور من الشوارع الرئيسية بين المحافظات".
العامل الثاني "مرتبط بالفجوة بين الشارع الفلسطيني وتحرك القيادة السياسية، فلا توافق وانسجام بينهما، لأنه لا توجد قناعة أن الاحتلال سيمنح شيئاً للفلسطينيين دون مقابل على حساب البعد الوطني والحقوق"، وفق بشارات.
ويتمثل العامل الثالث في أن "الرؤية التي تقوم عليها مخرجات اللقاءات (بشرم الشيخ) ضمن الإطار الأمني فقط وليس السياسي، وهذا يشكل مخاوف من إمكانية وقوع تصادم فلسطيني داخلي نتاج الضغط الإسرائيلي على الفلسطينيين".
وأوضح بشارات أن مخاوف التصادم الفلسطيني الداخلي بسبب الضغط الإسرائيلي، سيكون "محفزاً أكبر أمام المواجهة مع الاحتلال، للهروب من الصدام الداخلي الفلسطيني".
وأشار إلى أن العامل الرابع، يتعلق بالميدان، إذ إن "تطورات الميدان اليومية التي تتحكم أكثر في أي مواقف، وهذا خاضع لظروف خارج إطار الترتيبات السياسية والأمنية".
واختتم الباحث الفلسطيني حديثه بالتأكيد أنه في الميدان "يمكن لوقوع أي حدث أن يعيد خلط الأوراق بشكل سريع، لتتطور الحالة بناء عليه إلى المواجهة بديلاً عن الاستقرار".