بينما تتخبط باكستان في الفوضى السياسية والاقتصادية والأمنية، يبقى جانب إيجابي رئيسي لهذا البلد؛ وهو امتلاكه جيشاً قوياً وصناعة عسكرية متطورة، وقوة نووية متنامية تجعله قادراً على أن يحمي حدوده ويشكل نداً للهند، فرغم كل المآخذ على دور الجيش الباكستاني في السياسة والاقتصاد، فإن لديه تجربة تستحق أن تتعلم منها الدول العربية.
بنى الجيش الباكستاني هذه القوة رغم أن بلاده فقيرة عانت من الفوضى والاضطرابات العرقية والمذهبية، وخاضت نحو خمس حروب مع الهند، إضافة للحروب الدائمة في أفغانستان المجاورة التي أثرت بشكل خاص على منطقة القبائل شمال غرب باكستان المتداخلة مع أفغانستان والمتشابهة معها في التركيبة العرقية.
ورغم كل مشكلات البلاد، فإنه يعترف عالمياً بأن الجيش الباكستاني جيش قوي رغم أن البلاد لم تبرم صفقات سلاح كبيرة، مثل الهند والدول العربية، ولكنها طورت صناعة عسكرية جيدة، إضافة لامتلاكها جهاز مخابرات قوياً كان له تأثير في دول الجوار، وأعطى إسلام آباد اليد العليا في المناطق المضطربة بدول الجوار مثل أفغانستان، وكشمير، مقارنة بقوى أقوى أو أغنى مثل الهند وإيران والصين.
ويبلغ الإنفاق العسكري الباكستاني نحو 11 مليار دولار، في عام 2021، مقابل نحو 76 ملياراً للهند، و55.6 مليار للسعودية، و24 مليار دولار لإيران، بينما تنفق الإمارات 22 مليار دولار و15.5 مليار لتركيا، أما مصر فالتقديرات شبه الرسمية للميزانية تدور حول أقل من 6 مليارات، ولكن هناك شكوكاً بأنها أكبر من ذلك بكثير.
خاضت باكستان نحو 5 حروب مع الهند، من بينها حرب كارجيل التي لم تكن حرباً رسمية بين البلدين، وهزمت إسلام آباد بشكل أو بآخر في معظم هذه الحروب، وهي تشبه الدول العربية التي خاضت بدورها نحو أربع حروب جماعية مع إسرائيل، (إضافة لحروب أصغر نطاقاً بين سوريا وإسرائيل) هزم العرب فيها جميعاً أمام إسرائيل، باستثناء حرب العبور في أكتوبر/تشرين الأول 1973، إضافة لصمود حزب الله والمقاومة الفلسطينية في معظم الحروب مع إسرائيل.
لكن الفارق أنه بينما يفوق العرب إسرائيل في السكان وحجم الاقتصاد فإن الهند تفوق باكستان نحو خمس مرات سكاناً واقتصاداً.
قد تكون الميزة الوحيدة التي تفوقت بها باكستان مقارنة بالصراع العربي الإسرائيلي، أن الهند وباكستان هما دولتان من أصل واحد تتشابهان في الظروف الاقتصادية والحضارية، بينما العرب واجهوا في حالة إسرائيل هجرة يهودية قادمة من الغرب تمتلك أدوات العلم والحضارة، ومن بين أعضائها نخب تمثل قادة العلم والرأسمالية في الغرب، إضافة للدعم الغربي اللا متناهي ودعم المنظمات اليهودية في الخارج، وهو أمر لم تحظَ به الهند في صراعها مع باكستان.
في كل الأحوال، فرغم هزائمه عدة مرات أمام الجيش الهندي، ولكن يعترَف للجيش الباكستاني بالكفاءة والقدرة على إدارة موارده القليلة لبناء جيش كفؤ، كما استطاع بالتعاون مع رؤساء الحكومات المدنيين والعسكريين وعلماء البلاد بناء ترسانة عسكرية محلية تشمل أسلحة نووية وصواريخ وتصنيعاً لطائرات ودبابات بالتعاون مع الصين.
شبه القارة الهندية رغم فوضاها ومشكلاتها لديها نخب ومؤسسات قوية
لفهم كيف تطور الجيش الباكستاني يجب فهم طبيعة نشأته وظروف البلاد.
ينظر لباكستان وبنغلاديش، وبصورة أقل الهند أحياناً في العالم العربي، على أنها مجرد البلاد المزدحمة غير النظيفة، التي توفر عمالة فقيرة للدول العربية، وسكانها بسطاء إن لم يكونوا سذجاً، وتزيد صورة باكستان سلبية من خلال النظر لها باعتبارها بلد الأسلحة والتهريب والتطرف الإسلامي، ولكن هذا جانب غير دقيق أو حتى مضلل للحقيقة.
فدول شبه القارة الهندية، رغم فقرها، وحتى في عهد الاستعمار البريطاني، كان لديها مؤسسات ونخب كفؤة ونظم تعليمية جيدة للغاية لا سيما الجامعية مقامة على النمط البريطاني، إضافة لإرث سياسي وإداري وقانوني وديمقراطي مأخوذ من المملكة المتحدة، وقد يكون مرتبكاً ومغلفاً بالفساد والمحسوبية وفي حال باكستان تضاف له الانقلابات، ولكنه يظل إرثاً قوياً وذا تأثير إيجابي.
ويضاف هذا الإرث إلى حقيقة أن شبه القارة الهندية هي أرض حضارات عريقة وأن البريطانيين عندما احتلوا الهند كانت إمبراطورية المغول الإسلامية التي كانت تحكمها أغنى دولة في العالم، وكانت أكثرها تقدماً قبل عقود من سقوطها.
إضافة لذلك رغم فقر هذه البلدان المدقع (الذي بدأت الهند تحديداً تخرج منه)، كانت اقتصادات هذه البلدان تنافسية عبر صادراتها من الحاصلات الزراعية وبعض الصناعات، ولديها شركات محلية قوية، ويساعدها على ذلك أيد عاملة ليس فقط رخيصة ولكن أمهر وأكثر انضباطاً من معظم دول العالم الثالث (قد يكون باستثناء شرق آسيا).
ومنذ استقلال الدول الثلاث الهند وباكستان وبنغلاديش، كان واضحاً أن هذه النخب والمؤسسات تتميز بهذه السمات عن سائر دول العالم الثالث، وبرز ذلك بشكل واضح في الهند وباكستان في مؤسستي الجيش والبحث العسكري.
الاستفادة من الإرث البريطاني
ورثت الهند وباكستان، إرثهما العسكري من البريطانيين، الذين أسسوا للهند وهي مستعمرة بريطانية جيشاً قوياً كبار ضباطه بريطانيون، بينما ضباط المستوى المتوسط والجنود هنود.
وكانت السمة الرئيسية لهذا الجيش التي احتفظت بها الهند وباكستان هي اعتماده على التطوع وليس التجنيد الإجباري، كما في أغلب جيوش العالم؛ مما جعل الجيشين شديدي الاحترافية.
إضافة لذلك يؤمن الباكستانيون بأنهم بالفطرة مقاتلون أكثر قوة من الهنود، ويعزون ذلك لأسباب عرقية ودينية، حيث ينتمي الباكستانيون للأجناس الهندية الشمالية التي تنحدر بشكل أنقى من الأعراق الآرية التي هاجرت لشبه القارة الهندية منذ آلاف السنين، وتزاوجت مع الأجناس الهندية الأصلية السمراء، ويفترض الكثيرون في شبه القارة الهندية بمن فيهم المستعمرون البريطانيون السابقون أن هذه الأجناس التي كانت أصلاً قبائل بدوية في آسيا الوسطى هي ذات طبيعة محاربة، وكلما زادت نسبة دماء هذه الأجناس في أي شعب في شبه القارة الهندية زادت ميوله العسكرية، ونظم البريطانيون النظام الاجتماعي في الهند على أساس مثل هذه النظريات.
وبجانب ذلك، يرى الجيش الباكستاني نفسه سليلاً للدول الإسلامية والمجاهدين الذين فتحوا الهند، ويظهر ذلك بشكل واضح في بعض أسماء الأسلحة التي يطورها.
الجيش الباكستاني محور البلاد
ولكن هناك نقطة خلاف جوهرية بين الجيشين الهندي والباكستاني، تتعلق بدور الجيش في فهم الدولة لنفسها وطريقة إدارتها.
بينما الجيش الهندي جيش طبيعي، يصف البعض الجيش الباكستاني بأنه مثل الجيش الإسرائيلي، جيش له دولة، فباكستان دولة مصنوعة من أعراق متعددة لا يجمع بينها سوى الإسلام والخوف والقلق من الهند والرغبة في استعادة كشمير، الإقليم الذي يفترض أن يكون جزءاً من باكستان، وفقاً لقواعد تقسيم شبه القارة الهندية بعد استقلالها عن بريطانيا عام 1946.
ولذا الجيش محوري بالنسبة لباكستان كأداة للحماية ضد عدو أكبر بكثير، وأيضاً للتوحيد الوطني، فهو يكاد يكون المؤسسة الوحيدة الكبرى التي تندمج فيها كل الأعراق، ويساعد على ذلك نظام التطوع الذي يبقي الجنود من أعراق مختلفة لسنوات كثيرة معاً داخل الوحدات العسكرية فيخلق حالة شعورية موحدة نادرة في البلاد.
ولذلك في ظل العوامل المتعددة الدافعة للتشظي المجتمعي يبقى الجيش الباكستاني عامل توحيد رئيسياً، ولكن كثيراً ما فرض نفسه وصياً على البلاد.
وفي ظل الفوضى والتهديد الهندي مع فقر البلاد، فإن القلق من انهيار الدولة أو الهجوم الهندي، يدفع الجيش الباكستاني لتطوير قدراته بأقل الإمكانيات.
ولقد تحقق له ذلك في العديد من المجالات، ففور أن قطعت الهند خطوات متقدمة في برنامجها النووي، بدأت باكستان بدورها في إجراء البحوث والتجارب النووية، وهو أمر لم تفعله دول المواجهة العربية مثل مصر أيام عبد الناصر والسادات، وحاول فيه صدام حسين، ولكنه سرعان ما انجر لغزو الكويت، بينما سرعان ما سلم الزعيم الليبي معمر القذافي برنامجه النووي للغرب؛ خوفاً من مصير صدام حسين.
معجزة القنبلة النووية الباكستانية
يعود البرنامج النووي الباكستاني إلى الخمسينيات من القرن الماضي، خلال الأيام الأولى من تنافسها مع الهند. وقال الرئيس ذو الفقار علي بوتو تصريحه الشهير في عام 1965: "إذا صنعت الهند القنبلة، فسوف نأكل العشب أو أوراق الشجر، أو حتى نجوع، لكننا سنحصل على واحدة خاصة بنا".
وتمكّنت باكستان، بفضل البحوث التي أشرف عليها عبد القدير خان، من تحقيق نقلة نوعية على صعيد بناء ترسانة من الأسلحة المتطوّرة، وبرنامج نووي ذي كفاءة عالية.
يظهر دور أبو البرنامج النووي الباكستاني تأثير النخبة العلمية الكبير في تقدم باكستان العسكري.
واستفاد خان من عمله في شركة "FDO" الهندسية الهولندية، لاكتساب المهارات والمعلومات حول الأسس لبناء برنامج نووي.
وشكّل عمل خان في هذه الشركة وتجربته في التعامل بنجاح مع نظام الآلات النابذة، الأساس الذي بنى عليه لاحقاً برنامج باكستان النووي.
بعد التجربة النووية للهند عام 1974، اعتبر خان أن بلاده تحتاج إلى برنامج نووي خاص بها. فكتب رسالة إلى رئيس الوزراء الباكستاني آنذاك ذو الفقار علي بوتو قائلًا: "حتى تبقى باكستان دولة مستقلّة، فإن عليها إنشاء برنامج نووي".
وكانت رسالة خان بمثابة الانطلاقة العملية لتأسيس برنامج باكستان النووي، بخاصّة بعدما دعاه رئيس الوزراء عام 1975 للعودة إلى باكستان لإدارة برنامجها النووي. وفي العام التالي، غادر خان هولندا عائداً إلى بلاده.
وتشير مصادر غربية إلى أن العمل الذي أنجزه خان في 6 أعوام في البرنامج النووي لبلاده يستغرق في العادة عقدين من الزمان في الدول الغربية ذات التقاليد الراسخة في مجال الصناعة النووية، وقد ساعده كتمانه الشديد على نجاح مشروع إنشاء القنبلة النووية الباكستانية، كما ساعدته علاقاته بالشركات الغربية ذات الصلة بميدان التخصيب وبناء آلات الطرد المركزي على أن يشتري ما يعينه على بناء مختبراته وعلى تطوير بحوثه.
زعمت رئيسة الوزراء الباكستانية بينظير بوتو أنَّ القنابل الباكستانية خُزِّنَت مُفكَّكة حتى عام 1998، عندما اختبرت الهند 5 قنابل في غضون ثلاثة أيام. وبعد ما يقرب من 3 أسابيع، ردت باكستان بتفجير ست قنابل نووية لتعلن رسمياً انضمامها للنادي النووي.
تخضع الأسلحة النووية الباكستانية أو ثالوث باكستان النووي لسيطرة قسم الخطط الاستراتيجية للجيش، وتُخزَّن بالأساس في مقاطعة البنجاب، بعيداً عن الحدود الشمالية الغربية وطالبان. ويحرس الأسلحة النووية عشرة آلاف جندي باكستاني ورجال مخابرات من قسم الخطط الاستراتيجية للجيش. وتزعم باكستان أنَّ هذه الأسلحة لن تعمل إلا بالرمز الصحيح في اللحظة الأخيرة؛ مما يمنع سيناريو "الأسلحة النووية المارقة".
وعلى عكس الهند والصين المجاورتين، ليس لدى باكستان عقيدة "عدم الاستخدام أولاً"، وتحتفظ بحقها في استخدام الأسلحة النووية، وخاصة الأسلحة النووية التكتيكية منخفضة القوة، لتعويض ميزة الهند في القوات التقليدية.
نجاح باكستان في تصنيع أسلحة نووية يعود لثلاثة أشياء أساسية:
- نخبة علمية تعيش في الخارج، ولكن لديها التزام بخدمة أمن بلادها، وعادت وتركت المهجر لهذا الغرض، هي تجتهد في تحقيق ذلك بطريقة أثارت حتى دهشة الغرب.
- قادة سياسيون يعلمون أهمية هذا المشروع ويتوارثون رعايته بصرف النظر عن التحول من الديمقراطية للحكم العسكري ثم الديمقراطية مجدداً، ولكي يبقى البرنامج النووي خارج الخلافات، ومحاطاً بالسرية في بلد مشهور بالفضائح السياسية.
- جيش وأجهزة مخابرات ملتزمة بالمشروع دون كلل ودون أن تؤثر هزائم عسكرية أو انقلابات أو اضطرابات على موقفها هذا؛ لأن الاستمرارية مسألة مهمة للنجاح.
باكستان دولة منتجة للطائرات وتصدر بعضها لدول عربية
تنتج باكستان بالتعاون مع الصين الطائرة Karakorum-8 K-8 وهي طائرة تدريب نفاثة ذات محرك واحد وطائرة هجومية خفيفة، وتم تصدير هذه الطائرة لمصر وتجميعها في المصانع المحلية المصرية.
واسم الطائرة الصيني "Hongdu JL-8".
ويعتقد أن الطيارين الباكستانيين والهنود من أمهر الطيارين في العالم، بفضل نظم تدريب عريقة وصارمة لدى البلدين.
واعتمدت العديد من الدول العربية على الطيارين الباكستانيين في تدريب طياريها وأحياناً في بعض المعارك، بما في ذلك طيارون باكستانيون تطوعوا للقتال مع القوات الجوية السورية في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 حيث استخدموا الطائرات السوفييتية بمهارة أمام الطيارين الإسرائيليين.
كما نتنج باكستان محلياً دبابتين واحدة بالتعاون مع الصين والثانية مع أوكرانيا.
أمريكا تمنع عنها قطع غيار طائرات إف 16 بعد تفجيراتها النووية.. فماذا فعلت باكستان؟
كانت باكستان من أوليات دول العالم التي حصلت على طائرات إف 16 الأمريكية لمواجهة اختراقات الطائرات السوفييتية لأجوائها، بعد الغزو السوفييتي لأفغانستان، عام 1979، وشكلت هذه الطائرات رادعاً حقيقياً للسوفييت الذين كانوا لا يملكون طائرة مناظرة للإف 16 في ذلك الوقت.
بعد خروج القوات السوفييتية من أفغانستان نهاية الثمانينات تراجعت أهمية باكستان للولايات المتحدة، وعاد القلق الأمريكي من الدولة الإسلامية التي كان يعتقد أنها تطور أسلحة نووية.
وبعد التجارب النووية الباكستانية فرضت أمريكا حظراً كاملاً على توريد قطاع غيار الطائرات لإسلام آباد؛ مما هدد أمن البلاد القومي؛ لأنها الوسيلة الرئيسية لحماية سماء البلاد.
أعادت تأهيل طائرات فرنسية قديمة
وبالنظر للعلاقات الروسية الهندية القوية والتوتر التاريخي بين إسلام آباد وموسكو في أفغانستان، لم يمكن لباكستان أن تلجأ لروسيا لشراء طائرات حربية، كما أن فرنسا قد صدرت طائرات ميراج 2000 للهند؛ مما جعل من الصعب أن تشتريها باكستان.
في ذلك الوقت لجأت باكستان لتطوير أسطولها الكبير من من الأجيال القديمة من طائرات ميراج 3 وميراج 5 الفرنسية، وشراء هذه الطائرات مستعملة من دول أخرى، وترقيتها وتطويرها كمقاتلات رخيصة على يد الخبراء الباكستانيين ولكن فعالة في أيدي الطيارين الباكستانيين المشهورين بالكفاءة.
تعديل طائرات إف 16 لتحمل أسلحة نووية
لم تكتف إسلام آباد بذلك حيث يُعتقَد أنَّها استحدثت تعديلات على مقاتلات F-16A الأمريكية الصنع وربما مقاتلات Mirage فرنسية الصنع لإيصال قنابل نووية في عام 1995.
كما نجحت باكستان في جعل أسطولها إف 16 يعمل دون دعم فني وقطع غيار أمريكية لفترة، إلا أن استأنفت الولايات المتحدة تعاونها مع الجيش الباكستاني بعد أن أصبحت تحتاج إليها بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001.
قصة المقاتلة JF-17 Thunder التي صنعتها بالتعاون مع الصين
في ظل الصعوبات التي تواجه باكستان في الحصول على مقاتلة متطورة، وتجربتها مع أمريكا التي أظهرت خطورة الاعتماد على الدول العظمى في شراء الأسلحة، حاولت إسلام أباد تصنيع مقاتلتها الخاصة.
وفي عام 1995، وقَّعت باكستان والصين مذكرة تفاهم لتصميم مشترك وتطوير مقاتلة جديدة. نفس العام، انضمت شركة ميكويان السوفييتية (المعروفة بسلسلة طائرات MIG) إلى المشروع لتقديم "دعم التصميم". وكانت النتيجة هي JF-17 Thunder أو CAC FC-1 Xiaolong التي تم تطويرها بشكل أساسي لتلبية متطلبات القوات الجوية الباكستانية لطائرة مقاتلة حديثة ومتعددة المهام ميسورة التكلفة.
الطائرة يعتقد أنها متأثرة بالطائرة السوفييتية الشهيرة ميغ 21، التي تعود لستينيات القرن العشرين، مع إدخال تطويرات كبيرة، وهي نموذج لمشروع غير ثوري ولكنه فعال وسريع وقليل التكلفة.
إنها طائرة منخفضة التكلفة بمحرك واحد، وتمثل تطويراً كبيراً بالمقارنة مع طائرات إسلام أباد القديمة من طرازي ميراج 3 وميراج 5 الفرنسيتين ومقاتلات Chengdu F-7 الصينية، وهي مصممة لتكون نواة أسطول المقاتلات الباكستانية.
وكونها مصنعة ومجمعة محلياً يعطي إسلام آباد ميزة نسبية، ثم من حيث قدرتها على حيازة أعداد كبيرة، وسهولة الصيانة وتعزيز خبرات الطيارين في قيادتها، والأهم سهولة تعويض الخسائر في حالة الحرب.
وطارت JF-17 لأول مرة في عام 2003، وانضمّت للقوات الجوية الباكستانية بإعداد كبيرة.
والسرعة القصوى لها من 1.6 إلى 1.8 ماخ (سرعة الصوت)، ما يجعلها أبطأ بشكل هامشي من جدتها الميغ 21، لكنها لا تزال لديها قدرة على المناورة بشكل كبير، ولديها مدى متفوق عنها يبلغ حوالي 750 ميلاً، ورادار دوبلر KLJ-7 أقوى بكثير، ومعظم أسلحتها صينية مع قابلية كبيرة للعمل مع الأسلحة الغربية.
ويقال إن القوات الجوية الهندية تشعر بالقلق من احتمالات هزيمة الطائرات الرافال الفرنسية الباهظة الثمن، أمام JF-17 والتي تعتبر رخيصة جداً بمعايير أسعار المقاتلات المعاصرة.
والسبب في ذلك أن أحدث نسخة مدعومة من طائرة JF-17 وهو بلوك 3 تتميز بتقنيات مأخوذة من مقاتلة J-20 الصينية الشبحية المتطورة، التي ستُعزز بشكل كبير كفاءتها القتالية، وفقاً لموقع Global Times والبحوث التي أجرتها صحيفة EurAsian Times الهندية.
وذكر موقع غلوبال تايمز في وقت سابق أنَّ طائرة JF-17 التي تمت ترقيتها ستستضيف نظام بحث وتتبع بالأشعة تحت الحمراء، جنباً إلى جنب مع تقليل مقطعها الراداري.
ولكن ما تسبّب بإثارة القلق لدى سلاح الجو الهندي أكثر، التقارير المتعلقة بتسليح الطائرة JF-17 بصواريخ PL-15 الصينية طويلة المدى المطورة، إضافة لرادار من نوع "إيسا".
وأدخلت باكستان الطائرة JF-17 الخدمة أسرع كثيراً من المقاتلة الهندية هيل تيجاس، التي أنفقت عليها نيودلهي مبالغ ضخمة، ورغم أن تيجاس معترف لها بأنها أكثر تطوراً من منافستها الباكستانية، ولكن الطائرة الهندية تدخل الخدمة بشكل محدود، في الوقت الذي تستعد فيه باكستان لإدخال المتغير الثالث من ال JF-17 الذي يمثل طفرة كبيرة للطائرة سوف يجعلها أقرب للطائرة الهندية أو أكثر تطوراً منها.
ماذا حدث في آخر معركة جوية بين باكستان والهند؟
وبسبب الحصار الغربي، والعلاقات المتوترة مع موسكو، فإن باكستان لم تشترِ طائرات مقاتلات حديثة منذ فترة طويلة، (باستثناء تقارير عن شرائها مقاتلات J-10 الصينية).
ورغم ذلك فإن آخر مواجهة حدث بين القوات الجوية الباكستانية ونظيراتها الهندية تفوقت فيه باكستان باعتراف الأمريكيين، رغم أن الهند هي إحدى الدول القليلة التي تمتلك ترسانة متنوعة من الطائرات الغربية والروسية، مع مشروعات وعروض للإنتاج المشترك من الغرب وموسكو.
ولدى الهند حالياً رابع أقوى وأكبر قوة جوية في العالم، بما يعادل عدة أضعاف القوات الجوية الباكستانية، ولكن رغم ذلك أسقط الباكستانيون في معركة جوية وقعت بين البلدين عام 2019، طائرة ميغ 21 هندية، بينما نفى الأمريكيون صحة التقارير الهندية بأنهم أسقطوا إف 16 باكستانية.
وهناك حديث عن أداء ضعيف للطائرات السوخوي 30 الروسية الصنع الجبارة التي تعد القوة الضاربة للقوات الجوية الهندية أمام الطيارين الباكستانيين الذين يقودون الإف 16 الأمريكية المتقادمة والأصغر حجماً، حسبما ورد في تقرير لموقع The Print الهندي.
تقوم بتصنيع غواصات بالتعاون مع فرنسا
البحرية الباكستانية أضعف بكثير من البحرية الهندية، فالأخيرة تتفوق في القوة البشرية والسفن والطائرات، وتتفوق بكثير من حيث التكنولوجيا.
ولكن باكستان نجحت في تحويل قوتها البحرية الأصغر لقوة فعالة.
وأفضل ما لدى باكستان في مواجهة الهند ثلاث غواصات هجومية كهربية تعمل بوقود الديزل من فئة "خالد".
والغواصة خالد إصدارٌ محدث من غواصات Agosta الفرنسية (تصنع في باكستان)، ويعتقد أنها قادرة على توجيه رؤوس نووية.
صواريخ باكستان باتت تغطي مساحة الهند كلها تقربياً
رغم شهرة البرنامج الصاروخي الباكستاني فإنه ليس قديماً للغاية.
وبدأ التخطيط والمبادرات للبرنامج في عام 1987 استناداً إلى تقديرات استخباراتية باكستانية حول وجود برنامج الصواريخ الهندي.
ثم بدأت باكستان في الاستثمار بشكل أكبر في برنامجها الصاروخي في التسعينيات، ويعتقد أنها تعاونت أيضاً مع الصين، وكوريا الشمالية.
بحلول منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان لدى باكستان القدرة على ضرب معظم مناطق الهند، منافستها الإقليمية الرئيسية.
ويعتقد أن مدى الصواريخ الباكستانية يصل حالياً إلى آسيا الوسطى والشرق الأوسط، وبالكاد يصل لإسرائيل.
وتمتلك باكستان أسلحة نووية بعيدة المدى، مثل صاروخ شاهين 3 الذي يمكنه الوصول إلى جزر أندامان الهندية بالقرب من جنوب شرق آسيا، حسبما ورد في تقرير لوكالة Reuters.
كيف صنعت أول صاروخ كروز؟ من حطام صاروخ أمريكي!
تكتسب الصواريخ كروز أهمية خاصة بالنسبة لباكستان، وغيرها من الدول؛ لأنها تطير بشكل منخفض موازٍ لسطح الأرض وليس في مسار قوسي يمكن التكهن به مثل الصواريخ الباليستية، وهذا يجعل فرص صواريخ كروز في التهرب من الأنظمة الدفاعية الجوية مثل نظام إس 300 الذي تمتلكه الهند كبيرة.
وقصة تطوير باكستان لصواريخ كروز الأعقد بطبيعتها من الصواريخ الباليستية، يحيط بها غموض، ولكن أحد السيناريوهات التي تحدثت عنها الصحافة الغربية مثيرة للدهشة والإعجاب.
ويعد بابر أول صاروخ كروز باكستاني، وسمي باسم الإمبراطور المغولي الأول زاهر الدين بابر، وهو صاروخ كروز متوسط المدى يعمل بمحرك نفاث دون سرعة الصوت، ويمكن إطلاقه من المنصات البرية أو المحمولة بحراً تحت الماء. تم اختبار الصاروخ لأول مرة في عام 2005، ويُعتقد على نطاق واسع، أنه دخل الخدمة مع الجيش الباكستاني في عام 2010، والبحرية الباكستانية في عام 2018.
وتدَّعي باكستان أنها طوَّرت صواريخ بابر رداً على سعي الهند للحصول على صواريخ باتريوت الأمريكية بهدف إنشاء نظام دفاع هندي ضد الصواريخ الباليستية التي طورتها إسلام آباد، ويعني وجود "بابر" لدى باكستان أن أي نظام دفاعي ضد الصواريخ الباليستية لن يوقف إسلام آباد عن الردع النووي.
كان هناك جدل حول أصول الصاروخ "بابر"، حيث أشار بعض المحللين من أصل هندي إلى تشابه الصاروخ مع التصميمين الصيني والأمريكي، وهما DH-10 وTomahawk على التوالي.
وقالت بعض المصادر إن تصميم الصاروخ تم تطويره من خلال فحص الصواريخ التي حصلت عليها من الصين، لكن المسؤولين الباكستانيين رفضوا التعليق على هذا الاحتمال.
فيما أشارت تقارير أخرى إلى أن باكستان اقتبست تصميم الصاروخ من صواريخ كروز وتوماهوك الأمريكية التي استخدمت في قصف أهداف بأفغانستان حينما كانت معقلاً لـ"القاعدة" في التسعينيات.
وبالفعل وقبيل الإعلان عن تطوير الصاروخ، نقلت صحيفة Washington Post الأمريكية عن مصادر أمنية باكستانية، أن علماء وخبراء أسلحة باكستانيين يدرسون مكونات تم الحصول عليها من صاروخ كروز أمريكي سقط بالخطأ في جنوب باكستان، في أغسطس/آب 1998، وأعربوا عن تفاؤلهم بإمكانية كشف الأسرار التكنولوجية التي ستدفع برنامج الصواريخ الباكستاني إلى الأمام.
وقال المسؤولون الباكستانيون آنذاك، إن الخبراء المرتبطين ببرامج الصواريخ المدنية والعسكرية الباكستانية كانوا يتفقدون نظام التوجيه والكمبيوتر ونظام الدفع لصاروخ توماهوك، تم إطلاقه في 20 أغسطس/آب 1998، في الهجوم الأمريكي على معسكرات الإرهاب بأفغانستان، والذي يبدو أنه فشل في تحقيق هدفه.
وتعمل باكستان على إطلاق صواريخ كروز من البحر لإكمال ثالوثها النووي الخاص.
واختبرت باكستان صاروخ كروز يُطلق من الجو، يحمل اسم رعد. قيل إنه صاروخ كروز ذو قدرة نووية ويبلغ مداه حوالي 350 كيلومتراً ويتضمن "قدرات خفية"، ويطلق من الطائرات.
يعني كل ما سبق أن باكستان، تمتلك جيشاً قوياً محترفا (أحياناً تستعين به الدول العربية للحصول على الخبرات والمعدات) رغم أن ميزانيتها العسكرية أقل من معظم ميزانية الدول العربية الرئيسية، كما أنها تعرضت لحصار غربي، وعلاقتها العسكرية والسياسية ليست جيدة مع روسيا، وهي واقعياً ليس لها حليف سوى الصين، وأصبحت الآن تركيا شريكاً لها في الصناعات العسكرية، إضافة لحصولها على دعم مالي تقليدياً من دول الخليج العربية وليبيا في عهد القذافي.
والآن تمتلك باكستان حالياً "ثالوثاً" نووياً من أنظمة إيصال الأسلحة النووية قائماً على الأرض والجو والبحر، الذي يجعلها قادرة على توفير الردع النووي في مواجهة الهند الأكبر والأقوى منها بكثير، وتحقق قدر معقول من الاكتفاء الذاتي في المعدات العسكرية لم تحققه أي دولة عربية ويقل قليلاً عن تركيا وإيران.