بعد وساطة بكين في الاتفاق بين إيران والسعودية على استئناف العلاقات الدبلوماسية الأسبوع الماضي، أصبح السؤال المطروح يدور حول ما إذا كان الاتفاق سيصمد أم لا. وهل سيعيش الخصمان اللدودان فترة إعادة تقارب مستدامة فعلاً؟
ويُمكن القول إن الهند وباكستان لديهما مصلحة كبير في نجاح الاتفاق، إذ إن تحسن العلاقات الإيرانية السعودية سيمنح دول جنوب آسيا مساحة دبلوماسية أكبر لتقوية علاقاتها مع طهران والرياض، خاصةً العلاقات التجارية. لكن إسلام آباد ونيودلهي ستتبعان نهجاً حذراً بغضّ النظر عن نتائج الاتفاق، نظراً لرغبتهما في عدم إغضاب واشنطن بالتقارب مع إيران أكثر من اللازم، كما يقول تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.
كيف سينعكس الاتفاق السعودي الإيراني على باكستان والهند؟
رغم الخلافات العرضية، تظل السعودية من أقرب حلفاء باكستان. حيث تُعَدُّ الرياض شريكاً عسكرياً قديماً ومصدراً يقدم الدعم الاقتصادي المتكرر لإسلام آباد، بدايةً بتمويل جهود الإنقاذ المالي، ووصولاً إلى حوالات العمالة الأجنبية. فضلاً عن أن العديد من القادة العسكريين والمدنيين الباكستانيين يتمتعون بعلاقات وطيدة مع المملكة.
وعلى النقيض، لطالما كانت الخلافات علامةً بارزة للعلاقة بين باكستان وإيران في كثير من الأحيان. إذ اتهمت كل منهما الأخرى بإيواء مسلحين يستهدفون الدولة الأخرى، وقدمتا الدعم لأطراف متقابلة أثناء الصراع في أفغانستان.
كما قدمت الحكومات الباكستانية المتعاقبة نفسها كطرف محايد في التنافس السعودي-الإيراني، وسعت إسلام آباد للتوسط في إعادة التقارب بينهما من قبل. لكن إسلام آباد امتنعت عن التقرب من طهران أكثر، حتى تتجنب إغضاب السعودية. لهذا يُعتبر التعاون بينهما محدوداً نسبياً، باستثناء بعض الروابط التجارية.
أين تقف الهند مع كل من السعودية وإيران؟
في الوقت ذاته، نجحت الهند في إدارة علاقة أكثر توازناً من الناحية التاريخية، وسعت لإقامة علاقات تجارية قوية خاصةً في مجال تجارة الطاقة، سواءً مع السعوديين أو الإيرانيين. لكن نيودلهي قلصت واردات طاقتها من إيران منذ عام 2019، لتجنب انتهاك العقوبات الأمريكية. بينما زادت حجم تجارتها مع السعودية وبقية أعضاء دول مجلس التعاون الخليجي، مثل البحرين والكويت وعمان وقطر والإمارات. وعزّزت الهند علاقاتها مع دول منظمة التعاون الإسلامي أيضاً، وهي منظمة خاضعة بشدة لنفوذ السعودية وحلفائها الخليجيين.
يُذكر أن دعم نيودلهي لاتفاقات أبراهام التطبيعية ومشاركتها في المبادرات المنبثقة عنها قد جعلها على خلاف مع طهران. كما تضررت العلاقات الهندية الإيرانية بسبب النمو السريع في علاقات نيودلهي مع إسرائيل، ونتيجةً لعلاقات طهران مع بكين أيضاً. وفي الشهر الماضي، ألغى وزير الخارجية الإيراني زيارته للهند بعد عرض قمة القيادة الفكرية Raisina Dialogue، التي ترعاها الحكومة الهندية، للقطات من الاحتجاجات الإيرانية المناهضة للحكومة.
ولا شك أن تحسن العلاقات الإيرانية السعودية سيمثل ميزةً بالنسبة للدبلوماسية الهندية والباكستانية. إذ يجب على العاصمتين التنقل وسط تنافسات القوى الكبرى الخاصة بدولٍ لديها علاقات مهمة معها (تنافس الولايات المتحدة مع روسيا بالنسبة للهند، وتنافس الولايات المتحدة مع الصين بالنسبة لباكستان). لهذا فإن انخفاض عدد التنافسات التي يجب التعامل معها هو أمر يبعث على الارتياح.
ما الذي يمكن أن يتحقق اقتصادياً؟
فضلاً عن أن إعادة التقارب الإيرانية السعودية قد تُتيح الفرصة أمام الهند وباكستان لزيادة التركيز على المشروعات الاقتصادية الأساسية مع إيران. وتشمل تلك المشروعات تطوير ميناء جابهار في جنوب شرق إيران، حيث تتصوره الهند كجزءٍ من ممرها التجاري الذي سيمتد في النهاية ليربطها بأفغانستان ووسط آسيا. علاوةً على إتمام خط أنابيب الغاز بين إيران وباكستان، الذي تم تشييده جزئياً، ويمكن أن يمنح باكستان دفعة أمن الطاقة التي تحتاجها بشدة.
ولدى باكستان مصلحة كبيرة على نحوٍ خاص في نجاح الاتفاق الإيراني-السعودي. إذ تقع على حدود إيران، ويصل تعداد الشيعة إلى 20% من سكان باكستان. وفي الوقت ذاته، تعرضت باكستان للكثير من الضغوطات -بصفتها حليفاً عسكرياً للرياض- من أجل إرسال قواتها إلى المملكة لأغراض التدريب وفرض الاستقرار، وإلى البحرين واليمن للمساعدة في دعم المصالح الأمنية السعودية. وقد وافقت باكستان على بعض تلك الطلبات، بينما رفضت طلبات أخرى، لكن الضغوطات تجعل الوضع غير مريح في جميع الأحوال.
أين تقف أمريكا من ذلك كله؟
مع ذلك، يجب عدم المبالغة في تقدير فوائد نجاح الاتفاق الإيراني السعودي بالنسبة للهند وباكستان. حيث سيواصل البلدان تعاملهما بحذر مع إيران بسبب واشنطن، وليس الرياض. إذ لا تريد الولايات المتحدة من حلفائها أن يتعاملوا تجارياً مع طهران. وربما تتمتع الهند بشراكة وثيقة مع روسيا، لكن علاقتها بإيران تُعَدُّ أكثر تواضعاً. مما يعني أن نيودلهي ليست لديها الكثير من الحوافز لزيادة تفاعلها مع خصم أساسي للولايات المتحدة والمخاطرة بإغضاب واشنطن، بعكس وضعها مع موسكو.
على النحو نفسه، لن ترغب باكستان في إغضاب الولايات المتحدة بزيادة تفاعلها مع إيران، بينما تعاني إسلام آباد أزمةً اقتصادية حادة؛ حيث تُعتبر الولايات المتحدة أكبر وجهات التصدير الباكستانية، ومصدراً رئيسياً للمساعدات الاقتصادية الثنائية، ودولةً ذات نفوذ داخل أروقة صندوق النقد الدولي.
ولهذا ستتحرك إسلام آباد ونيودلهي بحذر، بغضّ النظر عن أي مساحة دبلوماسية جديدة ستظهر نتيجة نجاح الاتفاق الإيراني السعودي.
وتُصرّ إدارة بايدن على أنها لطالما كانت مؤيدةً لأي ترتيب يُمكنه المساعدة في تهدئة توترات الشرق الأوسط، وضمن ذلك استئناف العلاقات السعودية-الإيرانية. ومع ذلك، يقول المسؤولون الأمريكيون إنهم يشكون في وفاء إيران بالتزاماتها، لكنهم سيراقبون الوضع عن قرب.
ولا شك في أن دور الوساطة الصيني في إعادة التقارب يمثل مصدر قلق، لأنه مرتبط بمعركة النفوذ بين واشنطن وبكين داخل المنطقة وخارجها. لكن المسؤولين يقولون إنه لم يتضح بعدُ ما إذا كانت الجهود الصينية ستكلل بالنجاح أم لا.