بلغت جهود الصين لزيادة المواليد مدى جديداً، وأصبحت تتسم بسخاء كبير، بعد أن أصبح التراجع السكاني أكبر خطر يواجه البلاد.
ففي الاجتماع البرلماني السنوي في الصين، هذا الأسبوع، جاءت مقترحات تعزيز معدل المواليد في الصين كثيفةً وسريعة. وفي يوم الأربعاء، 8 مارس/آذار، دعا الاتحاد النسائي لعموم الصين، وهي منظمة تدعمها الدولة، إلى حملة دعاية وطنية "للدعوة إلى مفهوم إيجابي للزواج والإنجاب"، من خلال الأفلام والتلفزيون.
ودعا مندوبون آخرون في البرلمان الصيني إلى إعفاءات ضريبية للشركات التي توظف المزيد من الأمهات، وفتح تأمين الأمومة لطلاب الجامعات، والتعليم الجامعي المجاني للأسر التي لديها طفل ثالث ولد بعد عام 2024، والسماح للنساء غير المتزوجات بالحصول على خدمات الخصوبة.
انخفض معدل المواليد في الصين العام الماضي 2022 إلى 6.77 لكل ألف شخص، وهو أدنى مستوى على الإطلاق. في عام 2022، تقلص عدد السكان بمقدار 850 ألفاً، وهو أول انخفاض منذ عام 1961، عام المجاعة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
ففي السنوات الأخيرة تردد العديد من الأزواج الصينيين في إنجاب الأطفال بسبب ارتفاع تكلفة الرعاية الصحية والتعليم والإسكان. قرار الصين في عام 2016 بالتخلي عن سياسة الطفل الواحد المستمرة منذ عقود لم يقدم الكثير من الزخم لمعدل المواليد، وأدى ذلك إلى انخفاض معدل نمو السكان في الصين.
لم تتحقق التوقعات بحدوث طفرة في المواليد بعد إلغاء سياسة الطفل الواحد
زاد إلغاء سياسة الطفل الواحد في عام 2016 التوقعات بحدوث طفرة في معدل إنجاب الطفل الثاني. وأظهرت بيانات من لجنة الصحة الوطنية أنَّ عدد المستشفيات الخاصة لأمراض النساء والتوليد في الصين ارتفع بنسبة 40% تقريباً في عام 2016 مقارنة بعام 2013.
لكن موجة المواليد الجُدد في عام 2016، عندما ارتفعت المواليد بنسبة 7.9% إلى 17.86 مليون، ثبت أنها قصيرة الأجل. ففي كل عام منذ ذلك الحين، انخفضت معدلات المواليد، حسب The Wall Street Journal الأمريكية.
نتيجة انخفاض معدل نمو السكان في الصين، وتحديداً ظاهرة تراجع الولادات، يقول الأطباء إنَّ العديد من المستشفيات تخفض رواتبها وتُقلِّص عدد أقسام الولادة. وقال طبيب أطفال في مستشفى للنساء والأطفال في نانجينغ بشرق الصين إنَّ عدد المواليد الجُدد في المستشفى تقلص بنحو الخُمس في عام 2020 من عام 2019. وأضاف الطبيب: "أخشى فقدان عملي يوماً ما".
انخفاض معدل نمو السكان قد يهزم البلاد أمام أمريكا
ويبدو الاقتصاد الصيني قوياً نسبياً على المدى القصير، وساعده في ذلك تغلب البلاد سريعاً على انتشار الفيروس والاستثمارات الحكومية الضخمة التي صاحبت هذه الجهود.
وتنبأ بعض الاقتصاديين في وقت سابق هذا العام، بأنَّ الصين قد تنتزع لقب أكبر اقتصاد في العالم من الولايات المتحدة بحلول 2028، أي قبل سنوات من الوقت المُتوقَّع سابقاً.
ولكن انخفاض معدل نمو السكان في الصين قد لا يمكن البلاد من الحصول على لقب أكبر اقتصاد في العالم، ويبدو ذلك بسبب القيود على الإنجاب، وخاصة سياسة الطفل الواحد، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Wall Street Journal الأمريكية.
ويُرجِّح تقرير صادر عن Capital Economics هذا الشهر أنَّ تباطؤ نمو الإنتاجية وتقلص القوة العاملة جراء انخفاض معدل نمو السكان في الصين، قد يؤدي إلى منع البلاد من تجاوز الولايات المتحدة، أو أنها إذا فعلت ذلك فستستعيد الولايات المتحدة المركز الأول مرة أخرى، بمساعدة الهجرة التي تستمر في إعادة ملء حاجاتها من العمال.
كان عدد السكان الكبير في سن العمل في البلاد- ما يقرب من 70% من السكان في عام 2010- على مدى عقود هو المحرك لنمو الاقتصاد.
بالتالي، الآن بعد أن بدأت سن العمل تتقلص، وزاد عدد كبار السن في الصين، فهذا يعني في النهاية أن الصين قد فشلت في أن تصبح غنية قبل أن تتقدم في السن، وهو ما يمثل حالة قلق شديدة للدولة الصينية، كما تقول صحيفة فيننشال تايمز الأمريكية.
وتضيف الصحيفة أن بعض الاقتصاديين يجادلون بأن صعود الأتمتة والذكاء الاصطناعي سيواجه ارتفاع تكاليف العمالة مع تقلص عدد العمال، وأن انخفاض عدد سكان الصين لا ينبغي أن يكون مدعاة للقلق، لأن المعروض من العمالة لا يزال يتجاوز الطلب، وسيتم تعويض الانخفاض طويل الأجل في العمال مع "تحسن جودة العمالة" وارتفاع مستويات التعليم.
لكن المحللين متفقون إلى حد كبير على أن الرعاية الاجتماعية والبنية التحتية الطبية في البلاد غير مهيأة بشكل جيد لمواجهة شيخوخة السكان، وهذا يجب أن يكون بمثابة دعوة لاستيقاظ الصين، لتسريع إصلاحات نظام الرعاية الصحية، الذي لا يزال غير فعال للغاية وغير متساوٍ في البلاد.
أبرز جهود الصين لزيادة المواليد
بدأت بعض المناطق بالفعل في تنفيذ سياسات مؤيدة للخصوبة، في فبراير/شباط، أزالت مقاطعة سيتشوان، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 80 مليون شخص، جميع القيود المفروضة على تسجيل المواليد، متجاهلة القواعد التي كانت تعني في السابق أنه لا يحق تسجيل المواليد الجدد إلا للأزواج المتزوجين.
وتقدم بعض المقاطعات للمتزوجين الجدد إجازات مدفوعة الأجر، في محاولة لتشجيع الزواج وزيادة معدل المواليد. في هانغتشو، عاصمة مقاطعة تشجيانغ على الساحل الشرقي، تقدم إحدى خطط التأمين الصحي للأزواج تعويضات بقيمة 3 آلاف يوان (حوالي 347 دولاراً) مقابل علاجات أطفال الأنابيب.
بين عامي 2016 و2021، ارتفع عدد المؤسسات الطبية المعتمدة لتقديم التكنولوجيا الإنجابية المساعدة من 451 إلى 539، وفقاً لبيانات من اللجنة الوطنية للصحة والطب.
لكن بالنسبة لملايين الشابات في الصين، اللواتي يؤخرن إنجاب الأطفال، أو يتخذن قراراً ضده تماماً، فإن هذه السياسات بالكاد تؤثر على معدل المواليد المتدني في ظل التحول على مستوى الاقتصاد والأجيال أيضاً، الذي جعل الأسر الصغيرة هي القاعدة.
هل حقاً أنقذت "سياسة الطفل الواحد" القاسية البلاد من انفجار سكاني؟
في عام 1979، طبقت الصين سياسة الطفل الواحد، التي حدت من الولادات من خلال نظام وحشي من الإجهاض القسري والتعقيم والغرامات. تدعي الحكومة أن السياسة منعت 400 مليون ولادة، رغم أن العديد من الديموغرافيين يعتقدون أن هذا مبالغ فيه.
في ورقة بحثية مؤثرة نُشرت في عام 2015، أشار علماء الاجتماع مارتن كينغ وايت ووانغ فنغ ويونغ كاي، إلى أنه "رغم الضراوة القسرية للحملة، فإن التنمية الاقتصادية السريعة في الصين منذ عام 1980 تستحق نصيب الأسد من الفضل" في انخفاض معدل المواليد في الصين.
ولذلك ربما ليس من المستغرب أنه رغم رفع هذه السياسة عام 2016، استمرت العوامل الاقتصادية في الحد من حجم الأسرة.
السكن المناسب للأطفال أصبح باهظاً
بالنسبة إلى يو كي، وهي مديرة تبلغ من العمر 29 عاماً في هانغتشو، هناك "ثلاث مشاكل كبيرة" تمنعها من إنجاب طفل، حسبما تنقل عنها صحيفة The Guardian البريطانية.
ستحتاج هي وشريكها إلى العمل بدوام كامل لتتمكن من شراء شقة كبيرة بما يكفي لتربية طفل فيها، وتقدر أنها ستكلف 3 ملايين يوان (436 ألف دولار) لوحدة مساحتها 60 متراً مربعاً في هانغتشو. لكن هذا لن يترك وقتاً لكي يبقى أحدهما في المنزل لرعاية المولود الجديد. تقول يو كي: "إذا جاء آباؤنا لمساعدتنا في رعاية الطفل فسيكون المنزل صغيراً جداً بالنسبة لنا جميعاً".
تختلف استحقاقات الأمومة باختلاف المقاطعة، اعتباراً من هذا العام ستقدم تشجيانغ دعماً بقيمة 5 آلاف يوان للأسر التي لديها طفلان، و20 ألف يوان منحاً للمولود الثالث. في شنغهاي يتم تقديم 4200 يوان للأمهات لتغطية النفقات الطبية المتعلقة بالولادة، لكن هذا يمثل قطرة في محيط التكاليف المرتفعة.
إغراءات من غير المرجح أن تنجح
في عام 2022، قُدِّرَت تكلفة تربية طفل في منطقة حضرية بنحو 630 ألف يوان منذ الولادة وحتى 17 عاماً.
وفي عام 2019، قدرت دراسة أجرتها أكاديمية شنغهاي للعلوم الاجتماعية أن الأسر ذات الدخل المنخفض، والتي تُعرَّف على أنها أسر ذات دخل سنوي يقل عن 50 ألف يوان، تنفق أكثر من 70% من عوائدها على طفل واحد.
بدون تغيير قواعد مكان العمل وتعزيز المساواة بين الجنسين في المنزل، سيكون للفوائد تأثير ضئيل، كما تقول يون تشو، عالمة الاجتماع في جامعة ميشيغان. وتضيف: "هذه الحوافز المالية لم تنجح في أي مكان آخر، ومن غير المرجح أن تنجح في الصين".