بعد انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفييتي، دخلت بلدة براكوفيتشي في سلوفاكيا في حالة من العزلة الطويلة والهدوء، حيث كانت مصنعاً رئيسياً لصناعة الأسلحة وتوريدها لحلف وارسو بزعامة الاتحاد السوفييتي، وكانت موطناً لمصنع شهير متخصص في صناعة الدبابات والمدرعات.
لكن اليوم يبدو أن بلدة براكوفيتشي الهادئة ستعود لما كانت عليه في السابق، وإن كانت ضد موسكو هذه المرة، فالآن يقدم الصراع في أوروبا بصيص أمل إلى هذه البلدة، حيث توشك الرغبة الحثيثة لزيادة إنتاج الأسلحة لمساعدة أوكرانيا على صد روسيا، على كسر العزلة الطويلة لهذه البلدة.
الطلب على الأسلحة في أوكرانيا يعيد سلوفاكيا إلى الواجهة مجدداً
دعمت الحكومة السلوفاكية المنتهية ولايتها، العضوة في حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، أوكرانيا، لكن المجهود الحربي دخل مرحلةً جديدة كما يقول تقرير لشبكة Bloomberg الأمريكية: التدافع لضمان إمدادات الأسلحة والذخيرة. وجنباً إلى جنب مع شركات مثل راينميتال الألمانية، يعمل المنتجون السلوفاكيون على توسيع قدراتهم.
وترغب حفنة من البلدات في المناطق الأكثر فقراً في سلوفاكيا في إحياء المصانع الضخمة التي كانت في السابق تزوِّد حلف وارسو بالأسلحة، حتى لو كان ذلك يعني التغلب على الشكوك المحلية في بلد تُظهِر فيه استطلاعات الرأي أن جزءاً كبيراً من السكان سيكون سعيداً إذا فاز فلاديمير بوتين في الحرب، بحسب بلومبيرغ.
تفتتح شركة كونستراكتا المملوكة للدولة، والتي تصنع مدافع هاوتزر من طراز زوزانا 2، قاعتين جديدتين للبناء في المنطقة الصناعية نصف الفارغة في براكوفيتشي وتوظف 50 عاملاً. وقد افتتحت الشركة أيضاً قاعة تجميع ومركز تدريب جديدين في بلدة مولدافا ناد بودفو المجاورة. وقد امتلأت طلبات الحجز، وفقاً لألكسندر جورسكي، المدير العام لكونستراكتا.
أما في مدينة سنينا القريبة من الحدود مع أوكرانيا، قالت شركة ZVS Holding، أواخر العام الماضي، إنها ستستثمر 15 مليون يورو (16.1 مليون دولار) لزيادة إنتاجها من ذخيرة المدفعية عيار 155 ملم إلى 100 ألف قذيفة سنوياً من أصل 19 ألفاً.
سلوفاكيا تقول للغرب: يمكن أن تراهنوا علينا
يقول تيبور ستراكا، رئيس اتحاد الصناعات الدفاعية في سلوفاكيا لشبكة بلومبيرغ: "يمكن أن تكون طاقاتنا الإنتاجية حيوية في أزمة مثل هذه الحرب. نجح تقليد صناعة الدفاع في البقاء على قيد الحياة في سلوفاكيا رغم كل أعباء الماضي".
لقد وجّه انهيار الشيوعية وتفكك حلف وارسو ضربة قوية للجزء الشرقي من "تشيكوسلوفاكيا" آنذاك، والذي كان يضم أكبر منتجي الأسلحة. ومع اختفاء الطلبات في أوائل التسعينيات، انخفض الإنتاج بنسبة 90%، أدى إلى دفع عشرات الآلاف من الأشخاص إلى صفوف العاطلين وزوال المجمعات الكبرى مترامية الأطراف.
في براكوفيتشي، على بعد 100 كيلومتر من أوكرانيا، حوَّل ذلك مركزاً صناعياً مزدهراً إلى ما يبدو مدينة أشباح في نهاية فصل الشتاء. تُعَد البلدة موطناً لثلاثة آلاف شخص، وهو العدد نفسه تقريباً من الموظفين الذين كانوا يصنعون الأسلحة في أوجها.
خلال حقبة الشيوعية، مُنِحَ العمال في هذه المرافق شققاً جديدة، وكان نجوم العصر يحضرون لتقديم عروض لهم في المركز الثقافي المحلي. كانت المدينة في حالة جيدة لدرجة أن نادي كرة القدم المحلي التابع لها أحضر مدرباً من براتيسلافا، العاصمة السلوفاكية الآن، ووصل إلى بطولات الدوري. كان السكان المحليون يأخذون حمامات الشمس في مسبحٍ جديد في الهواء الطلق.
أصبح المسبح الآن مجرد حوض خرساني مُدمَّر يصعب تحديد استخدامه. انخفض فريق كرة القدم إلى الدرجة السابعة في كرة القدم السلوفاكية، وما زال مجلس المدينة يحاول إعادة بناء المركز الثقافي المتداعي بمساعدة الاتحاد الأوروبي.
قضى جوزيف كومورا ما يقرب من 30 عاماً في إنتاج مسارات الدبابات والمدرعات في المصنع. ثم شهد انهيار بلدته، ولم يتمكن من الحصول على عمل، وفي النهاية وجد وظيفة في جمهورية التشيك المجاورة.
سلوفاكيا تريد استعادة إرثها في التصنيع العسكري
مع دخول الحرب في أوكرانيا عامها الثاني، تأمل شركات الأسلحة التي تمكنت من الاستمرار في العمل في أن يؤدي إرث القوى العاملة الماهرة إلى تحريك خططها بسرعة. تخطط DMD، أكبر شركة أسلحة قابضة مملوكة للدولة في سلوفاكيا، لزيادة عدد الموظفين إلى أكثر من 860 هذا العام من 600، العديد منهم في المنطقة.
قال ستراكا من اتحاد الصناعة إنهم يراهنون أيضاً على أن القفزة في الطلب ستستمر، في ضوء التحول في الجغرافيا السياسية. وقال: "إن إمكانات نمو إنتاج الأسلحة عالية جداً. ستستمر إعادة تسليح وتحديث القوات في العديد من البلدان، بالنظر إلى احتياجاتها وتطورها الاقتصادي، لمدة 10 سنوات أخرى".
لا يزال العديد من المواطنين بحاجة إلى الاقتناع، نظراً للتجربة الماضية والاحتضان المتزايد لدعاية بوتين بشأن الحرب في أوكرانيا.
عندما انهارت الصناعة، ألقى السكان المحليون باللوم على الحكومة المركزية، واكتسبت القوات القومية زخماً بعد انقسام تشيكوسلوفاكيا إلى دولتين. بينما انضمت جمهورية التشيك إلى حلف الناتو في عام 1999، كان طريق سلوفاكيا إلى الحلف أبطأ في ظل حكم الرئيس الشعبوي القوي فلاديمير ميسيار. انضمت بعد خمس سنوات عندما أصبحت الدولة أيضاً عضواً في الاتحاد الأوروبي.
كيف سينعكس ذلك على العلاقة مع روسيا؟
أيدت الحكومة السلوفاكية جميع العقوبات ضد روسيا وساعدت أوكرانيا بالمعدات العسكرية. ومع ذلك، فإن البلاد تحتل واحدة من أقوى المواقف المؤيدة لروسيا في الاتحاد الأوروبي.
خُمس السكان يفضلون روسيا للفوز بالحرب، ولا يزال 37% من السلوفاك يعتبرون روسيا شريكاً استراتيجياً، وفقاً لاستطلاعات الرأي. وتفوقت أحزاب المعارضة التي تتحدث بإيجابية عن بوتين على الأحزاب الحاكمة من حيث الشعبية، حيث من المقرر إجراء انتخابات مبكرة في سبتمبر/أيلول بعد انهيار الائتلاف الحاكم.
وقد تردد صدى ذلك في براكوفيتشي، حيث تحدّث السكان المحليون لصالح بوتين، حتى في الوقت الذي يعلقون فيه آمالهم على الصناعة التي تهدف إلى إمداد أوكرانيا وحلفائها بالأسلحة. كان البعض قلقاً من أن تجلب إعادة ميلاد صناعة الأسلحة مخاطر، مثل جعل المدينة هدفاً محتملاً للضربات الصاروخية.
ألقى ماريك بيسكو، 36 عاماً، المهندس من البلدة، باللوم على الولايات المتحدة لإثارة الصراع، وكان حذراً من خطة صناعة الدفاع، وقال: "الناتو يتوسع باستمرار. لقد اضطرت روسيا للدفاع عن نفسها".
ولكن في بلدةٍ يظل 10% من سكانها عاطلين، وحوالي 20% من السكان متقاعدين، فحتى بصيص من الآفاق الأفضل يعد شيئاً مهماً. تحرص بلدية براكوفيتشي على ذلك لأن خلق فرص عمل في إحدى المناطق الأقل نمواً في البلاد قد يقنع الشباب بالبقاء، حتى لو لم تشهد المدينة تكراراً لأفضل سنواتها المزدهرة. قال روبرت فايس، عمدة براكوفيتشي: "يربط الكثير من الناس هنا بين تطور مدينتنا وتقدمها بالاشتراكية. كل شيء سلبي حدث هنا جاء بعد ذلك".