تسببت آثار انهيار بنك سيليكون فالي الأمريكي، التي بدأت يوم 10 مارس/آذار 2023، في استمرار خسائر أسهم البنوك العالمية، وذلك بعدما سحب المودعون أرصدتهم (نحو 42 مليار دولار دفعة واحدة)، ما تسبب في أكبر فشل مصرفي منذ الأزمة المالية عام 2008، حيث يُعد هذا ثاني أكبر فشل في تاريخ الولايات المتحدة.
ولم تُفلح تأكيدات الرئيس الأمريكي جو بايدن، وصنّاع السياسات الآخرون في تهدئة الأسواق، ودفعت لإعادة التفكير بشأن مستقبل أسعار الفائدة. وجاءت محاولات بايدن لطمأنة الأسواق والمودعين، بعدما فشلت إجراءات طارئة في أمريكا لدعم البنوك بمنحها تمويلاً إضافياً، في تبديد مخاوف المستثمرين بشأن احتمال انتقال العدوى لبنوك أخرى في أنحاء العالم، لكن إلى أي مدى يشكل انهيار بنك سيليكون فالي خطراً على النظام المصرفي الأمريكي والعالمي؟
كيف يؤثر انهيار بنك سيليكون فالي على الأسواق المالية؟
بعد انهيار بنك سيليكون فالي، إثر تكبده خسائر فادحة بلغت نحو 15 مليار دولار وتراجع قيمة السندات التي بحوزته، تردد صدى هذا الانهيار في الأسواق المالية العالمية، التي بدت وكأن أزمة جديدة تحاصرها، على غرار تلك الأزمة التي شهدها العالم قبل 15عاماً. ولا ريب أن الأزمة الجديدة ألقت بالكثير من الأسئلة على منصات عالم المال والأعمال، في مختلف أنحاء العالم.
ويقول تقرير لوكالة رويترز، إن أسهم البنوك في آسيا واصلت خسائرها، حيث خسرت أسهم البنوك الأسترالية الكبيرة إيه.إن.زد ووستباك وإن.إيه.بي أكثر من 2%، وهوى المؤشر الفرعي للقطاع المصرفي في بورصة طوكيو 6.7% في مستهل التعاملات، مسجلاً أدنى مستوياته، منذ ديسمبر/كانون الأول 2022.
ويقول دامين بوي، كبير محللي استراتيجيات الأسهم في بنك بارينجوي الاستثماري في سيدني، إنه "بدأ التدافع على البنوك وسوق ما بين البنوك (إقراض المال بين المؤسسات المالية) واقع تحت ضغط".
كذلك أدى سباق محموم لإعادة تقدير زيادات أسعار الفائدة المتوقعة لاهتزاز الأسواق، إذ يراهن المستثمرون على أن يحجم مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي)، عن رفع أسعار الفائدة الأسبوع المقبل.
أيضاً يتوقع المتعاملون حالياً فرصة بنسبة 50% ألا يرفع المركزي الأمريكي الفائدة في الاجتماع المقبل، مع استيعابهم لخفض الفائدة في النصف الثاني من العام، وفي مطلع الأسبوع الماضي كان السوق قد استوعب تماماً رفع الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، مع توقعات بنسبة 70% أن تبلغ الزيادة 50 نقطة أساس.
ووسط مخاوف المستثمرين من حدوث انهيارات إضافية، خسرت البنوك الأمريكية حوالي 90 مليار دولار من قيمتها بسوق الأسهم، أمس الإثنين، لترتفع خسائرها خلال جلسات التداول الثلاث الماضية، إلى نحو 190 مليار دولار.
البنوك الإقليمية الأمريكية هي التي تكبدت أكبر الخسائر، وهبطت أسهم "فرست ريبابلك بنك" أكثر من 60%، إذ لم تُفلح أنباء عن تمويل جديد في طمأنة المستثمرين، وراجعت وكالة موديز تصنيفها للبنك بالخفض.
كذلك أغلق مؤشر القطاع المصرفي الأوروبي منخفضاً 5.7%، بينما هوى سهم كومرتس، البنك الألماني 12.7%، وكريدي سويس 9.6%، مسجلاً مستوى قياسياً منخفضاً.
ما هو بنك سيليكون فالي وما حجمه بلغة الأرقام؟
يعدّ بنك سيليكون فالي المصرف الأمريكي الـ16 من حيث حجم الأصول، التي تجاوزت 209 مليارات دولار في نهاية العام الماضي، فيما بلغ حجم ودائع بلغت قيمتها أكثر من 175 مليار دولار، ويشكل إفلاسه أكبر انهيار لمصرف في الولايات المتحدة منذ الأزمة المالية عام 2008.
ونشاط بنك سيليكون فالي كان يرتكز على الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا، ويستثمر الأموال التي يودعها أصحاب تلك الشركات في السندات الأمريكية طويلة الأجل، وكان يقدم للمودعين فوائد مرتفعة، لكن مع حلول النصف الثاني من العام الماضي، غادرت البنك ودائعُ أولئك الذين آثروا الاستثمار في السندات قصيرة الأجل، على إثر رفع أسعار الفائدة في البلاد.
ويقول تقرير لوكالة euronews الأوروبية، إنه على ضوء موجة السحوبات العاتية، واجه البنك أزمة سيولة تمثلت في عجزه عن مواصلة دفع فوائد على الودائع المتبقية، وذلك وسط تراجع عمليات الإقراض المصرفي جراء ارتفاع أسعار الفائدة على الصعيد العالمي.
ما مصير ودائع الادخار في بنك سيليكون فالي؟
أعلنت مؤسسة التأمين على الودائع الفيدرالية، يوم الإثنين 13 مارس/آذار 2023، أنها حولت فعلياً الودائع المؤمنة وغير المؤمنة في بنك سيليكون فالي المنهار إلى "بريدج بنك"، علماً أن الحكومة الأمريكية كانت وعدت مسبقاً بوجوب حماية جميع الودائع، وشددت على ضرورة أن يكون بإمكان العملاء الوصول إلى جميع أموالهم.
والإثنين، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن، إن دافعي الضرائب لن يتحملوا مسؤولية تعويض خسائر المودعين، مؤكداً أن الأزمة تحت السيطرة. وأشار بايدن إلى أن الحكومة تضمن أن يستعيد المودعون أموالهم، لكن "لن يتحمل دافعو الضرائب أي خسائر"، موضحاً "ستأتي الأموال من الرسوم التي تدفعها البنوك لتأمين الودائع".
ما مدى خطورة الأزمة الحالية؟
أعلن صندوق النقد الدولي يوم الأحد أنه يراقب الآثار المحتملة على الاستقرار المالي، بسبب انهيار بنك سيليكون فالي، وقال متحدث باسم صندوق النقد الدولي في بيان: "نراقب عن كثب التطورات والآثار المحتملة على الاستقرار المالي، ولدينا ثقة كاملة بأن صناع السياسة في الولايات المتحدة يتخذون الخطوات المناسبة لمعالجة الوضع".
ورغم ذلك، ليس ثمة دلائل، حتى الآن، على أن الأزمة يمكن أن تتفاقم، ويقول الخبير المالي الألماني ومدير مركز التمويل البافاري، فولفغانغ جيركه، لشبكة يورو نيوز: "إن انهيار بنك سيليكون فالي لن يعرّض سوق المال العالمي للخطر"، لافتاً إلى أن القطاع المصرفي لم يسجل من قبل مخاطر من جراء تمويل بدء التشغيل للشركات الناشئة، حسب تعبيره.
ويشار إلى أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي، وفي أعقاب انهيار البنك، كشف عن برنامج قروض طارئ جديد، لتعزيز قدرة النظام المصرفي الأمريكي، وذلك لضمان قدرة المصارف على تلبية احتياجات جميع المودعين، وستقدم وزارة الخزانة ما يصل إلى 25 مليار دولار من صندوق استقرار الصرف كدعم لأي خسائر محتملة من برنامج التمويل.
ما حجم المخاطر للبنوك الأوروبية؟
أكد مفوض الاقتصاد في الاتحاد الأوروبي، باولو جينتيلوني، الإثنين، أن انهيار بنك سيليكون فالي في الولايات المتحدة لا يمثّل تهديداً خطراً لأوروبا، في ظل مخاوف المستثمرين من إمكانية انتقال العدوى.
وقال جينتيلوني للصحفيين في بروكسل، مع تراجع الأسهم الأوروبية بشكل كبير في تداولات فترة بعد الظهر، إن "احتمال التأثير غير المباشر هو أمر علينا مراقبته، لكنني لا أرى حالياً في الأمر خطراً كبيراً".
في فرنسا، التي تتابع بهدوء تطورات الأزمة المالية التي أنتجها انهيار بنك سيليكون فالي، قال وزير الاقتصاد والمالية، برونو لومير: "نراقب عن كثب الوضع في الولايات المتحدة، ولا نرى أي خطر، لذلك لا يوجد تحذير محدد بشأن النظام المصرفي الفرنسي"، مؤكداً على أن بلاده لديها بنوك قوية ونظام مصرفي قوي، على حد وصفه.
أما في بريطانيا، فقد استحوذ مصرف "إتش إس بي سي"، الفرع البريطاني لبنك سيليكون فالي الأمريكي، لقاء مبلغ رمزي قدره جنيه إسترليني واحد. وقال المدير التنفيذي نويل كوين: إن "هذا الاستحواذ له معنى استراتيجي ممتاز لأعمالنا في المملكة المتحدة. إنه يعزز امتيازنا المصرفي التجاري، ويعزز قدرتنا على خدمة الشركات المبتكرة وسريعة النمو، بما في ذلك في قطاعي التكنولوجيا وعلوم الحياة، في المملكة المتحدة وعلى الصعيد الدولي".
ومن ناحيته، أوضح وزير المال البريطاني، جيريمي هانت، أن أي أموال حكومية لم تستخدم في العملية، مؤكداً على أن "يضمن حماية ودائع الزبائن، وبأن بإمكانهم إجراء تعاملاتهم المصرفية كالمعتاد، من دون دعم دافعي الضرائب".
وأضاف الوزير البريطاني قائلاً: "أشعر بالرضا لتوصلنا إلى حل في هذه المدة القصيرة"، محذراً من خطر "جدي" على شركات التكنولوجيا وعلوم الحياة التي تتعامل مع البنك الأمريكي المنهار.
وفي ألمانيا، رأت الهيئة الفيدرالية للمصارف، أن تداعيات إفلاس بنك سيليكون فالي على المؤسسات المالية الألمانية "محدودة للغاية". وقال بنك التنمية الألماني: "إن البنوك الألمانية قوية ومستقرة ولديها مرونة"، مضيفاً أن انهيار البنك الأمريكي المذكور "لم يكن له أي تأثير على النظام المصرفي الألماني".
وكانت الهيئة الفيدرالية للرقابة المالية في ألمانيا، أعلنت تجميد أصول وحدة بنك "سيليكون فالي" في البلاد، وأكدت في بيان صدر الإثنين، على أنه لن يسمح للوحدة التي تحمل اسم "سيليكون فالي بنك جيرماني" ببيع الأصول أو إجراء مدفوعات، لأنها معرضة لـ"خطر عدم القدرة على الوفاء بالتزاماتها للدائنين".
ما تأثير الأزمة على السياسة النقدية؟
يتوقع الاقتصاديون أن حالات الإفلاس الحالية يمكن أن يكون لها تأثير على سياسة سعر الفائدة الأمريكية، ويقول تحليل أجراه الاقتصاديان في كومرتس بنك بيرند وايدنشتاينر وكريستوف بالز، إن "من الواضح أن الزيادات الضيقة لأسعار الفائدة من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي أدت إلى الضغط على ميزانيات البنوك الأمريكية".
وفي أسواق النقد، ارتفعت مؤشرات مخاطر الائتمان في النظم المصرفية بالولايات المتحدة ومنطقة اليورو، واستقر سعر الذهب، وهو ملاذ آمن يحظى بالشعبية، فوق مستوى 1900 دولار، وسط رهانات بأن يبطئ المركزي الأمريكي وتيرة رفع أسعار الفائدة.
في سياق متصل، انخفضت أسعار النفط أكثر من دولار، الثلاثاء 14 مارس/آذار 2023، مواصلةً خسائرها للجلسة الثانية، وذلك وسط القلق الذي أصاب أسواق الأسهم بسبب انهيار بنك وادي السيليكون. وكالة رويترز أشارت إلى تراجع العقود الآجلة لخام برنت 87 سنتاً، أو 1.1%، إلى 79.90 دولار للبرميل، بحلول الساعة 03:45 بتوقيت غرينتش. كما انخفضت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 85 سنتاً، أو 1.1%، إلى 73.93 دولار للبرميل.