يستمر الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية في الإضراب والعصيان لليوم 29 على التوالي رفضاً للتضييقات التي يتعرضون لها وسوء المعاملة من الشرطة الإسرائيلية في السجون.
ووفق متابعة "المركز الفلسطيني للإعلام"، من المقرر أن تتصاعد احتجاجات الأسرى في السجون الإسرائيلية، بعد 29 يوماً من عصيانهم وانطلاق معركتهم الجديدة في وجه الاحتلال، لتصل إلى الإضراب عن الطعام في شهر رمضان المبارك.
التصعيد الذي يقوده الأسرى في السجون الإسرائيلية دفع عدداً من الهيئات المعنية بشؤون الأسرى لإحياء ذكرى ما يعرف بـ "الثلاثاء الحمراء".
فما هي قصة "الثلاثاء الحمراء"؟
وتعود قصة "الثلاثاء الحمراء" إلى 17 يونيو/حزيران عام 1930 عندما أعدمت سلطات الانتداب البريطاني 3 فلسطينيين في سجن القلعة بمدينة عكا.
وبدأت قصة الفلسطينيين الثلاثة وهم: عطا الزير وفؤاد حجازي ومحمد جمجوم. عندما اعتقلت قوات الشرطة البريطانية مجموعة من الشبان الفلسطينيين؛ إثر ما يعرف بـ"ثورة البراق" وهي الثورة التي بدأت عندما نظم عدد من المستوطنين مظاهرة ضخمة بتاريخ 14 أغسطس/آب 1929 بمناسبة ما سموها "ذكرى تدمير هيكل سليمان" وأتبعوها في اليوم التالي (15 أغسطس/آب) بمظاهرة كبيرة في شوارع القدس لم يسبق لها مثيل حتى وصلوا إلى حائط البراق، وهناك راحوا يرددون "النشيد القومي الصهيوني"، بالتزامن مع شتم المسلمين.
وكان اليوم التالي هو يوم الجمعة (16 أغسطس/آب) الذي صادف ذكرى المولد النبوي الشريف؛ فتوافد المسلمون ومن ضمنهم الأبطال الثلاثة للدفاع عن حائط البراق الذي كان في نية اليهود الاستيلاء عليه؛ فكان لا بد من الصدام بين العرب والإسرائيليين في مختلف المناطق الفلسطينية، بحسب وكالة الأنباء الرسمية الفلسطينية وافا.
لجأت سلطات الاستعمار البريطاني إلى استخدام أقسى أنواع القمع والتنكيل ضد الشعب الفلسطيني، وأصدر المندوب الإنجليزي آنذاك "تكانسلور" أوامره باعتقال المئات من الشعب الفلسطيني وأصدر حكماً بإعدام عشرين فلسطينياً، وتم تنفيذ الحكم فوراً في ثلاثة منهم، هم: فؤاد حجازي، عطا الزير، محمد جمجوم، وحاول قادة العرب منع إعدامهم، ولكن إنجلترا أصرت على ذلك وتم التنفيذ في 21 محرم سنة 1349هـ-1930م. كان ذلك في يوم الثلاثاء السابع عشر من حزيران/ 1930.
واستطاعت في حينه شرطة الإنجليز اعتقال 26 فلسطينياً ممن شاركوا في الدفاع عن حائط البراق، وحكمت عليهم بالإعدام جميعاً في البداية؛ لينتهي الأمر بتخفيف هذه العقوبة إلى السجن المؤبد عن 23 منهم، والإبقاء على عقوبة الإعدام بحق الشهداء الثلاثة: محمد جمجوم وفؤاد حجازي وعطا الزير.
وبعد أن حددت سلطات الاستعمار يوم 17 يونيو/حزيران 1930 موعداً لتنفيذ حكم الإعدام بحق الفلسطينيين الثلاثة، الذين تحدى ثلاثتهم الخوف من الموت؛ إذ لم يكن يعني لهم شيئاً؛ بل على العكس تزاحم ثلاثتهم للقاء ربهم.
وبحسب الشهادات التي انتشرت عقب عملية الإعدام، فإن محمد جمجوم كان يزاحم عطا الزير ليأخذ دوره غير آبه، وكان له ما أراد، أما عطا فطلب أن ينفذ حكم الإعدام به دون قيود، إلا أن طلبه رفض؛ فحطم قيده وتقدم نحو المشنقة رافع الرأس.
رسالة الشهداء الثلاثة
وقد سُمح للشهداء الثلاثة أن يكتبوا رسالة في اليوم السابق لموعد الإعدام. وفيما يلي نص الرسالة التي خطها الشهيد فؤاد حجازي باسمه وباسم رفيقيه جمجوم والزير:
"حضرة الأخ المجاهد الوطني سليم بك عبد الرحمن حفظه الله أميناً لفلسطين العزيزة، نود أن نشكر جهادك ووطنيتك الصادقة منذ نشأتك إلى اليوم، وأن نذكر بالفخر موقفك المشرف معنا في سجن عكا مدة الستة أشهر التي سجنت بها لإحياء أمتك ووطنك. ورجاؤنا إلى الأمة العربية في فلسطين أن لا تنسى دماءنا المهراقة وأرواحنا التي سترفرف في سماء هذه البلاد المحبوبة، وأن تذكر أننا قدمنا عن طيبة خاطر أنفسنا وجماجمنا لتكون أساساً لبناء استقلال أمتنا وحريتها، وأن تبقى الأمة مثابرة على اتحادها وجهادها في سبيل خلاص فلسطين من الاعتداء، وأن تحتفظ بأراضيها فلا تبيع للأخصام منها شبراً، وأن لا تهون عزيمتها، وأن لا يضعفها التهديد والوعيد، وأن تكافح حتى تنال الظفر.
ولنا في آخر ساعات حياتنا رجاء إلى أمراء وملوك العرب والمسلمين في سائر أنحاء المعمورة أن لا يثقوا بالأجانب وسياسييهم، وليعلموا ما قال الشاعر بهذا المعنى: "ويروغ منك كما يروغ الثعلب". وعلى العرب في كل البلدان العربية والمسلمين أن ينقذوا فلسطين مما هي فيه من الآلام وأن يساعدوها بكل قواهم؛ وأما رجالنا ولجنتنا التنفيذية وزعماؤنا وشباننا فلهم منا الامتنان العظيم على ما قاموا به نحونا ونحو أمتهم وبلادهم؛ فنرجوهم الثبات والمتابعة حتى ننال غايتنا الوطنية الكبرى؛ وأما عائلاتنا فقد أودعناها إلى الله والأمة التي نعتقد أنها لن تنساها، ولن تنسى إتمام تعليم أخي فؤاد نجل السيد أحمد حجازي.
والآن بعد أن رأينا من أمتنا وبلادنا وبني قومنا هذه الروح الوطنية وهذا الحماس القومي، فإنا نستقبل الموت بالسرور والفرح الكاملين، ونضع حبلة المرجوحة، مرجوحة الأبطال، بأعناقنا عن طيبة خاطر فداء لك يا فلسطين.. وختاماً نرجوكم أن تكتبوا على قبورنا: "إلى الأمة العربية، الاستقلال التام أو الموت الزؤام، وباسم العرب نحيا، وباسم العرب نموت".
تسابقوا إلى الموت
وعن سبب التسمية بـ"الثلاثاء الحمراء"، يقول عدنان بدوي يعقوب جمجوم (أبو علاء)، ابن شقيق الشهيد محمد جمجوم لموقع الجزيرة نت: "إن الشهداء الثلاثة أعدموا يوم ثلاثاء، وكانوا ثلاثة، وشنقوا في 3 ساعات متتالية: الساعة 8 فؤاد حجازي، والساعة 9 عطا الزير، والساعة 10 محمد جمجوم".
ويوضّح أن معلومات وصلت إلى الشهداء الثلاثة باحتمال استبدال حكم الإعدام في آخر لحظة بالسجن المؤبد، لذلك كانوا يتسابقون إلى الموت، فمحمد لم يكن متزوجاً ولم تكن لديه عائلة، خلافاً لرفيقيه، وطلب أن يُعدم في البداية، حتى إن كانت هناك فرصة في النجاة تكون لأحد رفيقيه.
يستحضر جمجوم ردود الفعل يوم الإعدام وفي الأيام التي تلته، وقال إن الشعب الفلسطيني هب في وجه الانتداب، وصدحت المساجد بالأذان وعلا صوت الأجراس في الكنائس.
يضيف أن السلطات البريطانية رفضت الإفراج عن جثامين الشهداء الثلاثة لمنع تفاقم الهبة، ودفنتهم داخل سجن عكا 40 يوماً، ثم أفرجت عن الجثامين إلى المقبرة الإسلامية هناك في عكا.
ويبلغ عدد الأسرى داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي نحو 4780، من بينهم 160 طفلاً، و29 أسيرة، و914 معتقلاً إدارياً. وبلغ عدد الشهداء من الأسرى داخل السجون 235 شهيداً.