مع انعقاد البرلمان التونسي الجديد الذي تشكل بعد انتخابات مثيرة للجدل شهدت إقبالاَ ضعيفاً بعد حل الرئيس التونسي قيس سعيد البرلمان السابق، يبدو واضحاً أن سعيد، الذي كان رجلاً مجهولاً قبل انتخابه رئيساً للبلاد، يحاول تشكيل نخبة سياسية داعمة له في مواجهة احتجاجات المعارضة وتزايد التذمر الشعبي.
ومع أن رئيس الوزراء نظرياً هو المنصب الثاني في النظام، ولكن يعتقد أن نجلاء بودين رئيسة الوزراء الحالية غير المسيسة قد يتم تغييرها قريباً، حسب متابعين.
في هذا التقرير نرصد أبرز المسؤولين والسياسيين الداعمين للرئيس التونسي، والذين يُعتقد أنهم يمثلون أركان حكمه.
البرلمان التونسي الجديد من محامي اليساريين والإسلاميين لرئاسة البرلمان الذي أقصاهم
كان عزل رئيس الوزراء التونسي السابق، هشام المشيشي، وحل البرلمان المنتخب الذي كان يضم خليطاً من الإسلاميين والناصريين واليساريين والليبراليين، أكثر إجراءات قيس سعيد إثارة للجدل فيما يُعرف باسم مسار "25 يونيو/حزيران 2021″، خاصة أن سعيد كان هو الذي اختار رئيس الوزراء المعزول، كما أن معظم الكتل البرلمانية في المجلس السابق أيدت انتخاب سعيد في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية التي وصل عبرها للسلطة.
والآن، تم انتخاب برلمان قاطعته أغلب قوى المعارضة، بنسب تصويت ضئيلة باعتراف قيس سعيد، لدرجة أن هناك 7 مقاعد لم يترشح لها أحد.
وانتخب مجلس نواب الشعب (البرلمان) التونسي في جلسته الافتتاحية مساء أمس الإثنين، عميد المحامين السابق إبراهيم بودربالة رئيساً له.
وهو محامٍ معروف ترافع في قضايا سياسية شملت الدفاع عن يساريين وإسلاميين.
بدأ بودربالة حياته في العمل عام 1979، انتخب بودربالة عضواً بالهيئة المديرة لجمعية المحامين الشبّان، ليصبح رئيسها عام 1983.
وترشح بودربالة 5 مرات لمنصب عميد المحامين خلال مسيرته المهنية لينالها في يوليو/تموز 2019، بعد دعمه من قبل اليساريين والإسلاميين بالحصول على 1287 من أصل 2500 صوت، خلال الدور الثاني للانتخابات، مقابل مرشح القوميين بوبكر بالثابت.
وانحاز لمسار الرئيس قيس سعيد في إجراءاته الاستثنائية التي بدأها في 25 يونيو/حزيران 2021، وعزل رئيس الحكومة وجمد البرلمان بالمخالفة للدستور.
في مايو الماضي عيّنه سعيد رئيساً للجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية في إطار "الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة".
في أكتوبر الماضي أعلن بودربالة مع أحزاب وشخصيات أخرى تكوين مبادرة "لينتصر الشعب" استعداداً للانتخابات التشريعية، وهي حركة سياسية مؤيدة وداعمة للرئيس قيس سعيد.
بودربالة ترشح للانتخابات التشريعية وفاز من الدور الأول عن دائرة رادس ـ مقرين.
ولكن وصول بودربالة لمنصب رئيس مجلس النواب تطلب إجراء جولة إعادة لانتخاب رئيس البرلمان بعد أن حصل بودربالة على 48 من أصل 154 صوتاً.
إلا أن بودربالة حصل في جولة الإعادة على 87 صوتاً مقابل 67 لمنافسه عبد السلام الدحماني، القادم من دائرة مارث من ولاية قابس جنوب شرق تونس.
بحسب موقع مجلة "ليدرز" التونسية دافع بودربالة في قضايا سياسية منها محاكمة قيادة الاتحاد العام للشغل إثر أحداث 1978 التي شهدت صداماً بين النقابيين ونظام الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة.
كما ترافع في قضية قفصة (جنوب غرب) يناير/كانون الثاني 1980 عندما هاجم كومندوز مسلح قومي التوجهات وممول من الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، مدينة قفصة للإطاحة بنظام بورقيبة.
وترافع بودربالة أيضاً في قضايا الاتجاه الإسلامي (حركة النهضة حالياً) عند ملاحقتها من قبل نظام بورقيبة (عامي 1981 و1987) وعن رئيس حزب العمال (الشيوعي) حمة الحمامي عند محاكمته في التسعينيات من قبل نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.
إلا أن بودربالة لم يكن صدامياً أو معارضاً شرساً لنظام الرئيس بن علي، بل كان ينشط ضمن هياكل حزب "الاتحاد الديمقراطي الوحدوي" (قومي) الموالي لـ"بن علي" (1987-2011) والذي كان ينشط علنياً، ويحصل على دعم الدولة المالي.
الالتحاق بمسار قيس سعيد
منذ إعلان الرئيس قيس سعيد إجراءاته الاستثنائية في 25 يوليو/تموز 2021، بدا واضحاً انحياز بودربالة لهذا المسار، رغم الخلافات التي كانت تشق قطاع المحاماة المسيّس جداً.
وفي مايو/أيار الماضي عينه الرئيس سعيد رئيساً للجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية في إطار "الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة"، المكلفة بإعداد الدستور الجديد، الأمر الذي اعتبره بعض المحللين "إعداداً لخطة جديدة سيكلف بها بودربالة في النظام الجديد".
في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أعلن بودربالة مع أحزاب وشخصيات أخرى تكوين مبادرة "لينتصر الشعب"؛ استعداداً للانتخابات التشريعية.
وضمن المبادرة، هناك أحزاب مثل "التيار الشعبي" وحزب "البعث العربي" الاشتراكي و"التيار الشعبي" وشخصيات سياسية ونقابية مثل محمد علي بوغديري، العضو السابق بالمكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل، الذي عيّنه الرئيس سعيد نهاية يناير/كانون الثاني الماضي وزيراً للتربية.
أمين عام حركة الشعب زهير المغزاوي
حركة "الشعب" هو حزب بتوجهات قومية ناصرية (15 نائباً بالبرلمان المنحل) وتأسست بعد ثورة 14 يناير/كانون الثاني 2011 من نشطاء سياسيين، نشط أغلبهم في تيار "الطلبة العرب التقدميون الوحدويون" في الجامعة التونسية بين 1975 و1991.
وأصبحت من أكبر الفائزين في البرلمان الجديد، حيث يعتقد أنه حاز نحو 22 مقعداً.
ويقدم زهير المغزاوي خطاباً لا يميل لتأييد الرئيس التونسي بشكل كامل، ولكن يؤكد على شرعية المسار السياسي الحالي، التي يعتبر أنه فات الآوان لتغييره، ويرى أن دعوات الحوار فات أوانها.
ويرى أنه "على الرغم من الصعوبات والقانون الانتخابي والمنافسة، فإن حركة الشعب كسبت الرهان، بأن منظومة الأحزاب لم تنتهِ، وهذا مهم جداً لبناء المرحلة المقبلة، لأننا نؤمن بأنه لا يمكن التغيير دون الأحزاب السياسية التي ترسم السياسات العامة والتصورات، وهي نقطة مهمة تُحسب لحركة الشعب".
محمد علي البوغديري القيادي السابق في اتحاد الشغل
من أكثر الشخصيات المحيطة بالرئيس التونسي إثارة للجدل، محمد علي البوغديري، الأمين العام السابق للاتحاد العام للشغل، وهو الاتحاد الذي ينظر له الكيان الوحيد القادر على تحدي الرئيس التونسي.
وعين قيس سعيد البوغديري وزيراً للفلاحة (الزراعة) مؤخراً، ما قد يكون رسالة من الرئيس قيس سعيد موجهة لاتحاد الشغل، بأنه لن يرضخ لضغوط النقابات التعليمية التي تقدم حزمة من المطالب المادية والمهنية، حسب مراقبين.
ومعروف عن البوغديري، دخوله مؤخراً في خلاف مع القيادة الحاليّة لاتحاد الشغل، وعلى رأسها الأمين العام للمنظمة، نور الدين الطبوبي، حيث رفض البوغديري نتائج المؤتمر الأخير للاتحاد، الذي صادق على تنقيح الفصل الـ20 من النظام الأساسي للاتحاد ليجيز لأعضاء المكتب التنفيذي الترشح لأكثر من دورتين متتاليتين.
تدريجياً، تطورت تصريحات البوغديري لينخرط ضمن مبادرة "لينتصر الشعب" ويعلن دعمه بوضوح لتوجهات قيس سعيّد.
ويرتبط البوغديري بعلاقات كبيرة مع الأسعد اليعقوبي، الكاتب العام للجامعة العامة للتعليم الثانوي، الذي يسيطر على قطاع التعليم الذي يضم نحو 250 ألفاً بين أساتذة ومعلمين وقيمين وإداريين وعمال، وهو أكبر قطاع عمالي في تونس.
من خلال هذا التعيين، أراد سعيد إحكام قبضته على قطاع التعليم واستغلال صداقة البوغديري باليعقوبي، واتقاء شر إضرابات هذا القطاع الذي يعتبر عماد النشاط النقابي في تونس، وضمان وده هو ضمان لود الاتحاد.
يعلم سعيد أن الاتحاد العام للشغل سيمضي في جملة من الإضرابات القطاعية للضغط عليه، للجلوس على طاولة الحوار، لكن إحكام السيطرة على قطاع التربية هو تعطيل لمحرك أساسي من محركات الاتحاد، وإضعاف القوى النقابية.
ويعوّل سعيّد من خلال هذا التعيين على الاستفادة من علاقات البوغديري في هذا القطاع، وإمكانية نجاحه في ضبط الخلافات مع نقابيي التربية والتعليم.
ويُطرح السؤال هنا حول موقف الطبوبي أمين عام اتحاد الشغل، وهو الذي يتزعم مبادرة أطلق عليها "مبادرة الإنقاذ" الموجهة أساساً لسعيّد كمقترح لحل الأزمات الراهنة في البلاد، وذلك برفقة زعماء منظمات أخرى، هي الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وعمادة المحامين، والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
يجد الأخير نفسه في موقف محرج لا ريب، إما مواصلة نفس النهج في المبادرة، وهو يتأكد كل يوم بشكل أوضح أن الرئيس لا يهتم بها ولن يكون تفاعله إيجابياً معها، أو يتجه نحو التصعيد أو تغيير وجهة المبادرة والخروج مما طالما أكده وهو "العمل والإصلاح تحت سقف مسار 25 يوليو/تموز"؟
العسكريون وسعيد علاقة غامضة ولكنها قد تكون أقوى مما تبدو عليه
يتسم الدستور التونسي بالغموض فيما يتعلق بالسلطة العليا على الجيش رغم تحديده أن القائد الأعلى للقوات المسلحة هو الرئيس، إلا أنه سيعطي صلاحيات لوزير الدفاع ورئيس الوزراء.
وقد استغل سعيد هذا الغموض، وعمد إلى إطلاق خطاب يهدف لاجتذاب الجيش خلال أزمته مع البرلمان ورئيس الوزراء السابق (الذي يفترض أنه رأس السلطة التنفيذية)، كما استغل قلق العسكريين من الإسلاميين لتمرير الإطاحة بالسلطة الدستورية، وسط مؤشرات قوية على تعاون العسكريين مع سعيد.
وفي هذا الإطار عيّن سعيد عسكرياً سابقاً هو الطيار عبد المنعم بلعاتي، وزيراً للفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، في ممارسة غريبة، ولكنها ليست جديدة بمنح عسكريين مناصب مدنية.
فلقد سبق أن فعلها مع وزارة الصحة التي يقودها العميد بالجيش التونسي علي مرابط.
وبلعاتي هو جنرال سابق في جيش الطيران سبق له أن شغل منصب المفتش العام للقوات المسلحة، وفق سيرته الذاتية التي نشرتها وسائل إعلام محلية.
كما سبق للرئيس سعيّد أن عيّن المدير العام للصحة العسكرية السابق الفريق طبيب مصطفى فرجاني في منصب وزير مستشار لدى رئاسة الجمهورية.
وتجددت النقاشات في تونس حول دور المؤسسة العسكرية مع اعتماد الرئيس قيس سعيد على عدد متزايد من الوجوه المحسوبة على الجيش في الإدارات المدنية.
وفي قراءة لتوجهات الرئاسة الجديدة في علاقتها بالجيش، فسّر المحلل السياسي معز زيود الاعتماد المتزايد لسعيد على قيادات عسكرية في إدارة الشأن العام بـ"الثقة المتزايدة التي يوليها الرئيس لهذه المؤسسة التي تعتبر المساند الأول في إجراءات 25 يوليو".
وارتكز الرئيس التونسي قيس سعيّد في قراراته على دعم الجيش الذي لطالما بقي بعيداً عن السياسة، لكن هذا التحالف يبقى ظرفياً؛ خلافاً للوضع في مصر، بحسب ما نقل موقع فرانس 24 عن خبراء.
وحين اتخذ قراراته في 25 تموز/يوليو 2021 بتجميد أعمال البرلمان وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، حضرت معه في الاجتماع الطارئ كوادر عليا في الجيش.
وانتشرت وحدات عسكرية إثر قراراته، أمام البرلمان ومقر رئاسة الحكومة بالقصبة ومؤسسات حكومية حيوية أخرى.
كذلك، عيّن الرئيس مسؤولاً عالياً في الجيش على رأس غرفة عمليات إدارة الأزمة الصحية.
وقبل الانقلاب ركَّزت الرئاسة التونسية على إظهار الرئيس في الثكنات أو خلال ترؤسه الاجتماعات العسكرية ويلتقي كبار قيادات الجيش؛ ما فهم على أنه عملية اتصالية لرسم صورة جيش يمثل حزب الرئيس الذي دخل الرئاسة بشرعية انتخابية واسعة ودون دعم من قبل أية لوبيات نافذة أو أحزاب.
كما أن القضاء العسكري هو إحدى أقوى أدوات سعيد في يد معارضيه.
وفي هذا الصدد هناك شخصيتان لا يظهر اسمهما كثيراً في الإعلام، ولكن يعتقد أن لهما دوراً كبيراً في سيطرة قيس سعيد على الجيش.
رئيس أركان الجيش التونسي ورئيس الاستخبارات
عين الرئيس التونسي السابق الباجي قايد السبسي أمير لواء محمد الغول رئيساً لأركان جيش البرّ في 1 يونيو/حزيران 2018، وذلك بعد فترة وجيزة من توليه مهام ملحق عسكري بواشنطن من 2016 إلى 2018، وقد قدم قيس سعيد بترقيته لرتبة فريق.
ومحمد الغول من بين أهم القيادات العسكرية التي اعتمد عليها الرئيس التونسي لفرض قراراته بحسب متابعين للشأن التونسي.
التحق "الغول" بصفوف الجيش التونسي في أغسطس/آب من عام 1980، وخاض العديد من التدريبات العسكرية، من أهمها تدريب المدفعية في الولايات المتحدة الأمريكية بين عامي 1991 و1992، وبدأ حياته المهنية في عام 1994.
وتقلّد "الغول" العديد من المناصب العسكرية في مسيرته المهنية، من أهمها قائد الأكاديمية العسكرية بين عامي 2012 و2013، وملحق عسكري بحري وجوّي لدى سفارة تونس في واشنطن، بين عامي 2016 و 2018، قبل أن يتم تعيينه رئيساً لأركان جيش البرّ.
ويؤكد البعض أن الجيش التونسي لعب دوراً في قرارات 25 يوليو/تموز لا سيما مع تأكيد القيادي بحركة النهضة عبد اللطيف المكي رفض محمد الغول استقبال عدد من النواب كانوا يريدون لقاءه.
وكتب المكي في تدوينة نشرها على صفحته الرسمية بموقع فيسوك بتاريخ 26 يوليو/تموز 2021 "إلى السيدين وزير الدفاع الوطني وقائد جيش البر الجنرال.. منع البرلمان من الانعقاد لم يرد في أي فصل من الدستور، بل بالعكس ينص على بقائه في حالة انعقاد دائم. الآن وحدات من الجيش الوطني تمنع رئيس البرلمان والنواب من الدخول للقيام بواجبهم. أدعو إلى تدارك ذلك؛ كي لا تتعلق مخالفة دستورية كبرى بجيشنا الوطني.. أردت مقابلتكم مع مجموعة من النواب لإبلاغكم هذا الطلب فلم يتم استقبالنا".
وهناك مدير الاستخبارات حبيب الضيف الذي منحه قيس سعيد في 24 يونيو/حزيران، رتبة فريق أول وهي أعلى رتبة عسكرية بالجيش التونسي، وذلك بمناسبة الذكرى 66 لتأسيس الجيش الوطني التونسي، وهذا يجعل رتبة رئيس المخابرات أعلى من رئيس أركان جيش البر (رئيس الأركان).
وقبل قرارات سعيد ضد البرلمان وبعدها، عمدت الرئاسة التونسية لنشر أخبار لقاءاته مع مدير المخابرات، رغم أن هذا لم يحدث مع الرئيس السبسي.