تدخلت إدارة الرئيس جو بايدن لضمان أموال المودعين في بنك وادي السيليكون بعد إفلاسه، بينما أعلن بنك أمريكي آخر الإفلاس أيضاً. فهل يشهد العالم تكراراً للأزمة المالية عام 2008، والتي بدأت بالطريقة نفسها من أمريكا؟
فبعد مطلع أسبوع حافل بالأحداث التي أثارت الذعر في القطاع المصرفي في أمريكا وحول العالم أيضاً، قالت الجهات التنظيمية الأمريكية إن عملاء البنك المفلس سيتمكنون من الوصول إلى ودائعهم بدءاً من الإثنين 13 مارس/آذار، كما أنشأت الجهات التنظيمية منشأة جديدة حتى يمكن للمصارف الحصول على تمويلات الطوارئ. واتخذ مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) قراراً للتيسير على البنوك الاقتراض منه في حالات الطوارئ.
ما قصة إفلاس بنك وادي السيليكون؟
وقبل الدخول إلى تفاصيل خطة الإنقاذ وما تعنيه، دعونا نسرد القصة منذ بدايتها. بنك سيليكون فالي SVB أو بنك وادي السليكون، وهو المقر الأشهر لشركات التكنولوجيا الأمريكية، تأسس عام 1983، وظل على مدى ما يقرب من 4 عقود بنكاً صغيراً لا يعرف به أحد تقريباً.
لكن خلال العامين ونصف العام الماضيين (2020 – يونيو/حزيران 2022)، شهد البنك تضخماً كبيراً في ودائع العملاء، ومعظم هؤلاء المودعين هم من أصحاب المشاريع التكنولوجية الناشئة أو Start-Ups.
وبحلول منتصف العام الماضي، بلغت قيمة الودائع لدى بنك سيليكون فالي ذروتها، حيث وصلت إلى ما يقرب من 210 مليارات دولار، وكان البنك يستثمر هذه الأموال في السندات الأمريكية طويلة الأجل (لأجل 30 عاماً في معظمها). وكان البنك يقدم فوائد مرتفعة لأصحاب الودائع، كإحدى أدوات جذب السيولة إليه.
لكن منذ النصف الثاني لعام 2022، ومع استمرار الفيدرالي الأمريكي في رفع أسعار الفائدة منذ مارس/آذار 2022، حتى اليوم، هجرت ودائع من البنك، ليستثمرها أصحابها في السندات قصيرة الأجل. فالسندات قصيرة الأجل حتى موعد استحقاق 3 أشهر أو 6 أشهر، تجاوزت عائداتها 5%، أي إنها مربحة أكثر من بقائها في البنك والحصول على عائد لا يتعدى 3.5%.
أمام هذه السحوبات من الودائع، وجد البنك نفسه أمام أزمة سيولة تتمثل في عدم قدرته على الاستمرار في دفع فوائد على الودائع المتبقية، وسط تباطؤ الإقراض المصرفي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة عالمياً.
كذلك، لم يعد بمقدور البنك تحمل سحب المزيد من الودائع من جانب العملاء، وهو تطور جاء بالتزامن مع انهيار بنك للعملات المشفرة في السوق الأمريكية وهو بنك "سيلفرغيت"، الأسبوع الماضي.
اضطر بنك "SVB" إلى بيع محفظة سندات بقيمة 21 مليار دولار، خسر فيها قرابة 1.8 مليار دولار، كما طرح أسهماً بقيمة 2.25 مليار دولار، والهدف توفير السيولة.
وفجر الجمعة 10 مارس/آذار 2023 أصدرت وكالة موديز للتصنيف الائتماني تقريراً خفضت فيه التصنيف الائتماني للبنك، نتج عنه ما يسمى مصرفياً "Bank Run"، أي هرع المودعون لسحب أموالهم. ورسمياً، أعلنت الجهات المنظمة للخدمات المصرفية في كاليفورنيا، الجمعة، غلق مجموعة وادي السيليكون المصرفية، وهي المسؤولة عن بنك وداي السيليكون.
وفاجأ الإعلان عن انهيار بنك "وادي السيليكون" المستثمرين وأحيا المخاوف حول متانة القطاع المصرفي ككل، خصوصاً مع الارتفاع السريع في أسعار الفائدة الذي يؤدي إلى انخفاض قيمة السندات في محافظهم.
ما تأثير هذا الإفلاس على القطاع المصرفي عالمياً؟
وفي لندن، قالت الحكومة البريطانية إنها تعمل على وضع خطة تسمح لشركات التكنولوجيا البريطانية بالحفاظ على سيولتها بعد إفلاس بنك سيليكون فالي، إذ قالت وزارة الخزانة البريطانية: "نريد تقليل الأضرار التي لحقت ببعض شركاتنا الواعدة في المملكة المتحدة بعد إفلاس البنك الأمريكي".
وتم وضع الشركة التابعة للبنك في المملكة المتحدة في حالة إفلاس اعتباراً من مساء الأحد. وقال المستشار جيرمي هانت إنه عمل إلى جانب رئيس الوزراء ريشي سوناك ومحافظ بنك إنجلترا أندرو بيلي إلى وقت متأخر طوال عطلة نهاية الأسبوع، لإيجاد حل لتداعيات انهيار بنك سيليكون فالي في المملكة المتحدة.
وقال هانت لبي بي سي، إنه لا يوجد خطر على النظام المالي في المملكة المتحدة ككل بعد انهيار سيليكون فالي، "ولكن هناك انعكاسات جسيمة على بعض شركاتنا الواعدة في مجال التكنولوجيا وعلوم الحياة، فهذه شركات مهمة جدداً بالنسبة للمملكة المتحدة، وهي جزء مهم جداً من مستقبلنا".
وأضاف هانت: "نريد إيجاد طريقة لتقليل أو تجنب كلّ الخسائر التي تكبدتها الشركات الواعدة بشكل لا يصدق"، مؤكداً في الوقت نفسه على عدم قدرته على الالتزام بأي ضمان لاسترداد الشركات كل أموالها. وقال إن الحكومة "تعمل بخطى حثيثة" لتقديم خطة للتأكد من قدرة الشركات على تلبية احتياجاتها من السيولة النقدية "في غضون الأيام القليلة المقبلة".
وقال إن هذه الخطة تعني أن الشركات يمكنها دفع رواتب موظفيها، "هذا هو السؤال الكبير الذي طرحناه خلال الساعات الـ24 الماضية".
وكان أكثر من 250 من رؤساء شركات التكنولوجيا في المملكة المتحدة قد وقعوا طلباً موجهاً إلى هانت يدعو إلى التدخل الحكومي. وقال مصدر في شركة تكنولوجيا لبي بي سي: "يبدو الأمر وكأنه يمكن أن يكون محطة جميلة للتكنولوجيا في المملكة المتحدة. في هذا الإثنين، ستجد ما لا يقل عن 200 شركة، توظف عشرات الآلاف من الأشخاص، نفسها عاجزة عن سداد رواتب موظفيها أو مورديها لأن البنك الذي لديها حساب به قد أفلس".
وأضاف المصدر أن ما بين 30٪ و40٪ أو الشركات الناشئة في المملكة المتحدة التي توظف ما يصل إلى 50 ألف شخص قد تتأثر بالانهيار.
ماذا يعني تدخل إدارة بايدن للإنقاذ؟
في هذا السياق، سارعت الإدارة الأمريكية، مساء الأحد، باتخاذ سلسلة من تدابير الطوارئ لتعزيز الثقة في القطاع المصرفي، في محاولة لتفادي إثارة أزمة ممنهجة على نطاق أوسع، على غرار ما حدث في الأزمة المالية عام 2008. كما تحركت الجهات التنظيمية بسرعة أيضاً لإغلاق بنك سيجنتشر الذي يتخذ من نيويورك مقراً له، والذي تعرض للضغوط خلال الأيام القليلة الماضية.
وقال الرئيس جو بايدن، مساء الأحد، إن وزيرة الخزانة ورئيس المجلس الاقتصادي الوطني عملا بدأب مع الجهات التنظيمية في قطاع المصارف للتصدي للمشكلات في البنكين. وقال بايدن في بيان: "يمكن للشعب الأمريكي وللشركات الأمريكية الوثوق بأن ودائعهم المصرفية ستكون موجودة حينما يحتاجون إليها".
جاء إعلان بايدن ليؤكد تقارير تحدثت عن تدخل الإدارة الأمريكية لإنقاذ الموقف قبل أن يعصف بالقطاع المصرفي. وكانت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين قد قالت إنها تعمل مع الجهات التنظيمية للقطاع المصرفي بغية مواجهة انهيار بنك سيليكون فالي. ومع تزايد القلق من أن يكون لانهيار البنك تأثير الدومينو على البنوك الأخرى بالولايات المتحدة، قالت يلين إنها تعمل على حماية المودعين، لكنها استبعدت وضع خطة إنقاذ.
وقالت يلين لشبكة سي.بي.إس نيوز: "نريد ضمان أن المشكلات التي تواجه أياً من البنوك لن تنتقل إلى بنوك أخرى". وأضافت: "خلال الأزمة المالية، وُضعت خطط إنقاذ لمستثمرين ومالكي بنوك كبيرة… والإصلاحات التي جرى تطبيقها تعني أننا لن نفعل ذلك مرة أخرى".
وعلى الرغم من أن المؤسسة الاتحادية للتأمين على الودائع تحمي الودائع التي تصل قيمتها إلى 250 ألف دولار، كانت هناك مخاوف بشأن الودائع التي تزيد على ذلك، وأصبحت العديد من الشركات الصغيرة معرضة لخطر عدم القدرة على دفع رواتب موظفيها.
ووسط عمليات سحب متزايدة من البنوك الأخرى ذات الفروع المتعددة، يراقب المسؤولون الأمريكيون عن كثب القطاع الأوسع نطاقاً. ووقَّع أكثر من 3500 من الرؤساء التنفيذيين والمؤسسين الذين يمثلون نحو 220 ألف موظف، على عريضة، دشنتها شركة واي كومبينيتور، تناشد مباشرة يلين وغيرها من المسؤولين دعم المودعين، محذرين من تعرض أكثر من 100 ألف وظيفة للخطر.
وكون بنك سيليكون فالي، ومقره سانتا كلارا بولاية كاليفورنيا، يحتل المركز السادس عشر بين أكبر البنوك الأمريكية بأصول قيمتها 209 مليارات دولار يجعل قائمة المشترين المحتملين الذين يمكنهم تنفيذ صفقة لشرائه قصيرة نسبياً. وقالت مصادر مطلعة، يوم الجمعة، إن المؤسسة الاتحادية للتأمين على الودائع، التي تولت الحراسة القضائية على البنك، تسعى لإيجاد بنك آخر خلال مطلع الأسبوع الجاري مستعد للاندماج مع بنك سيليكون فالي.
لكن تدخل إدارة بايدن لإنقاذ الموقف أثار غضب بعض المشرعين في الكونغرس وبعض من خبراء الاقتصاد أيضاً. إذ يرى هؤلاء أن تدخل الإدارة لإنقاذ الموقف يخدم فقط أصحاب شركات التكنولوجيا وأصحاب البنوك، الذين يقامرون بأموال المودعين، وهو ما قد يفتح الباب أمام الجميع للسير على الخطى نفسها، وفي النهاية يتحمل دافعو الضرائب الفاتورة الباهظة.
"إن أفعال وزارة الخزانة وهيئة التأمين الاتحادية ومجلس الاحتياطي الفيدرالي المتخذة اليوم بهدف حماية الودائع في بنكين يحملان أهمية قصوى في النظام المصرفي ستكون لها تداعيات هائلة على المدى البعيد بالنسبة للاقتصاد الأمريكي، وهي تداعيات لا يفهمها ولا يستوعبها الكثيرون"، بحسب ما قاله بيرت إيلي، مدير شركة استشارات بنكية، لموقع Axios الأمريكي.
والأمر نفسه عبر عنه وزير الخزانة الدائم نيك جيفرسون في بريطانيا، بقوله عبر تويتر إن التزام الحكومة بأي حماية أكثر من هذا سيكون "تجاوزاً أخلاقياً خطيراً". بمعنى آخر أن المودعين لن يكون لديهم الحافز لاتخاذ التدابير الضرورية للحماية من مثل هذه المخاطر في حال توقعوا أن الحكومة ستتدخل في كل مرة للدفع الكامل في حال إفلاس أي بنك في المملكة المتحدة.
لكن مسؤولين أمريكيين قالوا إن هذا التدخل لا يعني "إنقاذاً مالياً"، وقالت وزارة الخزانة الأمريكية ومجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) والمؤسسة الاتحادية للتأمين على الودائع في بيان: "لن يتحمل دافعو الضرائب أية خسائر لها علاقة بالقرار المرتبط ببنك سيليكون فالي".
وقال مسؤول كبير بوزارة الخزانة الأمريكية لرويترز إن السياسات الجديدة التي أقرتها جهات تنظيمية إزاء إغلاق بنكي سيليكون فالي وسيجنتشر اتُخذت لإحلال الاستقرار في النظام المالي وحماية المودعين، ولا تشكل خطة إنقاذ مالي لأي منهما.
وذكر المسؤول أن الخطوات "ستعيد ثقة السوق" جنباً إلى جنب مع قرار مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) إتاحة الأموال أمام المؤسسات المالية المؤهلة، وضمان أن بوسعها تلبية احتياجات جميع المودعين.