هل التحول إلى التوقيت الصيفي في مصر كل عام مسألة مفيدة لاقتصاد البلاد حقاً وتستحق العناء الذي تسببه، أم أن أضرارها أكبر من فوائدها؟
عاد هذا السؤال للظهور مجدداً مع موافقة البرلمان مؤخراً على قانون لإعادة التوقيت الصيفي في مصر المُصمَّم لضمان تأخير ساعة حلول الظلام، على أمل أن يؤدي ذلك إلى الحد من استخدام الكهرباء في البلاد وتوفير الغاز الطبيعي للتصدير؛ لأنه يساعد في توليد حوالي 60% من الكهرباء في مصر.
لكن المصريين منزعجون من القرار، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Economist البريطانية.
التوقيت الصيفي في مصر تغير 4 مرات في 2014، والفنادق صنعت توقيتاتها الخاصة
وطُبِّق التوقيت الصيفي لأول مرة لتوفير الوقود في الحرب العالمية الثانية. ومنذ ذلك الحين، غيَّرت الحكومات المصرية المتتالية موقفها بشأن تطبيق التوقيت. ولم تتمكن أي منها من تحديد طبيعة تأثيره في استهلاك الطاقة تحديداً قاطعاً، حسب المجلة.
وفي عام 2014، زاد الرئيس عبد الفتاح السيسي من الارتباك بإعلانه تغيير التوقيت 4 مرات في ذلك العام لتخفيف العبء على الصائمين خلال شهر رمضان.
واضطر المصريون للجوء إلى الشبكات الاجتماعية للاستفسار عن الوقت.
بينما تجاهلت بعض فنادق البحر الأحمر التغييرات لصالح "وقت المنتجع"؛ مما أدى إلى إنشاء منطقة زمنية منافسة، حسب ما ورد في تقرير المجلة البريطانية.
وإدارة النقل الجوي الدولية طلبت من القاهرة دفع 8 ملايين دولار بسبب الخسائر
وفي عام 2016، قبل 3 أيام من تقديم الساعة، قالت الحكومة فجأة إنها ستنهي التوقيت الصيفي للأبد.
واشتكى رئيس مجلس إدارة شركة مصر للطيران من أنَّ المهلة القصيرة ستُكلِّف شركته مليوني دولار بسبب التأخير وفقدان الاتصالات. وأفيد بأنَّ إدارة النقل الجوي الدولية طلبت من الحكومة المصرية دفع 8 ملايين دولار لتغطية تكلفة تغيير جداول الرحلات. وتحول التوقيت الصيفي من مجرد إزعاج بسيط إلى مزحة وطنية سيئة.
واضطرت مصر مؤخراً للتوجه إلى صندوق النقد الدولي للاقتراض للمرة الثالثة في غضون ست سنوات، إضافة إلى إعلانها نيتها بيع أصول مملوكة للحكومة، بسبب نقص الدولار الذي تعاني منه البلاد جراء الإنفاق على المشروعات القومية العملاقة بواسطة الديون الخارجية، إضافة إلى أن ارتفاع أسعار المحاصيل الزراعية جراء الأزمة الأوكرانية كان له تأثير سلبي على اقتصاد البلاد التي تعد أكبر مستورد للقمح في العالم ومستورد كبير للحبوب الأخرى، كما تفاقمت الأزمة بسبب ارتفاع تكلفة الديون المصرية بعد رفع الفيدرالي الأمريكي للفائدة.
في عهد السيسي، تضاعفت صادرات الغاز الطبيعي أربع مرات تقريباً، لكن احتياجات مصر من الطاقة ارتفعت أيضاً. وحتى لو كان إحياء التوقيت الصيفي، كما تأمل الحكومة، يقلل من استخدام الطاقة في البلاد؛ وبالتالي يعزز صادرات الغاز، فإنَّ ذلك لن يُحدِث فرقاً يُذكَر أمام المشكلات الاقتصادية في مصر.
وتشير الدراسات الحديثة إلى أنه في البلدان التي تكون فيها أيام الصيف طويلة ومعتدلة، فإنَّ ساعة إضافية من ضوء النهار تقلل من استخدام الطاقة قليلاً فقط. لكن في البلدان الحارة مثل مصر، تعني الحاجة لمكيفات الهواء أنَّ تمديد أيام الصيف قد يأتي بنتائجٍ عكسية.
وبسبب أزمة العملة الأجنبية، أصدرت الحكومة المصرية الصيف الماضي، حزمة قرارات لترشيد استهلاك الكهرباء بهدف تقليل استهلاك الغاز الطبيعي محلياً، لتصديره للخارج وزيادة العائد من النقد الأجنبي، في محاولة لاستغلال ارتفاع سعر الغاز عالمياً وزيادة الطلب عليه بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.
وشملت هذه القرارات الغلق التام للتيار الكهربائي في المباني الحكومية عقب انتهاء ساعات العمل الرسمية، عدا المباني الخدمية، وكذلك عدم إضاءة أي مبنى حكومي من الخارج، كما تقرر إغلاق الاستادات والصالات المغطاة والملاعب في ساعة محددة أثناء فترات الليل.
وتشمل تدابير توفير الطاقة الأخرى التي اعتمدتها الحكومة العام الماضي، تعتيم مصابيح الشوارع، وإنهاء الإضاءة الزخرفية للمباني الحكومية، ووضع سقف لمكيفات الهواء في مراكز التسوق عند درجة حرارة 25 درجة مئوية.
وفي عامي 2020 و2021، قيّدت الحكومة ساعات عمل الأنشطة التجارية. واستشهدت الحكومة بدوافع مختلفة وراء ذلك، قائلة إنها تأتي في محاولة لتقليل الضوضاء، أو للحد من الحشود في وقت متأخر من الليل، أو لإبطاء انتشار "كوفيد -19″، لكن ربما كانت أيضاً محاولة لخفض تكاليف الطاقة.
وتختم المجلة البريطانية تقريرها قائلة: "وأياً كانت الحقيقة، فإنَّ أوامر تغيير الساعة والتحول إلى التوقيت الصيفي في مصر لن تُصلِح الاقتصاد المتعثر".