استقبلت "إسرائيل" أنباء إعادة التقارب بين السعودية وإيران، الجمعة 10 مارس/آذار 2023، بمشاعر من "المفاجأة، والقلق، والتأمل" كما يقول تقرير لصحيفة New York Times الأمريكية. كما ضاعفت الأنباء من مشاعر "الخطر القومي" التي أثارتها الانقسامات الإسرائيلية العميقة، وذلك نتيجة سياسات حكومة رئيس الوزراء المتطرف بنيامين نتنياهو، الذي يبدو أن أنباء الاتفاق السعودي الإيراني قد فاجأته "على حين غرة أيضاً"، كما تقول الصحيفة.
الاتفاق السعودي يقوض آمال "إسرائيل" في تكوين تحالف أمني إقليمي ضد إيران
لا شك أن الإعلان من العاصمة الصينية بكين عن عقد اتفاق كبير بين الرياض وطهران يعيد العلاقات لسابق عهدها، يقوض آمال "إسرائيل" في تكوين تحالف أمني إقليمي ضد إيران، بحسب الصحيفة الأمريكية، مما يُشير إلى أن بقية دول الشرق الأوسط تنظر إلى إيران كتهديد، لكنها لا ترى أي جدوى من عزل ومعارضة طهران بالدرجة التي تفعلها إسرائيل.
وربما تنظر إسرائيل إلى إيران وبرنامجها النووي باعتبارهما خطراً على وجود إسرائيل. لكن القرار السعودي يمثل تذكرةً بأن جيران إيران في الخليج يرون فيها الجارة المزعجة، لكنهم يؤمنون بضرورة التعامل معها رغم ذلك.
وأثارت هذه المدركات حالة محاسبةٍ للنفس في ما يتعلق بأزمة إسرائيل الداخلية. حيث أبرزت الأنباء كيف أن الاضطرابات الداخلية تخاطر بتشتيت البلاد عن المخاوف الأكثر إلحاحاً، مثل التهديد الإيراني، وذلك بالنسبة لساسة الحكومة والمعارضة معاً.
كيف يضر الاتفاق السعودي الإيراني بنتنياهو شخصياً؟
أما بالنسبة لنتنياهو تحديداً، فقد كانت هذه الأنباء ضارةً على نحوٍ خاص. إذ اعتمدت سياسته الخارجية على هدفين رئيسيين طيلة سنوات، وهما عزل إيران وتطبيع العلاقات مع السعودية -التي لم تعترف بإسرائيل مطلقاً.
ويتفق المحللون على أن توقيت القرار السعودي لا علاقة له بنتنياهو، الذي عاد إلى السلطة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، لكنه منح الفرصة لخصوم نتنياهو حتى يُبرزوه كشخصيةٍ ضعيفة على صعيد السياسة الخارجية.
حيث كتب يائير لبيد، زعيم المعارضة، على الشبكات الاجتماعية: "يمثل الاتفاق بين السعودية وإيران إخفاقاً كاملاً وخطيراً للسياسة الخارجية في الحكومة الإسرائيلية. وهذا ما سيحدث عندما تتعامل مع الجنون القضائي طوال الوقت بدلاً من تأدية وظيفتك".
لكن البعض يقلل من تبعات الاتفاق السعودي الإيراني على إسرائيل
بعيداً عن الخطاب السياسي، قال بعض الخبراء الإسرائيليين في الشأن الإيراني والخليجي إن الأنباء ليست كارثيةً تماماً بالنسبة للمصالح الإسرائيلية، وليست غير متوقعةٍ تماماً أيضاً. إذ إنه من المعروف أن الرياض تتفاوض مع طهران منذ وقتٍ طويل.
وقد طبّعت إسرائيل علاقاتها مع ثلاث دول عربية في عام 2020، وهي البحرين والمغرب والإمارات. ويُشير إعلان يوم الجمعة إلى أن السعودية لن تسارع لتحذو حذو تلك الدول. لكن المسؤولين السعوديين ما يزالون يتفاوضون مع نظرائهم الأمريكيين سراً منذ فترة، بهدف مناقشة شروطهم لتطبيع العلاقات مع إسرائيل مستقبلاً.
وستظل إيران تمثل تهديداً بالنسبة للسعودية، رغم استئناف العلاقات السعودية الإيرانية. ولهذا فقد تظل الرياض راغبةً في شراكةٍ أوثق مع إسرائيل، وخاصةً في الجوانب العسكرية والأمن السيبراني، كوسيلةٍ لمواجهة ذلك التهديد، بحسب صحيفة نيويورك تايمز.
بينما قالت سيما شاين، خبيرة الشأن الإيراني والمسؤولة البارزة السابقة في الموساد للصحيفة: "لا أظن أن الأمر سيء لهذه الدرجة بالنسبة لإسرائيل. بل يُحسّن فرص إقامة نوعٍ من التطبيع بين إسرائيل والسعودية، بطريقةٍ ما"، حسب تعبيرها.
"التنافس بين السعودية وإيران سيستمر"
لكن المحللين الإسرائيليين الآخرين يرون أن استئناف العلاقات قد يمنع ظهور علاقة أكثر رسمية بين البلدين، حتى في حال تسارع وتيرة تلك العلاقات سراً.
إذ قال يويل غوزانسكي، خبير الشأن الخليجي في مركز Institute for National Security Studies: "سيستمر التنافس بين إيران والسعودية، وستواصل السعودية وإسرائيل التعاون بشكلٍ نشط ضد إيران. لكن القرار قد يؤثر على الجوانب الأكثر علنية من التطبيع".
وأردف غوزانسكي أن القرار السعودي يُمثل ضربةً لإسرائيل من الناحية الرمزية، دون أدنى شك: "يبعث القرار برسالة مفادها أن إسرائيل ستكون بمفردها في المعركة ضد إيران بالمنطقة".
في ما اغتنم خصوم نتنياهو هذه الفرصة النادرة لتفنيد أوراق اعتماده في مجال السياسة الخارجية. حيث كتب جدعون ساعر، عضو الكنيست المعارض، على تويتر: "وعد نتنياهو بسلام مع السعودية. وقد وصل السعوديون إلى السلام في النهاية… لكن مع إيران. إنه من عالمٍ آخر".