بشكل مفاجئ، أعلنت مصر، إحدى أكبر الدول المستوردة للقمح في العالم، تقديمها إخطارا بأنها ستنسحب اعتبارا من نهاية يونيو/حزيران 2023 من اتفاقية للحبوب تابعة للأمم المتحدة، والتي جرى إبرامها قبل 3 عقود، مما سبب قلقاً بين بعض الموقعين الآخرين على الاتفاقية، بينما أعرب مسؤول أممي عن "الدهشة والحزن" من القرار.. فما هي اتفاقية تجارة الحبوب الأممية، ولماذا انسحبت القاهرة منها؟
ما هي اتفاقية تجارة الحبوب الأممية؟
اتفاقية تجارة الحبوب (GTC) هي معاهدة تابعة للأمم المتحدة جرى إبرامها في تموز/يوليو عام 1995 بين 33 دولة، وهي الوحيدة التي تغطي تجارة الحبوب العالمية وتنظمها.
وتركز هذه الاتفاقية على تجارة الحبوب والتي حلت محل الاتفاقية الدولية للقمح في عام 1994، وتتم إدارة (GTC) من قِبل مجلس الحبوب الدولي (IGC)، وهو منتدى حكومي دولي للتعاون في مسائل القمح والحبوب تابع للأمم المتحدة.
وتنص اتفاقية تجارة الحبوب على تبادل المعلومات والمشاورات حول سوق الحبوب وتطورات السياسات التي تؤثر به، وبموجب اتفاقية المعونة الغذائية، تتعهد الدول المانحة بتقديم كميات محددة سنوياً من المساعدات الغذائية إلى البلدان النامية في شكل حبوب مناسبة للاستهلاك البشري، أو نقداً لشراء الحبوب المناسبة في البلدان المتلقية. ولا تحتوي اتفاقية الحبوب الدولية على أي آليات لتحقيق الاستقرار في الإمدادات أو الأسعار أو التجارة.
ومن أهداف اتفاقية تجارة الحبوب، تعزيز توسيع التجارة الدولية في الحبوب، وتأمين أكبر تدفق ممكن لهذه التجارة، بما في ذلك إزالة الحواجز التجارية والممارسات غير العادلة والتمييزية، لصالح جميع الأعضاء، ولا سيما الأعضاء من الدول النامية.
بالإضافة إلى لتوفير منتدى لتبادل المعلومات ومناقشة مخاوف الأعضاء فيما يتعلق بتجارة الحبوب، وتعزيز الأمن الغذائي العالمي، والمساهمة في تنمية البلدان التي تعتمد اقتصاداتها اعتماداً كبيراً على المبيعات التجارية للحبوب.
لماذا انسحبت مصر من اتفاقية تجارة الحبوب؟
بحسب وكالة رويترز، فإن مصر أعطت إشعاراً بأنها ستنسحب من معاهدة الحبوب خلال شهر شباط/فبراير الماضي، وذلك في أعقاب فترة من الاضطرابات في أسواق الحبوب المرتبطة بالحرب في أوكرانيا والمخاوف بشأن الأمن الغذائي العالمي.
ويقول أرنو بيتي، المدير التنفيذي لمجلس الحبوب الدولي، الذي يدير المعاهدة لوكالة رويترز: "جاء ذلك دون معلومات مسبقة. العديد من الأطراف الموقعة على الاتفاقية متفاجئة وتشعر بالقلق تجاه هذا القرار"، مضيفاً أن "العديد من الأعضاء سيطلبون من مصر إعادة النظر في قرارها".
ومن بين الموقعين الآخرين على اتفاقية التجارة العالمية (GTC) مستوردو ومصدرو الحبوب الرئيسيون مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
من جهتها، قالت وزارة الخارجية المصرية لرويترز، في بيان، إن القرار اتُّخذ بعد تقييم من وزارتي التموين والتجارة خلص إلى أن عضوية مصر في المجلس "بلا قيمة مضافة".
وقال مصدران مطلعان على الأمر، طلبا عدم الكشف عن هويتهما، لرويترز إن مصر مدينة برسوم عضوية المجلس، وهو سبب الانسحاب دون تحديد قيمتها، فيما لم ترد وزارة الخارجية على سؤال حول الرسوم.
كيف سينعكس ذلك على سوق الحبوب؟
يقول تجار لرويترز إنهم لا يتوقعون تأثيراً على سوق الحبوب بعد هذا القرار، لكن مصدراً دبلوماسياً قال إنه من الناحية الرمزية، يمكن اعتبار خروج مصر من منظمة متعددة الجنسيات أمراً مثيراً للقلق.
وعطلت الحرب في أوكرانيا مشتريات مصر من القمح العام الماضي وأجرت الحكومة محادثات مع دول من بينها الهند في محاولة لتنويع إمداداتها. وعلى الرغم من تلك الجهود، اعتمدت مصر على الواردات الروسية التنافسية لزيادة احتياطياتها من خلال المناقصات التقليدية، بعضها ممول من البنك الدولي، فضلاً عن العروض المباشرة غير التقليدية.
كما أدى التأثير الاقتصادي للحرب إلى تفاقم نقص العملة الأجنبية في مصر، مما أدى إلى تباطؤ الواردات، وتراكم البضائع في الموانئ، وحزمة دعم مالي بقيمة 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي.
"مصر تريد التعامل مع روسيا بشكل مباشر"
في السياق، يقول الخبير الاقتصادي المصري، وائل نحاس، لشبكة "الحرة" الأمريكية، إنه لا يمكن النظر للقرار المصري بمعزل عما يجري في الدول الهامة التي تصدر الحبوب، مثل أوكرانيا وروسيا.
وأضاف أن "قرار القاهرة بالانسحاب من الاتفاقية قد يكون له ارتباط برغبة في التعامل بشكل مباشر مع روسيا لتأمين الحبوب، وحتى التخلي عن الدفع بالدولار، والدفع لموسكو بالروبل"، مشيراً إلى أن "الاتفاق الأممي الآخر المتعلق بالسماح بتصدير الحبوب من أوكرانيا، ينتهي العمل به في 17 مارس/آذار 2023، فيما يتوقع أن روسيا لن تجدد العمل به والسماح باستمرار خروج الصادرات من الموانئ الأوكرانية".
لم يخفِ الخبير نحاس من أن انسحاب القاهرة من اتفاق الحبوب بحد ذاته قد لا يكون له تبعات مباشرة، ولكن "التعامل المباشر مع روسيا قد يكون له تبعات أو قد يمثل مجازفة للقاهرة، خاصة أن صفقات شراء الحبوب الأخيرة كانت أغلبها بتمويل من البنك الدولي".
وحول ديون القاهرة لهذه الاتفاقية، قلل نحاس من أهمية هذا الأمر، وقال: "الأمر ببساطة يشبه رسوم العضوية في هذا الاتفاق، ولو لم تسدد القاهرة الرسوم المطلوبة، يمكن للهيئة القائمة على متابعة الاتفاق إسقاط عضوية مصر".
وأشار إلى أن هناك معلومات غير مؤكدة يتم تداولها ترتبط بأن "مصر تسعى إلى أن تكون بوابة للحبوب للقارة الإفريقية، ولهذا تسعى إلى تعزيز مركزها في سوق الحبوب"، حسب تعبيره.
"الاتفاقية لم تُحدث فارقاً لمصر"
أما الباحث في الشؤون الإقليمية في مركز الأهرام للدراسات، سامح راشد، يرى أنه "لا مبرر اقتصادياً أو تفسيراً مباشراً يتعلق بانسحاب مصر من الاتفاقية"، مشيراً في حديثه لشبكة الحرة إلى أن الاتفاقية نفسها منذ التوقيع عليها "لم تحدث فارقاً يذكر ولم يكن لها أي أثر على التداعيات الخطيرة للحرب الروسية على أوكرانيا".
ورجح أن "الاتفاقية الدولية لا تتضمن أي آليات لضمان الاستقرار في الإمدادات أو لضبط الأسعار أو لإدارة التجارة الدولية، من هنا يمكن تفسير القرار بأن القاهرة ربما رأت فيها أنها بلا جدوى أو دور حقيقي"، ناهيك عن أن "الدول مطالبة بدفع رسوم سنوية للعضوية، فربما يكون لهذا الاعتبار المالي دور في الخطوة المصرية ولو بشكل جزئي".
وزاد راشد أن "التبعات المباشرة والعاجلة على مصر تبدو ضئيلة للغاية على المدى القريب، ولكن على المديين المتوسط والبعيد، ربما تظهر تبعات سلبية بأن خروجها من الاتفاقية قد يقيد حركتها مستقبلاً في استيراد القمح بصفقات مع واشنطن بصفة خاصة".