في التاريخ العسكري للدول، تتطور الحروب بشكل مستمر من ناحية الخطط والأدوات والتقنيات، ويشير مصطلح "أجيال الحروب" إلى مفهوم التكتيكات والاستراتيجيات التي يتم استخدامها في كل جيل أو حقبة زمنية. وفي السنوات الماضية، بِتنا نسمع كثيراً بمفهوم حروب الجيل الخامس أو "5GW".. فما هي هذه الحروب، وبماذا تختلف عن حروب الجيل الرابع أو ما قبلها من أنواع الحروب؟
ما هي أجيال الحروب الخمسة؟
نشأ مصطلح "أجيال الحروب" في عام 1989 لوصف "الوجه المتغير للحرب" بمرور الوقت، وكان يشير في البداية فقط إلى ظهور الجيل الرابع، ولكن فيما بعد تمت إضافة الجيل الخامس.
وتم وضع أسس لمفهوم أجيال الحروب، من قِبل عدد من الخبراء والجنرالات في الجيش الأمريكي، أبرزهم الخبير العسكري ويليام ليند، والعقيد كيث نايتنغيل وآخرون، في مقال نُشر في جريدة "مشاة البحرية" عام 1989 بعنوان "الوجه المتغير للحرب: الجيل الرابع"، فيما وسّع العقيد المتقاعد في قوات مشاة بحرية الولايات المتحدة توماس هامز، هذه الفكرة في كتابه "القاذفة والحجر" في عام 2006.
ويقول خبراء التاريخ العسكري إن مفهوم أجيال الحروب غير محدد بزمن أو عدد سنين معين، بل هو رهن لطبيعة الحرب ذاتها وتطورها الذي عادة ما يصاحب التطور الفكري والتقني للأمم والشعوب. وبذلك قسمت الحروب إلى أجيال محددة كان آخرها الجيل الخامس، وهي كالتالي:
1- حروب الجيل الأول
يشير الجيل الأول من الحروب إلى المعارك القديمة وما بعد الكلاسيكية التي خاضتها قوة بشرية حاشدة، باستخدام تكتيكات الكتائب الخطية مع جنود يرتدون الزي العسكري تحكمهم الدولة. وكان هذا النوع من الحروب يعتمد على قوة الفرسان وعددهم، حيث اعتمدت النتائج في الغالب على عدد الجنود الذين تمتلكهم الدولة.
2- حروب الجيل الثاني
أما حروب الجيل الثاني فهي تشير إلى الحرب الصناعية، التي تطورت بعد اختراع البنادق والأسلحة التي يتم تلقيمها، واستمرت من خلال تطوير المدفع الرشاش والنيران غير المباشرة. ويسبق هذا الجيل الاستخدام الفعال الواسع النطاق للمركبات الآلية في المعارك والأسلحة المشتركة.
3- حروب الجيل الثالث
تركز حرب الجيل الثالث على استخدام التكتيكات الحديثة المستمدة من التكنولوجيا للاستفادة من السرعة والتخفي والمفاجأة لتجاوز خطوط العدو وتقويض قواتهم من الخلف. وبشكل أساسي، كانت هذه نهاية الحرب الخطية على المستوى التكتيكي، حيث كانت الوحدات تسعى ليس فقط لمقابلة بعضها البعض وجهاً لوجه ولكن للتغلب على بعضها البعض للحصول على أكبر ميزة.
وبدأت الوحدات المدرعة والطائرات العسكرية والقوات المحمولة جواً في لعب دور حاسم بشكل متزايد في هذا النوع من الحروب، مع تطوير استراتيجيات مثل الحرب الخاطفة والعملية العميقة.
4- حروب الجيل الرابع
تتميز حروب الجيل الرابع كما قدمها ويليام ليند، بعودة حروب ما بعد الحداثة إلى أشكال الحرب اللامركزية، وطمس الخطوط الفاصلة بين الحرب والسياسة، والمقاتلين والمدنيين، بسبب فقدان الدول شبه احتكارها للقوات القتالية، والعودة إلى أنماط الصراع الشائعة في ما قبل العصور الحديثة.
وتلعب مجموعات حرب العصابات والمتعاقدين العسكريين الخاصين والمنظمات شبه العسكرية دوراً بارزاً في حروب الجيل الرابع. ومن أبرز العناصر التي تحتوي عليها حروب الجيل الرابع، استخدام الإرهاب كأسلوب لضرب الخصم، بالإضافة إلى وجود قاعدة من المقاتلين متعددي الجنسيات، بالإضافة إلى الحرب النفسية والبروباغندات المتقدمة، وكذلك التلاعب في وسائل الإعلام، واستخدام جميع الضغوط المتاحة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية على الخصم.
لكن ما هي حروب الجيل الخامس وبماذا تختلف عن حروب الجيل الرابع التي تشهدها مناطق مختلفة من العالم الآن؟
مع ظهور الإنترنت في العصر الرقمي واختراع طرق لضرب الخصوم بهجمات سيبرانية، دخل العالم في مرحلة حروب الجيل الخامس. وحرب الجيل الخامس هي مزيج من النشاط غير حركي، مثل الهندسة الاجتماعية، وحملات التضليل والاستدراج، واستخدام التقنيات المتطورة مثل تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي لشن الهجمات الإلكترونية والسيبرانية. كما تدخل المعلومات والدعاية والأخبار الزائفة في هذا الشكل من الحروب.
تعد حرب المنطقة الرمادية والحرب النفسية وحرب المعلومات والحرب الإلكترونية والحرب البيولوجية جزءاً من حروب الجيل الخامس، ووصف الكاتب الأمريكي دانيال أبوت حرب الجيل الخامس في عام 2003 بأنها "صراع المعلومات والإدراك"، رغم رفض علماء أو خبراء آخرين لهذا المفهوم مثل ويليام ليند.
وتتميز حروب الجيل الخامس بـ "ساحة المعركة المنتشرة في كل مكان" واستخدام مزيج من القوة الحركية وغير الحركية بدلاً من القوة العسكرية الحصرية. وأشار العقيدان تشياو ليانغ ووانغ شيانغ سوي من جيش التحرير الشعبي الصيني في كتابهما الصادر عام 1999 بعنوان "الحرب غير المقيدة"، إلى أن العنف العسكري التقليدي قد انخفض في السنوات التي أعقبت حرب الخليج بعام 1991، والتي ارتبطت بزيادة العنف السياسي والاقتصادي والتكنولوجي، التي قالوا إنها يمكن أن تكون أكثر تدميراً من الحرب التقليدية.
ومع دخولنا عصر الجيل الخامس من الحروب، أصبح من الصعب السيطرة عليها وبات يمكن استخدامها من قِبل دول وجيوش ومجموعات سرية أو حتى مجرد أفراد، لذلك باتت الدول تتجه إلى تطوير استراتيجية لمواجهة كل هذه التحديات من خلال استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والأنظمة المستقلة بالكامل لدى الجيوش ووحداتها الإلكترونية السيبرانية.
اليوم، باتت مرحلة حروب الجيل الخامس تهدد بشكل خطير الدول والبنوك والأنظمة المصرفية والمالية، وأصبت الدول والعصابات تخوض حروباً تجارية ومالية واقتصادية ورقمية وطاقوية ضد بعضها البعض تكلفها المليارات وقد تؤدي لانهيار أنظمة وحكومات.
ما هي مآخذ النقاد على مفهوم "حروب الجيل الخامس"؟
لكن تتمثل إحدى مشكلات هذا المنطق الذي يعرّف حروب الجيل الخامس -على الأقل لدى خبراء العلاقات الدولية أو علماء الأمن الدولي- بأنها ليست فكرة مقبولة على نطاق واسع، فيما يرى آخرون أن هذا المفهوم غير دقيق.
كما أن البحث في محتوى خمس مجلات دولية مرموقة في مجال العلاقات الدولية أو المجلات الأمنية الدولية مثل: الأمن الدولي، ومجلة حل النزاعات، ومجلة أبحاث السلام، ومجلة الدراسات الاستراتيجية، ومجلة الدراسات الأمنية، يظهر أن مصطلح "حرب الجيل الخامس" لا تنطبق على حروب السنوات الخمس الماضية.
ومن الغريب أن يفلت مثل هذا المفهوم الثوري من الحروب من أبحاث ودراسات الخبراء في هذا المجال. وفي جميع الاحتمالات، فإن هذا النقص في الاهتمام الأكاديمي بحرب الجيل الخامس يرجع إلى محدودية صلاحيتها لدى المؤسسات العسكرية والجيوش، مثل الجيش الأمريكي وغيره.
ويعيد هذا المصطلح إلى الذهن لأزمة أخرى تتكرر كثيراً، وهي "الحرب الهجينة"، تلك التي أصبحت شائعة بين المجتمع الأمني عبر الأطلسي لوصف السياسة الخارجية الروسية وأعمال التخريب المزعومة التي ارتكبتها استخباراتها. وكما هو الحال مع "حرب الجيل الخامس"، يقول النقاد إن مصطلح "الحرب الهجينة" كان من نواحٍ كثيرة مصطلحاً لا معنى له، حيث يجمع عناصر متباينة من الحرب بممارسة الدبلوماسية.