بخطوات متسارعة ومليارية التكاليف، تسعى المملكة العربية السعودية، للتحول لمركز دولي لصناعة السيارات، حيث بدأت بتبني منافسة تسلا الرئيسية، وها هي تتجه للمشاركة في تطوير محركات هجينة مع رينو الفرنسية وجيلي الصينية.. فما هي فرص نجاح خطط تأسيس صناعة السيارات السعودية؟ وما هي التحديات أمامها؟
ؤمؤخراً، وقّعت شركة أرامكو السعودية، الشركة الأكثر ربحية في العالم، خطاب نوايا لتصبح مساهماً محتملاً في الأقلية في شركة تكنولوجيا توليد القوة الجديدة التي ستؤسسها جيلي ورينو، وقبل ذلك أصبحت السعودية من أكبر المساهمين والمستثمرين في شركة لوسيد الأمريكية التي توصف بأنها المنافس الأهم لشركة تسلا الشهيرة.
المشروع سيركز على المحركات الهجينة والعاملة بالهيدروجين
وستعمل الشركة المشتركة بين أرامكو وجيلي ورينو على تطوير تقنيات محركات الاحتراق الداخلي ومجموعة نقل الحركة الهجينة، وسيدعم استثمار أرامكو نموها "ويساهم في البحث والتطوير الرئيسيين عبر حلول الوقود الاصطناعي وتقنيات الهيدروجين من الجيل التالي"، حسبما ورد في تقرير لموقع Car scoops.
والمحركات الهجينة هي تلك العاملة بالوقود الأحفوري، وفي الوقت ذاته تحول كل طاقتها لشحن بطاريات تساعد على تسيير السيارة، ما يجعل السيارة تعمل بالوقود الأحفوري والكهرباء في الوقت ذاته، وهو ما ينظر له كحل انتقالي أقل تلويثاً للبيئة من الوقود، ولكن ليس بدرجة البطاريات نفسها، ولكنه مناسب للدول والأفراد الذين يجدون صعوبة في السيارات الكهربائية بسبب ارتفاع أسعارها أو قلة محطات الشحن، وغيرها من المشكلات المرتبطة بالسيارات الكهربائية.
لم يتم الكشف عن اسم الشركة بعد التي ستؤسسها أرامكو مع رينو وجيلي، ولكن ستتمتع بإمكانية الوصول إلى شبكة جيلي ورينو العالمية المكونة من 17 مصنعاً للمحركات، و5 مراكز بحث وتطوير عبر 3 قارات. وستعمل كمورد عالمي مستقل ولديها قدرة مجمعة تصل إلى 5 ملايين محرك احتراق داخلي وهجين ومحرك هجين وقابس كهربائي وناقل حركة سنوياً.
وتحولت شركة جيلي لعملاق صيني مثير للانتباه، ليست فقط لمبيعاتها الكبيرة في الصين وخارجها، ولكن لشرائها لشركة فولفو السويدية الشهيرة وإنقاذها من الانهيار، وتحويلها لشركة رابحة ورائدة في السيارات الكهربائية، مع استخدام تقنيات فولفو في سيارات جيلي، بما في ذلك محركات متطورة جديدة طورتها فولفو.
كما اشترت جيلي حصة مسيطرة في شركة بروتون الماليزية، إضافة لقيامها بالاستحواذ على 34.02٪ من أسهم "رينو كوريا" في ظل التحالف بين العملاق الصيني الصاعد والشركة الفرنسية العريقة.
أما شركة رينو الفرنسية العريقة والتي تعد حليفاً وشريكاً لنيسان اليابانية، فإنها تحتاج لهذا التحالف مع جيلي وأرامكو في ظل مشكلات تحالفها مع نيسان التي وصلت لذروتها عند هروب الرئيس التنفيذي للشركتين كارلوس غصن من محاكمته باليابان، إضافة للمنافسة التي تواجهها من الصعود القوي لبيجو الفرنسية، ثم أجهزت عليها الحرب الأوكرانية حيث كانت رينو من أكبر المستثمرين الأجانب لصناعة السيارات في روسيا، التي تمثل لها سوقاً شديدة الأهمية، واضطرت رينو للانسحاب من هناك على مضض، تاركة استثمارات ضخمة لصالح شركائها الروس.
ما هي حصة أرامكو في الشركة الجديدة؟
وقال نائب الرئيس التنفيذي لقطاع التكرير والمعالجة والتسويق في أرامكو، محمد يوسف القحطاني، وفقاً لموقع zgh.com: "يمثل خطاب النوايا هذا علامة فارقة جديدة في التزامنا المستمر بتقنيات النقل، ويقدم منصة لدعم أبحاث أرامكو وتطويرها في مجال ابتكار المحركات. تعاوننا المخطط مع جيلي ورينو سيدعم تطوير مجموعات نقل الحركة عبر صناعة السيارات، ويتماشى مع جهودنا الأوسع عبر عملياتنا العالمية".
ومن غير الواضح حجم حصة أرامكو في الشركة؛ ولكن أشارت التقارير الصادرة في يناير/كانون الثاني إلى أن أرامكو ستستحوذ على حصة 20% في المشروع بينما ستمتلك كل من جيلي ورينو حصة 40%.
وقال لوكا دي ميو، الرئيس التنفيذي لمجموعة رينو: "ستعمل هذه الشراكة مع أرامكو على الارتقاء بشركتنا المشتركة في مجال توليد القوة مع مجموعة جيلي إلى المستوى التالي ومنحها السبق في السباق نحو تكنولوجيا توليد الطاقة ذات الانبعاثات المنخفضة للغاية ICE".
وأضاف: "دخول أرامكو يجلب إلى الطاولة خبرة فريدة من شأنها أن تساعد في تطوير ابتكارات خارقة في مجالات الوقود الاصطناعي والهيدروجين".
ويأتي دخول أرامكو المملوكة للحكومة السعودية والتي اشتهرت بإطلاقها ما وصف بأنها أكبر اكتتاب في التاريخ في هذه الشراكة ضمن جهود الرياض في توطين صناعة السيارات وإطلاق إشارة البدء لتشييد صناعة السيارات السعودية.
إليك حجم السوق السعودية.. ولماذا تبدو واعدة؟
وتعد السعودية ثالث أكبر أسواق السيارات في الشرق الأوسط بمبيعات، بعد إيران وتركيا (827,147 سيارة)، والأضخم عربياً بحجم مبيعات يبلغ 625,936 سيارة خلال العام الماضي 2022.
ولكن السوق السعودية تعتمد على الاستيراد بشكل شبه كامل، عكس إيران التي تعتمد على صناعة سيارات محلية حتى لو منغلقة ومتأخرة نسبياً، ولكنها أصبحت تتسم بنسب تصنيع محلي عالية، بينما تركيا مصنع مهم ومنافس عالمي، حيث تعد أكبر مصدر للسيارات لأوروبا، ومركز تصدير للعالم العربي، ولكنها تعتمد على تجميع وتصنيع علامات عالمية من خلال استثمارات أجنبية بشركات محلية، وتسعى لإطلاق علامتها الوطنية في السيارات الكهربائية.
ولكن السعودية مستورد بالكامل لسيارات الركوب تحديداً، في ظل نسب جمارك وضرائب منخفضة، وعمالة عالية الأجور، وسوق تعتمد على السيارات القوية في ظل عدم انتشار بدائل مثل القطارات والمواصلات العامة في البلاد.
وتمثل السيارات جزءاً مهماً من واردات البلاد، ويتوقع أن تشهد نمواً كبيراً بعد قرار السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارات.
"تتحدى تسلا".. شركة لوسيد محورية في خطة تأسيس صناعة السيارات السعودية
وتسعى رؤية السعودية 2030 لأن تصبح المملكة رائدة في المنطقة في مجال صناعة السيارات، وتوجد بالفعل لديها مصانع واستثمارات في هذا المجال تتركز في صناعات الشاحنات.
وتشمل صناعة السيارات حالياً في السعودية عدة مصانع، منها ما يتم فيه تجميع شاحنات مرسيدس، ومصنع شركة إيسوزو اليابانية في الدمام على الساحل الشرقي، وشركة التعدين العربية السعودية "معادن" التي تصنّع المواد الداخلة في السيارات، إضافة إلى مصنع الشاهد في مدينة الدمام بشراكة ماليزية، وشركة سابك الهادفة إلى جعل المملكة مصنعاً رائداً للسيارات بالشرق الأوسط.
وكان لافتاً أن السعودية التي كانت مستثمراً كبيراً في شركة تسلا، قلّصت قبل بضع سنوات، ملكيتها في الشركة المملوكة للملياردير الأمريكي إيلون ماسك، بالتزامن مع تعزيز استثمارها بشركة لوسيد الأمريكية، فيما بدا أنه خطوة غير حكيمة في ذلك الوقت، حيث كانت تسلا تعد أيقونة الأسهم في البورصة الأمريكية، وقيمتها أكبر من الخمسة الكبار في صناعة السيارات العالمية، ولكن مع الوقت تراجعت أسهم تسلا بعد أن بات ينظر لها أنها مقومة أكبر من قيمتها السوقية رغم توسعها في الإنتاج.
ففي عام 2020، كانت أسهم تسلا تساوي أكثر من قيمة "تويوتا" و"فولكس فاغن" و"هيونداي" و"جنرال موتورز" و"فورد" مجتمعة، وما زالت تسلا أعلى شركة سيارات من حيث القيمة السوقية، ولكنها فقدت الكثير من قيمتها العام الماضي 2022.
ورغم أنها لم تصنع أي سيارة واحدة بعد، أصبحت شركة لوسيد للسيارات الكهربائية "Lucid"، حديث أسواق المال في العالم، ولم تعد المنافس الأخطر لـ"تسلا" فقط في سوق السيارات الكهربائية، بل إن قيمة الشركة السوقية وصلت لمستوى أكبر من شركتي "جنرال موتورز" و"فورد" عملاقَي صناعة السيارات الأمريكية في عام 2021.
الرئيس التنفيذي لشركة لوسيد هو المهندس البريطاني بيتر رولينسون، الذي كان يعمل في شركة تسلا، واليوم بات أخطر منافس للملياردير الجنوب الإفريقي إيلون ماسك، مؤسس تسلا.
وتعتمد الشركة على تمويل سعودي، حيث جمع صندوق الثروة السيادي في المملكة العربية السعودية ثروة من شركة Lucid Motors عقب تضاعُف أسعار أسهمها مؤخراً، بعدما كانت الشركة على وشك الإفلاس في مرحلة من المراحل.
إذ يمتلك صندوق الاستثمارات العامة السعودي أسهماً في شركة Lucid، تبلغ قيمتها نحو 46 مليار دولار في 2021، بنسبة 62% من أسهم الشركة.
أول مصنع للوسيد خارج أمريكا سيكون بالسعودية التي تعهدت بشراء جزء من انتاجه
ووقعت مجموعة لوسيد للسيارات الكهربائية، في مايو/أيار 2022، اتفاقية بدء إنشاء أول مصنع إنتاج متكامل لسياراتها الكهربائية في السعودية في مدينة الملك عبد الله الاقتصادية في رابغ، غربي المملكة، وهو أول مصنع للشركة خارج الولايات المتحدة.
وتستهدف الشركة إنتاج 150 ألف سيارة سنوياً بعد إكمال مصنعها.
ويفترض أن ينتج مصنع لوسيد أربع سيارات كهربائية اعتباراً من العام الجاري 2023.
وفي ذلك الوقت، قال بندر الخريف وزير الصناعة والثروة المعدنية رئيس مجلس إدارة صندوق التنمية الصناعية السعودي، لصحيفة "الشرق الأوسط" السعودية إن مشروع لوسيد سيضخ 300 ألف سيارة كهربائية قبل 2030. موضحاً: "لدينا نقاشات حول صناعة السيارات التقليدية مع بعض المصنعين".
وقال الخريف: "نبحث الآن مع مستثمرين لبناء مصانع لبطاريات السيارات".
وأفصح عن تخطيط لبناء تجمع لصناعة السيارات، يشمل صناعات مختلفة، منها قطع الغيار.
وقال وزير الاستثمار السعودي، المهندس خالد الفالح، إن مشروع لوسيد سيؤدي لزيادة الصادرات، والمساهمة في التحول البيئي، وتقليل انبعاثات الكربون من المملكة، موضحاً أن "لوسيد" معروف عنها أنها الأفضل في هذا المجال، من ناحية كفاءة المركبة والبطاريات والتقنيات التي تحتويها ونقلها.
وتوقع أن تؤدي هذه المشروعات لتحفيز أيضاً البحث العلمي، وتطوير المنتجات، وسلاسل الإمداد المرتبطة بها من المواد الأساسية، سواء صناعات المعادن، والحديد، والألمنيوم، والبلاستيك، ما يؤدي لزيادة عدد الوظائف المباشرة وغير المباشرة بالآلاف.
ومن المفترض أن ينتج المصنع نموذجين حصريين للسعودية. وستصدر المنشأة ما يقرب من 95% من إنتاجها.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة "لوسيد" بيتر رولينسون، إن الشركة تريد إنتاج منتجات أخرى إضافة للسيارات الكهربائية في المملكة العربية السعودية، مشيراً إلى أنظمة تخزين الطاقة التي يمكن ربطها بمزارع الطاقة الشمسية الكهروضوئية.
قال: "هذه التكنولوجيا مثالية لهذا الجزء من العالم" في ظل فرص الاستفادة من الطاقة الشمسية في المنطقة بعد نفاد النفط، حسبما نقل عنه موقع شبكة "CNBC" الأمريكية.
وفي إطار تحفيز شركة لوسيد، استبقت الحكومة السعودية اتفاق إنشاء مصنع لوسيد بالإعلان في أبريل/نيسان 2022، أنها وقعت اتفاقية مع الشركة لشراء 50 ألف سيارة كهربائية كحد أدنى، و100 ألف سيارة كهربائية كحد أقصى خلال فترة 10 سنوات في محاولة لتنويع أسطولها ليكون أكثر صداقة للبيئة.
وسبق أن أعلنت الحكومة التركية عن خطوة مماثلة بالالتزام بشراء سيارات من شركة توغ المحلية التي تطور أول شركة محلية للسيارات الكهربائية.
مذكرة تفاهم مع هيونداي الكورية قد تمهد لمصنع آخر
وفي أوائل نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أطلق ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان شركة "Ceer"، التي تم تصنيفها كأول علامة تجارية سعودية للسيارات الكهربائية.
وفي يناير/كانون الثاني 2023، وقعت وزارة الصناعة والثروة المعدنية السعودية مذكرة تفاهم مع شركة هيونداي موتور لتعزيز صناعة السيارات في المملكة.
ونصت الاتفاقية على التخطيط لبناء مصنع تجميع في المملكة العربية السعودية مع نظام CKD للسيارات الكهربائية وسيارات الاحتراق الداخلي بعد أن أبدت هيونداي اهتماماً كبيراً بهذا الأمر.
هل تنجح خطة إقامة صناعات السيارات السعودية؟
عادة تقوم خطط صناعة السيارات الوطنية في أغلب الدول التي حققت النجاح في هذا المضمار، على توفير الظروف المناسبة للشركات العالمية لإقامة مصانع محلية، وقد تكون بالشراكة مع الشركات المحلية.
وعادة فإن حوافز إقامة صناعة السيارات بالنسبة للشركات العالمية، هي سوق محلية كبيرة ومتنامية، وتخفيضات أو إعفاءات ضريبية، وضرائب سيارات وتعريفة جمركية تحابي الصناعة المحلية (مرتفعة نسبياً على السيارات المستوردة)، وأيدٍ عاملة محلية رخيصة ومدربة ومؤسسات تدريب وتعليم ذات كفاءة وصناعات مغذية قوية ومناطق صناعية مزودة ببنية تحتية قوية، وأراضٍ رخيصة ومجانية، إضافة لعوامل جذب الاستثمار الأجنبي التقليدية المعتادة مثل سعر صرف مرن وحرية التحويلات ونظم إدارية ذات كفاءة.
وتمتلك السعودية بعض المقومات مثل السوق الكبيرة القابلة للنمو والميزات الضرائبية، والأرض الرخيصة والبنية الأساسية الجيدة، إضافة لميزة رخص الطاقة التي تتفوق فيها الرياض باعتبارها أكبر منتج للنفط في العالم.
كما أن لديها مقارنة بالمنافسين بالمنطقة، وهي أن السوق السعودي يعد ساحة لسيارات مرتفعة الثمن عادة، الأمر الذي يعطيها ميزة في مجال السيارات عالية التقنية مثل السيارات الكهربائية والهجينة ذات القيمة المضافة العالية، التي لا تستطيع دول الهند ومصر وإيران أن تكون ذات ميزة تنافسية، بها رغم أنه ستظل إقناع المستهلك السعودي بالسيارات الهجينة والكهربائية مهمة ليست بالعسيرة في ظل إنحفاض أسعار الوقود بالبلاد.
ومن أبرز التحديات أمام صناعة السيارات السعودية ، هي أن لدى المملكة بيئة جمركية وضرائبية محابية للسيارات المستوردة من خلال التعريفة الجمركية المنخفضة التي تفرضها الرياض، (نحو 5% جمارك على السيارات المستوردة و15% ضريبة قيمة مضافة).
وخيار رفع قيمة الجمارك خيار غير مفضل اجتماعياً، لأن السيارة القوية الرخيصة جزء أساسي من ثقافة دول الخليج الحديثة، بل جزء من العقد الاجتماعي بدول المنطقة.
ورفع الجمارك دون وجود بديل فوري ومتنوع المنتجات سيكون أمراً صعباً ومؤلماً بالنسبة للمستهلك المحلي.
أما أكبر التحديات أمام صناعة السيارات السعودية، فهي العمالة، فالسعودية ليست لديها ميزة كبيرة في العمالة المحلية الرخيصة، خاصة مقارنة بمنافسين مثل تركيا ومصر، والمغرب وجنوب إفريقيا والهند.
كما أن أغلب العمالة في الصناعات المقامة بالسعودية أجنبية، وفي حال السماح لمصانع السيارات بالاعتماد بالكامل على العمالة الأجنبية سيبدو أمراً غير ذي جدوى؛ لأن الهدف من هذه المشروعات هو توفير فرص عمل للشباب السعودي، كما أن التوسع في العمالة الأجنبية معناه استبدال استنزاف احتياطيات البلاد الدولارية على استيراد السيارات باستنزافها عبر تحويلات العاملين للخارج.
وفي الوقت ذاته، فإن الضغط على الشركات الأجنبية لتوظيف عمالة سعودية بنسب كبيرة من شأنه أن يؤثر على ربحيتها بسبب ارتفاع أجور السعوديين وعدم توافر العمالة السعودية المدربة بشكل كافٍ، وهي مشكلة واجهتها الأعمال في البلاد بسبب تزايد صرامة سياسة السعودة مؤخراً.
وفي مواجهة هذه المشكلات لجأت السعودية للاستفادة من أكبر نقاط قوتها، وهي امتلاكها احتياطيات مالية كبيرة، وبدلاً من الاكتفاء باستثمارها في الخارج في شركة رابحة، يتم استثمارها في قطاعات مستهدف نقلها محلياً، وهي شراكات تساعد الرياض في العمل مع الشركات مع إقامة صناعة محلية تدريجياً، وهو نموذج بدأت تتبعه الشركات الصينية الكبيرة خلال السنوات الماضية.
يتبقى إدارة السياسات المحلية بطريقة توفر الربح للشركات وتسمح بتدريب وتوظيف أعداد مؤثرة من الشباب السعودي.
ويتطلب ذلك تطوير مؤسسات التعليم والتدريب بالتعاون مع هذه الشركات ومع مؤسسات تعليم أجنبية.
كما أن هناك حاجة لسياسة مرنة لسياسة توظيف وتدريب السعوديين، عبر وضع قواعد صارمة ولكن فعالة لتوظيف نسبة منطقية ومتدرجة من السعوديين على مدار جدول زمني متوسط الطول، دون الإضرار بربحية الشركات، ودون أن يتحول الأمر إلى نظام "كوتة" لإرضاء القوانين شكلياً، بل يجب العمل على أن يصبح الشباب السعودي موظفين فعالين تدريجياً، مع الاتفاق مع الشركات على أساليب فعالة ومرنة لتدريب السعوديين ونقل الخبرات للشباب السعودي في مجالات ذات قيمة مضافة عالية وتتطلب مهارات يمكن اكتسابها من التعليم، مثل تقنية المعلومات والهندسة، وليست وظائف شكلية أو تقليدية مثل الحراسة والوظائف الإدارية البسيطة.
والهدف أن تزداد نسبة السعودة تدريجياً بطريقة تلبي أهداف الشركات العالمية الاقتصادية وخطط الرياض للتوسع في السعودة.
ورغم الصورة السلبية النمطية عن العمالة السعودية، هناك تجارب ناجحة في شركات مثل أرامكو وسابك وغيرها، إضافة لمؤسسات ومشروعات نشأت في ظل رؤية 2030، والأمر يحتاج لإرادة وبرامج مصممة بحزم ومرونة، خاصة في مؤشرات على تغير النظرة للعمل في السعودية اجتماعياً.
فمع ظهور جيل سعودي جديد منفتح على العالم، ومتعلم جيداً ويشكو من البطالة، يمكن أن تسفر الشراكة السعودية مع الشركات العالمية التي لديها مصلحة في العلاقة مع عملاق النفط العالمي عن خلق طبقة من العمالة والتكنوقراط السعوديين بالاستفادة من قدرة الرياض على الإنفاق على التعليم والتدريب اللذيْن هما عماد الصناعة الحديثة.