في تحدٍّ للسلطة.. كيف توحَّد أبناء الفصائل الفلسطينية في الضفة لمواجهة الاحتلال؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/03/09 الساعة 14:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/03/09 الساعة 14:25 بتوقيت غرينتش
تشييع جثامين شهداء فلسطينيين ارتقوا خلال مواجهات مع الاحتلال في مخيم جنين يوم الثلاثاء 7 مارس 2023/ تصوير: هشام أبوشقرة

كانت شوارع مدينة جنين بالضفة الغربية مليئة برجال يرتدون ملابس وأقنعةً سوداء، حاملين بنادق إم-16، حيث كانت الهتافات بالانتقام من الاحتلال تتعالى بغضب يوم الأربعاء، 8 مارس/آذار 2023، خلال تشييع نشطاء من الفصائل الفلسطينية استُشهدوا في مداهمةٍ لجيش الاحتلال في مخيم جنين. ويشير العدد الهائل من المسلحين واختلاط الأعلام التي تنتمي إلى عدة فصائل مختلفة -حماس وفتح والجهاد الإسلامي الفلسطيني والجبهة الشعبية- إلى دينامية جديدة في الصراع الفلسطيني مع الاحتلال، كما يقول تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

الحدود بين الفصائل تذوب بعيداً عن السلطة الفلسطينية

في تحدٍّ للسلطة الفلسطينية، تتزايد المقاومة المسلحة في وجه الاحتلال الإسرائيلي، وتتلاشى الحدود بين الفصائل مع بدء اندماج مصالحها، كما تقول الغارديان. 

حيث استُشهد 6 رجال -3 محسوبون على حماس، وواحد من الجهاد الإسلامي، وواحد من فتح، ورجل كان على ما يبدو عضواً منشقاً عن قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية- في مداهمةٍ لقوات الاحتلال على مخيم جنين بعد ظهر يوم الثلاثاء، 7 مارس/آذار، استهدفت عبد الفتاح خروشة، الذي نفّذ عملية حوارة وقتل فيها إسرائيليين اثنين الأسبوع الماضي. 

وقد تسبب هذا الهجوم في موجة انتقامية من المستوطنين القريبين، الذين يعيشون بشكل غير قانوني على الأراضي الفلسطينية، والتي وصفها حتى مسؤولو الجيش الإسرائيلي بأنها "مذبحة". 

في موقع القتال، اصطدمت سيارة بمقدمة المنزل المستهدَف، وتحطَّم غطاء محركها كالورق. وقال شهود عيان إن قوات الاحتلال الإسرائيلية أطلقت صاروخاً فجَّر بوابات حديدية من مفصلاتها، وأسقط أجزاء من الجدران على الأرض، التي تحولت لبركة من الدم الداكن.

جيل جديد من المقاتلين الفلسطينيين من مختلف الانتماءات

في الربيع الماضي، أطلق جيش الاحتلال عملية أسماها "كاسر الأمواج"، وهي حملة غارات شبه ليلية في الضفة، استهدفت بشكل رئيسي مدينتي جنين ونابلس في الشمال، انتقاماً من هجمات فلسطينية. وبعد مرور عام، لم تتزايد الهجمات التي تستهدف الإسرائيليين فحسب، بل إن ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في الحملة أدى إلى تحفيز جيل جديد من المقاتلين الفلسطينيين. 

بدأت تظهر إشارات على أن مجموعات من الشبان الذين تجمَّعوا في بلداتهم للرد على التوغلات الإسرائيلية بدأوا في التنسيق مع بعضهم عبر مدن مختلفة. ويظهر هذا من أن مطلق النار في حوارة، وهو عضو في حماس من نابلس، اختار الاختباء في مخيم جنين للاجئين، حيث أواه مقاتلون محليون، ويشير هذا إلى أن الروابط تتعزَّز. ويضع هذا التنسيق الأساس لعودة الصراع الشامل مع الاحتلال، حتى لو كانت السلطة الفلسطينية ونصف حركة فتح الحاكمة المنقسمة ضد ذلك، بحسب الغارديان. 

وبين عشية وضحاها في كل من نابلس وجنين، نادت المساجد على السكان للنهوض متضامنين مع بعضهم ومواجهة الاحتلال، فيما قوبلت الدعوات بالهتافات وإطلاق الألعاب النارية والتكبيرات. وشهدت مدن الضفة إضراباً عاماً يوم الأربعاء احتجاجاً على مجزرة جنين، وهو نوع من العمل الجماعي الذي لا يمكن للسلطة الفلسطينية الضعيفة والفاسدة أن تواجهه، بحسب وصف الصحيفة. 

بالنسبة لسكان هذه المدن، عادت الحرب بالفعل. وقتلت القوات الإسرائيلية حوالي 70 فلسطينياً حتى الآن في عام 2023، نصفهم مسلحون والنصف الآخر مدنيون، وفقاً لجماعاتٍ حقوقية. خلال الفترة نفسها، قتلت هجمات "الذئب المنفرد" الفلسطينية 14 إسرائيلياً. ويأتي تصاعد أعمال العنف في أعقاب عام 2022، الذي كان العام الأكثر دموية على الإطلاق في "إسرائيل" والقدس والضفة الغربية منذ الانتفاضة الثانية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. 

مخيم جنين الكابوس القديم الجديد للاحتلال

كان مخيم جنين في الأصل مأوى للفلسطينيين الذين أُخرجوا من منازلهم إبان النكبة في عام 1948، ويشبه مخيم جنين اليوم، إلى جانب 18 مخيماً آخر مثله في جميع أنحاء الضفة الغربية، الغيتو، حيث الوظائف شحيحة، والأسلحة وفيرة خلال الانتفاضة، ومقاومة الاحتلال كانت دائماً قوية. 

وفي السنوات الثلاثين منذ تأسيسها، لم تفعل السلطة الفلسطينية شيئاً لتحسين مستويات المعيشة في جنين أو غيره من المخيمات، وأصبحت الأمور في الآونة الأخيرة أسوأ، حيث حصل جيش الاحتلال على اتفاق للعثور على المسلحين الذين لا تستطيع قوات السلطة الفلسطينية الوصول إليهم بنفسها، نظراً لضعفها أو تناقض موقفها. 

ومع ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين بشكل مطرد، وارتكاب المستوطنين أعمال عنف، مثل تلك التي شوهدت في حوارة مع الإفلات من العقاب، يتبخر القليل من الاحترام الذي لا تزال تتمتع به السلطة الفلسطينية، كما تقول الغارديان. وأشاد الفلسطينيون المحبطون، في مقاطع فيديو انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، بـ"بطولة الشهداء"، فيما انتقدوا السلطة الفلسطينية بصفتها "سلطة متعاونة مع الاحتلال". 

ولا يبشر المستقبل القريب بانفراج ما، حيث يبدأ شهر رمضان المبارك، الذي عادةً ما تتفاقم فيه التوترات، في 23 مارس/آذار الجاري. ويبدو أن إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي المتطرف في الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة الجديدة، سيصب الوقود على النار من خلال المضي قدماً في أوامر هدم منازل الفلسطينيين في القدس الشرقية، وتكثيف الاقتحامات للحرم القدسي في المدينة. 

تحميل المزيد