رغم تراجع الحديث تماماً عن جائحة كورونا، فإن جهات أمريكية لا تزال تُصر على أن الفيروس القاتل نشأ من معمل صيني، فهل هذا الإصرار سببه الصراع الجيوسياسي بين بكين وواشنطن فقط؟ أم أن هناك أدلة تدعم تلك النظرية؟
الحديث هنا يتعلق بأكبر أزمة صحية تعرضت لها البشرية منذ أكثر من قرن، حيث أصيب نحو 681 مليون شخص بفيروس كورونا منذ ظهوره أواخر عام 2019 حتى اليوم، فقد منهم أكثر من 6 ملايين و805 آلاف شخص حياتهم، منهم نحو مليون و150 ألف أمريكي.
وكان فريق من خبراء الأوبئة تابع لمنظمة الصحة العالمية قد أجرى تحقيقاً في أصل ونشأة فيروس كورونا المسبب لمرض كوفيد-19، وخلص مطلع عام 2021 إلى أن احتمال أن يكون الفيروس القاتل قد تسرب من أحد المعامل البيولوجية في مدينة ووهان الصينية يعتبر احتمالاً ضعيفاً ولا توجد أدلة تدعمه.
إصرار أمريكي على نظرية المعمل الصيني
لكن الغرب بقيادة الولايات المتحدة لم يقتنع بنتائج ذلك التحقيق، وأعادت واشنطن وبعض من حلفائها إثارة القضية خلال الاجتماع السنوي لمنظمة الصحة العالمية، في مايو/أيار 2021، حيث طالبت الولايات المتحدة ودول أخرى من بينها اليابان والبرتغال وأستراليا بضرورة إجراء "تحقيق عميق وجاد للكشف عن أصل الوباء"، على أساس أن النتائج التي توصل إليها فريق التحقيق الأول لم تكن حاسمة.
وقال ممثل الولايات المتحدة في منظمة الصحة العالمية خلال ذلك الاجتماع: "نحن نؤكد على أهمية إجراء تحقيق شامل وشفاف يقوده خبراء للوقوف على أصل مرض كوفيد-19″، بحسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
أثارت تلك المطالبات حفيظة الصين بطبيعة الحال، وردت بكين باتهام واشنطن بالتسبب في الوباء، وأن نشأته كانت من الأراضي الأمريكية عبر أحد المعامل البيولوجية في فيرجينيا. وهكذا فشلت المساعي لإرسال فريق تحقيق آخر تابع لمنظمة الصحة العالمية إلى مدينة ووهان الصينية لحسم الأمور.
على أية حال، يبدو أن الأمريكيين واصلوا تحقيقاتهم في الأمر، وخلال الأسبوع الماضي أكد مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، كريستوفر راي، في مقابلة تلفزيونية، اعتقاد وكالته أنَّ الوباء ربما أُطلِق عن طريق الصدفة من مختبر ووهان، الذي زعم أنه جزء من برنامج أسلحة بيولوجية صيني، بحسب تقرير لصحيفة The Times البريطانية، عنوانه "هل كانت نظرية نشأة كوفيد من تسريب من معمل ووهان صحيحة من البداية؟".
قال راي: "وصل مكتب التحقيقات الفيدرالي منذ فترة طويلة إلى تقييم بأنَّ منشأ الوباء، يعود على الأرجح لحادثة معملية محتملة في ووهان، نحن تتحدث عن تسريب محتمل من مختبر تسيطر عليه الحكومة الصينية، أدى إلى مقتل ملايين الأمريكيين، وهذا بالضبط ما صُمِّمَت هذه القدرة من أجله".
جاءت هذه التصريحات بعدما أفيد بأنَّ وزارة الطاقة الأمريكية ترى أيضاً أنَّ التسرب المعملي هو السبب الأكثر احتمالية للوباء، في تقرير سري للبيت الأبيض والكونغرس. ومن المعروف أنَّ وكالات الاستخبارات البريطانية غيرت رأيها، وخلُصَت إلى أنَّ نظرية التسرب من المختبر "ممكنة"، بعدما رفضتها في البداية باعتبارها احتمالاً "بعيداً".
وبحسب تقرير الصحيفة البريطانية، يظل من اللافت للنظر أنَّ نقطة الصفر لتفشي وباء "كوفيد-19" لم تكن سوى مدينة ووهان الصينية، المركز العالمي لدراسة وتخزين نوع فيروس كورونا المُحدَّد الذي تسبب في تفشي المرض.
هل توجد أدلة على نظرية التسرب من المعمل؟
تقع مدينة ووهان على بعد ألف ميل (نحو 1600 كيلومتر) من المناطق الواقعة في مقاطعة يونان الجنوبية الغربية، التي حددها العلماء على أنها أرض تكاثر محتملة لفيروس "كوفيد-19″، الذي انتشر من الخفافيش.
ومع ذلك، من بين جميع المدن البالغ عددها 662 مدينة في الصين، ظهرت الحالات الأولى في ووهان، التي تبعد بالطائرة أكثر من ساعتين.
ويتمثل أقوى رابط بين المنطقتين حتى الآن في معهد ووهان لعلم الفيروسات. فعلى مدار الأعوام الـ16 التي سبقت الوباء، كانت فرق من المعهد تزور الكهوف البعيدة في مقاطعة يونان، بحثاً عن فيروسات كورونا التي تحملها الخفافيش والتي قد تكون معدية للإنسان.
وعادت الفرق من تلك الكهوف ومعها آلاف العينات التي يُحتمَل أن تكون خطرة، والتي عملوا على تحليلها في مجمع المختبرات سريع النمو التابع للمعهد. وهناك أجروا تجارب مثيرة للجدل حول "اكتساب الوظيفة" لجعل الفيروسات أكثر عدوى للإنسان، رغم عدد من المخاوف بشأن السلامة في المختبر.
وكان هدف علماء ووهان هو معرفة المزيد عن تهديد فيروسات كورونا، لكن أساليبهم عَنَت أنَّ هناك دائماً خطراً حقيقياً من أنهم قد يتسببون بأنفسهم في حدوث جائحة. لذلك كان من المعقول دائماً أنَّ فيروس "كوفيد-19" شديد العدوى قد هرب من مختبر ووهان، أو انتقل إلى المدينة من أحد كهوف الخفافيش من خلال باحث مصاب.
ومع ذلك، منذ الأيام الأولى للتفشي، دفع عدد من العلماء الغربيين البارزين بفكرة أنَّ تكهنات "التسرب في المختبر" كانت نظرية مؤامرة تفوح منها كراهية الأجانب. وبدلاً من ذلك، روجوا بشدة لنظرية المصدر الحيواني التي تقول إنَّ الفيروس ينتقل من الخفافيش إلى البشر- ربما من خلال الزراعة أو أسواق الحيوانات الحية- رغم عدم وجود دليل واضح يدعم ذلك.
ومع ذلك، على مدى السنوات الثلاث الماضية، نشرت صحيفة The Sunday Times أدلة مهمة تشير إلى أنَّ نظرية تسرب المختبر موثوقة. والآن بدأ الإجماع العام يتحول لهذا الاتجاه.
ومن المحتمل أنَّ حالة واحدة من انتقال الفيروس إلى إنسان هي التي بدأت تفشي الفيروس، الذي أصاب الناس الآن 750 مليون مرة، وأدى إلى وفاة ما يقرب من 7 ملايين.
هل خضع فيروس كورونا الأصلي لتلاعب بشري؟
وتُشكِّل الأسئلة حول موقع إصابة الفيروس لهذا الشخص لأول مرة، وكيفية ترسخ "كوفيد-19" في ووهان، نقاطاً مهمة تحتاج إلى إجابة، على أمل أن تساعد يوماً ما في منع كارثة أخرى.
ومع ذلك، اتُّهِمت الصين وعلماؤها، وحتى بعض المتعاونين معهم في الخارج باستخدام تكتيكات العرقلة والخداع والمعلومات المضللة، لمنع إجراء تحقيق شامل في نشأة "كوفيد-19". هل كان لديهم شيء محرج يرغبون في إخفائه؟
عندما بدأ تفشي المرض في أواخر عام 2019، ساد الشك في البداية في سوق هوانان للمأكولات البحرية في ووهان، الذي ارتبط ببعض حالات الإصابة الأولية. وكانت هناك اقتراحات بأنَّ العدوى الأولى جاءت من حيوان "وسيط" أُصِيب بالفيروس من خفاش قبل بيعه في السوق. ولم يكن هذا افتراضاً غير منطقي؛ إذ يعتقد العلماء أنَّ وباء فيروس سارس الأول في عام 2003 بدأ بهذه الطريقة.
ومع ذلك، فشل الاختبار المُكثَّف للعينات في إظهار وجود صلة بين أي من الحيوانات في السوق والفيروس. كما اختبر العلماء الصينيون آلاف الحيوانات في ووهان والمناطق المحيطة بها، لكن لم تثبُت إصابة أي منها بالفيروس.
وسرعان ما خلُص العلماء إلى أنَّ السوق كان مجرد بيئة مزدحمة سهّلت انتشار الفيروس، لكنه ليس نقطة دخوله إلى ووهان.
هذا لم يقلل من تصميم أولئك الذين أرادوا استبعاد نظرية تسرب المختبر من البداية. وكان لبيان أرسله 26 من علماء الفيروسات وعلماء الوراثة الرائدين في العالم إلى المجلة العلمية The Lancet، في مارس/آذار 2020، تأثيرٌ كبير في تحديد معايير النقاش.
فقد قال البيان بعبارات لا لبس فيها إنَّ الفيروس لا يمكن إلا أن يكون طبيعي النشأة، ورفض نظرية التسرب في المختبر. وأضاف التقرير: "نقف معاً لإدانة نظريات المؤامرة التي تشير إلى أنَّ كوفيد-19 ليس له أصل طبيعي. نظريات المؤامرة لا تفعل شيئاً سوى خلق الخوف والشائعات والتحيزات التي تهدد تعاوننا العالمي في مكافحة الفيروس".
كان يقين الخبراء مفاجئاً، إذ ليس جديداً أن تهرب مُسبِّبَات الأمراض من المختبرات. ففي الواقع، في عام 2004، تسرّب فيروس سارس الأصلي من المعهد الوطني للفيروسات في بكين، وأصاب تسعة أشخاص، وتوفي أحدهم. فلماذا كان العلماء على يقين من أنَّ الفيروس لم يهرب من المختبر؟
وصارت وجهة النظر هذه أصعب في التفسير عند إصدار رسائل البريد الإلكتروني بموجب قوانين حرية المعلومات بعد أكثر من عام، التي توضح بالتفصيل بعض المناقشات الخاصة التي أجراها العلماء قبل نشر البيان.
إذ ناقش العلماء، بمن فيهم السير جيريمي فارار، عضو اللجنة الاستشارية العلمية لحالات الطوارئ التابعة للحكومة البريطانية، فيما بينهم، مخاوف من أنَّ بعض السمات الجينية لفيروس "كوفيد-19" قد خضعت للتلاعب الاصطناعي. ومع ذلك لم يعكس البيان أياً من هذه الشكوك.
يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.
إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.