بعد عام على غزو روسيا لأوكرانيا، من المهم ملاحظة أن الحكومة الروسية لم تعلن رسمياً حتى الآن "الحرب على أوكرانيا"، لكن من وجهة النظر الأوكرانية والغربية، يمكننا جميعاً أن نرى أن الحرب الطاحنة تدور رحاها.
وتصف جميع الحكومات في المنطقة الأوروبية الأطلسية (التي تضم الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وكندا والولايات المتحدة) الصراع في أوكرانيا بأنه حرب عدوانية. في المقابل، وصفت روسيا أعمالها العسكرية بأنها "عملية عسكرية خاصة".
ووصف بوتين الصراع في خطابه عن حالة الأمة في 21 فبراير/شباط 2023 بأنه "إجراء دفاعي لحماية روسيا والناطقين بالروسية من المعتدين في الناتو". في رسائل تبرير لجمهوره المحلي، وأيضاً للدول الأخرى التي رفضت تاريخياً الحكم الاستعماري الغربي، مثل الصين والهند وجنوب إفريقيا، وهي الدول التي لم تنتقد الغزو الروسي لأوكرانيا.
لماذا لا تعلن روسيا "الحرب على أوكرانيا" وتكتفي بتسمية "عملية عسكرية خاصة"؟
هذا التناقض الظاهر حول تسمية الصراع الدائر الآن مهم، كما يقول موقع The Conversation الأمريكي، فتسمية الصراع مهم للتقدم المستقبلي للحرب، وكيف يمكن أن يتصاعد القتال ليشمل دولاً أخرى. كما أنه مهم أيضاً للسياسة الداخلية لروسيا، وكيف يستطيع بوتين الحفاظ على الروح المعنوية والإرادة القتالية للشعب الروسي.
بالنسبة للحكومة الروسية، فإن البلاد في حالة دفاع عن النفس، وفي خطاب حالة الأمة لبوتين، فإن الأمر لا يُعد بمثابة حرب معلنة. وسيسمح الإعلان الكامل للحرب بمستوى أكبر من التجنيد وتحويل المزيد من الموارد نحو الحملة العسكرية. ومع ذلك، فقد استثمرت روسيا بالفعل بكثافة في الحرب، مع كل تأثيرها على الاقتصاد الروسي وثروة الأوليغارشية، فضلاً عن تقييد ارتباطها بالعالم، بعد أن قطعت العديد من الدول رحلاتها إلى المدن الروسية.
مستويات الحرب بالنسبة لروسيا تقع في 17 درجة
بالنسبة للجيش الروسي فهناك "مستويات للحرب"، التي تصف جغرافية الصراع، ونوع القتال الذي يجري. ووسعت الشخصيات السياسية الروسية البارزة السابقة هذه المستويات من الحرب لتشمل 17 درجة من التصعيد، ومن المفيد أن نرى أين يقع الصراع حالياً على كل من المستويات والدرجات.
ومستويات الحرب الرئيسية التي تستخدمها روسيا هي:
1- نزاع مسلح محدود بين أطراف متنازعة في إقليم واحد.
2- حرب محلية، وهي استخدام الأدوات العسكرية لتحقيق أهداف عسكرية وسياسية حصرية داخل أراضي الأطراف المتحاربة، وحيث تكون المصلحة المتنازع عليها هي أيضاً بين تلك الأطراف.
3- الحرب الإقليمية، وهي صراع يضم أكثر من دولتين من نفس المنطقة؛ لتحقيق أهداف استراتيجية مهمة.
4- حرب واسعة النطاق، وهي حرب بين أطراف متحاربة أو قوى عالمية، مثل الولايات المتحدة ضد روسيا. وفي النزاعات واسعة النطاق، هناك تعبئة واسعة الانتشار لموارد الدول المشاركة، ويمكن أن تكون تصعيداً من صراع أصغر.
وعلى مقياس 17 درجة، تظهر الحرب المختلطة في الدرجة الرابعة، وتشمل استخدام القوات الخاصة والمرتزقة والتدابير الاقتصادية والمعلومات والصراع النفسي. كان ضم شبه جزيرة القرم من قبل روسيا في عام 2014 متوافقاً مع هذا النمط.
وفقاً للمنطق الروسي، كان الهدف من غزو أوكرانيا أن يكون حرباً محلية محتواة، تتسم باستخدام الدقة والأسلحة التقليدية. وفقاً لطريقة الحرب الروسية هذه، تظهر الحرب الإقليمية بين الدرجتين السابعة والحادية عشرة وتتميز بضربات تقليدية واسعة النطاق. تعتبر الحرب الإقليمية نقطة التحول نحو المواجهة بين القوى العظمى.
ومنذ صيف عام 2022، تجنبت روسيا درجات أعلى من خلال استهداف البنية التحتية المدنية بأسلحة دقيقة بعيدة المدى (الدرجة 10)، ومهاجمة المدن الكبيرة (الدرجة 11).
تأمين أهداف سياسية مستقبلية يتطلب البقاء بمستوى الحرب المحلية
إذاً، فإن المنطق وراء الموقف الروسي هو محاولة تأمين أهدافهم السياسية والعسكرية عند أدنى مستوى من الحرب كما يقول موقع "ذي كونفرزيشن"، وبأقل احتمالات للتصعيد.
بينما كانت هناك مخاوف من أن الصراع الأوكراني قد يؤدي إلى تصعيد كبير إلى حرب كبرى أو تبادل نووي، يبدو أن الموقف الروسي يهدف إلى إبقاء الصراع في مستوى الحرب المحلية. ومع ذلك، فقد استخدمت روسيا بشكل انتقائي بعض التكتيكات التي حُدِّدَت من نقاط أعلى في سلم التصعيد.
في النهاية، فإن إعلان الحرب رسمياً على أوكرانيا من شأنه أن يقلل من قدرة روسيا على التعامل مع رد القوى الغربية. وبالمثل، لا يرغب الناتو والقوى الأوروبية في الانجرار إلى نشر قواتهم المسلحة في أوكرانيا.
وستبدأ المحادثات فقط عندما لا يرى الطرفان أي ميزة في القتال. وقد يبدو تخيل عدم وجود "حرب رسمية" في أوكرانيا سخيفاً. ولم يمنع ذلك روسيا من حشد أعداد كبيرة من المجندين وتحويل الموارد إلى المجهود الحربي. لكن من المحتمل أن يعطل ذلك نشوب نزاع دولي أوسع.