عاصفة من الخلافات والانتقادات المتبادلة تصيب المعارضة التركية، بعدما أعلنت رئيسة حزب الجيد، ميرال أكشنار، الجمعة، 3 مارس/آذار 2023، أن "الطاولة السداسية لم تعد تمثل الشعب اعتباراً من اجتماع الخميس"، مؤكدة أن حزبها لن يكون في الطاولة السداسية لممارسة ما وصفته بدور "كاتب العدل" للتصديق على قرارات الآخرين، في إشارة إلى ترشيح المعارضة لزعيم حزب الشعب الجمهوري كيليشدار أوغلو، لمنافسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وأعلنت أكشنار في مؤتمر صحفي، أنه منذ اليوم الأول قالت إن المنافسيْن لأردوغان هما رئيس بلدية إسطنبول إمام أوغلو، ورئيس بلدية أنقرة منصور ياواش، لكن "مع الأسف لم يؤخذ بهذا الرأي في اجتماع الطاولة السداسية"، لافتة إلى أن "مصلحة الوطن مقدمة على مصلحة الأفراد والأحزاب، وهذا نهجنا منذ البداية"، حسب تعبيرها.
المعارضة التركية منقسمة على ذاتها وأردوغان أكبر المستفيدين
تتسبب الانقسامات داخل معسكر المعارضة التركية والتسويف بالمخاطرة بتضييع "فرصة نادرة" لها لمنافسة الرئيس أردوغان في الانتخابات المزمع عقدها بعد أقل من 3 أشهر، كما يقول تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
واجتمع زعماء المعارضة "تحالف الطاولة السداسية" مرة تلو الأخرى كان أبرزها اجتماع يوم الخميس، 4 مارس/آذار، متطلعين إلى الخروج من مأزقهم بعد شهور من الخلافات الداخلية التي حالت دون الاتفاق على مرشح مشترك.
وجاء الاجتماع بعد يوم من إعلان أردوغان عن عزم حكومته إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 14 مايو/أيار 2023، ما أبطل التكهنات بأن التصويت سيؤجَّل في أعقاب الزلزالين الكبيرين اللذين ضربا جنوب البلاد.
لكن المعارضة الممثلة بـ6 أحزاب منضوية تحت ما يُعرف بـ"الطاولة السداسية" أعلنت، بعد اجتماع الخميس، أنها أرجأت اختيار مرشحها الرئاسي إلى اجتماع سيُعقد الإثنين، 6 مارس/آذار 2023، بحسب بيان صدر عن زعماء الأحزاب بعد اجتماع مطول استغرق 5 ساعات ونصف.
لكن ما حدث هو أن هذه الأحزاب اجتمعت يوم الجمعة، لتخرج زعيمة حزب "الجيد" ميرال أكشنار غاضبة منه أمام عدسات الكاميرات، وتؤكد أن الطاولة السداسية لم تعد تمثل حزبها، ولتؤكد أيضاً معارضتها لترشيح كيليشدار أوغلو.
وبعد ساعات قليلة من الزلزال الذي أحدثته ميرال أكشنار بطاولة المعارضة التركية، قلل كمال كيليشدار أوغلو، زعيم حزب المعارضة الرئيسي من الخلاف حول المرشحين للرئاسة، مكتفياً بالقول إلى الجمهور بحسب شبكة "خبر ترك" ووسائل إعلام أخرى: "لا تقلقوا، ستكون الأمور على ما يرام".
أردوغان يمشي بخطى ثابتة نحو الانتخابات
من جهته، يستعد الرئيس التركي بشكل واضح وحاسم للانتخابات، بعدما أكد موعدها في مايو/أيار، وقد كثف في الوقت نفسه جهود إعادة الإعمار وخصص لها مليارات الدولارات بعد كارثة الشهر الماضي، التي دمَّرت عدة مدن، وأودت بحياة أكثر من 45 ألفاً، وقد واجهت الحكومة خلالها انتقادات من المعارضة بشأن بطء الاستجابة الأولية للزلزال.
ويقول بكير أجيردير، المدير العام لمؤسسة كوندا التركية للأبحاث والاستشارات، في تصريح لوكالة Bloomberg الأمريكية، إن المعارضة التركية عجزت عن توضيح رؤيتها السياسية بشأن القضايا المهمة، مثل الاقتصاد والعلاقات الدولية، توضيحاً فعالاً.
ويرى أجيردير، الذي نجحت وكالته في توقع فارق الانتصار لمرشح المعارضة أكرم إمام أوغلو في انتخابات 2019 على رئاسة إسطنبول، أن "النزاع الداخلي المتواصل للمعارضة على اختيار مرشحها، ثم إخفاقها في إيصال مضمون رؤيتها السياسية حول القضايا المهمة، يعوِّقان فرصها" في الفوز بالانتخابات.
وبحسب بلومبرغ، لا يزال أردوغان أكثر السياسيين شعبية في تركيا حتى بعد أن فقد حزبه العدالة والتنمية بعض الدعم بين الأتراك الذين كانوا من أشد مؤيديه. ويواجه الأتراك أيضاً إحدى أشد أزمات تكلفة المعيشة وطأة منذ عقود، والتي يبدو أنها ستزداد شدةً في ظل تداعيات الزلازل التي ضربت جنوب البلاد على الاقتصاد.
ماذا يقول الناخبون الأتراك الآن؟
من جهة أخرى، يبدو أن الناخبين منقسمون في رأيهم بالمعارضة، فقد كشف آخر استطلاع للرأي عن توقعات بأن يصوت نحو نصف الناخبين في تركيا لحزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان وحلفائه القوميين، لكن الناخبين المؤيدين للمعارضة منقسمون في أغلبهم بين أحزاب المعارضة الستة، فضلاً عن حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد. وقد يُتيح ذلك لأردوغان وحلفائه استغلال الانقسام والتغلب على المعارضة في صناديق الاقتراع.
وكان اجتماع يوم الخميس اللقاء الثاني عشر الذي يجتمع فيه قادة المعارضة، وقد عرَّضهم الفشل في الاتفاق على مرشح مشترك، إلى انتقادات متكررة من الرئيس أردوغان، الذي اتهمهم بضعف التنظيم، وقال للناخبين إن الخلافات الشديدة بينهم بشأن الكثير من القضايا المهمة تحول دون قدرتهم على إدارة البلاد.
وتُظهر استطلاعات الرأي انخفاضاً مطرداً في تأييد الناخبين لكتلة المعارضة، وفي أوائل العام الماضي، كان عدد أكبر من الناخبين يتوقع فوز المعارضة، لكن الآراء تغيرت تدريجياً لمصلحة أردوغان في الأشهر القليلة الماضية.
أتى الزلزال بما لا تشتهي المعارضة التركية
وأشارت استطلاعات رأي جديدة، الجمعة، 3 مارس/آذار 2023، إلى أن حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا محتفظ بقاعدة تأييده في أوساط الناخبين إلى حد كبير بعد الزلزال المدمر الذي ضرب ولايات في جنوب البلاد.
وأظهر استطلاعان صدرا في الأيام القليلة الماضية أن المعارضة لم تحصل على تأييد جديد، وذلك بسبب افتقارها إلى وجود خطة ملموسة لإعادة بناء المناطق التي دمرها الزلزال.
من جانبه، قال أوزر سنجار، رئيس شركة ميتروبول لإجراء الاستطلاعات لوكالة رويترز: "لم يتسبب الزلزال في إضعاف الحكومة بالقدر الذي كانت المعارضة تتوقعه وتشتهيه".
وتضع بيانات الاستطلاع، الذي أجرته شركة ميتروبول، ائتلاف أردوغان مع حزب الحركة القومية في المقدمة، إذا أُجريت الانتخابات في أقرب وقت، على الرغم من فقد الائتلاف عدة نقاط مئوية من نسبة التأييد له، بالمقارنة بشهر يناير/كانون الثاني 2023.
وتسبب زلزالان عنيفان، ضربا جنوب شرق تركيا في السادس من فبراير/ شباط، في مقتل أكثر من 45 ألفاً، وتشريد أكثر من مليون، في أسوأ كارثة تضرب البلاد في تاريخها الحديث.
وأشار أردوغان، الأربعاء، إلى أن الانتخابات ستجري يوم 14 مايو/أيار، ملتزماً بخطته السابقة للتصويت، على الرغم من وجود بعض التساؤلات عن إمكانية إجراء التصويت في المنطقة المنكوبة من الزلزال.
الوعود بإعادة الإعمار هو ما يريده الناخبون الأتراك
وفيما انتشرت تقارير بعد الزلزال مباشرة عن بطء في إرسال فرق الإنقاذ للمناطق المتضررة، أقر أردوغان علناً بوجود مشكلات في الأيام الأولى بعد وقوع الكارثة، لكنه دافع بعد ذلك عن طريقة تعامل حكومته مع الأزمة.
وقال محمد علي كولات، رئيس شركة إم.إيه.كيه لإجراء الاستطلاعات، إن أردوغان سارع بعد ذلك بالتعهد بإعادة بناء المنازل. وأضاف كولات لرويترز: "حينما يمر الناس بكارثة مثل تلك، نرى ردود الأفعال النفسية لعدة أيام، وتكون موجهة إلى الحكومة. وبمجرد مرور 15 أو 20 يوماً، يبقون أقرب من أي فرد يتعهد بإعادة بناء منازلهم أو أماكن عملهم المنهارة. ربما يشكل ذلك أفضلية للحكومة".
وأضاف كولات أن مسوحاً أُجريت بعد الزلزال بدا فيها أن نسبة تأييد ائتلاف أردوغان مع حزب الحركة القومية حوالي 40 أو 41%، دون تقديم نسب مقارنة.
وأظهر استطلاع آخر، أجرته شركة إسطنبول للبحوث الاقتصادية بين يومي 16 و20 فبراير/شباط، بمشاركة ألفي شخص، وجود زيادة طفيفة قدرها 0.1 نقطة في نسبة تأييد أردوغان بالمقارنة بشهر يناير/كانون الثاني.
وقال 34% من المشاركين في المسح الذي حمل اسم "تقرير تركيا" إن مقاولي البناء هم المسؤولون عن الدمار الذي خلّفه الزلزال في تركيا، بينما حمّل 28% الحكومة مسؤولية ذلك. وقال سنجار إن الناخبين المؤيدين لحزب العدالة والتنمية ألقوا بالمسؤولية وبنسبة ساحقة على المقاولين في الكارثة، وهو أحد أسباب محدودية خسارة الحزب للتأييد.