تصعّد دولة الاحتلال من وتيرة العنف ضد الفلسطينيين وسن قوانين جديدة لتخويفهم وردع أي عمل مقاوم، وذلك بحجة منع العمليات المسلحة ضد الاحتلال القائم والمتمدد في الأراضي المحتلة بالقدس والضفة الغربية، في تخبط واضح لحكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة بالتعامل مع تصاعد العمل المقاوم بعد جرائمها في الضفة، في الوقت الذي تعاني فيه حكومته من ضغوطات كبيرة بسبب انقسام المجتمع الإسرائيلي والاحتجاجات المطالبة برحيلها منذ 8 أسابيع.
بين احتجاجات الداخل وتصاعد المقاومة بالضفة.. حكومة نتنياهو تتخبط
بقراءة تمهيدية، صادق الكنيست الإسرائيلي، الأربعاء 1 مارس/آذار 2023، على مشروع قانون يتيح فرض عقوبة الإعدام بحق أسرى فلسطينيين أدانتهم محاكم الاحتلال بقتل إسرائيليين.
مشروع القانون المثير للجدل يتعين المصادقة عليه بثلاث قراءات ليصبح قانوناً، وقدمه حزب "القوة اليهودية" اليميني المتطرف، برئاسة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، وأيده رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
ووفق أعضاء الكنيست الذين تقدموا بالقرار، فإن "مشروع القانون ينص على أن الشخص الذي يتسبب عن قصد أو بسبب اللامبالاة في وفاة مواطن إسرائيلي، وعندما يتم تنفيذ الفعل بدافع عنصري أو كراهية ولإلحاق الضرر بإسرائيل، فإنه يجب أن يواجه حكم الإعدام".
وعلى الرغم من اعتقال منفذي العمليات وهدم منازلهم واعتقال ذويهم وتوجيه تهم لهم بتحريض أبنائهم على العمل المسلح، فإنه "من الناحية العملية، يحصل جميع القتلة على ظروف مريحة في السجن ورواتب من السلطة الفلسطينية، وفي الوقت المناسب يتم الإفراج عن معظمهم في صفقات مختلفة"، بحسب زعم الكنيست.
ويتوعد وزراء حكومة الاحتلال بـ"شن حرب" على ما وصفوها بـ"أعمال الإرهاب" التي تستهدف كل ما هو إسرائيلي في الضفة الغربية والقدس أو الداخل، في حين تحمل المعارضة مسؤولية حماية الجنود والمستوطنين الإسرائيليين لوزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير متهمة إياه بالفشل الأمني والتخبط في التعامل مع التصعيد على جميع المستويات.
ومنذ نحو عام، بدأت خلايا مقاومة تظهر بالضفة الغربية وتنفذ عمليات مسلحة ضد الاحتلال واقتحامات المستوطنين للأراضي الفلسطينية، مثل عرين الأسود في نابلس وكتيبة جنين، وكتيبة جبع ومخيم بلاطة وغيرها.
وزراء حكومة نتنياهو يحرضون على محو القرى الفلسطينية
وعلى وقع التصعيد في الضفة، طالبت الولايات الولايات المتحدة نتنياهو بالتنصل من دعوة وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش لمحو قرية حوارة الفلسطينية جنوب نابلس. وأدلى سموتريتش، وهو زعيم حزب متطرف مؤيد للمستوطنين في الائتلاف القومي الديني، بهذه التصريحات في مؤتمر، الأربعاء، بشأن عنف المستوطنين الإسرائيليين ضد القرى الفلسطينية وسكانها في الضفة الغربية المحتلة.
ورداً على سؤال عن الهجوم الذي شنه مستوطنون على قرية حوارة مطلع الأسبوع، والذي وصفه جنرال إسرائيلي الثلاثاء بأنه "مذبحة"، قال سموتريتش: "أعتقد أن حوارة يجب محوها"، وأضاف: "أعتقد أن على دولة إسرائيل أن تفعل ذلك وليس الأفراد"، وذلك في أعقاب عملية إطلاق نار استهدفت سيارة لمستوطنين في حوارة وقتل فيها مستوطن إسرائيلي يخدم في الجيش.
ووصف نيد برايس المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية تصريحات سموتريتش بأنها "غير مسؤولة" و"بغيضة" و"مثيرة للاشمئزاز"، وقال للصحفيين: "ندعو رئيس الوزراء نتنياهو وكبار المسؤولين الإسرائيليين الآخرين إلى رفض هذه التصريحات والتنصل منها بشكل علني وواضح".
قتل متعمد للمدنيين الفلسطينيين ومداهمات واعتقالات
وخلال موجة العنف التي تشنها قوات الاحتلال على مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية بدعوى وقف العمليات الفدائية الفلسطينية، قتلت قوات الاحتلال في جنين ونابلس بشكل خاص العديد من المدنيين خلال الاقتحامات الأخيرة، حيث طالبت السلطة الفلسطينية المجتمع الدولي للتدخل ومحاسبة الاحتلال.
وخلال الهجوم على قرية حوارة جنوب نابلس وبحماية من جنود الاحتلال، أحرق المستوطنون المتطرفون عشرات السيارات والمنازل، كما قاموا بقتل متطوع فلسطيني بالرصاص. ووصف جنرال إسرائيلي ما حدث من المستوطنين يوم الأحد في حوارة بأنه "مذبحة". وفي اليوم التالي، قُتل أمريكي إسرائيلي بالرصاص في سيارته على طريق سريع في غور الأردن، فيما يبدو انتقاماً لما وقع في بلدة حوارة.
وتزامناً مع تشييع جثمان الإسرائيلي الأمريكي إيلان جانيليس، طوقت قوات الأمن الإسرائيلية منزلاً في مخيم عقبة جبر المجاور لمدينة أريحا واعتقلت ستة فلسطينيين يشتبه في ضلوعهم في قتله، وقتلت شخصاً آخر خلال العملية.
وبعد تصريحاته بضرورة محو قرية حوارة الفلسطينية، أصدر سموتريتش بياناً قال فيه إن وسائل الإعلام أساءت تفسير تصريحاته، دون أن يتراجع عن دعوته لمحو القرية.
وقال بحسب ما نقلت رويترز: "لقد تحدثت عن كيف أن حوارة أصبحت قرية معادية تحولت إلى موقع إرهابي" حيث تُشن منها هجمات يومية على اليهود، مضيفاً أن تطبيق القانون بالأيدي ممنوع، حسب تعبيره.
وقال الجنرال يهودا فوكس، قائد الجيش الإسرائيلي في المنطقة، إن قواته كانت مستعدة لمحاولة انتقام من المستوطنين لكنها فوجئت بحدة العنف الذي قال إن عشرات الأشخاص ارتكبوه.
تصعيد متعمد رغم "دعوات التهدئة" في قمة العقبة
سلطت تصريحات سموتريتش الضوء على حالة التخبط داخل حكومة نتنياهو، والهوة بين الدعوات الدولية للتهدئة ورغبات الوزراء داخل حكومة نتنياهو اليمينية الذين دعوا إلى إجراءات أكثر صرامة ضد الفلسطينيين.
وفي الوقت الذي كان نتنياهو قد أرسل وفداً أمنياً للحضور في قمة العقبة يوم الأحد 26 فبراير/شباط، والتي شارك فيها وفد من السلطة الفلسطينية والولايات المتحدة الأمريكية ومصر والأردن، قال وزراء في حكومة نتنياهو إنهم غير معنيين بما دار في القمة التي دعت للتهدئة ووقف إجراءات جيش الاحتلال وتوغلاته بالضفة.
وأعلن وزراء ومسؤولون إسرائيليون عدم اعترافهم بأية تفاهمات تم الإعلان عنها في اجتماع العقبة؛ إذ قال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش إنه "لن يكون هناك تجميد بناء وتطوير الاستيطان، ولا ليوم واحد"، وأضاف الوزير على تويتر: "ليس لدي أية فكرة عما تحدثوا أو لم يتحدثوا عنه في الأردن". وتابع: "لكني أعرف شيئاً واحداً.. لن يكون هناك تجميد للبناء والتطوير في المستوطنات، ولا حتى ليوم واحد، إنها تحت سلطتي".
فيما قال إيتمار بن غفير وزير الأمن الداخلي في حكومة الاحتلال، في تغريدة على تويتر: "ما كان في الأردن سيبقى في الأردن".
بل إن رئيس وزراء حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، أعلن مساء الأحد، أن حكومته مستمرة في شرعنة البؤر الاستيطانية بالضفة الغربية. وقال نتنياهو إنه "خلافاً للتغريدات، سيستمر البناء وشرعنة البؤر في الضفة وفقاً لجدول التخطيط والبناء، دون أي تغيير، ولن يكون هناك تجميد".
أزمة تعصف بحكومة نتنياهو التي تعاني من ضغوط داخلية ومعارضة الشارع
ولا تزال عوامل التصعيد على الأرض أقوى من هذه الجهود، بالنظر للسياسات المتطرفة التي يتعهدها وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، ووزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، والتي تستهدف فلسطينيي 48 والضفة الغربية والقدس وحتى داخل السجون. ومع تجدد الاشتباكات في بلدة حوارة جنوب نابلس تزامناً مع القمة، ثم في أريحا في اليوم التالي أصبحت الشكوك أوسع حول فرص احتواء التوتر قريباً.
كما أن التباينات داخل حكومة نتنياهو والأزمة السياسية التي تعصف بدولة الاحتلال في الداخل والاحتجاجات المستمرة منذ أسابيع، تمثل عائقاً أساسياً يحد من قدرة نتنياهو على المناورة أمام الإدارة الأمريكية والأطراف الإقليمية بشأن كبح أجندة وزرائه المتطرفة، وهو ما يظهر في سلوك اتسم بالفوضوية في التعامل مع مخرجات القمة، حيث اضطر رئيس الوفد الإسرائيلي المشارك، ونتنياهو شخصياً للتأكيد على عدم الالتزام ببنود تجميد الاستيطان، عدا عن الدعوات التي صدرت عن بعض وزراء الحكومة الذين هاجموا ورفضوا مخرجاتها.