أصبح الخوف من انتشار القواعد العسكرية الصينية حول العالم، بمثابة هاجس يسيطر على المسؤولين الأمريكيين، وصوروه كـ"بعبع استراتيجي" سيهدد البشرية، رغم أن بكين لديها قاعدة عسكرية خارجية واحدة، فما حقيقة خطط الصين لنشر جيشها في أرجاء المعمورة؟ وما الدول التي تتطلع إليها؟ وماذا عن الخطط الأمريكية المضادة؟
وحتى الآن، الصين لديها قاعدة عسكرية واحدة فقط خارج أراضيها، وهي في جيبوتي بالقرن الإفريقي، وجيبوتي دولة ذات موقع استراتيجي في مدخل البحر الأحمر، ازدادت أهمية موقعها مع تفاقم القرصنة الصومالية في تسعينيات القرن العشرين، والقاعدة الصينية بها ليست استثناءً، فهذا البلد الصغير الذي كان مستعمرة فرنسية ويجاور إثيوبيا العملاقة، يستضيف قواعد أمريكية صينية وفرنسية بجوار بعضها البعض، إضافة لقاعدة لكل ألمانيا، واليابان، وإيطاليا، وإسبانيا، وبريطانيا، إلى جانب منطقة عسكرية تابعة للاتحاد الأوروبي.
لكن بكين اكتسبت نفوذاً من خلال إقراض الأموال لمشاريع البنية التحتية في عدد من البلدان بما في ذلك سلسلة من الموانئ، وهو نفوذ تقول واشنطن وغيرها من منافسي بكين إن هدفه الأساسي بعيد المدى قد يكون إقامة قواعد عسكرية.
الصين كانت تناهض بشدة فكرة القواعد العسكرية
في الماضي، زعمت الصين الشيوعية أنها مختلفة تماماً عن الغرب، وليست لديها مصلحة في إبراز قوتها في البحار البعيدة أو القواعد العسكرية الأجنبية أو القيام بأنشطة مماثلة لأنشطة الغرب العسكرية التي طالما انتقدتها.
ففي البداية رأى مؤسس جمهورية الصين ماو تسي تونغ، الوجود العسكري الأمريكي في آسيا في الخمسينيات من القرن الماضي كجزء من الجهود الأمريكية لدحر ثورتها الشيوعية.
وكانت أولوية الصين آنذاك هي درء التهديدات الخارجية لسيادتها وتعزيز ثورتها الشيوعية، وشنت الصين حملة انتقاد نشطة ضد الوجود العسكري الأجنبي في آسيا.
وأحياناً رحّبت بالقواعد الأمريكية بجوارها!
ولكن المفارقة أنه في بعض الأوقات، كانت الصين سعيدة بالقواعد الأمريكية المجاورة لها في آسيا، حسب تقرير لشبكة القيادة في آسيا والباسيفيك "apln" الهندي.
إذ كان ماو سعيداً في بعض الأوقات بالعيش مع القواعد العسكرية الأمريكية في آسيا، حين تدهورت علاقاته مع روسيا السوفييتية وتحسنت العلاقات مع أمريكا، حسب موقع الهندي
بحلول السبعينيات، أدركت الصين قيمة الوجود العسكري الأمريكي في احتواء "الإمبريالية الاجتماعية السوفييتية" و"العسكرية اليابانية الكامنة".
اليوم، مع تحسن القدرات العسكرية للصين وتزايد طموحاتها السياسية، يقول نقاد بكين إنها تحاول إخراج أمريكا من آسيا مرة أخرى.
رغم أن هناك مؤشرات قوية على أن الصين سعيدة بالوجود الأمريكي في منطقة الخليج العربي تحديداً المضطربة؛ حيث تساهم البحرية الأمريكية العملاقة في توفير الحماية للناقلات التي تحمل النفط، للصين، التي باتت أكبر مستورد له في العالم بينما أمريكا من كبار مصدريه.
قد يكون من الناحية الاستراتيجية وجود منابع النفط وممرات الوصول إليه في الخليج والبحر الأحمر وجنوب شرق آسيا تحت مرمى السفن الأمريكية أمراً مقلقاً لبكين.
ولكن الواقع أن الاقتصاد الصيني، كله في مرمى النفوذ الأمريكي، لأن واشنطن هي أكبر سوق للمنتجات الصينية، ومن أكبر المستثمرين في بكين، ومصدر أساسي هي وحلفاؤها للتقنية اللازمة للصناعة الصينية.
ولكنها تخلّت عن نفورها من فكرة إقامة قواعد خارجية
بدأت مواقف الصين من الوجود العسكري الأجنبي الخاص بها في التغير مع صعودها الاقتصادي السريع، لتصبح قوة عظمى في القرن الحادي والعشرين. أدى ذلك إلى نقاش منهجي داخل المؤسسة الأمنية الصينية حول مسألة القواعد العسكرية.
وضعت الصين اللبنة الأولى في هذا الأساس في عام 2004، عندما كشف الرئيس آنذاك هو جينتاو عن مفهوم "المهمة التاريخية الجديدة"، داعياً إلى دور أكثر عالمية للجيش الصيني لتمكينه من تنفيذ "مهام عسكرية متنوعة".
من المحتمل أن يكون إجلاء الصين غير المتوقع لأكثر من 35000 مواطن صيني من ليبيا، التي مزقتها الحرب في أوائل عام 2011، بمثابة جرس إنذار لبكين، فيما يتعلق بكيفية حاجة جيش التحرير الشعبي إلى دعم هذه الطموحات العالمية الأوسع، حسبما ورد في تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.
ثم اكتسب فكرة الوجود العسكري الخارجي المحتمل، معنى أكبر بعد إعلان عام 2013 عن مبادرة الحزام والطريق.
كانت الخطوة الأولى هي الاعتراف بأن للصين مصالح خارج حدودها. في سلسلة من التقارير خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أكدت بكين أن اقتصادها الكبير والمعولم واعتمادها المتزايد على الأسواق والموارد الخارجية قد أوجد مصالح بعيدة عن حدودها.
بمجرد وضع هذا الاقتراح، بدأت بكين في مناقشة سؤال جديد في مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين: هل يجب أن تحصل الصين على قواعد عسكرية أجنبية لتأمين مصالحها الإقليمية والعالمية؟ وسرعان ما حسم النقاش لصالح تأمين القواعد.
خلال هذا الوقت، نشر باحثو جيش التحرير الشعبي، الذين غالباً ما يقدمون رؤى حول التفكير الحكومي الرسمي، مقالات تبحث في العوامل الأساسية للقواعد العسكرية في الخارج، تشير هذه المنشورات إلى أن الموضوع "لم يعد من المحرمات" وأن بحرية جيش التحرير الشعبي كانت في صدارة التفكير في التوسع الخارجي للصين.
خصومها يتهمونها بخداع العالم عبر سلسلة موانئ تبدو بريئة
يقول منافسو الصين إنها تتبع نهجاً حذراً في إقامة قواعد أجنبية.
إذ تعرف بكين أن مصطلح "قاعدة عسكرية" مشحون سياسياً، وهي حريصة على تجنب استخدامه. لقد فهمت أن الضرورة العسكرية للقواعد، يجب أن تكون متوازنة مع المشاعر الاستياء القومي التي تثيرها القواعد في البلدان المضيفة.
إنكار نيتها بناء قواعد عسكرية له سبب، إن الصين قلقة بشأن الطريقة التي يراها بها العالم، خاصة أن تحديثها ونموها العسكري لا يمكن إنكاره. تفضل بكين دعم رؤية أكثر ليونة لدورها العالمي، محورها التنمية السلمية، وليس التوسع العسكري، حسب مجلة Foreign Policy.
لذلك، كان تركيز الصين على بناء مرافق ذات استخدام مزدوج بدلاً من قواعد عسكرية صريحة على أرض أجنبية، وفقاً لما يقوله نقادها الغربيون والآسيويون.
نجح نهج الصين ذو الاستخدام المزدوج في تحقيق وصول استراتيجي للشواطئ والممرات الملاحية المهمة عبر التوسع في بناء الموانئ الأجنبية في العقدين الماضيين، ومبادرة الحزام والطريق الأحدث لبناء البنية التحتية عبر المحيطين الهندي والهادئ.
هل تأتي القروض بنتيجة عكسية على نفوذ الصين الخارجي؟
يقول خصوم الصين إنها تستغل القروض التي تقدمها للدول الفقيرة لابتزازها لإقامة قواعد عسكرية لاحقاً.
لكن في المقابل، هناك مؤشرات أن الديون الصينية قد تأتي بنتيجة عكسية، وإنها خلقت عداءً لبكين في الدول المتعثرة، عداء يستغله الغرب جيداً.
وليست هناك تقارير موثقة عن بناء الصين لقواعد عسكرية في الدولة المتعثرة عن سداد الديون لها، رغم تقارير غربية عن استيلاء الصين على أصول من بعض هذه الدول، فكثيراً ما يتردد اسم ميناء "هامبانتوتا" جنوبي سريلانكا، الذي استحوذت شركة صينية على 70% من أسهمه لمدة 99 عاماً، كمثال على رغبة بكين في الاستحواذ على أصول الدول بعد إغراقها بالديون.
وهناك أيضاً زامبيا، التي فشلت في دفع قيمة "محطة التوليد المائية" التي أنشأتها الصين، ثم استحوذت عليها وعلى 60% من أسهم إذاعة زامبيا الحكومية.
وقد أجرى البعض مقارنة بين اتفاقية ميناء غوادر الباكستانية وصفقة ميناء سريلانكا، التي وُقّعت في عام 2017 مع الشركة الصينية التي تديرها الدولة، من أجل عقد إيجار لمدّة 99 عاماً لسداد الديون الصينية.
ولكن حتى الآن لم تتحول هذه المخاوف، إلى واقع، بل على العكس هذه الانتقادات وأزمات الديون، دفعت الصين لمزيد من الحذر، في سياستها الخارجية، مع تخفيض القروض التي تقدمها في السنوات الأخيرة.
إليك أبرز الدول المرشحة لاستضافة القواعد العسكرية الصينية
أشار أحدث تقرير لوزارة الدفاع الأمريكية عن الجيش الصيني، إلى أنه من المحتمل أن الصين قد فكرت بشأن إقامة قواعد عسكرية في 13 دولة، حسبما نقلت عنه مجلة Foreign Policy الأمريكية.
في حين أن ميانمار وتايلاند وسريلانكا هي دول مرشحة من خليج البنغال وهي قريبة من منافستها الصين الأقرب الهند، كما أن هناك العديد من الأماكن في المحيط الهندي أو قريبة منه، مثل ناميبيا وسيشيل وتنزانيا والإمارات العربية المتحدة.
ويمثل المحيط الهندي أهمية خاصة للصين؛ لأن عبره تتصل بجنوب وجنوب شرق آسيا، وإفريقيا والعالم العربي وأوروبا، وهو محيط يحوي أو قريب منه العديد من الممرات الملاحية المهمة والحساسة والضيقة، مثل مضيق ملقا بين إندونيسيا وسنغافورة وماليزيا، ومضيق هرمز الذي يمر عبره النفط من الخليج ومضيق باب المندب الذي يربط المحيط الهندي بالبحر الأحمر، ومنه لقناة السويس ثم البحر المتوسط، وشمال الأطلنطي.
باكستان يقول المحللون الهنود إنها، بالطبع، في فئة خاصة بها. مع العلاقات السياسية والعسكرية الطويلة الأمد والعميقة مع الصين.
ويزعمون أنه من المرجح أن تبرز باكستان كأهم وسيلة لنشر القوة البحرية الصينية في المحيط الهندي، مع تداعيات كبيرة على التخطيط العسكري الهندي.
ويعتقد الهنود أن الصينيين يسعون لنشر نفوذهم في جوارهم عبر تطوير الهياكل المدنية رسمياً، ولكنها قابلة لاستخدام جيش التحرير الشعبي في المستقبل.
إحدى المشكلات التي تواجه الهند رغم أن الدول المحيطة (بها باستثناء باكستان) تاريخياً لدى نيودلهي نفوذ كبير بها، ولكن هذه الدول فقيرة وتعاني كثيراً من أزمات اقتصادية مثل ميانمار وسريلانكا وهي كلها دول مقترضة من الصين، الأغنى كثيراً من الهند.
قام باحثون من مركز راند الأبحاث Rand Corp الأمريكي بتقييم 108 دول من حيث احتمال استهداف الصين لها لإقامة قواعد عسكرية.
رجحوا أن تنشئ الصين قاعدتها العسكرية القادمة في الخارج في باكستان أو بنغلاديش أو كمبوديا أو ميانمار، التي صُنفت جميعها على أنها دول المستوى الأول، أي إنها "عالية" من حيث الرغبة والجدوى كمواقع للمنشآت العسكرية الصينية.
وهناك تقارير غربية يصعب تأكيدها من مصادر موثقة بأن الصين تبني ثاني قاعدتها العسكرية الأجنبية في ريام، كمبوديا بعد الإعلان عن الاستثمار الصيني في قاعدة عسكرية كمبودية يشتبه في استخدامها حصرياً للصين.
بينما يرى التقرير أن دول المستوى الثاني من حيث رغبة الصين وقدرتها على إقامة قواعد بها، هي أو جدواها هي تايلاند ولاوس وإندونيسيا في جنوب شرق آسيا.
ويعتقد أن الصين عززت علاقتها بتايلاند حليف واشنطن القديم، وخاصة جيشها النافذ.
كما أن هناك أوزبكستان وقيرغيزستان وطاجيكستان في آسيا الوسطى، وإيران ولبنان واليمن في الشرق الأوسط، وجيبوتي وكينيا وتنزانيا وأنغولا والغابون وغينيا الاستوائية في إفريقيا.
الموقع الاستراتيجي، بالطبع، هو أحد الاعتبارات الرئيسية لخطط إنشاء القواعد الصينية.
لكن الموقع الاستراتيجي لبلد ما لا يترجم تلقائياً إلى وصول عسكري لمجرد أن الصين تريد ذلك.
يعتمد الكثير على طبيعة العلاقة الشاملة مع الدولة المستهدفة. وهذا بدوره يعني إقامة علاقات خاصة مع النخب السياسية بالإضافة إلى تعزيز العلاقات مع المؤسسات العسكرية في دولة مضيفة محتملة. وبالتالي، أصبحت عمليات نقل الأسلحة والدبلوماسية العسكرية حاليا جزءاً لا يتجزأ من سعي الصين إلى قواعد أجنبية.
الأمريكيون يوقفون إنشاء منشأة عسكرية صينية في الإمارات
في أبوظبي، كان هناك عقد صيني لبناء منشأة مدنية. لكن صور الأقمار الصناعية وغيرها من المعلومات الاستخباراتية أقنعت صانعي السياسة الأمريكيين بشأن بناء الصين سراً لمنشأة عسكرية داخل ميناء يستقبل سفن الشحن الصينية قرب العاصمة الإماراتية، أبوظبي.
وتناولت الولايات المتحدة القضية رسمياً مع حكومة الإمارات العربية المتحدة، التي تعد أحد شركائها العسكريين الرئيسيين في الخليج، ليتم تعليق العمل في المنشآة، بعد ضغط شديد من الولايات المتحدة الأمريكية في نهاية 2021، حسبما نقلت شبكة لـCNN عن مصدرين مطلعين على الأمر.
بايدن يستضيف قادة جزر المحيط الهادئ لوقف نفوذ بكين
كما تتهم أمريكا الصين بأنها تبحث عن وجود عسكري دائم في جزر المحيط الهادئ، وبعد أن وقّعت جزر سليمان اتفاقية أمنية مع بكين في أبريل/نيسان 2022، ربما تفكر كيريباتي في صفقة مماثلة.
ولكن الولايات المتحدة تحركت بسرعة مع أستراليا لتطويق الجهود الصينية في هذه المنطقة وعقدت قمة أمريكية مع هذه الجزر، استضاف فيها الرئيس الأمريكي جو بايدن في البيت الأبيض في سبتمبر/أيلول 2022.
ويزعم تقرير للمعهد الأمريكي للسلام "usip" أن سعي الصين لتحقيق نفوذ عسكري أكبر في جزر المحيط الهادئ يشبه تشييد الإمبراطورية اليابانية للقواعد العسكرية قبل الحرب العالمية الثانية، كما أن التداعيات متشابهة بشكل لافت للنظر.
إذ قد يؤدي الوجود العسكري الصيني في جزر المحيط الهادئ، حسب التقرير، إلى تعقيد العبور بين أستراليا والولايات المتحدة، وتقريب قوة النيران العسكرية الصينية من الأراضي الأسترالية والأمريكية أكثر من أي وقت مضى.
ماذا عن إفريقيا؟
زعمت تقارير غربية أن بكين تؤسس لوجود عسكري دائم في غينيا الاستوائية التي تقع غرب إفريقيا في موقع استراتيجي على خليج غينيا، ولكن لم يتم التثبت منها.
وأثار الافتقار إلى الأدلة المرئية والمتاحة للجمهور بشأن تقدم عملية إنشاء القواعد الصينية في إفريقيا الشكوك، حيث أشار بعض المعلقين إلى أن القلق بشأن مثل هذه الجهود الأساسية مبالغ فيه.
تقول Foreign Policy إن هذا يتجاهل الطبيعة السرية والجداول الزمنية الكبيرة المرتبطة بهذه المفاوضات الدبلوماسية والعسكرية، حيث تقول إن الصين لديها نهج صبور وطويل الأجل لتحقيق طموحاتها العسكرية العالمية.
على سبيل المثال، في عام 2018، أطلقت الصين منتدى الدفاع والأمن الصيني الإفريقي، الذي جذب مشاركين عسكريين كباراً من 50 دولة ومنظمة إفريقية، وفي العام التالي تم تغيير الاسم إلى منتدى السلام والأمن الصيني الإفريقي الأقل إثارة للجدل.
ما الخطة الأمريكية المضادة؟
تريد الصين بالتأكيد إنشاء شبكة من القواعد العسكرية في الخارج خاصةً البحرية، وهو أمر طبيعي فدول أفقر منها كثيراً مثل روسيا، أو أقل عسكرياً مثل فرنسا وبريطانيا وتركيا، والإمارات، تقيم قواعد عدة في الخارج، فضلاً عن الانتشار الأمريكي الهائل حول العالم.
ولكن التحليل الأمريكي لمسألة القواعد الصينية العسكرية يتجاهل مصالح ورؤى الروح الوطنية في العديد من الدول التي تقول عنها واشنطن ونيودلهي إنها مستهدفة من الصين.
فإندونيسيا مثلاً تريد علاقة جيدة مع الصين، وفي الوقت ذاته تخشى توسعها البحري، لدرجة أنها سوف تؤسس عاصمة جديدة خصوصاً قرب حدودها البحرية الشرقية، من أجل موازنة الثقل الصيني المتزايد في بحر الصين الجنوبي.
والواقع أن الانتشار الحالي البحري الصيني ضئيل مقارنة بأمريكا وحتى بدولة تعد قوة متوسطة مثل فرنسا.
أما خطة أمريكا الاستباقية لمواجهة هذا الانتشار المحتمل، فهي إثارة جدل عالمي وإقليمي ومحلي في الدول المستهدفة حول هذا الانتشار لخلق بيئة معارضة داخلية، مع تلميح بعقاب أو غضب أمريكي أحياناً.
هذا الجدل يزيد الحساسيات الوطنية المحلية الشعبية من القواعد الأجنبية، ويقلق الدول المستهدفة من احتمال التعرض لعقوبات أو جفاء غربي.
على الجانب الآخر، فإن الصين تبدو حذرة وحريصة على عدم الدخول في مواجهة مع الغرب أو الدول المستهدفة أو الفاعلين الداخليين بها من أجل إقامة قواعد أجنبية.
كما لا تزال الصين تواجه عجزاً كبيراً في قدرات استعراض القوة مقارنة بالولايات المتحدة. ومن حيث حجم ونطاق وجودها الخارجي المستقبلي، فمن غير المرجح أن تتمكن الصين من سد هذه الفجوة بالكامل في العقدين المقبلين بالمستوى الحالي للإنفاق الدفاعي.
لذلك فإن العديد من المخاطر التي تشكلها الصين على الولايات المتحدة قد تكون غير مباشرة.
ومن هذه المخاطر المحدودة على واشنطن، مثلاً إذا كانت الصين ستوفر قدرات عسكرية متقدمة لدول أخرى مقابل الوصول العسكري، فإن هذه القدرات يمكن أن تعقّد بشكل كبيرٍ التخطيط الدفاعي للولايات المتحدة.
لكن قدرة الولايات المتحدة على منع الوصول العسكري الصيني بالكامل محدودة، لذلك تحاول بشكل روتيني استخدام التعاون الأمني والدعاية كوسيلة لبناء العلاقات والحفاظ على الوصول العسكري، ومنع توسع النفوذ الصيني.
ولكن بينما يبدو أن أمريكا تستغل "بعبع" القواعد الصينية لتخويف الدول المعنية من تعزيز علاقتها مع الصين والتحفظ على مشروعات البنية التحتية، فهي لا تقدم بديلاً اقتصادياً كافياً.
كما أنها تستغل هذا البعبع لتعزيز وجودها العسكري في الخارج كأن القواعد العسكرية حرام على الصين حلال على أمريكا.
أما بكين، فهي غير مستعدةٍ، عكس الروس، لدفع ثمن التوتر الناجم عن مثل هذه القواعد، وهي تراهن على الزمن عبر نشر نفوذها الاقتصادي، والبنى التحتية المدنية، فهي تتقدم حين يكون الطريق ممهداً، وتتراجع إذا رأته وعراً.
وفي الأغلب ستتعامل بكين مع كل دولة كحالة على حدة.
إليك الدول المرشحة لاستضافة قواعد صينية بعيداً عن تهويل أمريكا
فالدول المستعدة لتحمُّل تحدي الغرب واستضافة قاعدة عسكرية صينية بها قد تكون هدفاً لبكين.
وهذا يجعل الدول المؤهلة لذلك نوعين؛ الأول: دول معزولة عن العالم وتحتاج ذهب الصين، ولا تخشى عقاب واشنطن، وهي محرومة أصلاً من دولاراتها.
وهذا ينطبق على دولة مثل ميانمار في آسيا أو إريتريا بشرق إفريقيا (وقد تحاول مع سوريا لو ضعف بها النفوذ الروسي).
أما بنغلاديش الدولة التي تتوقع المصادر الأمريكية والهندية أن تكون محلاً لقاعدة صينية، فهي رغم فقرها تشهد نمواً اقتصادياً لافتاً، وتعتمد على الترويج لأسواق الغرب، كما أنها تاريخياً لديها علاقة متزنة وحساسة مع جارتها اللدودة الهند، وهي لن تفسد كل ذلك من أجل قاعدة صينية، خاصةً أنها دولة ديمقراطية.
النوع الثاني هو الدول التي مصالحها الأمنية مرتبطة بالصين لأن عدوهما واحد، وهذا ينطبق على باكستان.
ولكن العلاقة الصينية الباكستانية أكبر من مجرد قاعدة، فهي علاقة تحالف وثيق، ومن مصلحة الصين بقاء باكستان قوية في مواجهة الهند وليس تحويلها لمجرد أرض لقاعدة عسكرية قد تكون مثيرة للجدل.
والعلاقة بين البلدين محورها تعاون عميق في مجال التصنيع العسكري ساهم في جعل إسلام آباد نداً لنيودلهي الأكبر والأغنى، وساهم أيضاً في نقل بعض التقنيات والتكتيكات العسكرية والأسلحة الغربية إلى بكين التي كانت محرومة منها، وهو تعاون أصبح التعاون الاقتصادي لاحقاً عليه.
ولذا لن يكون إنشاء قاعدة صينية دائمة أو قاعدة تموين لسفنها مسألة ذات بال بجانب التعاون الهائل بين البلدين والذي يعتقد أنه وصل إلى أن الصين منحت باكستان مواد نووية لإطلاق أولى قنابلها الذرية.