"أضخم مشروع في تاريخ شركة سيمنز الألمانية العملاقة"، هكذا وصفت وسائل إعلام ألمانية مشروع القطاع السريع في مصر، بعد أن أصبحت المشروعات القومية المصرية العملاقة مصدر إغراء وجذب كبيرين للشركات العالمية الكبرى، فما هي أبرز هذه المشروعات وما أهميتها الاقتصادية والسياسية؟
وتحولت المشروعات القومية المصرية إلى محط اهتمام دولي وعربي وليس محلياً فقط، وذلك لأسباب مختلفة، حيث تهتم بها الشركات الكبرى العالمية والدول الكبرى، لأن مصر باتت ساحة مهمة لأعمالها، وفي الوقت ذاته فإن تقارير تفيد بطلب صندوق الدولي وقفها أو تجميدها أو ترشيدها بسبب تكلفها الاقتصادية ودورها في تضخم الديون لاسيما الخارجية.
في هذا التقرير نرصد أبرز المشروعات القومية المصرية بعيداً عن افتراض نقادها بأن كلها بلا جدوى أو هدفها المباهاة، من خلال رصد تطور بعضها، ومدى جدواها الاقتصادية والاجتماعية لمصر.
أبرز المشروعات القومية المصرية العملاقة
العاصمة الجديدة.. المشروع الأيقوني للرئيس المصري
عاصمة مصر الجديدة "العاصمة الإدارية" ستكون على مساحة 170 ألف فدان (688 كم²)، أي أكبر من مساحة دولة سنغافورة وأكبر أربعة أضعاف من مساحة العاصمة الأمريكية واشنطن، حسب وسائل الإعلام المصرية، الأمر الذي سيجعلها على الأرجح واحدة من أكبر عواصم العالم.
وطرح مشروع العاصمة الجديدة بشكل واضح عام 2015، في لقاء بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وبين محمد العبار رئيس مجلس إدارة شركة "إعمار" الإماراتية.
وكان يفترض أن الشركة الإماراتية سوف تتولى المشروع كمقاول رئيسي في ظل خبرة الإماراتيين في المدن والمشروعات العملاقة، من خلال تجربة دبي نفسها وغيرها من المشروعات والمدن الإماراتية، وخاصة أن الرئيس السيسي بدا منذ بداية توليه السلطة متأثراً برؤيته في تطوير مصر ومشروع العاصمة الجديدة تحديداً بتجربة دبي.
ولكن الشركة الإماراتية يبدو أنها لم تتولّ المهمة، وكان من الواضح أن هناك عدة خلافات، أبرزها في التوقيت؛ حيث كان الرئيس السيسي يرغب في خروج مشروعه الأيقوني للنور بسرعة.
كما كان هناك خلاف حول التمويل، حيث أفادت تقارير بأن الشركة الإماراتية كانت تريد أن تكون مجرد مقاول وليس مستثمراً في العاصمة الجديدة، وتريد العمل بقروض من المصارف المصرية، وليس بتمويل تجلبه من المصارف الإماراتية.
وأدى هذا الخلاف لتولي الشركات المصرية والصينية للمشروع، حيث تم تأسيس شركة العاصمة الجديدة.
ويقدر أن العاصمة الإدارية الجديدة، ستتكلف 50 مليار دولار (47 مليار يورو)، حسبما ورد في تقرير لموقع دويتش فيله "DW" الألماني.
ويعتقد أن مصر اقترضت من الصين لتنفيذ عدد من المشروعات في العاصمة الجديدة وهي مشروعات ستنفذها الشركات الصينية على الأرجح.
وقال الكاتب عادل صبري، المتخصص في الشأن الصيني، قال خلال مقال في موقع "الجزيرة نت"، إن هناك ديوناً مستترة اقترضتها مصر من الصين لإنشاء البرج الأيقوني الذي تقدر تكلفته بنحو 3.2 مليار دولار، ما يعني أن الصين حولت القرض إلى شركة العاصمة الإدارية الجديدة، وديون أخرى لبناء مجمع الوزارات التي تنفذه شركات صينية ولشراء قطار العاصمة والقطار السريع.
وتلقى البنك الأهلي نحو 600 مليون دولار أمريكي من بنك التنمية الصيني، ونحو 500 مليون دولار لبنك مصر على هيئة ضمانات تصل لتمويل المشروعات التي تساهم فيها شركات صينية، ناهيك عن قروض أخرى لم يتم الإعلان عنها.
وعادة، تصاحب الديون المستترة، التي تدفعها الصين للدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، فوائد أعلى من المعدلات الدولية، وفترة سنوات أقل.
السيسي اشترط على الإماراتيين تنفيذ المشروع في أقل من خمس سنوات
في لقائه الشهير مع العبار عام 2015، سأل الرئيس المصري المقاول الإماراتي عن الوقت اللازم للانتهاء من المدينة، فأجاب العبار الذي يقود شركة ذات خبرة كبيرة في مثل هذه المشروعات: "خلال عشر سنوات"، فأبدى السيسي عدم رضاه عن طول المدة، وقال إننا لا نقوم بعملنا بهذا الشكل، فسأله العبار عن الموعد الذي يريده الرئيس، فأجاب السيسي: "أريدها أمس"، في إشارة لرغبته في سرعة الإنجاز، فاقترح العبار من خمس إلى سبع سنوات، فلم يبدِ السيسي رضاه أيضاً.
في عام 2020، تم الإعلان عن تأجيل انتقال مؤسسات الدولة الرئيسية للعاصمة الإدارية الجديدة لـ2021 بسبب فيروس كورونا.
وجاء عام 2021، ولم يتحقق ذلك.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أمر السيسي الحكومة ببدء الانتقال للعاصمة الإدارية الجديدة اعتباراً من ديسمبر/كانون الأول من العام ذاته.
والآن مرت أكثر من سبع سنوات، ولم تنتقل مقرات الحكومة للعاصمة الجديدة، ولم ينتقل إليها أي مواطن للسكن، ولكنها توجد بها عدة فنادق تابعة للمؤسسة العسكرية، والمخابرات، إضافة لمساجد وكنائس عملاقة، يتم استخدامها في المناسبات الدينية الرسمية.
هل العاصمة الجديدة مشروع غير ناجح بطبيعته؟
على عكس ما يقوله كثير من المعارضين المصريين فإن مشروع العاصمة الإدارية الجديدة ليس بالضرورة مشروع غير ناجح، ولكن قد تكون المشكلة في توقيته وعلاقته بالمدن الجديدة الأقدم، إضافة لإشكاليات التمويل والسياسة.
فالعاصمة الجديدة تقع على بعد نحو 60 كلم من حي مدينة نصر بشرق العاصمة المصرية القاهرة، وهي مسافة تبدو كبيرة نسبياً.
ولكنها في الواقع على بعد 30 كيلومتراً من القاهرة الجديدة، أهم المدن العمرانية الجديدة في مصر والتي تأسست في عهد مبارك، وتحولت من تجمع مقترح للفقراء إلى ضاحية الأثرياء لقربها من القاهرة.
تدريجياً باتت القاهرة الجديدة عاصمة مصر الفعلية، حيث استوطنها نسبة كبيرة من نخب مصر السياسية والاقتصادية وقطاع كبير من الشرائح العليا للطبقة الوسطى المصرية، وانتقلت إليها مقرات المصارف والشركات الكبرى أو فروعها الرئيسية على الأقل، وكذلك أغلب المطاعم الفاخرة والمدارس الدولية، وحتى الأندية الرياضة، تاركين القاهرة بما فيها من أحياء كانت تعد راقية خاوية من الشريحة العليا للطبقة الوسطى، يتعايش فيها كبار السن والشرائح الوسطى والدنيا من الطبقة الوسطى مع أغلبيتها الفقيرة.
القاهرة الجديدة تجمع شبه مغلق أو كومباوند كبير محاط بالطرق السريعة يعج بالكومباوندات السكنية (تعبير يطلق على التجمعات السكنية الثرية المسورة) ويصف السماسرة العاملون في التسويق العقاري القاهرة الجديد بـ"الجنة".
موقع العاصمة الإدارية الجديدة يمثل الامتداد الطبيعي للتطور العمراني للقاهرة الجديدة، حيث يوجد بينهما، مدينة المستقبل وهي تجمع كومباوندات لمطورين عقاريين كبار، إضافة إلى "مدينتي" التي تعد من أنجح المشروعات العقارية في مصر.
عاصمة مبارك تنافس عاصمة السيسي
المشكلة أن القاهرة الجديدة التي تعد بمثابة عاصمة مبارك تنافس عاصمة السيسي الجديدة، فالقاهرة الجديدة وضواحيها مثل مدينتي ومدينة المستقبل، لم تعمر بالكامل، وما زال بها مساحات أرض كبيرة وبنايات وكومباوندات كثيرة خالية، والطبيعي أن زبائن العاصمة الإدارية المفترضين سوف يبحثون عن شقق أو فيلات في القاهرة الجديدة المعمورة والأقرب للقاهرة القديمة من العاصمة الإدارية الجديدة والتي لم تعمر بعد، خاصة أن المشروعات العقارية بالعاصمة لم تقدّم ميزات في السعر أو طول المدى الزمني للأقساط.
كما أن أغلب سكان القاهرة الجديدة قد وصلوا للتو لها لمساكنهم الجديدة، بعد أن أنفق كثير منهم مدخرات العمر في شراء شقة بها ولا يتوقع منهم تركها للذهاب العاصمة الجديدة، وحتى لو اضطروا للعمل بالأخيرة، فسيقطعون المسافة التي تبلغ 30 كيلومتراً بالسيارة وهي ليست مسافة كبيرة بمعايير المدن المصرية الجديدة، خاصة في ظل شبكة الطرق الكبيرة التي تتميز بها المنطقة والتي بدأت في عهد مبارك وازدهرت في عهد السيسي.
يضاف لذلك أن الوضع الاقتصادي المتأزم في مصر، والارتفاع الهائل في أسعار العقارات بعد تعويم عام 2016، جعل قرار الشراء صعباً على الطبقة الوسطى المصرية، خاصة أن العقار لم يعد يحقق الأرباح السابقة.
موقع العاصمة الجديدة بشكل فطري يجعلها الامتداد العمراني الطبيعي للقاهرة الجديدة ولكن بعد أن تنضج الأخيرة وتزدحم، وهذا ما لم يحدث بعد، كما أنها يجب أن تقدم ميزة في الأسعار والمدى الزمني للأقساط مقارنة بالقاهرة الجديدة.
كما أن اللافت أن قرارات نقل المؤسسات الحكومية المقترحة، لم تتضمن الإعلان عن خطط لتوفير شقق للموظفين بشروط ميسرة (هناك تقارير بأن نخبة موظفي الوزارات فقط هم الذين سينتقلون للعاصمة)، وكان من شأن عملية نقل واسعة للموظفين أن تكون بمثابة النواة الحرجة لتسريع تشغيل المدينة بدلاً من انتظار الأغنياء المستمتعين بمساكنهم الجديدة في القاهرة الجديدة.
ولكن يثبت النجاح الأولي لمبيعات بعض المشروعات السكنية القريبة للعاصمة الجديدة مثل منطقة حدائق العاصمة أن العاصمة الجديدة بموقعها سوف تكون وجهة سكنية جذابة ولكن الأمر قد يستغرق وقتاً طويلاً.
المونوريل هرم مصر الجديد الذي قد تراه من أي مكان بالقاهرة
مشروع المونوريل من أكبر المشروعات القومية في مصر، وأكثرها بروزاً للعيان في القاهرة، فهو بمثابة هرم مصر الجديد، وتبلغ التكلفة المقدرة للمشروع نحـو 49,8 مليار جنيه، حسب وسائل الإعلام المصرية، وإجمالي أطواله 96 كيلومتراً.
وهو عبارة عن قطار أو مترو سريع يتحرك على جسر طويل معلق لمسافة هائلة.
وينقسم لخطين؛ الأول مونوريل شرق النيل (مونوريل العاصمة الإدارية) بطول نحو 54 كلم، والآخر خط مونوريل غرب النيل (مونوريل السادس من أكتوبر).
وأشارت الهيئة القومية للأنفاق إلى أن مشروع المونوريل (غرب وشرق النيل) يتم تنفيذه لاستيعاب الركاب فى المناطق متوسطة الكثافة، حيث تبلغ الطاقة الاستيعابية 600 ألف راكب يومياً، ومن المتوقع أن ترتفع إلى مليون و200 ألف راكب.
وبينت أن طريقة تنفيذ المونوريل بشكل"علوي" ليصل إلى مناطق سكنية أكثر، حيث تبلغ سرعته 90 كيلومتراً في الساعة، وبتكلفة 30 مليون دولار لكل كيلومتر.
وقال وزير النقل المصري كامل الوزير إنه سيتم تشغيل المونوريل تجريبياً في شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل، على أن يعمل فعلياً في 2024.
وبالفعل مع اتساع مساحة العاصمة المصرية أصبح هناك حاجة ماسة بالفعل للربط بين غربها وشرقها، بما في ذلك العاصمة الجديدة بمترو أو قطار لتقليل الوقت والتكلفة والتلوث الناتج عن السيارات.
ولكن أثيرت تساؤلات بشأن جدوى أن يكون المونوريل هو الوسيلة لتحقيق ذلك؛ لأنه يكبد البلاد تكلفة كبيرة، لأنه مرتفع عن الأرض ويتطلب إنشاء أعداد هائلة من الأعمدة الخرسانية، علماً بأن مساره يسير في بعض مناطق منخفضة الكثافة السكانية أو خاوية أو شبه خاوية، وبالتالي كان يمكن الاكتفاء بمترو وقطار سريع بها يغني عن تكلفة الأعمدة الخرسانية.
كما أنه يمكن من توفير تكلفة مونوريل العاصمة الجديدة، تخصيص أموال للموظفين للحصول على سكن بشروط ميسرة هناك.
مشروع القطار الكهربائي السريع الأضخم عالمياً
"يعد مشروع القطار الكهربائي السريع الأضخم في العالم وفي تاريخ شركة "سيمنز" الألمانية منذ تأسيسها قبل 175 عاماً"، حسبما نقلت وسائل إعلام مصرية العام الماضي.
القطار الكهربائي السريع يفترض أن يستغرق أقل من ساعة تقريباً لنقل الركاب بين القاهرة والإسكندرية (مسافة تستغرق أقل من ساعتين ونصف بالسيارة)، ونحو 4 ساعات بين القاهرة وأسوان.
وجاء التوقيع على هذه الصفقة بعد أقل من شهرين من اندلاع الأزمة الاقتصادية المصرية في مارس/آذار 2022، حيث شهد الرئيس عبد الفتاح السيسي في مايو/أيار 2022، مع المستشار الألماني أولاف شولتز عبر الفيديو كونفرانس توقيع العقد مع شركة "سيمنز" العالمية، لإنشاء منظومة متكاملة للقطار الكهربائي السريع في مصر بإجمالي 3 خطوط يبلغ طولها حوالي 2000 كم على مستوى البلاد.
التوقيع جرى على الأرجح في وقت كانت مصر قد بدأت مفاوضاتها الصعبة والطويلة مع صندوق النقد للحصول على قرض لمواجهة أزمة نقص الدولار، الناتجة – حسب الصندوق والمؤسسات الغربية- عن الأزمة الأوكرانية والتوسع في الإنفاق على المشروعات القومية المصرية العملاقة.
وقال رولاند بوش الرئيس التنفيذي لشركة سيمنز في بيان إن حصة شركته في المشروع تبلغ 8.1 مليار يورو (8.69 مليار دولار)، حسبما ورد في تقرير لموقع "دويتش فيله".
يشمل العقد تجهيز البنية التحتية للسكك الحديدية وإقامة ثمانية مستودعات ضخمة لتفريغ البضائع وساحات شحن مخصصة لتحميل البضائع، كما ينص العقد أيضاً على صيانة وإشراف تقني على هذه المنظومة لمدة 15 عاماً.
وستوفر هذه المنظومة المتطورة حوالي 40 ألف فرصة عمل في مصر من أجل بناء وتشغيل ومتابعة خطوط السكك الحديدية، مع 6700 فرصة عمل أخرى لموردين مصريين آخرين وفي قطاعات أخرى من الاقتصاد. ووفقاً لشركة سيمنز سيتمكن حوالي 90% من سكان مصر من الوصول بسهولة ويسر إلى شبكة السكك الحديدية.
وقالت صحيفة تاغس شبيغل الألمانية إن هذا المشروع الضخم، سيكون سادس أكبر نظام قطار سريع في العالم.
وفي 23 فبراير/شباط 2023، أعلنت مجموعة الإنشاءات الفرنسية "ان جي إي"، تعاقدها مع الحكومة المصرية للمشاركة في تنفيذ خط القطار فائق السرعة الذي سيربط بين ساحلي البحر الأحمر والبحر المتوسط، حيث ستتولى إنشاء خط سكك حديد بطول 330 كيلومترا من إجمالي 660 كيلومترا هي مسافة المرحلة الأولى من المشروع.
ما جدوى هذا المشروع بالنسبة لمصر؟
تشير المخططات إلى أن شبكة القطارات عالية السرعة ستشمل ثلاثة مسارات: "قناة السويس"، وهي طريق بطول 660 كيلومتراً بين العين السخنة ومرسى مطروح والإسكندرية، بالإضافة إلى ذلك، هناك طريقان للسكك الحديدية بطول حوالي 1100 كيلومتر بين القاهرة وأبوسمبل بالقرب من الحدود مع السودان (منطقة خاوية من السكان ولن لها أهمية سياحية) ويهدفان إلى ربط العاصمة الجديدة بالمراكز الاقتصادية الصاعدة في الجنوب.
ووفقاً لشركة سيمنز، سيبلغ طول الطريق الثالث حوالي 225 كيلومتراً. ويهدف خط السكك الحديدية هذا إلى جعل نقل البضائع والمواد بين ميناء سفاجا وداخل البلاد أكثر كفاءة واستدامة.
وأفادت التقارير بأن مصر تريد ربط مدنها الساحلية المهمة بالقاهرة والمراكز الداخلية الأصغر، وسيتم ربط 60 مدينة في مصر بشبكة السكك الحديدية الجديدة، وسيشكل هذا المشروع تحديثاً مهماً لقطاع النقل البري المصري، وبخاصة قطاع السكك الحديدية والذي شهد حوادث مميتة في السنوات الأخيرة.
ولكن أولى الإشكاليات بهذا المشروع هي المرتبطة بتوقيته المتزامن مع بدء الأزمة الاقتصادية الخانقة، وهي بالأساس أزمة دولار، خاصة أن المشروع لا يتضمن تصنيع أجزاء من القطارات في مصر، علماً بأن الصين قد اشترطت في صفقات مشابهة على الشركات الألمانية التصنيع المحلي ونقل الكنولوجيا لبكين وانتهى الأمر أنها تفوقت على برلين في مجال القطارات السريعة.
كما أن تمويل الصفقة ما زال غير واضح مصدره، بحسب ما نقل موقع دويتش فيله عن قناة WDR الألمانية، ولم تصدر الدولة المصرية أية توضيحات بهذا الشأن، وقد ينتهي الأمر بتمويله من بنوك ألمانية تجارية خاصة (تكون عادة بفوائد عالية) في ظل غياب أي حديث عن قرض حكومي ألماني لمصر لتمويل المشروع.
وتعد ألمانيا الناقد الدائم لانتهاكات حقوق الإنسان في العالم، شريكاً مهماً لمصر، خاصة بعد تولي الرئيس السيسي السلطة، وأبرمت معها صفقات للغواصات، واللافت أن المؤسسات الإعلامية والمالية الغربية المنتقدة للمشروعات المصرية الكبرى، لم تتحدث بالنقد تقريباً عن هذا المشروع وتوقيته وجدواه، بينما تركز على انتقاد العاصمة الجديدة التي يشارك بها الصينيون بنصيب كبير.
وإضافة للتساؤلات حول الجدوى المالية لمشروع بهذه الضخامة، فإن المشروع يحتاج لتحليل بشأن ثقافة استخدام القطار في مصر، فمن المعروف أن استخدام القطار في مصر، يتركز في الصعيد، وهو أفقر مناطق البلاد، الأمر الذي يثير تساؤلات حول قدرة أبناء هذه المنطقة على تحمل ثمن التذاكر المرتفع المتوقع لمثل هذا القطار المكلف.
على الجانب الآخر، فإن الخط الذي يربط بين ميناء العين السخنة على ساحل البحر الأحمر وبين ساحل المتوسط، هناك تساؤل حول جدواه، حيث تفيد التقارير عن المشروع أنه يهدف لتسهيل نقل البضائع من ساحل المتوسط لساحل البحر الأحمر، علماً بأن هذا يتم بالنسبة للبضائع الأجنبية عبر قناة السويس، مع ملاحظة أن النقل البحري أرخص، كما أنه في حال تفريغ البضائع في ميناء الإسكندرية ونقلها عبر القطار الألماني لميناء العين السخنة أو سفاجا، فبالإضافة لأنه سينافس قناة السويس فإن عملية التفريغ والتحميل تزيد التكلفة، إضافة لأن القطار نفسه ستكون تعريفته باهظة بسبب تقدمه وسرعته التي ليست ذات أهمية كبيرة في عملية نقل البضائع.
كما أن هناك ميناءين كبيرين للترانزيت في مصر هما بورسعيد ودمياط، يتوليان مهمة نقل الحاويات وتبادلها بين السفن.
أما افتراض أنه سيكون وسيلة للانتقال بين الإسكندرية والقاهرة أو بين منتجعات الساحل الشمالي وبين القاهرة ومنتجعات البحر الأحمر، فإن من يعرف تركيبة طبقة مرتادي هذه المناطق يعلم أنها لا تركب القطارات، بل إن جزءاً من ثقافتها الذهاب بسياراتها الفارهة (على الأقل بالمعيار المصري) للساحل الشمالي عبر الطرق السريعة، أولاً للتباهي أمام المعارف والفتيات، وثانياً لسهولة التنقل بين مكان وآخر في الساحل الشمالي الفسيح.
العلمين.. هل تكون "دبي المصرية"؟
تعد مدينة العلمين الجديدة واحدة من أكثر المشروعات إيثاراً لدى الرئيس السيسي، لدرجة أنه يشرف بنفسه على تشييد أبراج أيقونية في المدينة الساحلية.
وتوصف مدينة العلمين، بأنها عاصمة الساحل الشمالي، المقر الصيفي للنخبة المصرية المترفة، وهي تقسمه بين ساحل يقع شرقها، يطلق عليه تندراً، الساحل الطيب، لأنه يضم القرى السياحية القديمة، التي تتسم بقلة مظاهر الترف، وساحل يقع إلى الغرب منها، ويسمى بالساحل الشرير لأنه يضم القرى الجديدة الباذخة.
وتظهر أبراج المدينة الشاهقة محاولة لخلق دبي مصرية على ساحل البحر المتوسط، خاصة أن المدينة لها موقع استراتيجي، فهي على بعد نحو 260 كيلومتراً من القاهرة.
وبالفعل، باتت وسائل إعلام مصرية وإماراتية تصف العلمين بدبي المصرية أو دبي البحر المتوسط.
وهناك مؤشرات على نجاح محتمل لهذا المشروع بفضل موقعه الفريد، وسط تقارير بأن الشقق السكنية في أبراج المدينة حققت مبيعات جيدة على الأقل قبل الأزمة الاقتصادية الأخيرة.
وتحولت المدينة الساحلية عملياً إلى المقر الصيفي للحكومة المصرية، حسب وصف وسائل الإعلام المصرية، وذلك في عودة لتقليد كان قائماً في العهد الملكي، حيث كانت تنتقل الحكومة المصرية بكامل أعمالها إلى الإسكندرية في فصل الصيف.
واستضافت العلمين الجديدة في أغسطس/آب 2022، قمة عربية ، ضمت الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، مع الشيخ محمد بن زايد رئيس دولة الإمارات والعاهل الأردني الملك عبد الله والعاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.
ومن الأمور التي قد تزيد من الآفاق الإيجابية لمدينة العلمين اهتمام الإمارات بمنطقة الساحل الشمالي المصرية، حيث تراها منطقة واعدة اقتصادياً، خاصة في المجال السياحي، وضخت شركة إعمار الإماراتية قبل أشهر استثمارات ضخمة لتأسيس سلسلة جديدة من قرى مراسي السياحية الفخمة التي يبدو أنها ستحاكي جزيرة النخلة في دبي، من خلال ردم أجزاء من البحر.