لماذا يثير استخدام القوات الجوية الأمريكية القدرة على توظيف تقنية التعرّف على الوجوه في الطائرات من دون طيار انتقادات حادة؟ أخطاء الذكاء الاصطناعي وتاريخ العمليات الأمريكية وأسباب أخرى تثير الجدل.
وتقنية التعرف على الوجه ليست جديدة بطبيعة الحال، لكن التوسع في استخدامها مؤخراً، من جانب قوات الشرطة، وكذلك القوات المسلحة، بدأ يثير القلق من الناحية القانونية والأخلاقية أيضاً، خصوصاً في ظل التطور الكبير في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والذي لا يواكبه تطور مماثل في وضع الضوابط التي تحكم ذلك التوظيف.
وقد تسببت تقنية التعرف على الوجوه في مآسٍ إنسانية بالفعل، إذ يتم تصميم أحدث تقنيات التعرف على الوجوه للتعرف على الأشخاص الظاهرين على الكاميرات الأمنية في الوقت نفسه تقريباً. والهدف منها التأكد من مطابقة تسجيلات الكاميرا الأمنية للشخص، للصور المرتبطة بهويته والمحفوظة في قواعد بيانات مختلفة أو متاحة للجمهور على الإنترنت، مثل صور المشبوهين لدى الشرطة أو صفحات وسائل التواصل الاجتماعي.
المسيّرات يمكنها التعرّف على الوجوه!
مجلة Popular Mechanics الأمريكية نشرت تقريراً عنوانه "طائرات القوات الجوية المُسيَّرة يمكنها تعريف الوجوه الآن"، رصد كيف أصبحت القوات الجوية الأمريكية تمتلك القدرة على استخدام تقنية التعرف على الوجه في الطائرات من دون طيار، التي تُمكِّنها من استهداف أشخاص معينين.
ويمكن لقوات العمليات الخاصة استخدام هذه الطائرات من دون طيار لجمع المعلومات الاستخباراتية والمساعدة في مهام أخرى، وفقاً لعقد صفقة رصدته مجلة New Scientist لأول مرة. وتمثل هذه جزءاً من حركة متنامية لتطوير أسلحة آلية تثير أسئلة قانونية وأخلاقية.
تزعم شركة RealNetworks، صانعة برامج الطائرات من دون طيار، التي تتخذ من سياتل مقراً لها، أنَّ المركبة غير المأهولة ستستخدم الذكاء الاصطناعي للطيران بنفسها والتمييز بين الصديق والعدو. وذكرت الشركة أنه يمكن استخدام برنامجها أيضاً في مهام الإنقاذ وحماية المحيط وعمليات البحث المحلية.
ونظام الطائرات من دون طيار الجديد هذا ليس هو النظام الوحيد الخاص بطائرات مُسيَّرة الذي يحاول استخدام تقنية التعرف على الوجه. إذ تعمل شركة إسرائيلية على تطوير طائرة من دون طيار تستخدم الذكاء الاصطناعي لمساعدة هذا النوع من الطائرات في العثور على أفضل الزوايا للتعرف على الوجه.
وفي دبي، تستخدم الشرطة حتى الطائرات من دون طيار المُجهَّزة بميزة التعرف على الوجه لتعقب السائقين المتهورين. لكن في الولايات المتحدة، تواجه جهود الشرطة لاستخدام أنظمة التعرف على الوجه مقاومة من مناصري الخصوصية.
ففي عام 2021، تبنّى مجلس مدينة بورتلاند أحد أكثر أشكال الحظر صرامةً في البلاد على تقنية التعرف على الوجه. وأشار اتحاد الحريات المدنية في نيويورك إلى أنَّ الطائرات من دون طيار يمكن أن تكون مجهَّزة بقدرات مراقبة مختلفة؛ بما في ذلك التعرف على الوجه، والتعرف على طريقة تحريك الأطراف والمشاعر، أو اكتشاف السلوك. وتقول المجموعة إنَّ مثل هذه الأنظمة يمكن أن تكون غير دقيقة، وتؤدي إلى اعتقالات كاذبة.
إذ تتوسع الشرطة والمتاجر والمطارات والساحات الرياضية في استخدام كاميرات وتقنيات التعرف على الوجوه بصورة متسارعة ومتزايدة، لكن المعارضين لها يقولون إن نتائجها غالباً ما يتم الأخذ بها دون التحقق من مدى تطابقها مع الشخص، رغم وقوع أخطاء كثيرة.
وتناول موقع Axios الأمريكي قصة الانتشار السريع لتقنية التعرف على الوجوه، وما يكشفه ذلك من مخاطر مقلقة، حيث تتيح ميزة التعرف على الوجه أيضاً فتح قفل الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية دون الحاجة لكلمة مرور، وهو ما يمثل ثغرة يمكن أن يساء استغلالها.
وقد اعتقلت الشرطة الأمريكية مؤخراً في ولاية جورجيا رجلاً أسود، وظل قيد الاحتجاز لمدة أسبوع تقريباً بعد أن طابق نظام التعرف على الوجه وجهه بالخطأ مع وجه متهم بارتكاب عملية سطو في مدينة نيو أورلينز، وفقاً لما قاله محاميه لصحيفة The New Orleans Advocate.
وتم الإفراج عن الرجل بعد أن أدرك المحققون أنهم قد ارتكبوا خطأ بسبب تقنية التعرف على الوجوه، إذ أخبرهم الرجل المعتقل بأنه لم يذهب إلى لويزيانا على الإطلاق، وهو ما اتضح أنه صحيح، وفقاً لتقرير The Advocate.
الذكاء الاصطناعي في الأسلحة الفتاكة
صارت الطائرات من دون طيار جزءاً من المعدات العسكرية القياسية في النزاعات. كما تعتبر الطائرات المسلحة من دون طيار حالياً عنصراً أساسياً في الجهود الأمريكية، فيما تصفه واشنطن بأنه "الحرب على الإرهاب"، رغم ما تسببت فيه تلك الحرب من خراب دول وتشريد عشرات الملايين من البشر على مدى أكثر من عقدين من الزمان.
وفي الحرب الروسية في أوكرانيا، التي دخلت عامها الثاني، تلعب الطائرات من دون طيار دوراً رئيسياً في العمليات القتالية، بل إن البعض يعتبر المسيّرات أحد 3 أسلحة ساعدت القوات الأوكرانية على الصمود لمدة عام كامل أمام الهجوم الروسي. وقد خسرت روسيا مؤخراً 3 طائرات من دون طيار كانت تستخدمها للدفاع عن خط المواجهة ضد التقدم الأوكراني.
وقد تساعد الطائرات من دون طيار المستقبلية الطيارين البشريين. إذ يدرس سلاح الجو الأمريكي إمكانية إرسال أسطول من الطائرات من دون طيار للتحليق جنباً إلى جنب مع الطائرات المقاتلة ذات الطيارين. ويمكن توجيه أسطول الطائرات المقاتلة التعاونية من الطائرات القريبة وترافق مقاتلة الجيل القادم من الهيمنة الجوية، وربما أيضاً "إف-35".
مع انتشار الأسلحة الآلية مثل الطائرات من دون طيار، صارت موضوعات للنقاش أكثر فأكثر. يقول بعض الخبراء العسكريين إنَّ الطائرات من دون طيار تقلل الخسائر البشرية من خلال وضع عدد أقل من الجنود في طريق الأذى. لكن مراقبين آخرين يجادلون بأنَّ الطائرات من دون طيار تزيل العنصر البشري الحاسم عند استخدام القوة المميتة، وهو ما قد يؤدي إلى سقوط ضحايا أبرياء.