يبدو أن الرئيس التونسي قيس سعيد أصبح ينتهج نهجاً مشابهاً "للقوميين البيض" في الغرب هذا الأسبوع، إذ أصبح يتبنى وجهات نظر معادية للأجانب وتآمرية بشأن الهجرة، بينما اعتقلت حكومته المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء، ما جعل السكان السود في تونس قلقين على سلامتهم، كما يقول تقرير لصحيفة Washington Post الأمريكية.
وأدت إجراءات سعيّد، الذي عزز سلطته منذ انتخابه في عام 2019، إلى تآكل المؤسسات الديمقراطية في الدولة الواقعة في شمال إفريقيا. اشتهر بترويج نظريات المؤامرة لتبرير إحكام قبضته على السلطة. آخرها كانت مزاعمه بوجود مؤامرة استمرت لسنوات لجلب المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء إلى البلاد "لتغيير التركيبة السكانية لتونس"، على حد تعبيره.
قيس سعيّد يهاجم "جحافل المهاجرين السود"
قال سعيد لمستشاري الأمن القومي يوم الثلاثاء، 21 فبراير/شباط، بحسب بيان صادر عن الاجتماع نُشِرَ على موقع الرئاسة، إن "الموجات المتعاقبة من الهجرة غير المنتظمة" تهدف إلى تغيير صورة تونس إلى صورة أخرى بأنها "فقط دولة إفريقية لا انتماء لها للأمم العربية والإسلامية". ودعا إلى "وضع حد لهذه الظاهرة"، متهماً "جحافل المهاجرين السود غير الشرعيين" بالإجرام والعنف.
وألقت تصريحات قيس سعيد، التي تشير إلى بنية غامضة من النوايا الشائنة وراء الهجرة إلى البلاد، مقارنات بلغة "نظرية الاستبدال العظيم"، التي تنص على أن السياسات أو النخب التي ترحب بالهجرة تعمل على "استبدال" الأشخاص البيض في الدول الغربية، كما تقول "واشنطن بوست".
رُوِّجَت نظرية المؤامرة في السنوات الأخيرة من قبل القوميين الفرنسيين -الذين غالباً ما ينتقدون المهاجرين المسلمين في فرنسا، بما في ذلك من أصل تونسي- وقد رُبِطَت نظرية المؤامرة بهجمات تفوق البيض في شارلوتسفيل في أغسطس/آب 2017، وفي المسجد في كرايستشيرش، نيوزيلندا في مارس/آذار 2019، وفي سوبر ماركت في بوفالو في مايو/أيار 2022، من أحداث أمور أخرى.
إريك زمور يحتفي بتصريحات قيس سعيد
نالت تعليقات سعيد استحسان إريك زمور، زعيم اليمين المتطرف في فرنسا المعروف بآرائه المعادية للإسلام والمهاجرين، إذ قال في تغريدة على تويتر يوم الأربعاء: "بدأت دول الشمال إفريقية نفسها في دق ناقوس الخطر في مواجهة تصاعد الهجرة. هنا، تونس هي التي تريد اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية شعبها. ما الذي ننتظره لمحاربة الاستبدال العظيم؟".
إلى جانب حملة اعتقالات واسعة النطاق للمهاجرين، أثار الخطاب المتصاعد من القصر الرئاسي في الدولة ذات الأغلبية العربية الخوف بين المواطنين السود والمهاجرين على حد سواء من عنف الشوارع أو الاعتقال التعسفي، في بلد به نظام قضائي يخضع الآن إلى حد كبير لسيطرة الرئيس.
وأفادت وكالة الأنباء التونسية الرسمية بأن نحو 21 ألف مهاجر من جنوب الصحراء كانوا يعيشون في تونس في عام 2021، وفقاً لأحدث مسح رسمي. ويصل العديد من المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء إلى تونس بشكل قانوني للعمل أو للدراسة.
اعتقال لمئات المهاجرين في تونس وآخرون لم ينجوا من الاعتداءات
تقع تونس في أقصى الطرف الشمالي من إفريقيا، على البحر الأبيض المتوسط، وهي وجهة للأشخاص الفارين من العنف أو الفقر في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، ومركز عبور رئيسي لأولئك الذين يستقلون القوارب المتهالكة عبر البحر لطلب اللجوء في أوروبا.
كان هناك ما يقرب من 9 آلاف لاجئ وطالب لجوء في تونس اعتباراً من ديسمبر/كانون الأول 2022، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين. جاءوا من دول من بينها إريتريا والسودان والصومال، ومعظمهم يمرون عبر ليبيا، حيث ينتشر الاعتداء الجسدي والجنسي على المهاجرين.
لطالما واجه المهاجرون التمييز في تونس. ويعيش الأشخاص غير المسجلين، والمعرضين للاعتقال والاستغلال، في ظروف محفوفة بالمخاطر بشكل خاص، بحسب تقارير حقوقية.
احتجزت السلطات التونسية مئات المهاجرين هذا الشهر وانتهكت حقوق أولئك الذين أوقفوا عند حدود البلاد، وفقاً لرسالة مفتوحة وقعتها أكثر من 20 منظمة حقوقية الأسبوع الماضي، والتي اتهمت الحكومة التونسية بانتهاك التزاماتها بحماية اللاجئين وحقوق الإنسان بموجب القانون الدولي.
وجاء في الرسالة: "صمَّت الدولة التونسية آذانها عن تصاعد خطاب الكراهية والعنصرية على الشبكات الاجتماعية وفي بعض وسائل الإعلام التي تستهدف على وجه التحديد المهاجرين من أصل إفريقي جنوب الصحراء الكبرى". وأضافت الرسالة: "هذا الخطاب البغيض والعنصري يُكرَّس حتى من قبل بعض الأحزاب السياسية، التي تقوم بأعمال دعائية على الأرض، تسهِّلها السلطات الإقليمية".
خطاب العنصرية يهدد المواطنين السود في تونس والطلبة الأفارقة
من جهته، أعرب مجلس الأعمال التونسي الإفريقي عن "قلقه العميق"، يوم الخميس ٢٣ فبراير/شباط ٢٠٢٣، إذ أصدرت جمعية للطلاب والمتدربين النيجيريين في تونس بياناً حثت فيه الأعضاء على حمل وثائق الهوية دائماً وتجنب التسكع في أحياء معينة في المدن التونسية، أو الخروج دون داع أو في وقت متأخر من الليل، واستخدام وسائل النقل العام.
في إحدى منصات التواصل الاجتماعي، انتقد طالب ماجستير من كوت ديفوار، يدرس في جامعة تونسية، الجامعات لفشلها في حماية طلابها. وطلب بعض الإيفواريين من سفارتهم في تونس إعادتهم.
وفي بيان مشترك أُرسِلَ على واتساب يوم الخميس، قالت أكثر من 12 منظمة حقوقية تونسية إن تصريحات سعيد تعبر عن "العداء لقيم الإنسانية والتسامح الذي تتفاخر به الدولة التونسية". وأضاف البيان أن الجمهورية التونسية عُرفت تاريخياً بأنها إفريقية و"كانت وستظل دائماً ملتقى الحضارات والأعراق والأديان"، داعياً سعيد إلى إصدار اعتذار رسمي. ودعا نشطاء حقوقيون إلى مظاهرة بعد ظهر غد السبت في العاصمة تونس.
وكتب بعض النشطاء التونسيين منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تقدم الدعم للمهاجرين من جنوب الصحراء، بينما أصدر فريق كرة قدم محترف بارز ملابس تحمل اسم "إفريقيا".
وتقول جماعات حقوقية إن تصاعد الخطاب العنصري اللاذع يهدد المواطنين السود أيضاً. لطالما شكّل التونسيون السود نسبة كبيرة من السكان، يُقدَّر على نطاق واسع بأنهم يشكلون نحو 10 إلى 15% من سكان البلاد البالغ عددهم حوالي 12 مليون نسمة. ينحدر الكثير منهم ممن جُلِبوا إلى تونس قبل إلغاء العبودية هناك عام 1846، ولا يزالون يواجهون التمييز في المجتمع التونسي.
"خطاب عنصري يحفز على الكراهية والاعتداء على السود"
شاركت هدى مزوديت، المحللة السياسية التونسية السوداء المقيمة في تورنتو، على منصة تويتر، شهادات حارس عقار تونسي أسود كان يخشى استقلال وسائل النقل العام للذهاب إلى العمل، وعائلة تونسية سوداء واجهتها الشرطة في جنازة هذا الأسبوع.
وبصفتها تونسية سوداء، فقد شهدت العنصرية بشكل مباشر. عبَّرت تعليقات قيس سعيد عن "أكثر الاستعارات بدائية وعنصرية والأفكار المتحيزة ضد التونسيين السود" بين شرائح من السكان غير السود، على حد قولها، مضيفةً أنها تخشى أن يؤدي تكميم الحكومة للمعارضة إلى منع المزيد من التونسيين السود والمهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء من مشاركة شهاداتهم على ما يتعرضون له من تحرش أو عنف أو تمييز.
في أعقاب تصريحات سعيد، أصدرت منظمة Mnemty التونسية لمناهضة العنصرية، بياناً أدانت فيه "الخطاب العنصري الذي يحفز على الكراهية والاعتداء على السود". ودعت الرئاسة إلى اتباع نهج "أكثر موضوعية واحتراماً" مع تصاعد العداء تجاه السكان السود.