يعد الليثيوم معدناً ومورداً حيوياً حول العالم اليوم إلى حد وصفه بأنه "نفط القرن 21"، حيث يستخدم في إنتاج بطاريات للسيارات الكهربائية وغيرها من بطاريات الأجهزة عالية التقنية. وتعد الصين حالياً أكبر منتج ومستهلك لليثيوم في العالم، بينما تعد إفريقيا موطناً لاحتياطيات كبيرة من الليثيوم ومعادن أخرى مثل الكوبالت والنيكل والمنغنيز التي يعوّل عليها في تحول الطاقة عالمياً.
سباق محموم على إفريقيا موطن الليثيوم والمعادن الثمينة
تجذب هذه المعادن الحرجة الاهتمام العالمي لإفريقيا وتنافس القوى الكبرى عليها مثل الصين والولايات المتحدة وروسيا وغيرها، حيث تعد التربة الإفريقية غنية بالعديد من المعادن الاستراتيجية في الصناعات الحديثة.
لكن الآمال في أن تُترجم طفرة المعادن هذه إلى فجر جديد من الرخاء في أفقر قارات العالم، تخيم عليها ذكريات ما حدث مع النفط، إذ لم تزداد ثروات السكان الفقراء؛ بل زاد فقرهم ودُمّرت البيئة لديهم وتفاقم الفساد.
ويقول كبير الاقتصاديين السابق في بنك التنمية الإفريقي رباح أرزقي: "ليس هناك سبب وجيه للاعتقاد بأن هذه المكاسب ستفيد الشعوب الإفريقية، لا سيما بسبب مشاكل الحوكمة".
وتعدّ إفريقيا مسرحاً للتنافس الكبير على استغلال هذه المعادن؛ إذ إن إمكاناتها "هائلة"، وفق أرزقي الذي يقول إن الاحتياطيات غير معروفة؛ إذ إن الأرض غير مستغلّة كثيراً.
وتتعاقب الإعلانات عن العثور على معادن بوتيرة سريعة مؤخراً، فشركة "فاير فينش" المحدودة الأسترالية كانت تبحث عن ذهب في غولامينا في مالي حين عثرت على الليثيوم، حسبما قال المدير المحلي للشركة والخبير الجيولوجي سيدو سيميغا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
عندها، أنشأت "فاير فينش" فرعاً محلياً لها باسم "ليو ليثيوم" Leo Lithium وافتتحت منجماً في مطلع العام 2022، وهي منشأة تقول الشركة إنها تخلق 1200 وظيفة وتولّد أكثر من 100 مليون دولار سنوياً من الضرائب والأرباح لدولة مالي.
معادن إفريقيا.. هل تكون نعمة عليها أم نقمة؟
من جهتها، تتحدث شركة "كوميلوغ" Comilog التي تشغّل منجم مواندا لاستخراج المنغنيز في دولة الغابون منذ 1960، عن خلق 3400 وظيفة مباشرة و6000 وظيفة غير مباشرة، ما يساهم بنحو 345 مليون دولار سنوياً في الاقتصاد الوطني بأشكال مختلفة، بالإضافة إلى ملايين الدولارات في مخصصات الصحة والتعليم للسكان.
ويُنظر إلى المنغنيز تقليدياً على أنه مادة رطبة مفيدة تستخدم على نطاق واسع في الفولاذ والسبائك. وفي الآونة الأخيرة، اكتسب المعدن الفضي مكانة مهمة بفضل دوره الناشئ في بطاريات السيارات القابلة لإعادة الشحن، ما يساعد على إبعاد العالم عن الوقود الأحفوري الذي ينبعث منه الكربون.
تحتوي دولة الغابون نحو 25% من احتياطيات المنغنيز حول العالم، وفق تقديرات شركة نهر أوغوي للتعدين Compagnie minière de l'Ogooué التابعة لمجموعة "إيراميت" Eramet الفرنسية التي تستغلّ الموقع.
وقال مدير شركة "كوميلوغ" العام ليود بول باتولو لوكالة الأنباء الفرنسية: "يجب أن يكون هناك سياسة اجتماعية ملتزمة قدر الإمكان بتقاسم هذه الثروة". لكن بشكل عام، تشير دراسات عديدة إلى أن استغلال الموارد في إفريقيا له تاريخ طويل ومظلم من التوزيع غير العادل للثروة والفساد والأضرار البيئية وانتهاكات الحقوق.
ويشير عالم الجغرافيا في المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية جيل لوبوزان إلى أن هناك مشكلة كبيرة تتمثل في أن إفريقيا تُستخدم عادة كمصدر للمواد الخام ونادراً ما تُستخدم لتحويل هذه المواد إلى سلع ذات قيمة أعلى. ويقول: "إذا اقتصر النشاط على التعدين واستخراج الخام، لن تجني إفريقيا أي فائدة من تحول الطاقة في أوروبا. الاستثمار في سلسلة ضروري جداً".
وقدّم جمهورية الكونغو الديموقراطية، التي يُقدّر أن أراضيها تحتوي على نصف احتياطيات العالم من الكوبالت، كمثال على ما قد يكون "نعمة ونقمة في نفس الوقت". ويشهد البلد الإفريقي، الذي يُعدّ فيه التعدين سيء التنظيم، أضراراً بيئية، ويحثّ على عمالة الأطفال التي يصعب إنهاؤها حين تعتمد الأسرة عليها للعيش.
في قطاع الغابات الاستوائية، طالبت عدة دول غنية بإمكانية تتبع الأخشاب والعمالة من أجل طمأنة المستهلكين المعنيين. لكن تحقيق ذلك أصعب بكثير في المعادن المستخدمة في بطاريات السيارات والأدوات الأخرى. وفي الكثير من الحالات، يتم تصدير المعدن المستخرج للتكرير إلى دول أخرى مثل الصين ثم يُدمَج مع معادن أخرى.
الصين تهيمن على صناعة التعدين في إفريقيا
أدى الطلب المتزايد على السيارات الكهربائية والأجهزة الأخرى التي تعمل بالليثيوم إلى اهتمام متزايد باستخراج الليثيوم والكوبالت من إفريقيا من قِبل الشركات الصينية.
ويقول تقرير لمجلة Modern Diplomacy الأوروبية إن سياسات تعدين الليثيوم في إفريقيا تعتبر معقدة ومثيرة للجدل في كثير من الأحيان. تنظر بعض البلدان الإفريقية إلى تعدين الليثيوم على أنه فرصة للتنمية الاقتصادية وخلق فرص العمل، في حين أن البعض الآخر يشعر بالقلق إزاء الأثر البيئي لعمليات التعدين والاستغلال المحتمل للمجتمعات المحلية. هناك أيضاً بُعد جيوسياسي لهذه القضية، حيث تسعى الصين إلى تأمين الوصول إلى الموارد الحيوية وتوسيع نفوذها في إفريقيا.
مع زيادة الطلب على المعدن خلال العقود الأخيرة، أصبح استخراجه قضية سياسية واستراتيجية مهمة، غالباً ما يضع التنمية الاقتصادية وخلق فرص العمل في مواجهة المخاوف البيئية. وفي الوقت نفسه، ظهرت مصالح جيوسياسية، مع سعي الصين لتأمين الوصول إلى الموارد الحيوية وتوسيع نفوذها في إفريقيا.
وتعد الصين أكبر مستهلك لليثيوم في العالم، والذي يستخدم بشكل أساسي في إنتاج بطاريات أيونات الليثيوم للسيارات الكهربائية وتطبيقات تخزين الطاقة الأخرى.
وفقاً لبيانات هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، أنتجت الصين حوالي 80 ألف طن متري من الليثيوم في عام 2020، وهو ما يمثل حوالي 62٪ من الإنتاج العالمي.
الأهم الآخر، هو أن الصين تمثل أيضاً ما يقرب من 80٪ من طاقة إنتاج الليثيوم الكيماوية العالمية اعتباراً من عام 2020. ومن حيث استهلاك الليثيوم، استحوذت الصين على حوالي 64٪ من الطلب العالمي في عام 2020، حيث كانت صناعة السيارات الكهربائية مدفوعة بمعظم هذا الطلب. وفقاً للجمعية الصينية لمصنعي السيارات، وصلت مبيعات السيارات الكهربائية الصينية إلى 3.9 مليون وحدة في عام 2020، ارتفاعاً من 1.2 مليون في عام 2018.
كيف ينظر إلى أنشطة التعدين الصينية في إفريقيا؟
من منظور اقتصادي، يمكن لأنشطة التعدين الصينية في إفريقيا أن تجلب الاستثمار الذي تشتد الحاجة إليه وفرص العمل للقارة؛ حيث إن استخراج الليثيوم لديه القدرة على توفير دفعة كبيرة لاقتصاديات البلدان الإفريقية، لا سيما تلك التي لديها احتياطيات كبيرة من المعدن. على سبيل المثال، يُعتقد أن جمهورية الكونغو الديمقراطية (DRC) لديها أكبر احتياطيات في العالم من الليثيوم، تقدر بحوالي 47000 طن.
ومع ذلك، فإن فوائد تعدين الليثيوم ليست موزعة بالتساوي، ويمكن للصناعة أن تفاقم التفاوتات الاقتصادية القائمة. في كثير من الحالات، تكون الشركات متعددة الجنسيات هي التي تقوم بالتعدين، وغالباً ما تتدفق الأرباح التي تولدها إلى خارج البلاد، بدلاً من إعادة استثمارها في المجتمعات المحلية.
في النهاية، يمكن لتطوير سلاسل توريد التعدين المحلية أن يدعم الصناعات النهائية ويوفر مساراً للبلدان الإفريقية للمشاركة في التحول العالمي للطاقة النظيفة. ومع ذلك، من المهم أيضاً مراعاة الآثار البيئية والاجتماعية المحتملة لعمليات التعدين، بما في ذلك نزوح المجتمعات المحلية وتدهور الموائل الطبيعية.
فتعدين الليثيوم له آثار بيئية كبيرة، لا سيما في استخراج المعادن ومعالجتها. تتضمن العملية عادةً تعديناً مفتوحاً على نطاق واسع، والذي يمكن أن يكون له تأثيرات كبيرة على جودة التربة والمياه والهواء. علاوة على ذلك، غالباً ما تتضمن معالجة الليثيوم استخدام مواد كيميائية سامة، والتي يمكن أن تسبب تلوثاً مباشرة على العمال، وتلوثاً للبيئة المحيطة.