الخلاف بين البرهان وحميدتي أقوى رجلين في السودان يبدو أنه وصل لمستوى غير مسبوق، بعد إبداء الأخير ندمه على المشاركة بالانقلاب على الحكومة المدنية قبل عامين، وسط مؤشرات على إمكانية تحول الأزمة لصراع مفتوح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، خاصة أن كلاً من الرجلين لديه أوراق قوة وحلفاء خارجيين وداخلين.
وبينما تتراوح العلاقة بين قائد الجيش السوداني ورئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان وبين نائب رئيس مجلس السيادة وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو بين الصعود والهبوط، لكنها شهدت خلافاً صريحاً مؤخراً في ظل مخاوف دائمة لدى بعض المراقبين والمحللين السودانيين، من أن مواجهة عسكرية دموية قد تكون حتمية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع عاجلاً، أو آجلاً.
أسباب الخلاف بين البرهان وحميدتي
الخلاف بين البرهان وحميدتي قديم، ومزمن، ولكنه تصاعد مؤخراً.
كانت أوضح مظاهر الخلاف بين البرهان وحميدتي إقرار الأخير في خطاب متلفز في 19 فبراير/شباط 2023، بخطأ مشاركته في الانقلاب العسكري على رئيس الحكومة المؤقتة السابق عبد الله حمدوك في أكتوبر/تشرين الأول 2021، وهي الحكومة التي كان ينظر لها أنها ممثلة لائتلاف الحرية والتغيير الطرف الرئيسي الذي وقع نيابة عن القوى المدنية والثورية على وثيقة تسليم السلطة التي وقعت عام 2019، بعد رحيل نظام البشير،
وبينما دعا حميدتي في خطابه الأخير، لضرورة إبعاد الجيش عن السياسة والاقتصاد في السودان، كرر البرهان مراراً أن تلك الإجراءات (إشارة للانقلاب على حمدوك) كانت ضرورة لإنقاذ البلاد وتصحيح مسار الثورة.
ورغم توقيع المدنيين الذين أُقيلوا بعد الانقلاب، على اتفاق إطار جديد مع السلطة العسكرية في ديسمبر/كانون الأول الماضي، بتقاسم السلطة، إلا أن الاتفاق لم ينفذ، علماً بأنه شرط أساسي لعودة المساعدات الدولية، التي تشكّل 40% من ميزانية حكومة السودان، الذي يعدّ من أفقر دول العالم.
ويعتقد أن تصريح حميدتي الأخير بشأن خطأ مشاركته في الإطاحة بحمدوك يأتي رداً على خطاب عبد الفتاح البرهان، الذي تحدث عن ضرورة دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني ضمن الاتفاق السياسي، من أجل تكوين جيش وطني سوداني موحد.
ويبدو أن هناك خلافاً أيضاً على الاتفاق الإطاري الأخير مع ائتلاف الحرية والتغيير- القيادة المركزية، حيث يلمح البرهان وقادة الجيش إلى أنه ليس ملزماً بشكله الحالي للجيش؛ لأنه لا يضم كل القوى السياسية.
أما حميدتي، فقد جدد التزامه بالاتفاق الإطاري، مشيراً إلى أن "الاتفاق حزمة واحدة يجب أن تنفذ كلها دون تجزئة"، في مؤشر على اعتباره القوى السياسية المشاركة فيه كافية، في مغازلة واضحة لقوى الحرية والتغيير.
ويعكس حجم الخلاف وتصريحات حميدتي محاولته البحث عن شرعية وقوى سياسية مدنية مساعدة له من جهة أخرى، لا سيما أنه يخشى الخروج من المعادلة السياسية، حسبما كشف سياسيون ومحللون سودانيون.
كما يعكس الخطاب مدى حجم الخلاف بين قوات الدعم السريع كمؤسسة، والجيش السوداني، بحسب ما قال الدكتور محمد تورشين، المحلل السياسي السوداني، في تقرير سابق لـ"عربي بوست".
ومع احتمالات تصاعد الخلاف بين البرهان وحميدتي وتحوله لخلاف مفتوح، في ظل قيادة الأول للجيش والثاني لقوات الدعم السريع، نرصد في هذا التقرير نقاط القوة لكل منهما سياسياً ومالياً وعسكرياً، ومن هم الحلفاء الأقرب لكل جانب، داخلياً وخارجياً، والقوة العسكرية التي يستند إليهما كل منهما.
جذور العلاقة بين حميدتي والبرهان
تعود العلاقة بين البرهان وحميدتي إلى عقدين سابقين، إلى دارفور، فقد قاتل البرهان في المنطقة، وكان عقيداً في الاستخبارات العسكرية ينسق هجمات الجيش والميليشيات في ولاية غرب دارفور من 2003 إلى 2005.
وتحولا لحليفين بعد عزل البشير، الذي كان يثق في الرجلين بشدة؛ حيث كان البرهان مفتشاً عاماً للجيش، بما يعني أنه مكلف من الرئيس السابق بالرقابة على الجيش، بينما كان يدلل البشير حميدتي بـ"حمايتي" بعد دوره في القضاء على التمرد في دارفور وإجهاض تمرد ابن عمه موسى هلال زعيم ميليشيات الجنجاويد السابق، الحليف بعد انقلابه على السلطة، كما علا نجم حميدتي بعد دور قوات الدعم السريع في صد هجوم المعارضة الدارفورية المسلحة المفاجئ على مدينة درمان شقيقة العاصمة الخرطوم.
ثم وصلت العلاقة بين البرهان وحميدتي للتحالف الحالي، بعد الإطاحة بوزير الدفاع عبد الرحمن بن عوف الذي تولى السلطة بعد عزل البشير، حيث أصبح البرهان رئيساً لمجلس السيادة وقائداً للجيش، رغم أنه لم يكن قائد صف أول في القوات المسلحة، ولذا يعتقد أن ذلك بدعم من حميدتي ودعم إقليمي، فيما أصبح حمدان نائب رئيس مجلس السيادة، وتحالف الرجلان ضد القوى المدنية.
تقارير عن حشد عسكري متبادل
حتى قبل الخلاف الأخير بين البرهان وحميدتي أفادت تقارير سودانية إعلامية عدة عن تعزيز الجيش السوداني والدعم السريع لعملية التسليح وحشد القوات، وتنافس الرجلان لجذب المؤسسات العسكرية والأمنية، كل لصالحه، بل انتقل الصراع بينهما للخدمة المدنية، باحتدام التنازع على الوظائف.
ووصل التوتر بين الجيش والدعم السريع في السابق إلى وضع حواجز جديدة أحاط بها الجيش القيادة العامة للقوات المسلحة.
ونقلت صحيفة "سودان تربيون" عن مصادر أن مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الإفريقية مولي حذرت في مناسبة سابقة من وقع مواجهة بين الطرفين، مع ازدياد رقعة الخلافات والمخاوف من وقوع صراع بين الرجلين عسكرياً، من خلال التسليح وتقوية الشركات الاقتصادية القوات والسيطرة على الخدمة المدنية، وأنها طلبت من قائد الجيش ضرورة تجنب هذا الاحتمال فوراً.
يقول الباحث في الشؤون السياسية د. أمجد النعيم، لـ"سودان تربيون" إن الصراع المصيري الذي يقوم به البرهان ودقلو، حول الخدمة المدنية والسيطرة عليها سيؤدي إلى انهيار العملية الخدمية في البلاد.
أدوات القوة في يد البرهان وأهم حلفائه
مصر الداعم الخارجي الأقرب لقائد الجيش السوداني
بينما ينظر إلى الدول العربية الرئيسية مثل مصر وأغلب دول الخليج بأنهم حلفاء لمجمل القوى العسكرية الحاكمة في السودان بقيادة البرهان وحميدتي، معاً، فإن مواقف هذه الدول قد تتباين في حال الخلاف بين الرجلين.
ويعتقد أن أبرز الحلفاء الخارجيين للبرهان هم مصر، فتاريخياً، الدولة المصرية، تميل للتعامل مع المؤسسة العسكرية وتنفر من الميليشيات، وزاد هذا التوجه بعد تولي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي السلطة، ولن يُنسى مشهد تأدية البرهان للسيسي التحية العسكرية في لقاء بينهما، في مؤشر على حميمية العلاقة بين الطرفين.
ويقول باتريك سميث، محرر مجلة Africa Confidential: "إن المصريين يفضلون البرهان بسبب تلقي تدريباته العسكرية في القاهرة"، حسبما نقل عنه تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
ومؤخراً استضافت القاهرة مجموعات سودانية توصف بالمعارضة على خلاف مع ائتلاف الحرية والتغيير (كثير منها من شرق السودان)، وأسست ما يشبه التحالف الثالث الذي يحاول كسر احتكار تمثيل ائتلاف الحرية والتغيير للتفاوض مع قيادة الجيش على مستقبل السودان، وهو توجه من شأنه خدمة البرهان وقيادة الجيش عبر إضعاف موقف ائتلاف الحرية كممثل للقوى المدنية.
رغم أنه لا يعتقد أن هناك خلافاً بين القاهرة وحميدتي، ولكن نهج مصر التقليدي يرجح انحيازها للبرهان، في حال وقوع خلاف بينه وبين حميدتي، خاصة أن الأخير ابن الغرب السوداني البعيد نسبياً عن مصر.
في عام 2021، وسط حديث عن خلاف مماثل، قال جوناس هورنر، كبير محللي شؤون السودان في Crisis Group، لموقع Middle East Eye البريطاني: "جمعت القاهرة البرهان وحميدتي في أعقاب نذر انفجار بين الجيش وقوات الدعم السريع".
يقول التقرير: "لقد أدت كراهية مشتركة تجاه المدنيين واحتمال انتقال السلطة لهم لتجنب الصراع بينهما لأنهما في نفس القارب".
أمريكا.. هل هي أقرب للبرهان؟
رغم أنه يفترض أن الولايات المتحدة أقرب للقوى المدنية وتشجع التحول الديمقراطي. ولكن مع احتمالات حدوث صراع بين البرهان وحميدتي، فإن موقفها سيكون حاسماً.
ويعتقد أن هناك محاولة من القاهرة لتعزيز علاقة واشنطن بالقوى المؤيدة للبرهان، عبر صلاح قوش، رئيس المخابرات السوداني السابق، الذي يعيش في القاهرة، ويقال إنه مفتاح المسار المصري. ويعتقد أيضاً أنه مهد الطريق لعملاء المخابرات السودانية لزيارة واشنطن في يناير/كانون الثاني الماضي، حسب موقع Middle East Eye.
الجيش السوداني مركز نفوذ البرهان، ولكن هل ولاء قياداته مضمون؟
أبرز نقاط قوة البرهان أنه رأس الدولة والجيش، وبالتالي المسيطر على أجهزة الدولة من الناحية السياسية، والآمر الناهي لقوات الجيش السوداني النظامية، والتي رغم معاناتها من الحروب والمتوالية، وتزايد دور قوات الدعم السريع على حسابها أحياناً، ما زالت مؤسسة قوية ومتماسكة وتتسم بانضباط نسبي، وعلى الأرجح فإن جزءاً من قيادتها يخشى صعود دور القوى المدنية والدعم السريع على السواء.
ولكن يجب تذكر أن البرهان نفسه الذي كان مفتشاً عاماً للجيش السوداني في عهد البشير، قد أطاح بعد عزل الرئيس السوداني السابق بوزير الدفاع السوداني عبد الرحمن بن عوف، وهذا تم على الأغلب بدعم من قيادات الجيش، وبعض الدول الإقليمية، ولا يعرف مدى ولاء القيادات للبرهان، وخاصة في مواجهة صراع مفتوح أو خلاف مفتوح مع قوات الدعم السريع، خاصة أن حميدتي يعتقد أن نفوذه واسع في السودان عبر تحالفاته وإمكانياته المالية التي يمكن أن يخترق بعض قيادات الجيش، خاصة المتنافسة مع البرهان.
محاولة لجذب أنصار النظام السابق
سبق أن نقلت صحيفة سودان تريببيون عن مسؤولين سودانيين أن إرشادات قدمها مقربون من حميدتي وتحليلات قامت بها استخبارات الدعم السريع أكدت أن البرهان سعى عقب الإطاحة بحكومة حمدوك، لتعزيز سيطرته على مفاصل الخدمة المدنية وحسم الصراع حولها بتجميد أعمال لجنة تفكيك نظام 30 يونيو/حزيران، وإعادة نظام الإسلاميين عبر قرارات قضائية لضمان الولاء، وجاء اتخاذ البرهان تلك الخطوة "المحفوفة بالمخاطر" بإعادة عناصر النظام السابق إلى الخدمة المدنية للحد من سيطرة حميدتي عليها.
وتنقل الصحيفة عن مستشار سابق لحميدتي أن الجزئيات الخاصة بإعادة "الإسلاميين" ومنسوبي النظام السابق لوظائفهم بالخدمة المدنية، ذات أهمية بالغة في التأثير على أحلام قائد الدعم السريع من منطلق مشاعر الكراهية التي لا يخفيها الإسلاميون لحميدتي، وربما "تشكل خطوة حاسمة في مصير صراعه للسيطرة عليها، خاصة بعد الضغط المقصود عليه للقبول بهيكلة ودمج قواته في الجيش".
ولكن قد يكون هذا التسريب متعمداً من قبل حميدتي في إطار محاولته اجتذاب القوى اليسارية والليبرالية المعادية للإسلاميين، خاصة أنه يبدو أنه أصبح يحاول التحالف معهم حالياً.
الجيش عزز نفوذه في أجهزة الدولة منذ عزل البشير
تفيد تقارير بمحاولة العسكريين تعزيز سيطرتهم على أجهزة الحكومة بعد إضعاف حمدتي نسبياً بها وأن هذه الجهود بدأت منذ 11 أبريل/نيسان 2019 عقب عزل الرئيس السابق عمر البشير.
وتمت صناعة قيادات مدنية لتحقيق أهداف سيطرة المؤسسة العسكرية على الخدمة المدنية، خاصة في القطاعات الاقتصادية والمالية وبنك السودان، وشركات الذهب الحكومية.
أهم أدوات القوة في يد حميدتي وحلفائه
كان حميدتي أحد أمراء الحرب المحليين بدون تعليم رسمي، ويعتقد أنه كان تاجر إبل ينتمي لعشيرة عربية كبيرة عانت من هجمات متمردي دارفور، وشارك أعضاء منها في ميليشيات الجنجاويد الحليفة للحكومة في عهد البشير والمتهمة بارتكاب فظائع بحق القبائل الإفريقية.
وعلا نجم حميدتي بعد قيادته للجنجاويد، وخاصة عقب مساهمته في القضاء على تمرد زعيم هذه الميليشيات السابق موسى هلال على البشير، وتحوَّل الجنجاويد إلى قوات الدعم السريع وأصبحت قوة فاعلة تابعة للحكومة شبه نظامية.
وبعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر حسن البشير من السلطة، في عام 2019، أصبح حميدتي نائب البرهان في الجانب العسكري من الحكومة.
أبرز داعمي حميدتي الخارجيين.. دول الخليج وخاصة الإمارات
رغم علاقات السعودية والإمارات القوية مع البرهان، يقول باتريك سميث، محرر مجلة Africa Confidential: "حميدتي محارب الصحراء الثري هو أكثر ملاءمة للأذواق الخليجية خاصة للإمارات".
ويقال إن حميدتي مقرب من حاكم أبوظبي، محمد بن زايد، وسط تقارير أن السودان يصدر 16 مليار دولار من الذهب إلى الإمارات كل عام، وتلعب دبي دوراً في تجارة الذهب الذي يسيطر عليها حميدتي وإخوته، خاصة في دارفور، حسب موقع ميدل إيست البريطاني.
كما يعتقد أن لدى حميدتي علاقة جيدة مع السعودية، حيث ساهم حتى قبل سقوط البشير في نقل المقاتلين السودانيين لحرب اليمن.
في فترة من الفترات، شمل التعاون بين حميدتي والإمارات توريد المرتزقة للقتال بجانب أمير الحرب خليفة حفتر في ليبيا.
روسيا.. حميدتي لديه علاقة مع فاغنر، ولكن ماذا عن موقفها من البرهان؟
أبرمت روسيا اتفاقاً مع البشير لتأسيس قاعدة عسكرية على الساحل السوداني على البحر الأحمر، في وقت كانت تعاني الخرطوم من عزلة عربية ودولية.
ولكن بعد الإطاحة بالبشير، هناك مؤشرات على تمنع سوداني عن المضي قدماً في الاتفاق، وقد يكون ذلك بدفع من قبل القوى الليبرالية واليسارية القريبة من الغرب والأكثر حساسية لإقامة قواعد عسكرية، كما قد يكون الأمر مرتبطاً بموقف الجيش السوداني وقائده البرهان، سواء لأسباب تتعلق بالأمن القومي أو بالتحالفات الخارجية وعدم الرغبة في إغضاب واشنطن.
وتشمل مصالح روسيا في السودان التعدين – وخاصة الذهب – وصادرات القمح والأسمدة الروسية للسودان.
يقول Middle East Eye إن وجود مجموعة فاغنر في السودان والمنطقة المحيطة أمر مثبت.
ويُعتقد أن حميدتي مرتبط بفاغنر من خلال ميليشيا قوات الدعم السريع وله علاقات وثيقة مع موسكو، التي زارها مع بدء الحرب في أوكرانيا.
وخلال زيارة قريبة لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، تمت مناقشة رغبة روسيا في إنشاء ميناء على البحر الأحمر، وأعاد حميدتي الاقتراح معه إلى الخرطوم بعد زيارته لموسكو. قالت مصادر مطلعة على المحادثات لموقع Middle East Eye إن البرهان كان معارضاً للاقتراح الروسي، ويبدو الآن أن الإمارات العربية المتحدة ستتولى مشروع الميناء، على الرغم من ادعاء لافروف خلاف ذلك، حسب الموقع.
أوروبا.. اتهامات بتمويل ميليشيات الجنجاويد سابقاً
رغم أن أوروبا ملأت العالم صراخاً ضد مذابح دارفور المرتكبة من قبل الجنجاويد، إلا أن صحفاً غربية تتهم الأوروبيين بتمويل قوات الدعم السريع سليلة الجنجاويد لفترة لتقوم بوقف الهجرة غير الشرعية عبر السودان.
ولكن يظل نفوذ أوروبا في السودان محدوداً ويرتبط بالجانب الاقتصادي وأقرب للموقف الأمريكي، الذي يبدو أقرب للحياد بين الرجلين، مع توقع أن الغرب بصفة عامة يفضل مخاطبة العسكريين النظاميين على الميليشيات رغم جهود حميدتي لتلميع صورته في الخارج.
مدى نفوذ حميدتي داخل الحكومة السودانية
يسيطر حميدتي وأشقاؤه حالياً، وأبرزهم عبد الرحيم حمدان دقلو، على مناجم الذهب في دارفور، عبر ما يعرف بشركة الجنيد التي تدر أموالاً طائلة، تجعله على الأرجح أغنى رجل في السودان، وتمكنه من الاستثمار على تعزيز نفوذه في كل أقاليم البلاد ومؤسساتها.
وهناك صراع نفوذ بين البرهان وحميدتي على مؤسسات الخدمة المدنية.
وداخل دوائر الحكومة، بدأت تحركات الدعم السريع لترسيخ نفوذها بعد إضراب شهير أعقب سقوط نظام البشير، نفذه العاملون في الكهرباء تدخل إثره القائد الثاني لقوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو لإيقاف الإضراب، حينما قام بزيارة العاملين ومخاطبتهم.
ومنذ تشكيل الحكومة الانتقالية الأولى بدأ حميدتي في وضع أولى خطواته نحو تثبيت دعائم السيطرة على الخدمة المدنية، وبخلاف التضييق الاقتصادي كمدخل للسيطرة على العمل العام والموظفين، استبق حميدتي، البرهان بمحاولة للتقرب لقطاعين مهمين هما المعلمون، والعاملون في الكهرباء، حسب صحيفة سودان تريبيون.
ولكن يعتقد أن محاولات حميدتي أصيبت بنكسات بسبب جهود البرهان المضادة، وكذلك توريطه لحميدتي في عدد من الملفات الحكومية الصعبة مثل الاقتصاد في بعض الأوقات، والتي لم تكلل جهود حميدتي فيها بنجاح كبير.
وإضافة لجهوده في اختراق المؤسسات الحكومية، فإن حميدتي لديه ما يشبه حكومته الخاصة.
وسبق أن كشفت مصادر قريبة من موظفين يعملون مع حميدتي، أن الأخير يوظف بين 5-8 آلاف شخص، في تخصصات مختلفة ويعملون في شركات تجارية وصناعية وإعلامية ومنظمات.
ينال هؤلاء الموظفون بحسب المصادر نحو (600) ألف دولار، تتلقاها المؤسسات الإعلامية التابعة للدعم السريع.
ويتصل مستشارون لحميدتي بمجموعة من الصحفيين، يتم تقديمهم كمؤيدين لقائد قوات الدعم السريع، كما يقودون خط الدفاع الإعلامي عنه، بمثل ما يعمد بعض العسكريين بمجلس السيادة لخطوات مشابهة.
أبرز الحلفاء الداخليين لحميدتي هم أعداؤه السابقون في دارفور
يطلق على القوات المتمردة السابقة في أنحاء السودان التي تصالحت مع الحكومة اسم قوى الكفاح المسلح، ورغم صراعها السابق في الجنوب والشرق والغرب، مع الحكومة لعقود في بعض الأحيان، يعتقد أن أغلبها أقرب للنظام منها للمعارضة المدنية، رغم أنها تصنف نفسها كمعارضة.
وكانت مواقف هذه القوى أداة لإفشال وإفساد كثير من الاتفاقات عادة بين الجيش والقوى المدنية، ومنحت الفرصة للتنصل من وثيقة نقل السلطة الرئيسية المبرمة في عام 2019، وتعديلها وإطالة الفترة الانتقالية ومنع تسليم البرهان رئاسة مجلس السيادة لعضو مدني.
وداخل النظام يعتقد أن قوى الكفاح المسلح أقرب لحميدتي من البرهان والجيش، رغم حقيقة أن هذه القوى مشهورة بتقلب مواقفها، (مثل مشاركة بعضها في الانقلاب ضد حمدوك ثم انتقاده لاحقاً).
ويعمد حميدتي للعب على التوتر والتناقضات الإقليمية السودانية، محاولاً تقديم نفسه كممثل لإقليم دارفور بغرب السودان، فرغم تورطه في الحرب الأهلية بالإقليم بين القبائل العربية والإفريقية، فإنه تصالح مع زعماء الحركات الدارفورية، وأصبح حليفهم إن لم يكن راعيهم.
بل إن حميدتي يقدم نفسه كممثل للغرب السوداني برمته المهمش تاريخياً والذي يقال إن وزنه السكاني قد زاد، مقابل ما يصفه بسيطرة الوسط السوداني، وأحياناً يرسل إشارات لإعادة إنتاج الصراع التاريخي بين أولاد البحر (النيل في وسط السودان) والغرب.
موقف متقلب من القوى المدنية والإسلاميين
يقدم حميدتي نفسه أحياناً كخصم للإسلاميين، ثم أحياناً يغازلهم، وفي فترات يبحث عن علاقات مع قطر وتركيا بعيداً عن الإمارات.
وفي الوقت الحالي يبدو أن حميدتي يتجه لمغازلة القوى المدنية في صراعه المحتمل مع البرهان.
وسبق أن قال في إطار هذه المحاولات إنه الشخص الوحيد في اللجنة الأمنية الذي رفض فض الاعتصام قبل خلع الرئيس عمر البشير، علماً بأن قوات الدعم السريع هي المتهم الرئيس في مذبحة القيادة العامة التي نُفِّذت ضد معتصمين أمام الجيش السوداني بعد رحيل البشير عام 2019.
مع من تقف إسرائيل، ولماذا يمثل السودان أهمية كبيرة لها؟
"البحر الأحمر مهم جداً لإسرائيل، للتأكد من أن سواحله ليست معادية لها"، حسبما قال إيهود يعاري، الزميل المقيم في إسرائيل في معهد واشنطن، لموقع ميدل إيست آي البريطاني.
قال يعاري إن السودان بالنسبة لنتنياهو هو أيضاً مفتاح لشيء أصبح "هاجساً تقريباً لدى تل أبيب، وهو القيام برحلات جوية مباشرة من إسرائيل إلى أمريكا الجنوبية، عبر تحليق طائراتها عبر المجال الجوي الشاسع للسودان".
ويبدو أن البرهان وحميدتي يتنافسان على خطب ود إسرائيل، خاصة أنه باب خلفي للولايات المتحدة.
كان البرهان هو من قاد التطبيع مع إسرائيل، عبر لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل عدة أعوام، ومؤخراً، التقى البرهان مرة أخرى مع نتنياهو بعد توليه السلطة مجدداً.
ولكن يقول موقع ميدل إيست آي إن حميدتي لديه علاقة مع الموساد، وكالة المخابرات الإسرائيلية.
كان حميدتي قد وقع في عام 2019 عقداً بقيمة ستة ملايين دولار لممارسة اللوبي مع آري بن منشه (ضابط المخابرات الإسرائيلي السابق، الذي يعمل حالياً في قطاع اللوبيات داخل كندا).
ويتعامل الرجلان في ظل خططهما مع أجزاء مختلفة من حكومات أجنبية مختلفة، فضلاً عن سماسرة سلطة مختلفة داخل تلك الحكومات.
وقال يعاري، الذي شارك في تطوير العلاقة بين السودان وإسرائيل لعدد من السنوات: "ملف السودان ليس لعبة وزارة الخارجية الإسرائيلية، بل في يد وزارة الدفاع والاستخبارات".
وأضاف: "نحن ندرك أن هناك القليل من التوتر بين البرهان وحميدتي – فهما شركاء في المنافسة". "العلاقات بشكل رئيسي مع البرهان وأقل من ذلك مع حميدتي، الذي هو أكثر إشكالية"، حسب يعاري.
ومع ذلك، أضاف: "لدى حميدتي اتصالات وثيقة في الإمارات. لولاها لما مضى السودان قدماً في التطبيع مع إسرائيل".
من يحسم المعركة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إذا وقعت؟
في عام 2019، كانت التقديرات تشير إلى أن عدد قوات الدعم السريع تبلغ نحو 40 ألفاً.
بعد ذلك بنحو عامين، قال اثنان من العاملين الحقوقيين السودانيين، الذين يتبعون القوات شبه العسكرية، إن حجم قوات الدعم السريع تضاعف خلال ثلاث سنوات إلى ما لا يقل عن 100 ألف مقاتل؛ وهو ما يجعلها قريبة في الحجم من قوات الجيش (البالغ عددها نحو 109 آلاف جندي)، وقد يعني ذلك غالباً أنها قد تفوق القوات البرية السودانية في الحجم.
وأضاف الحقوقيان أن قوات الدعم السريع اشترت أسلحة عالية التقنية، علماً أن المجموعة لا تنشر أرقام الموظفين الرسمية، حسبما نقلت عنهما صحيفة Washington Post الأمريكية.
ومع هذه القدرات المتزايدة، يقول الباحثون الحقوقيون إن القوات شبه العسكرية تمكنت من ترسيخ سيطرتها على الحدود الغربية والشمالية، المليئة بالثغرات في السودان، ما سمح لها بالاستفادة من تهريب الأسلحة والمخدرات والمهاجرين مع تقلص نفوذ الجيش.
ويجب ملاحظة أن قوات الدعم أثبتت مرونة وقدرة كبيرة خلال صراع دارفور الذي أخفق الجيش السوداني في حسمه، وتمكنت من صد هجومهم المفاجئ على أم درمان عام 2008.
في المقابل، يعاني الجيش السوداني من تداعيات عقود من الحروب والتسييس ونقص الأموال، وقلة الأسلحة، خاصة في ظل الحصار الغربي.
تفيد تقديرات بأن الجيش السوداني لن يستطيع حسم المعركة مع قوات حميدتي سريعاً في حال نشوب مواجهة، لأنه نسج تحالفات مع الحركات المسلحة، حسبما سبق أن قال مصدر عسكري للجزيرة نت.
وقال المصدر أثناء وقوع خلاف مماثل قبل عامين إنه من غير المتوقع حدوث نزاع مسلح بين قوات الجيش والدعم السريع، لكن إذا وقع فإن نتائجه ستكون كارثية، وقد لا يستطيع طرف حسمها.
ولكن يظل أي عامل حاسم في الصراع هو مدى قدرة حميدتي على جذب ولاء بعض قيادات الجيش، وموقف الحركات المتمردة المسلحة والقوى العسكرية المحلية الصاعدة مثل منطقة الشرق.
ويبقى احتمال وقوع صراع مفتوح مقيداً بمخاوف الطرفين بأنه سيكون مدمراً، وبتدخل الحلفاء الخارجيين المتوقع لمنعه، وقد تكون الأزمة الحالية محاولة من حميدتي لمنع دمج قوات الدعم السريع في الجيش، وهناك احتمال كبير أن يتجنب السودان الصراع العسكري بين الجيش والدعم، ولكن قد يستمر لسنوات بلداً برأسين وقوتين عسكريتين إن لم يكن أكثر.