أطلقت السعودية مشروعاً ضخماً في منطقة تاريخية بالرياض، وهو مشروع المربع الجديد الذي سيتضمن مبنى عملاقاً ذا تصور مستقبلي يسمى "المكعب"، سيعادل في حجمه 20 ضعف مبنى Empire State الأمريكي الشهير، ولكنه أثار الجدل بسبب ما قال منتقدون عن وجود شبه بين تصميمه وبين شكل الكعبة المشرفة.
وأطلق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان المشروع، يوم الخميس الماضي، معلناً أنه سيرأس شركة تطوير المربع الجديدة لتطوير وسط الرياض (داون تاون الرياض)، والتي تخطط لأن يصبح أكبر وسط مدينة في العالم.
ومشروع المربع الجديد هو الأحدث في سلسلة طويلة من المنشآت والمدن ذات الطابع المستقبلي التي تخطط لها المملكة.
وقال صندوق الاستثمارات العامة السعودي في بيان إن مشروع المربع الجديد سيضم متحفاً وجامعة للتكنولوجيا والتصميم، ومسرحاً رائداً وأكثر من 80 مكاناً ترفيهياً، وإنه سيسهم في تطوير مستقبل العاصمة الرياض تماشياً مع أهداف رؤية السعودية 2030، التي أطلقها الأمير محمد بن سلمان عام 2016.
مشروع المربع الجديد يقع على مساحة تتجاوز 19 كيلومتراً
ويقع مشروع المربع الجديد على تقاطع طريقي الملك سلمان والملك خالد شمال غربي مدينة الرياض، على مساحة تتجاوز 19 كم²، ومساحة طابقية تصل لأكثر من 25 مليون متر مربع، وبطاقة استيعابية لمئات الآلاف من السكان.
وسيشمل المشروع 104 آلاف وحدة سكنية، و9 آلاف وحدة ضيافة، و980 ألف متر مربع من المساحات التجارية، بالإضافة إلى 1.4 مليون متر مربع من المساحات المكتبية، كما يتضمن المشروع مساحة 620 ألف متر مربع لمرافق الترفيه، حسب وكالة الأنبا السعودية "واس".
وسيعتمد مشروع المربع الجديد في تصاميمه على تطبيق معايير الاستدامة ورفع مستوى جودة الحياة، ومن ذلك المساحات الخضراء، وتوفير مسارات للمشي، وتعزيز المفاهيم الصحية والرياضية والأنشطة المجتمعية، ويبعد عن المطار مسافة 20 دقيقة بالسيارة تقريباً، حسب الوكالة السعودية.
وسيضيف المشروع 180 مليار ريال (48 مليار دولار) إلى الاقتصاد السعودي، و"سيخلق 334 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة"، حسب البيان الصحفي الرسمي. ولم يتم ذكر تكلفة المشروع العملاق.
"المكعب" محور المشروع، وسيكون أحد أكبر المعالم على مستوى العالم
في وسط المربع سيوجد "المكعب"، وهو مبنى سيكون على شكل مكعب سيصبح أحد أكبر المعالم على مستوى العالم، حسب ما أعلن عنه، وهو عبارة عن هيكل ضخم بارتفاع يصل إلى 400 متر، وبالعرض والطول نفسهما، بحيث يسهم الشكل الهندسي المميز للمكعب في توفير المساحة اللازمة لاستيعاب تفاصيل المشروع والتقنيات الخاصة به.
وتستوحي الواجهة الخارجية للمكعب الطابع النجدي الحديث في تصميمها، وستشكل لوحة عرض تقنية، فيما سيقدم المكعب من الداخل تجربة جديدة عبر تقنيات رقمية وافتراضية، وأحدث تقنيات التصوير الهولوغرافي، حسب الوكالة السعودية، بالإضافة إلى برج رئيسي.
وسيشمل المكعب مساحة طابقية تتجاوز (مليوني) متر مربع ليكون وجهةً للضيافة، تحتوي على العديد من العلامات التجارية، والمعالم الثقافية، إلى جانب وحدات فندقية وسكنية، ومساحات مكتبية للأعمال، ومرافق للترفيه.
متأثر بالتراث النجدي ومركبات الفضاء
وعرض وعمق مبنى المكعب مكون من أشكال مثلثة متداخلة، بأسلوب معماري مستوحى من منطقة نجد بوسط المملكة العربية السعودية، التي توجد فيها العاصمة الرياض، وتنحدر منها الأسرة المؤسسة للمملكة.
وسيكون المكعب، "أول وجهة تجريبية غامرة في العالم"، مزوداً "بالتكنولوجيا الرقمية والافتراضية بأحدث الصور المجسمة"، حسب ما ورد في تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
في إحدى مراحل الفيديو الترويجي للمشروع، تظهر تنانين وهي تحلق حول الهيكل والصخور العائمة تحوم في الغلاف الجوي، وربما يكون هذا تلميحاً إلى نوع "التصوير المجسم" الذي يمكن لزوار المبنى توقعه، حسب الموقع البريطاني.
يقول الفيديو: "تناول العشاء مع عمالقة لطيفين. اكتشف عالماً من السحر، أو عِش على سطح المريخ، وينتقل الفيديو من مطعم تم إنشاؤه بواسطة الكمبيوتر وتحيط به مياه المحيط إلى قيادة مركبات من عالم آخر".
وشبّه العديد من رواد الشبكات الاجتماعية مبنى المكعب بـ"Borg Cube"، وهو نوع من المركبات الفضائية في سلسلة أفلام ومسلسلات Star Trek الأمريكية للخيال العلمي، حسب ما ورد في تقرير للموقع البريطاني.
جدل حول تشابه شكل مبنى المكعب مع الكعبة، وإليك جذوره في المعمار النجدي
بعد أن تم الإعلان عن المشروع أثير جدل على مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب ما قاله رواد على مواقع التواصل الاجتماعي إنه تشابه بين تصميم المشروع مع شكل الكعبة المشرفة.
في المقابل، وصف مغردون الانتقادات الموجهة للمشروع بأنها "لا أساس لها من الصحة"، وأنها "تهدف لتشويه التطوير الذي تشهده السعودية في الوقت الحالي"، وأشاروا إلى أن "فكرة المبنى المكعب ليست مقتصرة على دين معين".
ويوجد كثير من المباني في مدينة الرياض بالشكل المكعب أو شبه المكعب، ومن أبرز تلك المباني المحكمة الجزائية في وسط الرياض، إضافة إلى مقر شركة سابك العملاقة، وغيرها، وهذا يوضح الربط العمراني بين هوية المدينة ومشروع المربع الجديد، حسب تقرير لصحيفة الشرق الأوسط السعودية.
وليس هذا أول مشروع ضخم يتسم بالتحدي الهندسي تعلن عنه المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة، حيث أعلنت عزمها بناء منتجع للتزلج ومدينة بطول 170 كيلومتراً، ومدينة من ثمانية جوانب تطفو على الماء في "نيوم"، وهي مدينة ضخمة تبلغ قيمتها 600 مليار دولار يصفها المنظمون بأنها تبلغ 33 ضعف حجم مدينة نيويورك، حسب موقع Middle East Eye.
منطقة المربع مركزية في تاريخ الرياض الحديث
ومنطقة المربع "القديم" لها أهمية في التاريخ العمراني والتنموي للرياض، حيث اشترى الملك عبد العزيز آل سعود، مؤسس المملكة العربية السعودية، أرض المربع، التي كانت نخلاً لآل سفيان، تسمى "مربع آل سفيان".
ثم شيد بأمر من الملك الراحل عبد العزيز، قصر المربع، على بعد كيلومترين من الرياض القديمة، حيث أسس القصر وما حوله على شكل مدينة مصغرة، وانتقل للعيش فيه عام 1939م، ليكون مقراً لسكنه مع أفراد أسرته، ومكان الحكم، وديواناً يستقبل فيه زعماء ورؤساء دول العالم.
وتتوافق الروايات حول سبب تسمية "المربع"، حيث اتفق اسم المكان القديم مع شكل بناء القصور الملكية في المنطقة التي جاءت مربعة، لتحمل المنطقة كلها اسم المربع، حسب تقرير صحيفة الشرق الأوسط.
وكان لبناء المربع تأثير كبير في ذلك الوقت على البيئة العمرانية والاجتماعية والاقتصادية للرياض خلال ثلاثينيات القرن الميلادي الماضي، حيث خرجت الرياض من كونها مدينة داخل سور، بعد أن بدأ النمو العمراني، وصاحبه التحول الاجتماعي والاقتصادي.
لذا تم اختيار اسم المربع الجديد للمشروع بسبب هذا البعد التاريخي.