تضامن يوناني أرميني لافت مع تركيا بسبب الزلزال، وحماسة شعبية بالبلدين لمساعدة أنقرة في مواجهة تداعيات الكارثة، الأمر الذي يعيد للأذهان جانباً كامناً في تاريخ الشعوب الثلاثة تعايشت فيه معاً لقرون، فهل تتحسن العلاقات بين تركيا واليونان وأرمينيا بشكل دائم؟ أم تكون هذه مجرد مبادرات دبلوماسية وعاطفية عابرة؟
وكثيراً ما شهدت المياه الإقليمية بين تركيا واليونان توترات بشأن السيادة البحرية، إلى جانب إعادة أثينا مهاجرين غير نظاميين بشكل مستمر إلى تركيا، لكن مأساة الزلزال غيرت مناخ العلاقات بين البلدين، حيث تدفق المتطوعون اليونانيون لتركيا عبر هذا البحر المشوب عادة بالتوتر.
كما أعادت السلطات التركية فتح معبر "علي جان" الحدودي مع أرمينيا بعد 35 عاماً من إغلاقه، لإيصال المساعدات الأرمينية للمناطق المتضررة من الزلزال، في خطوة وصفتها أرمينيا بالرمزية.
اليونان من أوائل الدول التي قدمت مساعدة لتركيا بعد الزلزال
وتلقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اتصاليْ عزاء وتضامن من رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، والأرميني نيكول باشينيان، حسب بيان لدائرة الاتصال في الرئاسة التركية.
وكانت اليونان من أوائل الدول التي قدمت الدعم لتركيا، حسب وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو.
رئيس الوزراء اليوناني واثق من تحسن العلاقات ووزير خارجيته يزور المناطق المتضررة
وأحدثت كارثة الزلزال المدمر، الذي ضرب جنوبي تركيا في 6 فبراير/شباط الجاري، تغييراً لافتاً في علاقات تركيا مع اليونان، حيث تحولت المياه الإقليمية التي تكمن في قلب نزاعات البلدين منذ عقود إلى قنوات للتعبير عن الأخوة والتضامن.
وهرع متطوعون يونانيون إلى تركيا للمساعدة في البحث عن ناجين تحت الأنقاض، إثر زلزال مزدوج بشدة 7.8 درجة و7.6 درجة، ما خلَّف خسائر كبيرة بالأرواح والممتلكات في تركيا وسوريا.
وأعرب رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، عن ثقته بديمومة "الروابط العاطفية" التي خلقتها كارثة الزلزال بين شعبي البلدين، وعبر عن اعتقاده بأنها ستؤدي إلى تحسن في العلاقات الثنائية.
كما عبّر عن شعوره بالفخر والاعتزاز إزاء مشاركة فرق بلاده في عمليات البحث والإنقاذ بمناطق الزلزال جنوبي تركيا.
وتطرق رئيس الوزراء اليوناني إلى تصريحات وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، بأن هناك احتمالات بتحسن العلاقات بين البلدين، لافتاً إلى إمكانية حل الخلافات في إطار القانون الدولي.
وكان وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس أول دبلوماسي أوروبي رفيع المستوى يقوم بزيارة تضامنية إلى تركيا، وتفقد الدمار في ولاية هاتاي برفقة نظيره التركي.
وقال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره اليوناني: "لقد أرسلوا على الفور فرق البحث والإنقاذ، وجلبوا مساعداتهم الإنسانية إلى تركيا عبر العديد من الطائرات".
ولفت تشاووش أوغلو إلى أنه في عام 1999 وقع زلزال في تركيا ثم اليونان بفارق نحو شهر، مشيراً أن البلدين هرعا في حينه لمساعدة بعضهما.
وقال من المهم أن نساعد بعضنا في الأوقات الصعبة، لكن لا يتعين علينا انتظار زلزال آخر وكارثة أخرى لتطوير علاقاتنا، وأضاف: "آمل أن نبذل جهداً لمعالجة الخلافات في وجهات النظر بيننا أيضاً بشكل صادق عبر الحوار".
وأعرب عن امتنانه لوزير خارجية اليونان، الذي وصفه بـ"الصديق"، واليونان حكومة وشعباً على تضامنهما مع تركيا في هذه الأيام العصيبة.
وتابع: "يمكن أن تكون هناك مشاكل بين البلدين. وثمة مشاكل لم نستطع حلها مع اليونان، وأحياناً نشهد توتر في العلاقات، إلا أننا أصبحنا دولتين تلتقيان في الأوقات الصعبة".
كما قال ديندياس إنه "على تركيا واليونان ألا تنتظرا زلزالاً آخر لإزالة الأسوار" بينهما.
إقبال شعبي كبير من اليونانيين على تقديم المساعدة لتركيا
وشهد إقليم أتيكا اليوناني، الذي يضم العاصمة أثينا، جمع أطنان من المساعدات الإنسانية في إطار حملة لصالح ضحايا كارثة الزلزال في تركيا، جُمعت بدعم من 60 بلدية تابعة للإقليم وعدد كبير من المتبرعين، وتم فرزها بمساهمة الجالية التركية في اليونان.
وذكر منسق الدفاع المدني في أتيكا نيكوس ستاثوبولوس للأناضول، أن الحملة تحظى بإقبال كبير من المواطنين اليونانيين.
وتابع نائب وزير الخارجية اليوناني أندرياس كاتشانيوتيس، وسفير تركيا لدى أثينا جاغطاي أرجييس، تابعا نقل المساعدات في ميناء بيريوس.
وتضمنت المساعدات اليونانية التي أطلقتها البلديات والمحافظات الإقليمية والمؤسسات المختلفة، بطانيات وسخانات ومنتجات النظافة الشخصية والأدوية.
وأكد رئيس الوزراء اليوناني على مواصلة بلاده تقديم الدعم والمساعدة لمنكوبي الزلزال في تركيا، مشدداً على أن اليونان ستقوم بما يقع على عاتقها فيما يخص إعادة إعمار المناطق التي دمرها الزلزال.
المتطوعون اليونانيون هرعوا باكين بواسطة القوارب عبر بحر إيجة الذي يعد ساحة تقليدية للتوتر
وعقب تكشف حجم الكارثة، عبر المتطوعون اليونانيون إلى تركيا عبر المياه الإقليمية في بحر إيجة الذي كان مصدراً مستمراً للتوترات البحرية بين أنقرة وأثينا.
ويعمل 35 فرداً ضمن فرق البحث والإنقاذ اليونانية في ولاية كهرمان مرعش التركية، منذ وصولهم ليلة السبت الماضي، في رحلة من أثينا استغرقت نحو 30 ساعة.
ويشارك اليونانيون ضمن أكثر من 9 آلاف و400 فرد في فرق البحث والإنقاذ قادمين من 77 دولة.
كوستاس تساكوناس، وهو أحد المتطوعين في مجموعة الحماية المدنية اليونانية، قال للأناضول: "استخدمنا قارباً من ميناء ميتيليني في جزيرة ليسبوس (ميديلي)"، وأول رسالة تلقاها الفريق فور وصوله تركيا كانت "أهلاً بكم أيها الإخوة".
ووصف الوضع في ولاية كهرمان مرعش مركز الزلزال، بأنه كان "مروعاً"، ما جعل العديد من أعضاء الفريق "يذرفون الدموع".
وأرمينيا تمد يد الصداقة لتركيا بدورها
وقال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو إن أرمينيا مدّت يد الصداقة لشعبنا بهذه الأيام الصعبة، جاء ذلك في خلال مؤتمر صحفي مشترك عقده مع نظيره الأرميني أرارات ميرزويان، الأربعاء الماضي.
وأوضح تشاووش أوغلو أن أرمينيا أرسلت فريق بحث وإنقاذ مكوناً من 28 عنصراً، إلى تركيا، للمساعدة في أعمال الإغاثة عقب الزلزال، حيث تمكنوا من إنقاذ طفلة وامرأة، مضيفاً: "أشكرهم جزيل الشكر، فإنهم بذلوا جهوداً كبيرة في أعمال البحث، ولقد شاهدنا مدى سعادتهم عندما أنقذوا مواطنين أتراكاً".
ولفت إلى أن أرمينيا أرسلت لتركيا 100 طن من المساعدات الإنسانية، وسيتم إرسال مساعدات إضافية.
وقال إن أرمينيا كانت قد وقفت سابقاً إلى جانب تركيا في زلزال 1999 أيضاً، مشيراً إلى أن آثار زلزال "سبيتاك" الذي شهدته أرمينيا عام 1988 لم تُمح من الذاكرة حتى اليوم، حيث أرسلت تركيا آنذاك مساعدات إلى يريفان، وها هي ترد الدين اليوم لتركيا بعد سنوات طويلة، مؤكداً على ضرورة استمرار هذا التضامن".
ولفت إلى استمرار مساعي التطبيع في منطقة جنوب القوقاز، وقال إنه إذا اتبعت البلدان الثلاثة (تركيا وحليفتها أذربيجان وأرمينيا)، خطوات صادقة، فإنه يمكن تأسيس السلام الدائم في جنوبي القوقاز، الأمر الذي يحمل أهمية كبرى لعملية التنمية بالمنطقة، خاصة بعد الموقف الأرميني.
وأوضح أنه تناول مع نظيره الأرميني الخطوات اللازم اتباعها في مسار عملية التطبيع بين أرمينيا وكل من تركيا وأذربيجان، ومفهوم السلام الشامل بالمنطقة.
من جانبه، جدد وزير خارجية أرمينيا، آرارات ميرزويان، التأكيد على رغبة بلاده في إحلال السلام بينها وبين تركيا، خلال المؤتمر الصحفي مشترك مع نظيره التركي عقب لقائهما في العاصمة أنقرة.
وقال "ميرزويان" إن الفرق الأرمينية تواصل مساندة الكوادر التركية في أعمال البحث والإنقاذ عن ناجين، وفي انتشال الضحايا من تحت الأنقاض.
وشدد أنه ومن خلال وجوده في تركيا اليوم، يؤكد مجدداً على رغبة بلاده بإحلال السلام بين أنقرة ويريفان، وتطبيع العلاقات بشكل كامل واستئناف الاتصالات الدبلوماسية بين البلدين.
التضامن يسلط الضوء على جانب جرى تجاهله في العهد العثماني
ويلقي هذا التضامن الضوء على جوانب غير مطروقة عادة في علاقات تركيا مع اليونان وأرمينيا، وهو أنه بقدر شهرة الخلافات السياسية والتاريخية والحدودية والقومية والدينية، إلا أن هناك تزاوجاً وإرثاً مشتركاً وتعايشاً وتكاملاً بين الشعوب الثلاثة، خاصة في العهد العثماني.
كان الأرمن واليونانيون يمثلون جزءاً مهماً من نخبة الدولة العثمانية منذ نشأتها، خاصة بعد فتح القسطنطينية عام 1453م، حيث كان السلطان محمد الفاتح راعياً للكنيسة الأرثوذكسية وصديقاً لرئيسها، بل إن العثمانيين اعتبروها كنيسة وطنية عثمانية مفضلة مقابل الكنائس الكاثوليكية التي اعتبروها تمثل الغرب المعادي لهم.
العثمانيون جعلوا رجال الدين اليونانيين قادة للكنائس الأرثوذكسية بالأقطار العربية والبلقان
ووفقاً لنظام الملل العثماني، الذي قسم المجتمع على أسس دينية ومذهبية وليست إثنية، كان لدى زعماء الكنائس سلطات ذاتية كبيرة على أعضائها، وكانت الملة المسيحية الرئيسية في الدولة العثمانية هي الملة الأرثوذكسية تحت رئاسة الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية التي قادت أغلب الكنائس الأرثوذكسية.
ولذا ترأس رجال الدين اليونانيين معظم الكنائس الأرثوذكسية في كل الإمبراطورية العثمانية تقريباً، بما في ذلك كنيسة الروم الأرثوذكس، وهي الكنيسة الرئيسية في سوريا ولبنان وفلسطين، وما زالت قيادتها للآن، في يد رجال الدين اليونانيين، رغم أن أعضاءها عرب فلسطينيون أقحاح، ويشكو رجال الدين الفلسطينيون من سيطرة اليونانيين عليها ويتهمونهم أحياناً بالتواطؤ مع الاحتلال الإسرائيلي وبيع ممتلكات الكنيسة في الأماكن الحساسة في فلسطين له، باعتبارهم ليسوا فلسطينيين وغير معنيين بالقضية.
كما سيطر رجال الدين اليونانيون على أغلب الكنائس الأرثوذكسية في دول البلقان عندما كانت خاضعة للدولة العثمانية مثل رومانيا وصربيا وبلغاريا، وكان بداية الحركة القومية البلغارية الداعية للانفصال عن الدولة العثمانية هو المطالبة باستخدام اللغة البلغارية كلغة للكنيسة في بلغاريا بدلاً من اليونانية.
وسيطر اليونانيون أيضاً على مهمة جمع الضرائب في أقاليم البلقان، التابعة للدولة العثمانية، وكان كثير من مساوئ الحكم المنسوبة لها مرتبطة بهم.
كما مثل اليونانيون والأرمن الشريحة الأكبر من طبقة التجار والمترجمين في الدولة العثمانية (أحياناً قبل الأتراك)، حتى الحرب العالمية الأولى، وظلوا مسيطرين على اقتصادها حتى بعد استقلال اليونان في القرن التاسع عشر، وسمحت الدولة العثمانية لهم بالحفاظ على وضعهم هذا حتى في ظل الحروب بينها وبين اليونان، واتهام القوى السياسية العثمانية الرافضة للهيمنة الاستعمارية لهم بالتعامل مع الغرب، والمشاركة في عملية استغلال الدولة العثمانية.
وحتى نهاية الحرب العالمية الأولى وبداية حرب الاستقلال، كان اليونانيون يمثلون قطاعاً مهما من سكان المدن التركية الساحلية، خاصة القسطنطينية، وبالأخص إزمير التي احتلتها القوات اليونانية بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وأرادت ضمها لليونان، مما أدى لتأجيج العداء لليونانيين أثناء حرب الاستقلال التي كانت بشكل أساسي ضد السلطات الاستعمارية اليونانية.
ويعتبر بعض المؤرخين الغربيين بينهم مؤرخون يونانيون أن الدولة العثمانية كانت عبارة عن شراكة تركية يونانية، خاصة أن اليونانيين كانوا يحتلون مكانة خاصة، مقارنة بالشعوب المسيحية الأخرى، وحتى الشعوب المسلمة مثل العرب.
علاقات اقتصادية وثيقة بين تركيا واليونان تمتد لـ"حلاقة الشعر" رغم الخلافات المتعددة!
وفي الوقت الحالي، رغم التوتر بين تركيا واليونان في ساحات عدة، فإن المفارقة أن لدى البلدين علاقات اقتصادية وثيقة، وجاليات متبادلة.
إذ زاد حجم التبادل التجاري بين تركيا واليونان بشكل كبير خلال 2021 مقارنة بالعام السابق بنسبة 69.2%، وبلغ 5.2 مليار دولار، مع فائض تجاري لصالح تركيا بما يقارب مليار دولار، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.
وعقب إغلاقات، جائحة كورونا، عام 2019، اشتكى سكان جزر يونانية قريبة من سواحل تركيا، (بعضها بعيد مئات الكيلومترات عن أثينا) من تأثر حياتهم بوقف السفر لتركيا، لاعتمادهم عليها لأنها أقرب وأرخص في معظم السلع والخدمات الأساسية، بما في ذلك ذهاب اليونانيين لحلاقة الشعر في تركيا.
وأبرز الخلافات التركية اليونانية هي الخلاف في بحر إيجة حول ترسيم الحدود البحرية والأجواء وتسليح أثينا لجزرها في هذا البحر بالمخالفة بالاتفاقات الدولية التي نقلت السيادة إليها، والتي تشترط نزع سلاحها.
كما أن هناك خلافاً حول الجرف القاري للبلدين، حيث تعتمد اليونان على على الجزر والمناطق المتنازع عليها في بحر إيجة كأساس لتحديد هذا الجرف، تطبيقاً للاتفاقية الدولية لعالم البحار لعام 1982، علماً بأن تركيا ليست عضواً بها (وكذلك الولايات المتحدة)، مما يجعلها غير ملزمة لها.
بينما أنقرة تصر على ترسيم الحدود البحرية وفقاً لقانون البحار الدولي الأول، لعام 1958، والثاني الصادر في 1960، واللذين يجعلان منطقة شرق المتوسط منطقة اقتصادية خالصة لمصر وتركيا.
وتعمل أثينا، في السنوات الأخيرة، على محاولة توسيع جرفها القاري، على الرغم من أن الجزر التي تسيطر عليها أكثر قرباً إلى تركيا منها إلى بر اليونان الرئيسي، متسلحة بالدعم الأوروبي، والفرنسي.
وهناك الخلاف حول جزيرة قبرص المقسمة بين شطرين، أحدهما يوناني، معترف به دولياً، والثاني هو جمهورية قبرص التركية التي تعترف بها أنقرة، وساهمت في تأسيسها بعد دخول قواتها للجزيرة في السبعينيات إثر انقلاب عسكري كان يستهدف ضمها لليونان، وجاء التدخل التركي وفقاً لتفاهمات استقلال قبرص التي جعلت أنقرة ضمن رعاة التعايش بين الطائفتين اليونانية والتركية بها.
ووافق القبارصة الأتراك على الحل الذي اقترحته الأمم المتحدة قبل نحو عقدين لحل المشكلة القبرصية، بينما رفضه القبارصة اليونانيون في استفتاء مماثل.
وهناك خلاف حول وضع الأقلية التركية في اليونان، حيث ترفض السلطات اليونانية منحهم صفة أقلية تركية، وتقتصر على الاعتراف بهم كأقلية مسلمة فقط. وهم يعانون من مشكلات اجتماعية وحقوقية ودينية، إذ لا يُسمح لهم بانتخاب أئمتهم وممثليهم، ما يحرمهم من حقوقهم المنصوص عليها في معاهدة لوزان. في مقابل ذلك، تتمتع أقلية الروم الأرثوذكس بكامل الحريات كأقلية رومية معترف بها في تركيا.
هل يؤدي هذا التضامن إلى تحسّن علاقات تركيا مع اليونان وأرمينيا؟
تعلي هذه المبادرات والتصريحات، من الأمل في تخفيف دائم للتوتر بين تركيا واليونان وأرمينيا، مع اختلاف ظروف كل حالة، وصولاً لحلول دائمة.
المشكلة أن الأزمات بين تركيا من ناحية واليونان وأرمينيا، لها جذور تاريخية وإثنية ودينية ذات طبيعة عاطفية، وتشكل جزءاً من الخطاب القومي في البلدان الثلاثة ورؤيتهم لهوياتهم العرقية الذاتية التي تشكلت على أنقاض الدولة العثمانية.
كما تتداخل أهداف القوى العظمى مثل روسيا في حالة أرمينيا، وفي حالة اليونان، هناك أمريكا وكذلك الاتحاد الأوروبي، ولاسيما فرنسا، حيث تسبب أحياناً في تأجيج الأزمات، إذ يساعد الغرب أثينا على التصلب أحياناً، رغم أن أنقرة عضو بحلف الناتو وشريك كبير للاتحاد الأوروبي، ولكن اليمين المتطرف، وكذلك القوى الليبرالية المتطرفة في أوروبا، تحاول تنصيب تركيا خصماً، رغم أن أحد أهدافها الانضمام للاتحاد الأوروبي، كما أن قيادات أوروبا تريد إبقاء تركيا في حالة المؤهلة لعضوية الاتحاد دون الانضمام، مع فرض حالة من الوصاية رفضتها أنقرة بشدة.
الخلاف الأرميني التركي قد يتحلحل بهذا الشرط
أما الخلاف التركي الأرميني، فيعود لاحتلال يريفان لإقليم ناغورنوا كارباخ الأذربيجاني منذ تسعينيات القرن الماضي، وعدم تنفيذها لمقررات وقف إطلاق النار التي أُبرمت لوقف حرب 2020 التي انتصرت فيها باكو، إضافة للخلاف حول المزاعم بشأن مذابح أرمن الدولة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى؛ حيث تطالب تركيا بتشكيل لجنة تاريخية لبحث القضية بشكل علمي.
المفارقة أنه رغم أن هناك شبه قطيعة بين تركيا وأرمينيا، فقد يكون هناك فرص لحل هذا الخلاف أكثر من اليوناني التركي، وذلك بسبب الدور الروسي الأكثر براغماتية ومرونة وحسماً من الدور الأوروبي الأمريكي في الحالة اليونانية.
فموسكو لديها مصلحة في تهدئة النزاع الأذربيجاني الأرميني لحاجتها لأنقرة كوسيط في الأزمة الأوكرانية ومنفذ لموسكو في ظل الحصار الغربي، خاصة أن تركيا تسيطر على ممرات الملاحة للبحر الأسود، كما أن روسيا لا تريد إبعاد أذربيجان عنها.
في المقابل، فإن أرمينيا في مأزق، فهي لا تستطيع الابتعاد عن موسكو لحاجتها للدعم العسكري الروسي، خاصة في ظل وجود قوات حفظ سلام روسية بالقوقاز، كما أن ذهاب يريفان للغرب لن يكون مجدياً، لأن أوروبا تحتاج للنفط والغاز الأذربيجاني وأمريكا وإسرائيل تحتاجان لباكو كقوة مناوئة لإيران، فيما علاقة الأخيرة مع أرمينيا تعقد وضع تحالفاتها.
ولكن يرتبط أي حل في القوقاز، بتنفيذ أرمينيا المادة 9 من اتفاق وقف إطلاق مع باكو بفتح ممر باسم ممر زانجيزور الذي يربط بين منطقة ناختشيفان الأذربيجانية المعزولة عن بقية البلاد بالأراضي الأرمينية وبقية أذربيجان الحليفة لتركيا.
كما يخدم هذا الممر مصالح أوروبا، لأنه يوفر طريقاً لنقل البضائع والطاقة من أذربيجان ومنطقة آسيا الوسطى لتركيا (ناختشيفان تلاصق الأراضي التركية) ومنها لأوروبا، فيما تتحفظ إيران وأرمينيا، وبصورة أقل روسيا على تنفيذه.
ولو تخلصت الحكومة الأرمينية من المزايدات الداخلية لأمكن إقامة هذا الممر، مقابل شروط أفضل لمعالجة وضع الأرمن في إقليم ناغورنوا كارباخ الذي استعادت القوات الأذربيجانية أغلبه من الاحتلال الأرميني بعد حرب دموية عام 2020.
المشكلات اليونانية والتركية متشعبة ولكن البلدين لديهما فرصة لإدارتها
أما الخلافات التركية مع اليونان، فهي أكثر تشعباً، ووضع أثينا أقوى، مقارنة بأرمينيا بفضل الدعم الأوروبي، كما أن وجهات النظر القانونية والسياسية المتعارضة في الخلافات الحدودية وقضية قبرص تعقد الخلاف بين أنقرة وأثينا.
ولكن البلدين يمكنهما استغلال الحالة الإيجابية التي أطلقها التضامن اليوناني مع تركيا في مواجهة كارثة الزلزال من أجل تنظيم النزاع، وتحويله لخلاف حدودي وسياسي يدار بلا توتر أو تصعيد مع إبقاء العلاقات الاقتصادية والسياسية جيدة وتعزيزها، إلى حين تنضج الظروف لحلول وسط تراعي مصالح الطرفين، وتتخلص من عقد التاريخ، وتدخلات القوى العظمى، وتصل لحل يراعي وجهات نظر البلدين القانونية المتعارضة.
وبالنظر إلى أن هناك حالة من الترتيبات القائمة والفعالة جزئياً في جزيرة قبرص، فإنها يمكن أن تكون ساحة لحلحلة المشكلات بين الأتراك واليونانيين، كما يمكن وقف أو تقليل الاحتكاكات العسكرية وتبريد الخلافات الحدودية لحين الوصول لحل لها في ظل الخلاف حول المرجعية القانونية لمسألة الحدود البحرية، واشترط تركيا التزام أثينا بعدم تسليح جزر بحر إيجة.