جاء لقاء رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي مؤخراً، مع وفد لممثلي الشركات التركية، ليؤشر على احتمال دخول العلاقات التجارية بين البلدين، ولاسيما الاستثمارات التركية في مصر خاصة في مجال الصناعة، لمرحلة جديدة، خاصة في ظل التحسن التدريجي للعلاقات بين البلدين.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قد أجرى عقب الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا مؤخراً، اتصالاً هاتفياً مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث قدم له التعزية، كما أرسلت مصر 5 طائرات عسكرية محملة بمساعدات طبية عاجلة لسوريا وتركيا.
والتقى مدبولي، أمس الأربعاء، وفداً ضم ممثلي شركات تركية، في العاصمة الإدارية الجديدة، شرقي القاهرة. وذكرت رئاسة مجلس الوزراء المصري في بيان، أن مدبولي تناول خلال اللقاء مع رجال الأعمال الأتراك، الاستثمارات التركية الحالية وتلك المخطط لها مستقبلاً في مصر. وأكد خلال اللقاء الذي شارك فيه أعضاء مجلس الأعمال التركي- المصري، أن بلاده ستقدم الرعاية والدعم اللازمين للشركات التركية المستثمرة في مصر.
الشركات التركية تخطط لاستثمارات جديدة في مصر بـ500 مليون دولار، ومدبولي سيتابعها شخصياً
وبحسب بيان رئاسة مجلس الوزراء المصري، تخطط الشركات التركية لاستثمارات جديدة في مصر، تصل قيمتها إلى 500 مليون دولار، وأن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي سيتابع شخصياً هذه الاستثمارات ويرعاها.
كما قدّم رئيس الوزراء المصري تعازيه الخالصة في ضحايا زلزال كهرمان مرعش، في 6 فبراير/شباط الجاري، راجياً الرحمة للضحايا، والشفاء العاجل للمصابين، ومؤكداً مساندة مصر لتركيا وشعبها في هذه الظروف الصعبة.
وأعرب ممثلو الشركات التركية عن شكرهم وتقديرهم للدعم المصري لضحايا الزلزال التركي، الذي خلّف آلاف الضحايا والمصابين، كما أعربوا عن شكرهم للدكتور مصطفى مدبولي، على حسن الاستقبال، وعلى كامل الدعم الذي تلقته الاستثمارات التركية في مصر على مدار السنوات الماضية، حسب وسائل إعلام مصرية.
وأوضحوا أن مجموعة الشركات الموجودة اليوم تلعب دوراً بارزاً في السوق التركي، فهي نخبة من أبرز الشركات التركية.
وخاطب مدبولي الوفد التركي: "من دواعي سروري أن ألتقي بكم اليوم، ورسالة الاجتماع مهمة وواضحة؛ لأنها خطوة للتأكيد على أهمية العلاقات التجارية والاقتصادية بين مصر وتركيا".
وأعرب عن شكره لجميع الشركات التركية التي استثمرت في مصر على مدار السنوات الماضية، ورحّب بالشركات الجديدة التي تنوي، أو اتخذت بالفعل خطواتها لبدء أعمالها في مصر، مؤكداً أن الاستثمارات التركية سوف تلقى على الدوام الرعاية والدعم الكاملَين.
الاستثمارات التركية في مصر بقيمة مليارَي دولار، وتم النأي بالاقتصاد عن السياسة
وقال وزير التجارة والصناعة المصري، أحمد سمير، وفق البيان، إن الاستثمارات التركية في مصر تزيد على 2 مليار دولار.
ويبلغ حجم الميزان التجاري بين البلدين 7 مليارات دولار، منها 2.5 مليار دولار صادرات مصرية لتركيا، حسبما كشف السفير نادر سعد، المتحدث باسم مجلس الوزراء.
ونوه مدبولي بالعلاقات التاريخية لتركيا ومصر، وشدد أنه "رغم اختلافات سياسية قد حدثت خلال فترات سابقة، فقد حرصنا في مصر على أن تظل العلاقة بين شعبينا، وأن يظل تعاوننا في المجالات الاقتصادية والتجارية وثيقاً".
وفي ذروة التوتر السياسي بين البلدين، خاصةً حول الأزمة الليبية، لم تتأثر العلاقات الاقتصادية بين البلدين، سواء حركة السفر أو التجارة أو السياحة أو الاستثمارات أو التبادل التجاري.
وسبق أن قال رئيس اتحاد الغرف والبورصات في تركيا، رفعت هصارجيكلي أوغلو، إنهم يحاولون دائماً الفصل بين السياسة والاقتصاد، وقال: "نحن كمستثمرين أتراك لم نوقف الاستثمارات التركية في مصر إطلاقاً".
وعبر اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين، تعد مصر أكبر شريك تجاري لتركيا في إفريقيا، حسب رئيس اتحاد الغرف والبورصات في تركيا، رفعت هصارجيكلي أوغلو.
وبحلول الربع الأول من عام 2022، أصبحت تركيا أكبر مشترٍ للغاز المسال المصري.
بل إن التبادل التجاري قفز في فترة الخلاف والميزان يتحرك تجاه مصر
المفارقة أن التبادل التجاري بين البلدين قد تَزايَد بوتيرة مرتفعة في سنوات الخلاف السياسي بينهما، كما حافظت الاستثمارات التركية في مصر على وضع جيد ويعتقد أنها حققت نمواَ أيضاً.
وخلال لقاء وفد رجال الأعمال التركي مع رئيس الوزراء المصري الأخير، نقلت وسائل إعلام مصرية، عن ممثل لإحدى الشركات التركية، أنه على مدار الأعوام الـ15 الماضية لم نجد أي تمييز في المعاملة من قِبل الحكومة المصرية ضد الشركات والاستثمارات التركية في مصر، و"بصريح القول لم نرَ شيئاً يمكن أن نسميه سيئاً خلال فترة وجودنا في السوق المصري".
وأبرمت مصر اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا في العام 2005، ودخلت حيز التنفيذ في العام 2007، وهي لا تزال قائمة حتى اليوم رغم الخلافات السياسية.
وازداد مجموع التبادلات التجارية بين البلدَين ثلاثة أضعاف تقريباً، بين العام 2007 والعام 2020، أي من 4.42 مليار دولار إلى 11.14 مليار، ما يظهر بأن الجانبَين اتفقا ضمنياً في ذروة خلافتهما، على إبقاء تبادلاتهما الاقتصادية في منأى عن التجاذبات السياسية.
لماذا أبقى البَلَدان التجارة بعيدة عن السياسة؟
كان من المنطقي لأنقرة أن ترغب في الحفاظ على اتفاقية التجارة الحرة، نظراً إلى تحقيقها بشكل مستمر فائضاً في ميزانها التجاري مع مصر منذ العام 2007، حسب تقرير لمركز كارنيغي الأمريكي.
لكن، ما كان دافع القاهرة في الحفاظ عليها؟ الجواب، حسب تقرير المركز الأمريكي هو التحسّن النسبي الذي شهده موقع مصر التجاري بالنسبة إلى تركيا بعد العام 2013، إذ تراجع العجز في الميزان التجاري المصري، وتغيّرت بنية الصادرات المصرية من خلال الزيادة المطّردة للسلع المصنّعة؛ لذا كان خروج مصر من اتفاقية التجارة الحرة سيضرّ بالمصنّعين المصريين، ويحرمهم من الوصول إلى أسواق خارجية مهمة، في وقتٍ كانت تعاني البلاد نقصاً حاداً في العملات الصعبة.
ولم يرتفع الحجم الكلي للتجارة الثنائية فحسب، بل تبدّلت أيضاً بنية التبادلات التجارية بين البلدَين، ليتحسن الميزان لصالح القاهرة.
فخلال الفترة الممتدة بين 2005 و2012، شكّلت الصادرات المصرية إلى تركيا 3.54% من مجموع الصادرات المصرية. وقد تضاعفت هذه النسبة تقريباً لتبلغ 6.2% في فترة من 2013-2020، وبالمثل ارتفعت الصادرات التركية إلى مصر من معدّل 3.37% من مجموع الواردات المصرية في فترة 2005-2012 إلى 4.47% في فترة 2013-2020. وفي العام 2020 احتلّت تركيا المرتبة الثالثة في قائمة الدول المستوردة للصادرات المصرية، والمرتبة الخامسة في قائمة الدول المصدّرة إلى مصر، وفي السنة ذاتها احتلّت مصر المرتبة الرابعة عشرة في قائمة الدول المستوردة للسلع التركية.
وبينما تسجّل تركيا فائضاً في ميزانها التجاري مع مصر، منذ العام 2007، تراجع العجز التجاري المصري بشكل كبير بعد عام 2013.
أما العامل الآخر الذي أسهم في الإبقاء على اتفاقية التجارة الحرة، فهو أن العلاقات المصرية التركية سلكت منحىً قوياً نحو التجارة داخل القطاع الصناعي الواحد، أو تبادل المنتجات المستخدمة في القطاع الصناعي نفسه. تُعتبر التجارة داخل القطاع الصناعي الواحد في الكثير من الأحيان من المؤشّرات الدالّة على وجود تقدّم نسبي في اقتصادات الأطراف في التبادل التجاري، لأنها ترتكز على تبادل الجانبَين السلع المصنّعة بدلاً من المواد الخام أو المنتجات الأولية، وهذا يعني أن العلاقة الاقتصادية تشمل عدداً أكبر من المنتجين والعمّال والمستثمرين والمستهلكين والموزّعين، ما يطرح السؤال حول حجم التكاليف المباشرة وغير المباشرة التي قد تنجم عن عرقلة التفاعل القائم بين كل هذه الأطراف.
خلال فترة انقطاع العلاقات رفضت مصر وتركيا تجديد اتفاقية واحدة لا غير، في العام 2015، وهي اتفاقية العبور التجاري، التي تُعتبر ثانوية، ولم تؤثّر بشكل يُذكر على حجم التبادل التجاري بين البلدَين، عدا ذلك بقي الإطار القانوني والتنظيمي الذي يحكم تبادلاتهما التجارية والاستثمارية على حاله تقريباً.
كما لم تتأثر الاستثمارات التركية في مصر، بل تواصلت في التدفق.
فتش عن التقاليد الدبلوماسية للبلدين
ورغم الأسباب المنطقية والمرتبطة بالمصالح الاقتصادية، التي أبقت التجارة بين البلدين بعيدة عن السياسة، فإنه يمكن إرجاع ذلك أيضاً إلى حقائق أخرى سياسية، منها أن الدولتين لديهما تاريخ طويل من احترام الاتفاقيات القانونية وإبعاد الاقتصاد عن السياسة (لم تتأثر العلاقات الاقتصادية لتركيا إلى حد كبير مع اليونان وروسيا بالخلافات السياسية)، ولم تتأثر العلاقات المصرية القطرية إلى حد كبير خلال فترة الخلاف السياسي، ويعد هذا سمة نادرة لمصر وتركيا مقارنة بأغلب دول المنطقة، بل مقارنة بكثير من الدول الغربية.
كما يمكن أن القول إن الدولة العميقة في البلدين، بعيداً عن التصعيد الإعلامي الذي بالغ أحياناً في حجم الأزمة، تعلم وجود مصالح مشتركة قوية، وعلاقات تاريخية، وعدم وجود أسباب دائمة للخلاف إلا الأيديولوجية منها، والأهم أن وضع البلدين الجغرافي والسياسي، وقوتهما، يجعلانهما حليفتين محتملتين بحكم الضرورة.
أكثر من 500 شركة تركية تعمل في مصر
في عام 2017، قدّر رئيس جمعية رجال الأعمال الأتراك-المصريين، أتيلا أتايسيفين، أن هناك 540 شركة تركية عاملة في البلاد (في الأغلب هذا العدد يشكل الشركانت العاملة في التصنيع والتجارة والخدمات).
والعام الماضي، كشف رئيس اتحاد الغرف والبورصات في تركيا، رفعت هصارجيكلي أوغلو، أن الشركات التركية توفر فرص عمل لنحو 75 ألف مواطن مصري، وأشار رئيس الاتحاد التركي إلى أن 200 شركة تركية، 40 منها كبيرة، تنتج في مصر، وتوفر فرص عمل إضافية وتقوم بالتصدير.
وأوضح هصارجيكلي أوغلو، أنه بمساهمة الاتفاقية المذكورة، تعد مصر أكبر شريك تجاري لتركيا في إفريقيا، مبيناً أن حجم التجارة بين البلدين تجاوز 6 مليارات دولار خلال العام الماضي، وزاد بنسبة 35% مقارنة بعام 2020.
وأردف: "أنجز مقاولونا 26 مشروعاً مثل المطار ومشاريع مماثلة، بقيمة 900 مليون دولار في مصر، ونرغب في المشاركة في مشاريع البنية التحتية في مجال النقل، وخاصةً السكك الحديدية".
أبرز العلامات التجارية الاستثمارات التركية في مصر في مصر
تعتبر المنتجات التركية منتشرة في مصر على نطاق واسع، وتحظى بثقة المصريين، باعتبارها أقرب لجودة الأوروبي، مع أسعار قريبة للمنتجات الصينية أولى أغلى قليلاً.
لدى تركيا حصة من السوق المصري في مجال السيارات وقطع غيارها، فالسيارة تويوتا كورولا واحدة من أكثر السيارات مبيعاً في مصر، يتم تجميعها في تركيا، وتأتي بلا جمارك، بفضل اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين.
كما توجد في مصر سلسلة محلات البقالة التركية "بيم".
تنافس صناعة الأثاث التركي الصاعدة صناعة الأثاث العريقة في دمياط، التي تعاني من صعوبة التكيف مع التغيرات في الأذواق والانتقال من الأثاث المنقوش المصنوع بأخشاب عالية الجودة إلى الأثاث البسيط الخفيف، المصنوع من مواد مصنعة ومركبة بدل الأخشاب الطبيعية، ويقال إن المصنعين الأتراك يستعينون بعمال من دمياط، للقيام بمهام إضافة النقوش الصعبة للأثاث التي تشتهر بها المحافظة.
ولكن الجانب الأهم والأقل شهرة في العلاقة التجارية بين البلدين هو الاستثمارات التركية في مصر.
ولدى العديد من شركات الملابس التركية فروع ضخمة في القاهرة والمدن المصرية الأخرى، مثل "lc waikiki"، ودي فاكتو، وسرار، كما توجد استثمارات تركية في مصر، خاصةً فيما يتعلق بالبدل الرجالي وتبادل قطع الإنتاج والتصدير في هذا الشأن.
وعرض مسؤول شركة "ديكتاش" لصناعة الخيوط والغزل، خلال اجتماع رئيس الوزراء المصري مع وفد الشركات التركية، استثمارات الشركة في مصر، حيث توجد في المنطقة الحرة الخاصة في مدينة السادات، بحجم استثمارات 45 مليون دولار، ويعمل بها 1600 عامل، حسبما ورد في تقرير لموقع اليوم السابع المصري.
وهناك شركة "ياشيم ساتيش- تركيا"، المالكة لشركة "جايدا مصر للمنسوجات"، التي يتواجد لها 4 مصانع باستثمارات تبلغ قيمتها 60 مليون دولار، وتوظف 6000 مصري، وقال ممثل الشركة إنها ستقوم بإنشاء مصنعيها الخامس والسادس في مصر، باستثمارات 100 مليون دولار.
وشركة "هيات القابضة"، وهي المالكة لشركة "هيات مصر" لمنتجات العناية الشخصية، لديها 3 مصانع، بحجم استثمارات 176 مليون دولار، وتوظف أكثر من 1200 مصري.
وخلال اجتماع رئيس الوزراء المصري مع وفد الشركات التركية، استمع مدبولي إلى شرح من مسؤول شركة "بولاريس بارك"، المتخصصة في تطوير المناطق الصناعية، والتي تأسست في مصر منذ عام 2007، حيث أشار إلى أن "بولاريس بارك" تمتلك محفظة استثمارية من 6 مشاريع عملاقة، نجحت في جذب استثمارات بقيمة 20 مليار جنيه، ويبلغ عدد العاملين بها 100 ألف موظف، وأنجزت بولاريس بارك مشروعين ضخمين في المنطقة الصناعية في مدينة 6 أكتوبر، ومشروعاً آخر في مدينة السادات.
وصعدت منتجات الأجهزة الكهربائية التركية بقوة في السوق المصري، لتُنافس المنتجات الكورية والإيطالية والصينية وكذلك اليابانية التي أغلبها مجمعة محلياً.
ويبدو أن هناك توجهاً لأن يكون التركيز على هذا المجال تحديداً في التعاون الصناعي التركي المصري.
فلقد دخلت شركة "أرتشيليك" التركية، المالكة لعلامة بيكو للأجهزة الكهربائية، العام الماضي باستثمار بقيمة 100 مليون دولار لإنتاج الأجهزة المنزلية في مصر، عبر إنشاء مصنع في مدينة العاشر من رمضان الصناعية، قالت إنه سينتهي إنشاؤه في عام 2023، ومن المتوقع أن ينتج طاقة إنتاجية 1.5 مليون جهاز سنوياً.
وقالت الشركة إنها تستهدف تصدير 60% من إنتاجها إلى أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا، تحت شعار صنع في مصر، كما تستهدف 250 مليون دولار صادرات سنوياً، وتوظف 2000 عامل.
وذكرت الشركة في بيان، إنها تخطط لجعل مصر مركزاً لإنتاج وشحن المنتجات إلى الأسواق الخارجية، وإنها تدرس حالياً بدء المرحلة الثانية من الاستثمار في مكيفات الهواء والتلفزيونات في السوق المصري.
وفي 20 أكتوبر/تشرين الأول 2022، أعلنت وزارة الصناعة المصرية عن مطالبتها الجمارك بحل أية معوقات أو مشاكل تطرأ على الاتفاقات التجارية بين مصر وتركيا.
دورٌ تركي كبير في مجال الصناعة، ولهذه الأسباب البَلَدان مؤهلان للتكامل
تكشف قائمة السلع المتبادلة بين البلدين إمكانية إنشاء سلاسل إمداد إقليمية (أي شبكات متكاملة من المنتجين الذين يبتكرون منتجاً أو خدمة باستخدام مكونات ومن خبرات من الطرف الآخر)، ما أدّى إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الجانبَين على نحو أكبر، حيث يتضمن قسم كبير من التبادلات التجارية المصرية التركية عناصر مستخدمة في إنتاج سلع أخرى، كالمواد الخام والسلع نصف المصنّعة أو الوسيطة، والسلع الإنتاجية، حسب "كارنيغي".
اللافت كذلك أن معظم الاستثمارات التركية في مصر كانت مخصّصة للقطاع الصناعي، الذي كانت تبلغ مساهمته نسبة 3.4% فقط من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في العام 2016، مقارنةً مع عمليات التنقيب عن النفط والغاز، التي كانت تُسهم بنسبة 53.5%.
ويؤشر ذلك إلى أن الاستثمارات التركية في مصر تمثل نسبة كبيرة من الاستثمارات الأجنبية في مجال الصناعية بمصر، وأن تنويع الاقتصاد المصري بعيداً عن الاعتماد على النفط كوجهة رئيسة للتدفقات الداخلة للاستثمار الأجنبي المباشر، يتطلّب توفير سلاسل قيمة إقليمية وعالمية في القطاع الصناعي، على غرار تلك القائمة بشكلها الأولي مع المستثمرين الأتراك، في المناطق الصناعية المصرية المعفاة من ضريبة الدخل والمبيعات ورسوم الاستيراد والتصدير، حسب تقرير مركز كارنيغي الأمريكي.
ولأسباب تاريخية واقتصادية، فإن البلدين متنافسان اقتصادياً نسبياً، ولكن مرشحتين أكثر للتكامل.
فرغم وجود منافسة في بعض الصناعات بين البلدين مثل النسيج والأثاث فإنهما مرشحتان للتكامل، أكثر في الفترة القادمة لأسباب عديدة.
منها توافر مواد خام عديدة في مصر، يمكن تصديرها لتركيا، مثل الغاز والرخام، وبعض الحاصلات الزراعية؛ ونظراً لقرب البلدين والتجارة القديمة فإن الذائقة متقاربة، والذائقة والذاكرة التركية الشعبية تاريخياً مرتبطة ببعض المنتجات الزراعية التي تستورد من مصر، مثل أرز دمياط، الذي يُذكر في الأمثال الشعبية التركية، وكذلك رغبة المصريين في السياحة في تركيا، والعكس أي رغبة الأتراك في السياحة في مصر.
كما أن موقع البلدين على سُلّم التقدم والاقتصادي يرجّح التكامل أكثر من التنافس.
فتركيا تعد أعلى من مصر في مستوى التصنيع، ولكن ليس بفارق كبير، ومع ارتفاع الأجور في تركيا جراء زيادة الحد الأدنى للأجور ثلاث مرات خلال عامين، والثبات النسبي لليرة مقابل الانخفاض الأخير للجنيه، يعني ذلك أن تكلفة العمالة في تركيا سوف ترتفع، ما قد يؤثر على تنافسية بعض سلعها، خاصة تلك التي تحتاج لعمالة كثيفة ورخيصة مثل صناعة النسيج.
وقد يهاجر جزء من هذه الصناعات لمصر، التي باتت قيمة الأجور الفعلية فيها تعادل نصف ما كانت عليه قبل الأزمة الروسية الأوكرانية، ولديها خبرة تاريخية في مجال النسيج أو على الأقل ينقل جزءاً من سلسلة التوريد لمصر.
كما أن قرب تركيا الجغرافي والثقافي من مصر، ومرور البلاد بمراحل تاريخية وسياسية متشابهة، يجعل رجال الأعمال الأتراك أكثر قدرة على العمل مع البيروقراطية والعمالة المصرية من نظرائهم الأوروبيين والآسيويين.