للمرة الأولى منذ انتهاء انتفاضة الأقصى، برزت مؤخراً مجموعات مسلحة للمقاومة تنشط ضد الاحتلال في مدينة أريحا وسط الضفة الغربية المحتلة. وعلى غرار مدينتي جنين ونابلس شمال الضفة، بدأت مظاهر لمجموعات مسلحة صغيرة بالعمل في محافظة أريحا، مركزها مخيم عقبة جبر للاجئين الواقع في الواجهة الغربية من المدينة.
واستهلت مجموعات المقاومة باكورة عملياتها، بمهاجمة مطعم للمستوطنين عند ما يسمى بمفترق "ألموغ" على طريق رئيسي يصل للمدينة؛ إذ وصف المحللون العسكريون والسياسيون الإسرائيليون العملية بـ"الخطيرة".
وعلى إثر ذلك، أقدم الاحتلال على فرض طوق أمني وحواجز على أريحا لأكثر من عشرة أيام، وقام بحملات مداهمات وملاحقات لاعتقال المنفذين، تخللها وقوع اشتباكات بين قوات الاحتلال ومجموعات المقاومة، استشهد على إثرها يوم الإثنين 6 فبراير/شباط 2023 سبعة فلسطينيين من بينهم 5 مقاومين من كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس.
ماذا يعني ظهور مجموعات للمقاومة في مدينة أريحا؟
تقول صحيفة "يديعوت أحرنوت" إن ظهور شبكة مقاومة تابعة لحركة حماس في أريحا، تلك "المدينة الهادئة"، كان صادماً للأجهزة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية.
وبحسب الخبير العسكري بالصحيفة يوسي يهوشع، فإن "أريحا تعد الأهدأ في مناطق الضفة، ولهذا فإن شبكة حماس هذه فاجأت الشاباك والجيش الإسرائيلي"، منوهاً إلى أن قوات من وحدة "دوفدفان" و"مجلان" الخاصة فشلت لعدة أيام في التعامل مع هذه الخلية، التي تمت تصفيتها صباح الإثنين.
وأفاد جيش الاحتلال بأن الغارة كانت جزءاً من عمليةٍ تستهدف تحديد موقع خليةٍ تابعةٍ لحماس، إثر محاولتها الأسبوع الماضي الهجوم على مطعمٍ في مستوطنة فيريد يريحو، عند تقاطع ألموغ القريب من أريحا؛ حيث وصل مسلحان إلى مدخل المطعم المزدحم، لكنهما فشلا في فتح النار بسبب عطلٍ في سلاحهما، فلاذا بالفرار.
وفي يوم السبت، الرابع من فبراير/شباط، شنّ جيش الاحتلال غارةً أولى على مخيم عقبة جبر القريب من أريحا. وقد أدت الغارة الأولى إلى إصابة عددٍ من الفلسطينيين والقبض على عددٍ آخر. لكن جهاز الشاباك فشل في تحديد موقع أعضاء خلية حماس، وتكرر الأمر ذاته يوم الأحد أيضاً.
وبحلول الساعات الأولى من صباح الإثنين، السادس من فبراير/شباط، عادت قوات جيش الاحتلال إلى مخيم عقبة جبر مرةً أخرى. وأفاد البيان المشترك من جيش الاحتلال وجهاز الشاباك بأن "الجنود رصدوا عدداً من المسلحين المشتبه بهم، فبدأ تبادل إطلاق النار"، ليرتقي على إثر ذلك 5 فلسطينيين.
ولم يأت التأكيد الرسمي على عدد الشهداء من جانب السلطة الفلسطينية، ويرجع سبب ذلك جزئياً إلى أن قوات الاحتلال أزالت الجثث من موقع الغارة.
"كتيبة مخيم عقبة جبر"
بعد تلك الغارة، أقر المتحدث باسم حركة حماس في غزة، في بيان، بأن المقاومين المسلحين كانوا أعضاءً في كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري للحركة. ويُذكر أنها المرة الأولى -منذ عدة سنوات- التي تعترف خلالها حماس بعضوية مسلحين من الضفة الغربية في صفوفها.
حيث قال البيان: "نؤكد أن دماءهم الزكية لن تذهب هدراً". وأردف أن "شعبنا ومقاومته لن يتأخروا في الرد على هذه الجريمة النكراء، وسيدفع العدو ثمنها".
وحددت حماس أسماء شهدائها الخمسة وهم مالك لافي (22 عاماً)، ورأفت عويضات (21 عاماً)، وإبراهيم عويضات (27 عاماً)، وثائر عويضات (28 عاماً)، وأدهم عويضات (22 عاماً). بينما قالت المصادر الفلسطينية إن المسلحين كانوا يعملون داخل المخيم تحت اسم مجموعة تُدعى "كتيبة مخيم عقبة جبر".
تشكيل جماعة مسلحة فلسطينية جديدة في أريحا
تقول صحيفة Jerusalem Post الإسرائيلية، إن كتيبة مخيم عقبة جبر تُعَدُّ الأولى من نوعها في أريحا، وتراها إسرائيل جزءاً من محاولةٍ لمحاكاة المجموعات المشابهة التي نشطت شمال الضفة الغربية على مدار العام الماضي. وتشمل تلك الجماعات كتيبة جنين، وكتيبة نابلس، وكتيبة مخيم بلاطة، وعرين الأسود، وغيرها.
وتتألف تلك الجماعات في الأغلب من أعضاء حركة الجهاد الإسلامي ومقاتلين سابقين بحركة فتح، لكن جميع أعضاء كتيبة مخيم عقبة جبر الذين ارتقوا على يد قوات الاحتلال كانوا ينتمون إلى حركة حماس.
وقد شارك اثنان من المسلحين في هجوم الـ28 من يناير/كانون الثاني. ومنذ الهجوم، فرض جيش الاحتلال تدابيره الأمنية الصارمة على أريحا، في خطوةٍ ألحقت ضرراً كبيراً بالاقتصاد المحلي المُعتمد على السياحة في المقام الأول.
حيث شهدت أريحا طفرةً غير مسبوقة في السياحة المحلية على مدار الأعوام القليلة الماضية، مع ظهور عشرات الفيلات الفاخرة داخل المدينة وما حولها. فضلاً عن عودة العديد من السياح الأجانب إلى المدينة في السنوات الأخيرة، كما يقول تقرير لصحيفة The Times البريطانية.
ويمتلك تلك الفيلات مجموعة من فلسطينيي الداخل وسكان القدس الشرقية؛ حيث يعرضونها للإيجار على أساسٍ يوميٍ أو أسبوعيٍ أو شهري. بينما يأتي معظم عملائهم من الأسر الفلسطينية في القدس الشرقية والضفة الغربية، وكذلك من فلسطينيي الداخل.
"المدينة الهادئة" تنضم لنابلس وجنين
وتطالب حماس والجماعات الفلسطينية الأخرى بالقصاص لمقتل أفراد المقاومة؛ مما يشير إلى أن الوضع الأمني في أريحا قد يتدهور أكثر خلال الأيام والأسابيع المقبلة.
وفي البيان الذي نُشِرَ بعد فترةٍ وجيزة من الاشتباك المسلح داخل المخيم، أثنت الحركة على "مقاتلي المقاومة الأبطال". وأردفت الحركة أن "مواجهة العدو اليوم، تؤكّد مجدّداً أنَّ شعبنا ماضٍ في طريق المقاومة والتحرير، ولن ترهبه جرائم الاحتلال".
كما تعهّدت "كتيبة مخيم عقبة جبر" بالانتقام لمقتل رجالها. لكن لم يتضح بعد ما إذا كانت الجماعة تمتلك المزيد من الأعضاء داخل المخيم وغيره من مناطق أريحا. لكن المؤكد هو أن أعضاء حماس قد نشطوا داخل المخيم، الذي يقع على بُعد مئات الأمتار فقط من مقر قوات أمن السلطة الفلسطينية في المدينة. ولا يبعد المخيم كثيراً عن سجن أريحا سيئ السمعة، الذي اعتادت قوات أمن السلطة الفلسطينية استخدامه لاحتجاز المشتبه في انضمامهم إلى حماس والجهاد الإسلامي.
يُذكر أن قيادة السلطة الفلسطينية قررت مؤخراً تعليق التنسيق الأمني مع دولة الاحتلال، وذلك رداً على استشهاد 9 فلسطينيين أثناء عملية أمنية مشابهة في مخيم جنين للاجئين. وفي يوم الإثنين، السادس من فبراير/شباط، أدانت السلطة الفلسطينية "الجريمة الجديدة" في مخيم عقبة جبر. وأصدر مكتب عباس بياناً يتهم حكومة الاحتلال بمواصلة ارتكاب "جرائمها" بحق الفلسطينيين.
بينما ترأس عباس اجتماعاً لقادة قوات الأمن الفلسطينية قبل ساعات من غارة مخيم عقبة جبر، حيث ناقش معهم العنف والتوترات الجارية، خاصةً في الضفة الغربية.
وخلال الاجتماع، أعاد عباس تأكيده على قرار القيادة الفلسطينية بإنهاء التنسيق الأمني مع دولة الاحتلال. كما وجّه الأجهزة الأمنية الفلسطينية "للقيام بدورها في الحفاظ على سيادة القانون، والأمن العام، والسلم الأهلي"، حسب تعبيره.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يُصدر فيها عباس توجيهات مماثلة لقواته الأمنية خلال الأشهر الأخيرة.
ورغم توجيهاته، تتهم إسرائيل قوات الأمن السلطة الفلسطينية بالفشل في التحرك ضد الجماعات المسلحة والمسلحين بجنين ونابلس؛ إذ يواصل المسلحون العمل بحرية داخل المناطق الخاضعة لسيطرة عباس، وينفذون الهجمات ضد جنود الاحتلال والمستوطنين. وليس هناك ما يدعو للاعتقاد بأن قواته الأمنية ستتخذ أي إجراءات مجدية لمنع أريحا من الانضمام إلى جنين ونابلس، وتشكيل معقلٍ جديدٍ للمقاومة في الضفة الغربية، كما تقول صحيفة "جيروزاليم بوست".