في جولات سابقة من تصاعد المواجهة المسلحة في الأراضي المحتلة بالضفة الغربية والقدس، كان يعتمد الشبان الفلسطينيون الثائرون ضد جرائم جيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين المسلحين، على سكاكين المطبخ، أو السيارات لتنفيذ عمليات طعن أو دهس للجنود والمستوطنين، لكنهم يستخدمون الآن بعض المسدسات والبنادق، حيث لا يبدو أن معظم المهاجمين ينتمون إلى فصيل فلسطيني محدد بعينه، وهو ما يعرف اصطلاحاً بعمليات "الذئاب المنفردة".
في المقابل، يسعى وزير الأمن القومي في "إسرائيل"، اليميني المتطرف إيتمار بن غفير، لتوسيع معايير ترخيص الأسلحة لدى المستوطنين، وتسهيل الحصول عليها. وقال بن غفير الأسبوع الماضي: "أريد مزيداً من الأسلحة في الشوارع حتى يتمكن مواطنو إسرائيل من الدفاع عن أنفسهم، أريد تخفيف معايير الحصول على أسلحة، هناك 17.000 مواطن ينتظرون الحصول على تراخيص أسلحتهم".
يقول محللون إن قرار بن غفير توسيع عمليات تسليح المستوطنين، هو بمثابة تشريع لقتل الفلسطينيين دون حسيب أو رقيب، وهم الذين يعتدون بشكل يومي على المدنيين الفلسطينيين، ويحرقون بيوتهم وسياراتهم ومزارعهم بحماية جيش الاحتلال.
وبالتالي، فإن هذا القرار يضع المستوطنين فوق القانون بدعوى "الشعور بالتهديد"، الذين سيفتحون النار على كل ما يتم الاشتباه بكونه "تهديداً لهم"، وسيساعدهم في الاعتداء والسيطرة على مزيد من الأراضي الزراعية الفلسطينية، وسرقة البيوت والأشجار والممتلكات.
وبالتالي، سيقود كل ذلك لمزيد من العمليات الانتقامية من قبل الفلسطينيين بالضفة الغربية، والتي ستدفع حتى الأفراد العاديين غير المنظمين داخل فصائل فلسطينية لحمل السلاح ومواجهة المستوطنين وجيش الاحتلال.
لكن كيف يحصل الفلسطينيون على أسلحتهم؟
تقول صحيفة Washington Post الأمريكية إن تصاعد انتشار السلاح بين الشباب الفلسطينيين مؤخراً يسلط الضوء على ما لاحظه خبراء الأمن الإسرائيليون في السنوات الأخيرة، من تدفق الأسلحة إلى المجتمعات الفلسطينية، بما في ذلك القدس الشرقية، حيث يقول تجار الأسلحة المحليون إن أعمالهم لم تكن أفضل من أي وقت مضى. ويحدث الشيء نفسه في البلدات العربية الفلسطينية في الداخل الأمر نفسه.
وبحسب الصحيفة، تُهرَّب بعض أسلحة السوق السوداء من دول مجاورة مثل مصر والأردن. ويُجمَّع بعضها في مصانع مؤقتة أو يمكن حتى سرقتها من مستودعات الأسلحة الإسرائيلية.
حرب شوارع قادمة
من جانبه، يقول نتنياهو إن "المزيد من الأسلحة في أيدي الإسرائيليين المدربين سينقذ الأرواح، ويمكِّن الإسرائيليين من العمل كخط دفاع أول". ويخشى منتقدون داخل إسرائيل من أن الاستراتيجية المتطرفة هذه ستؤجج المزيد من المواجهة الدامية بالأراضي المحتلة بشكل غير مسبوق.
يقول شارون جات، العقيد في وحدة القوات الخاصة التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي ومؤسس كاليبر 3، وهي أكاديمية أمنية مترامية الأطراف في مستوطنة غوش عتسيون، جنوب بيت لحم: "عدد الأسلحة غير القانونية في القدس الشرقية لا يُصدق"، حسب تعبيره.
وفي مرآب حجري في أحد أحياء التلال في القدس الشرقية، التقى مراسلو صحيفة Washington Post الأمريكية، بتاجر الأسلحة أبو صابر، الذي كان يرتدي سروال جينز أسود، ويلعب دور المضيف الكريم، ويقدم القهوة والبسكويت.
تحدث شريطة عدم استخدام اسمه الكامل لمناقشة الاتجار غير المشروع. قال أبو صابر، الذي اعتقل وسجن عدة مرات لحيازته وبيعه الأسلحة: "البنادق في كل مكان. تريد مسدساً؟ يمكنك شراء مسدس في ساعة. يمكنك شراء مسدس. إنه ليس رخيصاً. يمكنك حتى شراء مدفع رشاش أو بندقية هجومية. إنها باهظة الثمن. لكن الطلب مرتفع للغاية". وأضاف: "إنه عمل جيد جداً".
طرح أبو صابر أن العمل في تجارة الأسلحة هو مهنة محترمة في مجتمعه وغير مُحرَّمة- على عكس تجارة المخدرات التي وصفها بأنها "مخزية". كان سعيداً بعرض الأسعار، وهو يتنقل عبر هاتفه لعرض الأسلحة والذخيرة، بالإضافة إلى مقاطع فيديو للعملاء الراضين عن إطلاق النار في الصحراء.
كلفة كبيرة
الأسعار التي ذكرها كانت باهظة، مما يوحي بارتفاع الطلب ومحدودية العرض، الأمر الذي أكده خبير أمني إسرائيلي. قد تكلف رصاصة واحدة من عيار 9 ملم لمسدس ما يصل إلى 10 دولارات. سيكلف المسدس من 13 إلى 23 ألف دولار في السوق السوداء، اعتماداً على العمر والنوع والحالة. السلاح نفسه، الذي يُحصَل عليه بشكل قانوني في إسرائيل، يكلِّف حوالي 1.350 دولاراً.
تُصنَّع البنادق المصنوعة يدوياً في ورش تحت الأرض، وأحياناً بأجزاء مهربة -تسمى غالباً "كارلو"- بأقل من ذلك، رغم عدم موثوقيتها بشكل ملحوظ.
وأشار أبو صابر إلى أن صانعي الأسلحة "غير الشرعيين" قاموا مؤخراً بشراء مسدسات بيليه وبنادق هوائية وقاموا بتحويلها بآليات إطلاق ودبابيس من أجل إطلاق الرصاص الحي. هذه "الألعاب" تصبح قاتلة وقادرة على إطلاق الرصاص.
في التجمعات العربية في إسرائيل، كان هناك أكثر من 120 قتيلاً بالأسلحة النارية العام الماضي. المافيا الإجرامية -التي تدير قروض المشاركة ومضارب الحماية- أصبحت بمثابة وباء كما تقول واشنطن بوست.
قال أبو صابر إن النشطاء الفلسطينيين كانوا يمتلكون أسلحة في الماضي، بينما كانت العصابات الإجرامية تمتلك أسلحة، لكن العائلات العادية لم تكن تمتلكها. الآن أصبح لديهم أسلحة. قال إنه رمز لمكانة الشباب، الذين يشاركون صورهم وهم يلوحون بسلاحهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
تهريب الأسلحة
وصف تاجر السلاح وخبراء الأمن السوق السوداء للأسلحة بأنها متعددة الأوجه ومزدهرة. تُهرَّب الأسلحة عبر الحدود مع الأردن ومصر، عبر سيناء، ومن لبنان، الغارقة بالأسلحة من الحرب الأهلية السورية الطويلة.
قد يزعم بعض الإسرائيليين أن أسلحتهم قد سُرقت، لكن في الواقع بيعَت لوسطاء. وسُرِقَت أسلحة وذخائر من مستودعات الأسلحة العسكرية الإسرائيلية.
في نوفمبر/تشرين الثاني، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن 70 ألف رصاصة
و70 قنبلة يدوية سرقت من قاعدة للجيش الإسرائيلي في مرتفعات الجولان في الشمال.
في أكتوبر/تشرين الأول، سُرق حوالي 30 ألف رصاصة من مستودعات الذخيرة في قاعدة سديه تايمان التابعة للجيش الإسرائيلي في الجنوب. وفي وقت لاحق اعتُقِلَ ثمانية رجال من البدو الإسرائيليين للاشتباه في تورطهم في عملية الاقتحام.
أثارت صحيفة Haaretz الإسرائيلية ضجةً عندما نشرت رسماً بيانياً يُظهِر الأسلحة المسروقة من قواعد الجيش الإسرائيلي بين عامي 2013 و2020: تضمنت القائمة الجزئية 32 بندقية هجومية و527 قنبلة يدوية و10.308 رصاصات ولغمين أرضيين.
كانت السرقة من قواعد الجيش الإسرائيلي شائعة؛ لدرجة أن لجنة الشؤون الخارجية والدفاع بالبرلمان الإسرائيلي عقدت جلسات استماع في عام 2021.
في ذلك الوقت، قال اللواء أهارون هاليفا، قائد مديرية العمليات في الجيش الإسرائيلي، للمشرعين إن "أي سلاح يصدره الجيش الإسرائيلي ويجد طريقه للجمهور ليس وسام شرف لنا".
مئير إلران، عميد متقاعد وباحث أول في معهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل، شارك في كتابة تقرير العام الماضي وجد أن "عشرات الآلاف من الأسلحة" في المجتمعات الفلسطينية سُرقت من قواعد الجيش الإسرائيلي أو هُرِّبَت من الضفة الغربية، حيث كانت الأسلحة متداولة منذ فترة طويلة بين الجماعات المسلحة، وحيث ينضم المزيد من الشبان إلى جماعات مسلحة.