عقب الزلزال المدمر الذي ضرب شمال سوريا وجنوب تركيا وخلَّف أكثر من 5000 قتيل وعشرات الآلاف من المصابين، أثارت العديد من الرسائل على وسائل التواصل الاجتماعي الفزع والخوف، تنبَّأت بوقوع زلزال مدمر في مدينة إسطنبول، التي بحسب علماء جيولوجيين تنتظر زلزالاً كبيراً في السنوات القادمة.
البعض اعتقد أن ما حدث في شمال سوريا وجنوب تركيا يوم 6 فبراير/شباط 2023 يعد مقدمة لزلزال إسطنبول الكبير -الذي تستعد له السلطات منذ سنوات- ومن ثم بات وقوع الكارثة المحتملة قريباً، مما أثار حالة كبيرة من الفزع والخوف بين سكان إسطنبول وعدد من الولايات القريبة لها وحتى بعض الدول العربية التي تتابع ما يحدث في تركيا عن كثب.
في هذا التقرير سنحاول الإجابة عن هذا السؤال: هل هناك علاقة بين زلزال تركيا وسوريا وبين الزلزال الكبير المحتمل في تركيا؟
ممّ تتكون الأرض؟
من المعروف أن سطح الكرة الأرضية يتكون من مجموعة من الصفائح التكتونية (Plate Tectonics) والتي تتحرك مع بعضها بشكل مستمر وبطيء جداً، وهذه الحركة هي المسؤولة عن تشكل قارات ومحيطات العالم على الهيئة الحالية، حيث إن الأرض منذ ملايين السنوات كانت على هيئة قارة واحدة وبسبب حركة الصفائح المستمرة تشكلت القارات والمحيطات بشكلها الحالي وذلك وفقاً لنظرية الصفائح التكتونية لـ "ألفريد فيجنر" (Plate Tectonics Theory). تتخذ حركة الصفائح التكتونية ثلاثة أشكال مختلفة، فإما أن تتقارب من بعضها (Convergent) وإما أن تتباعد عن بعضها (Divergent) أو أنها تنزلق/تحتك مع بعضها بشكل متوازٍ (Transform)، وينتج عن هذه الأنواع المختلفة من الحركة إما زلازل أو براكين أو الاثنان معاً.
نشير هنا إلى الصفائح التي تتحرك وتنزلق أو تحتك ببعضها بشكل متوازٍ، حيث ينتج عن تلك الحركة نوع معين من الفوالق أو الصدوع يسمى الصدوع التحويلية (Transform faults)، وبالرغم من أن هذا النوع من الفوالق محدود العدد ولكن تأثيره ضخم؛ إذ ينتج عنه زلازل قوية ومدمرة. ويعد فالق "سان أندرياس" (San Andreas fault) في كاليفورنيا المثال الأكبر والأبرز لهذا النوع من الفوالق، بالإضافة إلى أنه كان السبب الرئيسي خلف جميع زلازل كاليفورنيا المدمرة على مدار تاريخ المدينة (خريطة 1).
هذا النوع من الفوالق والمماثل لفالق "سان أندرياس" يتواجد منه اثنان داخل تركيا هما فالق الأناضول الشمالي (North Anatolian fault) وفالق الأناضول الشرقي (East Anatolian fault)، كما هو موضح في الخريطة رقم 2. تمنحنا هذا الفوالق الموجودة في تركيا القدرة على فهم وتفسير الزلازل القوية والمتعددة التي تضرب أجزاء من تركيا بين الحين والآخر.
قصة الفوالق المتواجدة في تركيا
بالنظر إلى زلزال جنوب تركيا وشمال سوريا فيمكن تصور أنه ناتج عن حركة الصفائح على فالق الأناضول الشرقي، وبشكل أكثر تفصيلاً فإن الصفيحتين "العربية" و"الأناضول" تتحركان بشكل متوازٍ (احتكاك/انزلاق) على فالق الأناضول الشرقي والذي يمتد من جنوب شرق تركيا (شمال سوريا) حتى يصل إلى أقصى شمال شرق البحر المتوسط عند منطقة "الأسكندرونة"، وهذه الحركة المستمرة على الفالق هي التي تجعل المنطقة المحيطة به نشطة ومعرضة دائماً لوقوع زلازل.
ويمكن أن نرى ذلك بوضوح إذا تتبعنا مركز زلزال فبراير/شباط في مدينة "كهرمان مرعش" والمناطق المتضررة الأخرى في تركيا وسوريا، والتي تقع جميعها على نفس الخط الخاص بفالق الأناضول الشرقي.
بناء على ذلك، فإن زلزال جنوب تركيا وشمال سوريا وما تبعه من هزات متعددة مصدره الرئيسي هو فالق الأناضول الشرقي، وهذا يشير إلى أن الزلزال ليس له علاقة مباشرة بمدينة إسطنبول، وذلك لأن الزلازل التي تحدث في شمال غرب تركيا ومن ضمنها إسطنبول مصدرها الرئيسي الفالق الآخر الذي أشرنا إليه سابقاً، وهو فالق الأناضول الشمالي.
لماذا تتعرض إسطنبول لزلازل متكررة؟
تتسبب حركة (احتكاك/انزلاق) الصفيحتين "الأوراسية" و"الأناضول" بشكل متوازٍ على فالق الأناضول الشمالي الذي يمتد من شمال شرق إلى شمال غرب تركيا مروراً بالقرب من إسطنبول وبحر مرمرة، في جعل المنطقة المحيطة بهذا الفالق منطقة زلازل نشطة، وهذا ما يفسر بوضوح سبب تعرض إسطنبول والمناطق المحيطة بها لزلازل متكررة، وكذلك أيضاً يفسر زلزال 1999 المدمر الذي كان مركزه ولاية "إزميت" الواقعة على فالق الأناضول الشمالي والقريبة من بحر مرمرة.
هل هناك علاقة بين الزلزال الأخير وبين زلزال إسطنبول؟
يبدو هنا أن زلزال جنوب تركيا وشمال سوريا ليس له علاقة بشمال تركيا أو إسطنبول من الناحية العلمية، ومع ذلك يظل التساؤل والاستفسار حول توقع زلزال قريب في إسطنبول. وقبل أن نصل إلى إجابة عن هذا التساؤل من المهم الإشارة إلى صعوبة توقع توقيت الهزات الأرضية، وبمعنى أكثر دقة، فإن ما يمكن توقعه هو مكان حدوث الزلازل، وذلك بسبب حركة الصفائح التكتونية والفوالق الموجودة -كما أشرنا سابقاً في حالة تركيا- أما ما يتعلق بتحديد التوقيت فهو أمر مستبعد، وحتى إن بدا في بعض التوقعات أنها تشير إلى تحديد موعد الهزة الأرضية فموافقة التوقع مع توقيت الزلزال في هذه الحالة هي من قبيل المصادفة فحسب. وهذه الحقائق العلمية هي ما تدفع الحكومات في مناطق الزلازل النشطة دائماً للاستعداد بإجراءات احترازية وتدبير منشآت حديثة قادرة على مواجهة الزلازل إلى حد ما.
فدائماً ما يسبق وقوع الهزات الأرضية المدمرة مجموعة زلازل أقل في قوتها من الزلزال الرئيسي المدمر، وكذلك تتبعه أيضاً مجموعة من الزلازل بنفس الصفة. وهذا يعني أن وقوع أي زلزال يحمل معه مجموعة من الاحتمالات، وهي أن ذلك الزلزال هو سابق لحدوث زلزال أكبر أو هو نفسه الزلزال الرئيسي والأقوى أو هو زلزال تابع لزلزال آخر حدث قبله.
هذه الاحتمالات هي التي تجعل المتخصصين يطلقون تحذيرات مهمة بعد الزلازل المدمرة للانتباه من التوابع المتوقعة. وهو الأمر الذي تكرر مع زلزال جنوب تركيا وشمال سوريا، حيث وقعت مجموعة من الزلازل أقل في قوتها من الزلزال المدمر وبعده مباشرة، وهي إشارة مهمة تؤكد أن الزلزال المدمر في جنوب تركيا وشمال سوريا هو الزلزال الرئيسي والأقوى وليس تمهيداً لزلزال أكبر منه.
والخلاصة هنا أن زلزال فبراير/شباط الذي ضرب مناطق جنوب تركيا وشمال سوريا هو الزلزال الأقوى الذي تتبعه عدة هزات أقل منه، كما أن زلزال فبراير/شباط ليس له علاقة بإسطنبول وشمال تركيا. ومن ثم فلا داعي لرسائل التخويف والهلع المنتشرة بأن زلزالاً وشيكاً سيضرب إسطنبول أو أن على أهالي إسطنبول أن يتركوا منازلهم تحذيراً من الزلزال، ولكن يبقى الحذر دائماً في إسطنبول باعتبارها منطقة زلازل نشطة، وهذا يعني أن أهالي إسطنبول عليهم دائماً أن يأخذوا احتياطاتهم بشكل عام لكيفية التعامل مع الزلازل، والأهم من ذلك هو أخذ تلك الإجراءات بجدية.