زلزال مدمر آخر ضرب وسط تركيا وشمال غرب سوريا، مخلفاً أكثر من 1300 قتيل ومئات المصابين، فما قصة "فالق الأناضول" الذي جعل المنطقة "حزاماً للزلازل"؟
ففي سوريا، التي تمزقها حرب أهلية منذ ما يزيد على 11 عاماً، قال مسؤول حكومي في قطاع الصحة إن أكثر من 237 قتلوا وأصيب نحو 600 أغلبهم في محافظات حماة وحلب واللاذقية، حيث انهارت الكثير من البنايات، بسبب الزلزال الذي ضرب البلاد فجر الإثنين 6 فبراير/شباط 2023.
وقال منقذون من الخوذ البيضاء إن الزلزال أودى بحياة العشرات وأصاب المئات في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في سوريا، وتقطعت السبل بالناس في برد الشتاء، ما يشير إلى أن أعداد الضحايا مرشحة للارتفاع بشدة.
وفي تركيا، قال فؤاد أوقطاي، نائب الرئيس أردوغان، في مؤتمر صحفي إن حصيلة قتلى الزلزال ارتفعت إلى 284 إضافة إلى إصابة 2323. وتسارع السلطات وفرق الإنقاذ وطائرات الإمداد للمناطق المنكوبة، وأعلنت تحذيراً من الدرجة الرابعة يناشد مساعدة دولية. ثم أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان أن أعداد القتلى وصلت إلى 912 والمصابين أكثر من 5 آلاف، ما يشير أيضاً إلى أن العدد مرشح للارتفاع.
ما قصة "فالق الأناضول"؟
الزلازل ظاهرة طبيعية تحدث نتيجة لتحرك ألواح الغلاف الصخري في باطن الأرض، أو ما يُعرف جيولوجياً بالصفائح التكتونية. وتكون حركة تلك الألواح أو الصفائح إما متباعدة عن بعضها أو مصطدمة مع بعضها أو منزلقة عبر حدودها، وتنطلق من أعماق مختلفة، وتتوقف قوتها على هذا العمق الذي تنشأ منه.
ومن صفات الأرض الأساسية أنها ذات صدع؛ فهناك شبكة هائلة من الصدوع تمزق الغلاف الصخري للأرض وتحيط به إحاطة كاملة، يشبهها العلماء بخط اللحام على كرة التنس.
إذ إن الأرض تحت أقدامنا، بحسب علماء الجغرافيا، غير مستقرة بالمرة، وتتألف من طبقات متباينة السماكة تتحرك في اتجاهات مختلفة، وتزخر بالصدوع والكسور التي تتخللها مجارٍ ضيقة من السوائل. وهناك رواسب وطين وقواعد صخرية، بخلاف تلك الصفائح التكتونية العملاقة التي تحتك ببعضها أو تتباعد عن بعضها.
وكانت الأرض منذ نشأتها جسماً ساخناً كسائر الكواكب، وحينما بردت، كون الغلاف المائي وجذب الغلاف الجوي، ومع زيادة البرودة، تكوَّنت الطبقة الصلبة الخارجية المعروفة باسم القشرة، لكن باطن الأرض ظل ساخناً حتى الآن، وهو طبقة لدنة شبه منصهرة عالية اللزوجة وعالية الحرارة.
والغلاف الصخري للأرض، أو القشرة، عبارة عن 12 لوحاً، أو ما يعرف باسم الصفائح التكتونية. هذه الألواح تطفو فوق النواة المنصهرة، وحينما تدور الأرض حول محورها أمام الشمس تؤدي إلى انزلاق هذه الألواح فوق هذه الطبقة اللزجة ما يؤدي أحياناً إلى تباعد الألواح بفعل تيارات الحمم الصاعدة من أسفل إلى أعلى.
وفي المناطق التي تهبط فيها تيارات الحمم تؤدي إلى تصادم بعض هذه الألواح مع بعضها، وهو ما يؤدي إلى وقوع الزلازل.
وفي ضوء هذه الديناميكية، توجد مناطق بعينها تُعرف بأنها أكثر عرضة لوقوع الزلازل، وهي المناطق التي تمثل نقاط التقاء أو اصطدام بين الألواح الصخرية أو الصفائح التكتونية، وتعرف باسم الفوالق أو الصدوع. ومن هذه المناطق منطقة التلاقي بين صفيحة قارة إفريقيا وصفيحة أوراسيا أو قارة أوروبا، وهي منطقة شرق البحر المتوسط، وتعرف باسم فالق الأناضول.
فالفالق أو الصدع هو كسر أو تشقق يقع في صخور القشرة الأرضية مصحوباً بحركة انزلاق نسبية للكتل المتاخمة من طبقات الصخور الموجودة على جانبيه سواء كان في الاتجاه الرأسي أو الأفقي، ويحدث هذا نتيجة للضغط الشديد أو الشد الذي تسببه حركات القشرة الأرضية سواء كان تأثيرها رأسياً أم أفقياً.
وقد شهدت تلك المنطقة بالفعل عدداً كبيراً من أكثر الزلازل تدميراً على الإطلاق، منها زلزال تركيا المدمر عام 1999، والذي استمر 37 ثانية بقوة 7.6 بمقياس ريختر وتسبب في دمار هائل، وأدى إلى سحب المناطق الساحلية في مدينة غولجوك باتجاه عرض البحر، لتتشكل مدينة بحد ذاتها في قاعه.
ما هو حزام الزلازل في الشرق الأوسط؟
الفوالق أو الصدوع في القشرة الأرضية تنتج ما يُعرف باسم حزام الزلازل، في إشارة إلى المناطق الأكثر عرضةً لوقوع الصدام بين الكتل الصخرية ومن ثم وقوع الزلازل. وأشهر تلك الأحزمة ما يُعرف باسم حزام النار، وهو حزام الزلازل الذي يمر بجنوب أوروبا ويمتد حتى الصين.
فحركة الصفائح في هذه المنطقة تنتج عن الاصطدام بين صفائح إفريقيا وآسيا وصفيحة شبه القارة الهندية، إضافة إلى صفيحة جنوب شرق آسيا، وتولد هذه التفاعلات بين الصفائح صدوعاً وفوالق وبسبب الدفع والتصادم تبقى نشيطة.
لكن أحزمة الزلازل في العالم كثيرة، ولا تعتبر منطقة الشرق الأوسط بعيدة عنها، فأحد تلك الأحزمة هو حزام التلاقي بين أوروبا وإفريقيا، وهو حزام يعبر شرق البحر الأبيض المتوسط بدءاً من سواحل تركيا وبلاد الشام مروراً بمصر ودول المغرب العربي.
وهناك أيضاً حزام الأخدود الإفريقي الشرقي، وهو يمتد من سوريا ولبنان وفلسطين والأردن وسلاسل جبال غرب البحر الأحمر حتى إثيوبيا والكونغو في القارة السمراء. وكلا الحزامين يقعان في نطاق فالق الأناضول.
وإضافة إليهما، هناك أيضاً الحزام الآسيوي الأوروبي، وهو يمتد بين جبال الهملايا والألب، ماراً بباكستان وإيران والعراق وجمهوريات الكومنولث الآسيوية، حتى يصل أوروبا.
أما أخطر تلك الأحزمة على الإطلاق، فهو يمر حول المحيط الهادي من الشرق إلى الغرب، أو من اليابان إلى سواحل الولايات المتحدة، وهو المتسبب في ثلاثة أرباع ما يقع في العالم من زلازل.
وتقاس الزلازل بمقياس ريختر، وهو مقياس لوغاريتمي، بمعنى أن كل زيادة درجة واحدة على مقياس ريختر يقابلها زيادة 10 أمثال في القوة عن الدرجة التي تسبقها؛ فإن زلزالاً بقوة 3 درجات قد يشعر به السكان، بينما إذا بلغت قوته 4 درجات فقد تهتز الأرفف ويسقط ما فوقها، لكن زلزالاً بقوة 5.5 درجة أو أكثر قد يكون كفيلاً بإلحاق أضرار بالمباني.
لكن هناك اختلاف بين شدة الزلزال وقوته، إذ يستخدم العلماء مصطلح شدة الزلزال لقياس الطاقة التي تنتج عن الزلزال، بينما تقاس قوة الزلزال بمقياس ريختر. فعلى سبيل المثال، في حالة افتراضية عندما تقع البؤرة العميقة لزلزال تحت مدينة "س"، حيث تكون هذه المدينة المركز السطحي المدمر للزلزال، فإن حجم الدمار هناك أكثر من حجم الدمار في مدينة "ص"، وبذلك فإن شدة الزلزال في "س" أعلى منها في مدينة "ص". وأما قوة الزلزال فهي ثابتة ولا تتأثر في المكان الذي يحدث فيه الزلزال.
هل يمكن التنبؤ بالزلزال لاتخاذ إجراءات وقائية؟
بما أن باطن الكرة الأرضية عبارة عن طبقة من الحمم المنصهرة في حالة حركة دائمة، فإن وقوع الزلازل أمر شبه مستمر ولا يتوقف، فكيف لا يشعر بها البشر طوال الوقت؟
الأمر كله يتعلق بمدى قوة الزلازل التي تنتج عن تلك الحركة، فإذا كان الزلزال أقل من 3 درجات على مقياس ريختر، وهذه النوعية تمثل النسبة الأعظم من الزلازل الناتجة عن الحركة الطبيعية في باطن الأرض، لا يشعر بها البشر.
أما إذا بلغت درجة قوة الزلزال 3 درجات فما فوق بمقياس ريختر، فسيشعر بها الناس، وإذا تخطت 5 درجات بمقياس ريختر تبدأ المباني في الاهتزاز، وربما السقوط وحدوث الأضرار المادية والبشرية. ولا شك أن طبيعة المنطقة التي تشهد الزلزال ونوعية المباني فيها ومدى جودة الاستعدادات لوقوع الزلازل يكون لها أثر كبير في التخفيف من وطأة أضرار الزلازل إلى حد كبير.
هل يمكن رصد الزلزال استباقياً، أي قبل وقوعه؟ كلا، وهذا هو الرأي العلمي القاطع، بحسب موقع هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، التي تضع 3 شروط كي يكون التنبؤ بالزلزال قائماً بالفعل. أول هذه الشروط تحديد يوم وتوقيت حدوث الزلزال بدقة، والثاني تحديد مكان حدوث الزلزال بدقة، أما الثالث فهو تحديد قوة الزلزال أيضاً بدقة.
وبالتالي فإنه، وعلى الرغم من التطور العلمي الكبير والتقدم التكنولوجي الذي حققته البشرية حتى الآن، لا تزال قدرة الإنسان على التنبؤ الدقيق بوقوع الزلزال قبل أن يحدث فعلياً محدودة إلى حد كبير، وإن كانت هناك بعض الأدوات والمؤشرات التي يسعى البعض من خلالها إلى محاولة توقع حدوث الزلزال قبل أن يحدث، ولو بفترة زمنية قصيرة.
ومن هذه الأدوات أجهزة الرصد الزلزالي التي تقيس باستمرار وعلى مدار الساعة أي اهتزازات في سطح القشرة الأرضية، حتى لو كانت ناجمة عن حركات القطارات أو الشاحنات، وعن طريق هذا الرصد يمكن ملاحظة أية تغيرات تنبئ بقرب وقوع هزة أرضية.
كما أن ظهور بعض المنحدرات أو الشقوق أو التصدعات في جزء من القشرة الأرضية في منطقة ما قد يكون مؤشراً على احتمال وقوع زلزال في تلك المنطقة. ويستدل العلماء أيضاً على قرب وقوع هزات أرضية عن طريق اختلاف مقادير المياه في الآبار أو الخلجان، وأيضاً عن طريق تصاعد بعض الغازات مثل غاز "الرادون"، لا سيما في المناجم والمحاجر. كما أن هجرة بعض الحيوانات بطريقة مفاجئة تعتبر أيضاً مؤشراً على قرب وقوع زلزال أو هزة أرضية.
وأخيراً، هل يمكن أن نتسبب نحن البشر في وقوع زلزال؟ نعم، وقد حدث ذلك فعلاً؛ إذ كان زلزال بقوة 5.5 درجة بمقياس ريختر قد ضرب مدينة بوهانغ بكوريا الجنوبية، يوم 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، أسفر عن إصابة 135 شخصاً بجروح، وإجلاء 1700 شخص من منازلهم، وإلحاق ضرر بآلاف المباني، وبلغت حصيلة الخسائر 75 مليون دولار.
وأشار البعض بأصابع الاتهام إلى عمليات الحفر بمشروع لتوليد الكهرباء من الطاقة الحرارية الجوفية؛ ما دفع حكومة كوريا الجنوبية إلى تكليف فريق من علماء الزلازل للبحث في مدى ارتباط النشاط الصناعي بوقوع الزلزال.