نجحت الجزائر في مضاعفة صادراتها خارج المحروقات 4 مرات في ظرف 3 أعوام فقط، بعدما مرت بأزمة اقتصادية خانقة ما بين 2014 و2020، إثر انهيار أسعار النفط.
إذ ارتفعت صادرات الجزائر خارج المحروقات من 1.7 مليار دولار في 2019، إلى 7 مليارات دولار في 2022، وفق تصريحات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.
ولأول مرة منذ أكثر من نصف قرن، تنزل نسبة صادرات المحروقات (نفط وغاز) لإجمالي الصادرات تحت خانة التسعينات، بعدما كانت تتراوح ما بين 93 و98%، عقب صعود نسبة الصادرات خارج المحروقات.
إذ كشف المدير الفرعي لمتابعة ودعم الصادرات بوزارة التجارة وترقية الصادرات، عبد اللطيف هواري، أن "نسبة تغطية الصادرات خارج المحروقات بلغت 11 % (خلال الأشهر الـ11 الأخيرة من 2022). وذلك لأول مرة منذ عقود".
ورغم أنه لم يتم تقديم حصيلة نهائية عن نسبة تغطية الصادرات خارج المحروقات عن عام كامل، إلا أن إحصائيات 11 شهراً تكشف أن صادرات النفط والغاز تبلغ نحو 89%، وهو رقم غير معتاد في الاقتصاد الجزائري.
فرغم ارتفاع قيمة صادرات المحروقات إلى أكثر من 50 مليار دولار في 2022، مقارنة بـ35 مليار دولار في 2021، إلا أن ذلك لم يمنع الصادرات خارج المحروقات من الفوز بحصة لا تقل عن 10% بعد أن كانت في ذروة ارتفاع الغاز في 2013، لا تتجاوز 2%.
إذ ارتفعت الصادرات خارج المحروقات من 5 مليارات دولار في عام 2021، إلى 7 مليارات دولار في 2022، بنسبة نمو 30%، وفق ما أعلنه تبون، وهناك طموح للوصول إلى مضاعفة هذا الرقم في ظرف عامين، والوصول إلى 15 مليار دولار في 2024.
الأسمدة والحديد والإسمنت في المقدمة
3 منتجات رئيسية قادت صادرات الجزائر خارج المحروقات، وفق أرقام وزارة التجارة الجزائرية، والمتمثلة في الأسمدة بـ1.7 مليار دولار بزيادة 28% عن عام 2021، والحديد والصلب بنحو 500 مليون دولار بزيادة تقدر بنحو 30%.
لكن الزيادة الأكبر سجلت في صادرات الإسمنت التي قفزت بنسبة 93% في عام 2022، مقارنة بالعام الذي قبله، محققة 400 مليون دولار من الصادرات.
فارتفاع أسعار الفوسفات والأسمدة والمخصبات في السوق الدولية متأثرة بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، ساعد صادرات الأسمدة الجزائرية في الارتفاع.
والمتوقع أن تشهد صادرات الفوسفات والأسمدة بالجزائر ارتفاعاً قياسياً خلال الأعوام المقبلة بعد دخول مشاريع مدمجة بشراكة صينية مرحلة الإنتاج والتصدير.
فالجزائر تحتل المرتبة الثالثة عالمياً من حيث احتياطيات الفوسفات بأكثر من 2.2 مليار طن، ووقعت في مارس/آذار 2021، على اتفاق مع الصين لاستثمار 7 مليارات دولار في أول مشروع مدمج بالبلاد في مجال الاستغلال المنجمي وإنتاج الأسمدة.
أما في قطاع الحديد، فلعبت شركة توسيالي التركية دوراً بارزاً في تحويل الجزائر من دولة مستوردة للحديد الصلب إلى دولة مصدرة له، إلى جانب مصنع بلارة بشراكة قطرية جزائرية، ناهيك عن عملاق الصلب في الجزائر مصنع الحجار بالشرق، ومصانع أخرى أصغر لرجال أعمال جزائريين وأجانب.
ومع شروع الجزائر في 2022، بالشراكة مع الصين، في استغلال منجم غار جبيلات، الذي يعد أكبر منجم للحديد في إفريقيا والثاني عالمياً من حيث الاحتياطيات البالغة نحو 3.5 مليار طن، فمن المتوقع أن تغطي احتياجات مصانع الصلب في البلاد وتصدير الفائض من الخام للخارج.
فارتفاع إنتاج مصانع الحديد والصلب في الجزائر بالموازاة مع ارتفاع الأسعار في السوق الدولية، ساهم في تحقيق نصف مليار دولار من الصادرات في هذا القطاع.
وعلى غرار الحديد الصلب، تحولت الجزائر من مستورد صافٍ للإسمنت إلى مصدّر، بفضل مصنع لافارج الفرنسي الذي هو في الأساس استثمار مصري لشركة أوراسكوم، بالإضافة إلى مجموعة مصانع لشركة "جيكا" الحكومية، كما لعب المستثمرون المحليون دوراً في تحقيق الاكتفاء الذاتي والانتقال إلى التصدير.
وتشهد شعبة الإسمنت نمواً سريعاً، ومن المرتقب أن تحقق أرقاماً أعلى بالنظر إلى زيادة كمية الإنتاج المحلي والتوجه نحو اقتحام أسواق إفريقية وأوروبية جديدة بالنسبة للجزائر.
والتوجه نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي في الحديد الصلب والإسمنت والبنزين، قبل التوجه نحو التصدير، سياسة انطلقت منذ 2016، بعد انهيار أسعار النفط في 2014، وكان الهدف وقف العجز التجاري الذي فاق 10 مليارات دولار، وانهيار احتياطيات الصرف من 193 مليار دولار في 2013، إلى أقل من 45 مليار دولار في 2020.
وبالإضافة إلى صادرات الأسمدة والحديد والصلب والإسمنت، تصدر الجزائر منتجات أخرى مثل المنتجات البتروكيماوية، والخضر والفواكه، والصناعات الغذائية والزجاج، فضلاً عن مواد التنظيف التي دخلت حديثاً قائمة المواد المصدرة بمليون دولار.
إذ تصدر الجزائر منتجاتها لـ147 دولة في العالم، ما يعكس تنوع زبائنها، رغم أن أوروبا تستحوذ لوحدها على 80% من صادرات الغاز الجزائري، بينما تتجه الجزائر أكثر نحو الأسواق العربية (مثل تونس والأردن وسوريا والعراق)، والإفريقية (على غرار كوت ديفوار والنيجر وغانا والسنغال)، بالإضافة إلى السوق الأمريكية الضخمة.
رهان الـ15 مليار دولار
تراهن الحكومة الجزائرية على رفع قيمة الصادرات خارج المحروقات إلى 10 مليارات دولار في العام الجاري، وإلى 15 مليار دولار في 2024.
ويبدو هذا الرقم صعباً مقارنة بما صدرته البلاد في 2019، ليعادل نحو 10 أضعاف في فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز 5 أعوام.
لذلك تراهن الحكومة على زيادة كميات المنتجات المصدرة من الأسمدة والحديد الصلب والإسمنت من خلال مشاريع التوسعة، والبحث عن أسواق جديدة.
فدخول مشاريع الفوسفات المدمجة في الشرق الجزائري من شأنه توفير صادرات بمليارات الدولارات، وكذلك الأمر بالنسبة لمنجم غار جبيلات، لكن العائق الوحيد يبقى الوقت، فوصول هذه الاستثمارات الضخمة مرحلة التصدير قد يتجاوز عام 2024.
لكن الجزائر تملك فائضاً من الكهرباء لا يقل عن 10 آلاف ميغاواط في الساعة جاهزاً للتصدير، ولا ينقص سوى مد الكابل البحري نحو إيطاليا والذي تم الاتفاق عليه في 23 يناير/كانون الثاني 2023.
المنتجات البتروكيماوية من شأنها أن تساهم في رفع حجم الصادرات خارج المحروقات، خاصة أن سوناطراك تعتزم استثمار 7 مليارات دولار في مجال تكرير النفط والبيتروكيماويات بالإضافة إلى تمييع الغاز.
الزراعة إحدى القطاعات التي تراهن عليها البلاد في زيادة الصادرات خارج المحروقات، وعلى رأسها التمور، مع احتمال رفع الحظر على تصدير السكر المكرر وبعض المواد الغذائية، إذا ما انجلت تهديدات أزمة الغذاء العالمي، خاصة أن الزراعة الصحراوية تشهد طفرة في الإنتاج خلال الأعوام الأخيرة.
وتراهن البلاد على استكمال الطريق الرابطة بين مدينتي تيندوف الجزائرية والزويرات الموريتانية للوصول إلى أسواق غرب إفريقيا، والتي خصصت لها الجزائر مليار دولار لإنجازها.
أما الطريق العابرة للصحراء فلم يبقَ منها من جانب الجزائر سوى 7 كلم فقط نهاية عام 2022، والتي ستربط الجزائر بنيجيريا ودول الساحل مالي والنيجر وتشاد، بالإضافة إلى تونس.
وليس مستبعداً أن تتحول الجزائر إلى بلد مصدر للوقود في 2023، بعد أن حققت الاكتفاء الذاتي في 2022، في ظل قرار الاتحاد الأوروبي بحظر الوقود الروسي بداية من فبراير/شباط، ما سيؤدي حتماً إلى ارتفاع الأسعار، لأن روسيا أكبر مورد للديزل في العالم بحجم 550 ألف برميل يومياً.
وإذا سارعت الجزائر في استكمال استثماراتها في هذا القطاع فيمكن تحقيق أرباح مهمة، ما يجعل هدفها بتحقيق 15 مليار دولار صادرات خارج المحروقات في 2024، مهمة غير مستحيلة.